يلتقون من دون سابق موعد.. تجمعهم الرغبة القوية في الوصول للأحلام. يحاربون طواحين الهواء لأجل النجاح في مدينة بلا قلب مثل قاهرة المعز؛ جاءوا من كل بلاد المحروسة لدخول الجامعة أو للحصول على فرصة عمل عزت عليهم في بلادهم الطيبة.
يعلمون مسبقا أنهم الصداع الكائن في رأس كل من يسكن بجوارهم، فكم من مرة استولى فيها هذا الريفي الطموح على قلب الجارة الصغيرة، أو حتى خضع لبعض مخططات الزوجة للفوز به عريسًا لابنتها.. هل عرفتهم؟ إنهم العزاب في الأرض.. إنه عالم غريب ومثير وطريف أيضا!.
أوكار العزوبية
"شقق العزاب" تكاد تكون متشابهة في كل الأماكن، بمجرد دخولك من الباب يقع نظرك على قطع لصالون قديم أكل عليه الزمان وشرب، بجواره طاولة كبيرة لتناول الطعام "سفرة" تفننت ثقافة العزاب في استغلالها أمثل استغلال؛ فهي للأكل والكي وتصلح للمذاكرة أو للكتابة أحيانا، ولمؤتمرات القمة الشهرية التي تناقش المشكلة الموجودة على الدوام والمتمثلة في تدبير مبلغ الإيجار، أو حتى لمؤتمرات القمم الطارئة التي تناقش البحث عن شقة أخرى؛ لأن الشقة الحالية غالية الثمن، أو لأنها لم تعد تناسب الوضع الاجتماعي لساكنيها بعد كرم المولى لهم بالتقدم خطوة في طريق العمل وارتفاع الدخل.
أما كراسي هذا الصالون فحدث عنها ولا حرج؛ فتراها مستعملة كشماعة للملابس بعد أن خرجت أحشاؤها، وهي من البداية لا تصلح للجلوس عليها، ولكن صاحب الشقة وضعها لرغبته في رفع ثمن الإيجار، ووجود هذه الكراسي الديكورية يقوي قلبه أثناء ترديده المستمر بأن شقته مجهزة من الإبرة للصاروخ! وبجوار هذه الكراسي (الشماعات)، أو فوقها ترى عشرات الجرائد المتناثر معها عدد من الكتب، ممثلة ما يمكن أن نسميه مكتبة العزاب العامة!.
المطبخ وفروعه
هل توقفت العقلية العزوبية عن استغلال الصالون عند هذا الحد؟ بالطبع لا؛ لأن العزاب الأقدمين الذين نظروا لنظريات استغلال الصالون رأوا أنه بالإمكان افتتاح فرع للمطبخ فيه؛ لأنهم من أنصار الديناميكية في التعامل مع حجرات المنزل، وفكرة فتح فرع للمطبخ بالصالون لم تكن اعتباطية؛ لأنها ستتيح للطابخ مثلا أن يشاهد التلفزيون أثناء الطبخ، أو حتى إعداد الطعام وهو جالس، بدلا من الوقوف في المطبخ بعد يوم عمل شاق؛ ولذا لا تتعجب عندما ترى الأواني والأطباق ملقاة على أرضية الصالون.
أعرف أنك مشتاق لمعرفة أحوال المطبخ العزابي.. لا تستعجل، فهو على أية حال مثال رائع لمقالب القمامة.. يشتكي إلى الله قلة النظافة؛ فالأطباق متسخة، وبقايا الطعام تملأ المكان، والثلاجة أشبه بعربة روبابيكيا، وبالمناسبة غالبية العزاب لا يضعون فيها سوى المياه.
كل المعطيات السابقة عن المطبخ العزابي جعلته ينال عن استحقاق كل جوائز "صداقة الحشرات" التي تتنوع ما بين الطائرة والزاحفة، وذات الأربع وأم أربعة وأربعين. لو فكر العزاب في تنظيم رحلات لطلاب قسم الحشرات بكلية العلوم الذين يعانون في البحث عن حشرات؛ لنالوا قسطًا كبيرًا من دعائهم بعد نجاح تجاربهم المعملية.
