التقرير و العنق الطويلة..

سلم ميليس كوفي عنان نسخة "غير أنيقه" من تقريره الموعود حول نتائج التحقيقات بجريمة أغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري تبادل الرجلان ابتسامة بروتوكولية لا تحتوي على أكثر من مجرد إنفراج الشفاه ثم قبض عنان بقوه على مجموعة الأوراق التي تكون التقرير و كمن يعرف محتواه بدقه سارع الى إعطاؤه الى وسائل الإعلام و تناقلت الفضائيات "بثقة أكبر" هذه المرة توجيه أكثر من أصيع أتهام الى جهات أمنية سورية و لبنانية و لم يخل التقرير من لفته درامية عندما وسع "جبهة" الإتهام لتشمل بالإضافة الى المتهمين التقليديين الأجهزة السورية و اللبنانية أبطالا آخرين تمثلوا في جماعة الأحباش و جماعة جبريل.و ربط بين الجميع بواسطة مكالمات هاتفية و شهادات أدلى بها أشخاص مختلفون كانوا على مقربة من أصحاب الأدوار الرئيسية.

أعتمد ميليس في تحقيقه على أستراتيجة مفادها أن عملية تحدث حفرة قطرها عدة أمتار في السان جورج لا بد أن تكون الجهات الرسمية على علم و علاقة وثيقة بها و قد ذكر التقرير هذا بشكل واضح, و ربما ساعد وجود شهود و اتصالات هاتفية ميليس في ترسيخ أستراتيجيته و المضي بها بشكل "خطي" مستقيم الى لحظة تسليمه التقرير.و مضى أكثر الى القول بأن التحقيق يجب أن يمضي قدما بنفس الإتجاه وصولا الى نتائج وضعها في تقريره بشكل ضبابي غامض و قد أورد "بخفر " العذارى بعض الأسماء السورية الكبيرة ثم غير لهجته الخجولة الى لكنة بوليسية غامضة عندما وضع لشخصية لبنانية رمزا له دلالة فاعلة هو الرمز X .وقد يظهر الخلط بين هذين الأسلوبين قلقا من المزيد من الإيضاح وقد يكون قلقا مقصودا و مبررا نظرا لجسامة "الحقيقة" التي وصل أليها ميليس.

إذا كانت أستراتيجة ميليس في التقرير "أنتقائية" فلا يعني هذا أن خياره كان خاطئا و نظرية "التجربة و الخطأ" لا تنفي الوصول الى الحل الصحيح من التجربة الأولى إذا أعتمدت التجربة الأولى على معطيات كافية و تذكرني نتيجة تقرير ميليس بأسلوب مدرس الرياضيات في المرحلة الثانوية عندما كان يحل المسائل السهلة مبتدا بقوله و الحل وضوحا هو كذا. و هنا يستعير ميليس هذه الطريقة و لكنه كان أكثر موضوعية بأن عزا حل المسألة السهلة الى شهود و مكالمات و ليس الى الوضوح فقط.

قد تكون وسائل ميليس "مكالمات و شهادات" مجرد قرائن لا ترتقي الى مصاف الأدلة و لكنها قرائن جديرة بالأعتبار سيزيد من مصداقيتها الدفوع الساذجة التي جاء بها دخل الله وزير الأعلام السوري و التي أقتصرت على خطاب أقرب الى "العته".هذا النوع من الردود التي لا يقدر خطورة التهمة تثبتها و يمكن أن يضعها ميليس بقليل من التلميع الى جوار قرائنه الكثيرة ليسنج منها دليلا دامغا.وهو حق له إذا أعتبرنا أن الخصم الضعيف هو خصم خاسر و إذا أراد هذا الخصم أن يدين نفسه فلا بأس بمتهم مدان "من عظمة لسانه".

ليس لدينا حتى الآن سبب لتكذيب ميليس و تصديق دخل الله ألا الرغبة بتصديق هذا أو تكذيب ذاك و لكن تهالك القيادة السورية و ظهورها بمظهر عدم التعاون و أهتزازها التي أثبته أنتحار غازي كنعان يدفعنا الى تأكيد أن ميليس ربما أخرج "الزير من البير" و أظهر أن التورط السوري حقيقي بحكم تورطه العميق في الشأن اللبناني خلال العشرين عاما الماضية الأمر الذي حرص التقرير أن يؤكده.و أذا كان السوري غارقا في الشأن اللبناني حتى أنفه فكيف تمر من تحت هذا الأنف عملية بهذه الجسامة إذا علمنا أن الأنف السوري القريب في أحساساته من أنف محقق اكثر شهرة من ميليس هو "بدري أبو كلبشة".

لن يحسن رجل الأمن السوري الدفاع عن نفسه و لن يجد رجل الأمن السوري التغطية الكافية من رجل السياسة السوري و خاصة أن الأمني يختلط بالسياسي و يتحد معه بحيث لا يمكن التمييز بين فاروق الشرع و أصف شوكت أو بين وليد المعلم و رستم غزالة. أما بشار الأسد فينوس بين هذا و ذاك محاولا أتقاء الصفعات التي ستجد لها أكثر من موطأ قدم على العنق الطويلة.