أيها السلف الصالح ... كل عام وأنتم بخير
....المتتبع للخطاب الإسلامي بشكل عام بخطوطه لرئيسية ,والسلفي والأصولي بشكل خاص
يرى أن جلّ ما يطالب بها هذا الخطاب هو بالعودة إلى الماضي,وهذا الماضي محدد يمكن حصره زمنيا بنهاية عصر الرسول والخلفاء الراشدين الثلاثة بعده (أبو بكر وعمر وعثمان ) ولا يتم استثناء خلافة علي باعتباره رابع الخلفاء الراشدين علنا, ولكنها لا تمثل العصر الذهبي حيث بداية ظهور الفتن .والخروج على السلطة الدينية السياسية يوم مقتل عثمان, على يد (الغوغاء) كما تسميهم عائشة بنت أبي بكر.
وحيث أن المصادر التاريخية لا تجزم بشكل قطعي بأن الذي قتل الخليفة عثمان هو أبن الخليفة الأول محمد بن أبي بكر الصديق. مقتل عثمان كان بالاعتماد على تفسير النص. من قبل الخوارج, على الرغم أن معاوية قتل محمد بن أبي بكر لاحقا.
تجدر الإشارة هنا أن محمد بن أبي الصديق هو أبن أسماء بنت عميس بن معن
بن تيم بن الحارث زوجة جعفر بن أبي طالب, وبعد أن توفي جعفر تزوجها أبي بكر الصديق فأنجبت له محمد بن أبي بكر, وبعد وفاة أبي بكر تزوجها علي بن أبي طالب فأنجبت له يحيى وعونا, أخوة محمد بن أبي بكر من أمه والأخ غير الشقيق لأم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر.
الدعوة بالعودة إلى العصر الذهبي حسب رأي تنحصر في فترة الخلفاء الثلاثة ويستثنى عصر الرسول لأنه خاتم الأنبياء والمرسلين, أي لا نأمل برسول بعده يعيد عصره. بالإضافة أن عصر الرسول من بداية النبوة إلى وفاته لم يكن كله عصر ذهبي بالنسبة للمسلمين, كانت تتخلله معاناة ورفض من قبل المجتمع وتخللته هزائم وانكسارات عسكرية. وكانت الدولة الإسلامية في طور التأسيس.
تطلق دعوات العودة أيضا كاتهام للعصر الذي نحن فيه, بوجهات نظر مختلفة شكلا ولكنها متفقة مضمونا, بأن سبب التراجع الحضاري الذي نحن فيه هو ابتعادنا عن القراّن وعن تلمس الطريق الذي سار عليه السلف الصالح,
وأن هذه المجتمعات الإسلامية عادت إلى جاهليتها, إلى مرحلة ما قبل الإسلام التي أتفق زورا تسميتها بالعصر الجاهلي. وتصبح التسمية صحيحة إذا كنا نقيسها بالنسبة للإسلام فقط لا بالنسبة لحركة نمو ذلك المجتمع الذي وجد قبل نزول الوحي.
وإيحاء أخر توحي به دعوات العودة وهو تصوير العصر الذي نحن فيه بأنه قتال بين الإيمان والكفر, أي بين الله والشيطان,
وليس صراع بين الحضارات القائمة على العلم واحتراما عقل الإنسان
وبين حضارات أفلست تاريخيا وأصبحت عاجزة عن تقديم شيء تضيفه للإنسانية أن هي بقيت أسيرة الماضي التلبد الذي لا يعاد.
الدعوة للعودة إلى عهد السلف الصالح لا تشمل كل الخطاب الإسلامي بشكل عام وكلّي لعدم اتفاق المسلمين أصلا على صلاح السلف كلهم, وإنما تشمل الخطاب السفلي الإسلامي, أو الأصولي.
وبغض النظر عن صلاح السلف أم لا, ولكن ألا تعني مطالبتنا ليل نهار وتذكيرنا بأننا ابتعدنا عن منهج السلف, ولن تصلح حالنا ما لم نعود فورا وبشكل يقفز فوق التاريخ وبشكل ثوري ولكن ليس باتجاه المستقبل وحرق المراحل, إنما باتجاه النكوص إلى الماضي وطي المراحل "المعيبة " التي مررنا بها.
ألا تعني هذه المطالبة, بأننا موضع اتهام أصلا وأننا مدانون مسبقا ولا سيل لرفع الاتهام إلا بتلمس أو تقليد السلف الصالح والعمل على إرجاع التاريخ للوراء وكأنه دائرة يمكن إرجاعها أو تثبيتها على مرحلة معينة تتوقف عندها الحياة حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
ألا تعني هذه المطالبة بأنها إدانة للتاريخ الإنساني من حيث هو تطور البشرية نحو الأفضل وإدانة لعقولنا, وافتراضها سلفا أن تجاربنا الذاتية ناقصة,
نحن مطالبين حتى تستقيم أمورنا, أن نفوض كافة شؤوننا في الحياة إلى أناس عاشوا قبل أربعة عشر قرنا, في بقعة من الأرض, قاموا بتجربتهم الخاصة في ظروفها المحيطة بها, والتي حتمت عليهم نوعا معينا من التفكير في معالجة أمورهم.
بأن نعمم تجربتهم هذه ونجعلها المثال ليس لنا فحسب, وإنما للبشرية قاطبة.
باعتبارهم حازوا على المعرفة اللازمة للبشرية في شؤون حياتها ومماتها وباعتبارهم قد أجابوا على كل الأسئلة التي طرأت والتي ستطرأ لاحقا وأجوبتهم هذه لمرة واحدة إلى قيام الساعة.
ونحن بعدهم الخلف الذي لا يحتاج إلى طرح أسئلة جديدة, فكل جديد بدعة والبدعة مستقرها النار, والنار مأوى شياطين الأنس والجن.
نحن الخلف لهذا السلف نملك ما لا يملكه الأخر, نحن نملك كنوز المعرفة ولا حاجة للبحث والتساؤل والتجربة, ما علينا سوى الكشف عن هذه الكنوز وإعادة اجترارها.
نحن مطالبون بأن نوافق أن قراءة السلف للنص الأول الذي أنزله الوحي
هي القراءة التي قصدها منزل الوحي ومتلقيه الرسول بصفته المبلغ
وأن هذه القراءة صالحة لكل زمان ومكان, وأن هذه القراءة للنص قد رضي عنها صاحب النص, وطالب رسوله بتعميمها,
وغيرها ضلال وخروج وتيه.
ويصبح سؤال كيف تتشابه الأزمنة والأمكنة, حتى تصبح فكرة واحدة معبرة عنها, يصبح هذا السؤال بلا معنى.
ويصبح بلا معنى أيضا أن نسأل عن هامش الحرية الذي تركه لنا هذا السلف ومدى احترامه لعقولنا وتجربتنا الذاتية.
ولكن هل يصح أصلا السؤال عن ذاتنا الفردية أم أنها ذائبة في الذات الجمعية للأمة.
وفق مفهوم هذا المفهوم نحن لسنا موجودين, إنما أشباح تخرج من مقابرها واليها تعود .
|