ليست هناك من حياة أخرى غير تلك التي نحلم بتحقيقها، فإن تحققت كانت أولى وإن لم تتحقق كانت نقطة تراوح الحلم حيث لامكان ولازمن.. فقط حياة أخرى.. لكنني اليوم أودع روزا بعبارة يرددها الأمريكيون سودٌ كانوا أم بيض..
في زيارتي الأولى والوحيدة للولايات المتحدة، كان الطقس في ولاية واشنطن العاصمة يعاني من موجة ثلجية أشلت حركة السير.. اضطررت لأن أركب سيارة الأجرة مع 3 سيدات أمريكيات.. قالت إحداهن: "لا أتمنى أن يكون الطقس هكذا في حياتي الأخرى، يا ألهي ساعدنا".. !!!.. عندما انتقلت إلى الجنوب، إلى تينسي، صادفت في الفندق امرأة تعاني من اضطراب عقلي ماكان من موظفة الاستقبال الأمريكية السوداء (منذ تينسي بدأت افرق بين ألوان الأمريكيين) إلا أن تستدعي لها المختصين لإخراجها وتدعو لها بحياة أفضل في حياتها الأخرى!!! وفي آخر نقطة بالغرب الأمريكي تقع ولاية أورجون ويسكنها البياض الشديد البياض. مرشد الرحلة في أورجون، لم يخفِ أمنيته العارمة بالفوز بالحياة الأخرى كلما تسنى له الأمر.. أمريكا المتدينة، بوش المتدين، وقبلهما مارتن لوثر كينج المتدين كلهم رددوا تلك العبارة بالتواتر.. ولا أعرف عن روزا تدينها المسيس (إن وجد) كالأخيرين، ولكنني اجزم بأنها كبقية شعب أمريكا البسيط في تدينه العفوي والمندفع أحياناً وفي ترديده لعبارة "الحياة الأخرى"..
روزا، أودعك اليوم، بعبارة لابد وأن رددتيها بإيمان في مناسبات مختلفة في شمالك الأمريكي أو جنوبه .. وداعاً روزا.. وآمل أن ألتقيك في حياتي الأخرى.. الآن وقد رحلتي، فلامجال للقائك واقعياً، ستراوحين نقطة الحلم عندي، حيث لامكان ولازمان.. أرجو أن لايضايقك أن تسكنين في بعض حلمي..
امرأة تحمل صورة روزا.. (f)
سيرة حياتها أورثتها الى الصغار على شكل كتاب ... الأميركية روزا باركس: «وصمة العار» السوداء... ثورة صارت مفخرة الأجيال
جوسلين حداد الدبس الحياة - 03/11/05//
التفتت روزا السوداء، ابنة الثانية والأربعين بحنق الى الرجل الأبيض الواقف امامها، وقالت له: «لن اقف من مكاني لتجلس انت».
عبارة وحيدة ادخلتها السجن، وفجرت سلسلة من الاضرابات استمرت 380 يوماً جاعلة منها «عرّابة حركة الحقوق المدنية للسود في اميركا». فدخلت تاريخ حقوق الانسان وحملت بجسمها النحيل ثقل سنوات وسنوات من الظلم والعبودية بحق السود.
روزا باركس، غابت عن الحياة في الخامس والعشرين من تشرين الاول (اكتوبر) الماضي عن عمر يناهز الثانية والتسعين، قضت النصف الاول منه مواطنة تناضل لكسب عيشها، والنصف الثاني مناضلة من اجل حقوق السود في العالم، يوم كان اللون الاسود يؤدي مباشرة الى الموت.
للبيض فقط!
روزا باركس، امرأة اميركية عادية من القرن الماضي. لم تعلم قط أنّ عبارة واحدة منها ستغير وجه التاريخ في الولايات المتحدة وتجعلها عرّابة الحقوق المدنية للسود التي حمل مشعلها في ما بعد مارتن لوثر كينغ. فهي ببضع كلمات حركت مجتمعاً مدنياً اسود كانت اثقلته العنصرية البيضاء القاتلة والحاقدة منتصف الخمسينات.
وهي اعترفت مراراً في ما بعد بأنها لم تدرك ابعاد موقفها في ذلك المساء من الاول من كانون الاول (ديسمبر) 1955. فهي كانت عائدة من عملها بعد نهار مضن في قسم المعارض في مونتغومري. وقفت تنتظر الباص لتعود الى منزلها. توقف الأول لكنها لم تصعد فيه لأنه كان مزدحماً وهي لن تجد مكاناً لتجلس في داخله. تذمرت وانتظرت مرور الثاني ناسية هذه المرة تفقّد من هو السائق في داخله كما كانت تفعل منذ اشهر، منذ اليوم الذي تشاجرت فيه مع السائق جيمس بليك بسبب قانون الباصات للسود.
