اقتباس: إبراهيم كتب/كتبت
عزيزي الحكيم:
كل سنة وأنت طيب أولا (f)
لا أعتبر الإيمان الشخصي او عدمه معيار للسعادة بدليل أن هناك الكثير و الكثيرمن المؤمنين الأشقياء و عاشوا حياتهم جحيم على الأرض و عرفوا ذلك بعد فوات الأوان.
(f)
...............................
اتفق معك ياابراهيم ولكن في زاوية معينة وهي :
اذا كان معنى الايمان الذي تذكره وتقصده هو العيش كالبهيمة دون ضابط ولا رابط ثم التعلق بذيل مخلوق عظيم او مقرب عند الله وعبادته مع الله بزعم انه سوف ينصر من يعبده من بطش الله في الدنيا ( بتسليط الهموم والمصائب ) وفي الاخرة بالنار التي تجمع انواع الهموم والمصائب بشكل اكبر واعظم . فيظن هذا المخرف ان النجاة مما هو فيه الان يكون بالاشراك بالله فيصبح كما قال القائل :
يتداوى بالتي هي الداء !
في حين ان الله يقول في القران ان الامر ابسط من هذا بكثير :
مايفعل الله بعذابكم ان شكرتم وآمنتم ( سورة النساء )
وهذه الاية تنفي ظن البعض ان الله يريد تعذيب خلقه . وهذا تصور بشع وومضحك في نفس الوقت لان هذه القوة العظمى لو ارادت ان تعذب حقا لما ترددت في الحكم بالاعدام على الكل مع عدم ترك اية موارد للحياة وامكان استمرارها على الارض ........فكيف اذا كان كل مانحن فيه من فضل تلك القوة وخلقها وترتيب كل شيء وتنظيمه وربطه بالانسان وخلق كل شيء للانسان ؟
هو الذي خلق لكم مافي الارض جميعا ( سورة البقرة ) .
تأمل هذه القصة للأديب التركي سعيد النورسي :
خرج رجلان في سياحة ذات يوم، من أجل الاستجمام والتجارة. فمضى احدهما وكان انانياً شقياً الى جهة، ومضى الآخر وهو رباني سعيد الى جهة ثانية.
فالاناني المغرور الذي كان متشائماً لقي بلداً في غاية السوء والشؤم في نظره، جزاءاً وفاقاً على تشاؤمه، حتى انه كان يرى - أينما اتجه - عجزةً مساكين يصرخون ويولولون من ضربات ايدي رجال طغاة قساة ومن اعمالهم المدمّرة. فرأى هذه الحالة المؤلمة الحزينة في كل ما يزوره من اماكن، حتى اتخذت المملكة كلها في نظره شكل دار مأتم عام. فلم يجد لنفسه علاجاً لحاله المؤلم المظلم غير السُكر، فرمى نفسه في نشوته لكيلا يشعر بحاله، إذ صار كل واحد من اهل هذه المملكة يتراءى له عدواً يتربص به، واجنبياً يتنكر له، فظل في عذاب وجداني مؤلم لما يرى فيما حوله من جنائز مرعبة ويتامى يبكون بكاءاً يائساً مريراً.
أمّا الآخر الرجل الربّاني العابد لله، والباحث عن الحق، فقد كان ذا أخلاق حسنة بحيث لقي في رحلته مملكة طيّبة هي في نظره في منتهى الروعة والجمال.
فهذا الرجل الصالح يرى في المملكة التي دخلها احتفالات رائعة ومهرجانات بارعة قائمة على قدم وساق. وفي كل طرف سـروراً، وفي كل زاويـة حبـوراً، وفي كل مكان محاريب ذكر. حتى لقد صار يرى كل فرد من أفراد هذه المملكة صديقاً صدوقاً وقريباً حبيباً له. ثم يرى ان المملكة كلها تعلن - في حفل التسريح العام - هتافات الفرح بصيحة مصحوبة بكلمات الشكر والثناء. ويسمع فيهم أيضاً أصوات الجوقة الموسيقية وهي تقدم ألحانها الحماسية مقترنة بالتكبيرات العالية والتهليلات الحارة بسعادة واعتزاز للذين يساقون الى الخدمة والجندية.
فبينما كان ذلك الرجل الاول المتشائم منشغلاً بألمه وآلام الناس كلهم.. كان الثاني السعيد المتفائل مسروراً مع سرور الناس كلهم فرحاً مع فرحهم. فضلاً عن انه غنم لنفسه تجارة حسنة مباركة فشكر ربه وحمده.