الحديث عن المطبخ يفتح بدوره شهيتنا لمعرفة أهم الأصناف في المطبخ العزابي، مبدئيا حكمة الأجداد من العزاب تقول: "لكي توفر في النفقات، وتأكل طعامًا مفيدًا اطبخ في البيت"، وإذا كنت لا تجيد الطبخ لا داعي للقلق مع الوقت ستتعلم ما دمت ترفع شعار "الطعام مهما قلَّت جودة طبخه لا مفر من أكله"، والمثل العزابي الشهير يطمئنك بقوله" "كُلْ يا ابني.. فالنفس الحلوة لها الجنة".
وأصناف المأكولات العزَّابية تتنوع ما بين طبق الأرز والمكرونة، والبطاطس بأنواعها... إلخ، غير أن هناك بعض الأوقات التي يستمتع العزاب بأكلات عالية القيمة من المحمر والمشمر، والحلويات والمشويات، مع عودة أي منهم من زيارة خاطفة للأهل الطيبين في القرى والنجوع البعيدة عن صراعهم الطويل مع حياة العزوبية.
أما حجرات النوم فغالبا تفتقد الترتيب، وإن كانت المسألة تختلف من عازب لآخر، تبعا لما تعود عليه منذ صغره.
يا عزاب العالم اتحدوا
وعندما يجتمع أهل شقة العزاب في سهرة سمر تجد الشقة قد قسمت إلى منتديات، كل منتدى يجمع ذوي الأفكار المتقاربة والاتجاهات المتشابهة، وما أن يبدأ النقاش حتى تجد المنتدى السياسي يناقش أوضاع السياسة في العالم، لا يعوزهم سوى أن تنقل إحدى المحطات التليفزيونية حديثهم.
أما أصحاب المنتدى الاقتصادي، فهم أكثر المنتديات تشاؤمًا؛ يغلب على حديثهم مشاكل العمل، والبطالة، وتكاليف الزواج.
وأخيرا.. المنتدى العاطفي، وكل عضو فيه يتصور نفسه محطم قلوب العذارى، بإشارة من إصبعه تركع الفتيات تحت أقدامه، وينهمك أعضاؤه في الاستماع لمغامرات بعضهم التي يتفاخرون فيها بعلاقاتهم مع الجنس اللطيف.
وجميع المنتديات تتفق على أن العزوبية هي المرحلة العمرية التي يكون فيها الشاب العازب منبوذًا من جميع فئات المجتمع. حيث يعاني من نظرة اجتماعية سائدة تبدي التبرم منه أينما أقام؛ لذلك نقترح إنشاء اتحاد للعزاب، تكون مهمته تحسين صورتهم والدفاع عن قضاياهم.
يوم في حياة عازب
ثلاجة العازب ليس بها سوى الماء أو أشياء غير قابلة للسطو
يبدأ يوم العازب مع صياح ديك الصباح، وهذا الديك يكون في الغالب أحد الساكنين معه الذين يستيقظون مبكرًا؛ لأن محاولات المنبه الذي يستصرخه دائما ما تفشل؛ ولذا فهو على الدوام متأخر عن عمله أو جامعته.
بعد الصحو المتأخر تجد العازب في أسرع ما يكون، ينتهي من إجراءات الحمام وتبديل الملابس في وقت قياسي؛ كي يتمكن من اللحاق بالعمل قبل الخصومات، أو الطرد من المحاضرة إذا كان جامعيا.
وبعد أن ينتهي العازب من عمله يعود إلى المنزل ليجد أمامه اختيارين أولهما الخروج للتنزه على الكورنيش؛ المتنفس الوحيد للآلاف من العزاب، أو البقاء في المنزل لتدشين وصفة جديدة لإحدى الطبخات.
بقي أن نقول في النهاية: إن عيشة العزاب بحلوها ومرها هي نقطة تحول في حياة العازب؛ يتحرر فيها من الاعتماد على الأسرة إلى الاستقلالية، كما أنه يعيد اكتشاف نفسه.. فيختبر مدى تمسكه بالقيم التي تربى عليها والمبادئ التي نادى بها، ولكن في ظروف مغايرة وبيئة مختلفة من دون رقابة من أحد، كما أن هذه المرحلة تدفع الكثيرين للتعجيل بالزواج.
وإذا كانت الفوضى والإهمال هي السمة السائدة في شقق العزاب، فإن لكل قاعدة شواذ، فهناك شقق شباب كأنهم متزوجون من النظافة ودرجة ترتيب الشقة، وهؤلاء هم القدوة.
أمير إبراهيم
http://www.islamonline.net/arabic/adam/200...Article01.shtml