فقانون «جيم كروو» الأبيض كان يقضي بأن يصعد المواطن الاسود من الباب الامامي للباص ليدفع ثمن بطاقته للسائق، ثم يخرج من الباص ويصعد اليه مجدداً من الباب الخلفي، وذلك منعاً لاختلاطه مع المواطنين البيض الذين تُخَصص لهم المقاعد في الصفوف الاربعة الاولى، على ان تكون المقاعد العشرة الأخيرة للسود، وما بينها «منطقة محايدة» لا يحق للسود الجلوس فيها الا اذا كانت خالية من البيض. اما اذا صودف دخول رجل ابيض ليجلس على مقعد واحد منها، فعلى كل السود الجالسين ان يخلوا الصف بكامله.
لكن يومها، كانت روزا مرهقة وعلى عجلة من أمرها ولم تتأكد من هوية السائق. فصعدت الى الباص الذي كان يقوده «بليك». وجلست مع امرأتين أخريين ورجل اسود على احد الصفوف الوسطى الخالية من البيض. ولم تكد ترتاح حتى توقف الباص ليقلّ رجلاً ابيض لم يجد له مكاناً سوى في «المنطقة المحايدة» حيث روزا والثلاثة. طلب من الاربعة اخلاء مكانهم. انصاع ثلاثة وبقيت روزا جالسة، قائلة له: «افعل ما تشاء انا لن اتحرك من مكاني». هددها السائق باستدعاء الشرطة، فردت فوراً: «افعل ما تريد».
تجذرت على ذلك المقعد في انتظار الشرطة، معتبرة انها شبعت من الاهانات وتفرقة وعنصرية وظلماً. فهي لم تنس بعد منظر جدّها حارساً باب المنزل ببندقية صيد فيما تنظيم «كوكلوكس كلان» العنصري يتظاهر في الشارع ويحرق منازل السود ويعتدي عليهم. امرأة تحمل لوحة لـ روزا باركس.
على رغم ان روزا نشأت في بيئة متواضعة بسيطة، الا فإنها عرفت باكراً الظلم اللاحق بمجتمعها الاسود بفضل والدتها التي اطلعتها على حقوق المواطنية بالتفصيل. فهي ولدت العام 1913 في ولاية آلاباما، والدها نجار ووالدتها مدرّسة.، سريعاً ما تركت زوجها لتنتقل للعيش مع ولديها في منزل أهلها.
كانت صحة روزا هشة واجبرتها على ملازمة المنزل حتى الحادية عشرة من عمرها حيث تلقت غالبية علومها. شكلت عائلتها، لاسيما شقيقها الأصغر، عنصراً مهماً في حياتها. حتى بعدما تزوجت من الحلاّق ريمون باركز الذي شاركها شغفها بالحقوق المدنية ودفعها الى متابعة علومها بعد الزواج، إذ تخرجت في المدرسة الثانوية العام 1933، يوم كان 7 في المئة فقط من السود يصلون الى هذا المستوى العلمي.
شكل عملها في قاعدة «ماكسويل» الجوية شرارة مناضلتها لهذه الحقوق. ففي داخل القاعدة، كانت مواطنة عادية كأي مواطنة بيضاء أخرى... اما في الخارج فهي تعود سوداء فقط.
وصودف ان عملت بعدها مدبرة منزل لزوجين من البيض اصبحا اصدقاءها ودفعا كفالتها عندما سجنت لاحقاً... كما دفعاها الى أن تقاضي المقاطعة بسبب قانونها الجائر في حق السود.
لم تكد روزا تدخل السجن حتى تحرك «المؤتمر السياسي للنساء» و»المؤسسة الوطنية لتطور الملونين» موزّعين الف منشور تدعو جميع السود الى مقاطعة ركوب الباص يوم محاكمتها، فيما وافق اصحاب 18 شركة للتاكسي يملكها السود على نقلهم بسعر الباص اي بـ 10 سنتات فقط.
ووجدت روزا مذنبة، فيما رفع محاميها دعوى ضد المقاطعة. وتصاعدت الحركة الشعبية لمساندتها موافقة على الاستمرار في المقاطعة. كما عمل الدكتور مارتن لوثر كينغ، المسؤول في حيّها، على تنظيم حملات الدعم لها والتوعية لحقوق السود.
380 يوماً من المقاطعة دفعت بشركة الباصات الى شبه إفلاس... ودفعتها الى مغادرة المدينة بعدما تلقت تهديدات عدة ادت الى فقدانها عملها كما زوجها.
ولم يكد يصدر قرار المحكمة اخيراً بإسقاط قانون «جيم كروو» حتى توقفت المقاطعة في اليوم الثاني وتصاعدت اعمال العنف ضد السود في الوقت عينه.
وباتت روزا تناضل من ديترويت حيث شقيقها، تعمل كخياطة في النهار، وتحيي لقاءات الدعوة الى النضال خلال اوقات فراغها.
وواصلت نضالها الذي جعلها تسافر يوماً الى افريقيا الجنوبية حيث دافعت عن حقوق السود هناك، مما جعلها تكسب ميداليات شرف اميركية عدة، كما حملت مكتبات ومتاحف عدة اسمها.
واصدرت روزا العام 1993 كتاباً للصغار يحكي قصتها مع العنصرية، اتبعته بآخر عن الموضوع نفسه لما دون الرابعة من العمر، ناهيك بفيلم سينمائي صُوّر عن حياتها العام 2002.