ولدى عودته الى أهله، يلقى ذلك الرجل فيسأل عنه، وعن أخباره، فيعلم كل شئ عن حاله فيقول له:
ــ ((يا هذا لقد جننتَ! فان ما في باطنك من الشؤم انعكس على ظاهرك بحيث أصبحتَ تتوهم أن كل ابتسامة صراخ ودموع، وأن كل تسريح واجازة نهب وسلب. عُد الى رشدك، وطهّر قلبك.. لعل هذا الغشاء النكد ينزاح عن عينيك. وعسى أن تبصر الحقيقة على وجهها الأبلج. فإن صاحب هذه المملكة ومالكها وهو في منتهى درجات العدل والمرحمة والربوبية والاقتدار والتنظيم المبدع والرفق.. وان مملكة بمثل هذه الدرجة من الرقي والسمو مما تريك من آثار بأم عينيك… لا يمكن أن تكون بمثل ما تريه أوهامك من صور)).
وبعد ذلك بدأ هذا الشقي يراجع نفسه ويرجع الى صوابه رويداً رويداً، ويفكر بعقله ويقول متندماً:
ــ نعم لقد اصابني جنون لكثرة تعاطي الخمر.. ليرضَ الله عنك؛ فلقد انقذتني من جحيم الشقاء.
يقول سعيد النورسي :
فيا نفسي!
اعلمي ان الرجل الاول هو الكافر أو الفاسق الغافل فهذه الدنيا في نظره بمثابة مأتم عام، وجميع الاحيـاء ايتام يبكون تألماً من ضــربات الزوال وصفعات الفراق..
أما الانسان والحيوان فمخلوقات سائبة بلا راع ولا مالك، تتمزق بمخالب الأجل وتعتصر بمعصرته..
وأما الموجودات الضخام ـ كالجبال والبحار ـ فهي في حكم الجنائز الهامدة والنعوش الرهيبة..
وامثال هذه الأوهام المدهشة المؤلمة الناشئة من كفر الانسان وضلالته تذيق صاحبها عذاباً معنوياً مريراً.
أما الرجل الثاني، فهو المؤمن الذي يعرف خالقه حق المعرفة ويؤمن به، فالدنيا في نظره دار ذكر رحماني، وساحة تعليم وتدريب البشر والحيوان، وميدان ابتلاء واختبار الانس والجان..
أما الوفيات كافة ـ من حيوان وانسان ـ فهي اعفاء من الوظائف، وانهاء من الخدمات، فالذين أنهوا وظائف حياتهم، يودّعون هذه الدار الفانية وهم مسرورون معنوياً، حيث انهم ينقلون الى عالم آخر غير ذي قلق، خال من اوضار المادة واوصاب الزمان والمكان وصروف الدهر وطوارق الحدثان، لينفسح المجال واسعاً لموظفين جدد يأتون للسعي في مهامهم..
اما المواليد كافة ـ من حيوان وانسان ـ فهي سَوقة تجنيد عسكرية، وتسلُّم سلاح، وتسنّم وظائف وواجبات، فكل كائن انما هو موظف وجندي مسرور، ومأمور مستقيم راضٍ قانع.. .
وأما الاصوات المنبعثة والاصداء المرتدة من ارجاء الدنيا فهي إما ذكر وتسبيح لتسنم الوظائف والشروع فيها، أو شكر وتهليل ايذاناً بالانتهاء منها، أو أنغام صادرة من شوق العمل وفرحته..
فالموجودات كلها ـ في نظر هذا المؤمن ـ خدام مؤنسون، وموظفون أخلاّء، وكتبٌ حلوة لسيده الكريم ومالكه الرحيم.. وهكذا يتجلى من ايمانه كثير جداً من أمثال هذه الحقائق التي هي في غاية اللطف والسمو واللذة والذوق.
فالايمان اذن يضم حقاً بذرة معنوية منشقة من طوبى الجنة..
اما الكفر فانه يخفي بذرة معنوية قد نفثته زقوم جهنم.
فالسلامة والأمان اذن لا وجود لهما إلاّ في الاسلام والايمان.
فعلينا ان نردد دائماً:
الحمد لله على دين الاسلام وكمال الايمان..
انتهى كلامه .
والسؤال الان مم تهرب ؟ هل تظن ان انكار وجود اول محسن اليك هو السعادة ؟
لو فعلها خادمك معك وقد احسنت اليه الدهر كله : هل ستساويه بغيره الذي شكرك واعترف لك بالجميل وقال لك : شكرا لك ؟