كالحرة تطل من خدرها، أطل علينا اليوم تشرين، غيوم لا زالت مبتدئة في العطاء، أخذت مكانها بكل جرأة في كبد السماء، دون أن تستأذن شمس نجد الحارقة، نسمات خفيفة من هواء لم يبرد بعد ليطفئ المكيفات، ثياب ملونة بدأت تظهر في محال الألبسة التي اكتست بالبياض لأشهر طويلة، إنه تشرين يطرق الباب مبكرا، ليأخذ دوره في توالي أيام الدهر، دون أن يستحي من تعديه على قيض لفح الوجوه، لازال يزاحمه على أيامه المتبقية .
كما تطرق أول قطرة من المطر هذه الصحراء، تطرق أيضا ذاكرتي تلك الأيام، التي أشتم فيها رائحة العناق بين قطرات أول "شتوة" والأرض المكتسية بأشجار الزيتون واللوز .
أستذكر الرعشة التي تبدو جلية على عصفور "الدوري" فوق غصن شجرة اللوز الذي بدأ يبتل، وعلى رأس حمامة برية حرة قد انكمش حتى تخندق بين جناحيها، أستذكر تلك اللحظات التي يبدأ فيها صاحب الأغنام بتجهيز المسكن الشتوي "لحلاله"، وامرأة ستينية لم تمل من تربية أبنائها وأحفادها، حتى انشغلت بـ "خم" الدجاج لتغطيه كي لا "يدلف".
يجيء تشرين، وتتزاحم الخواطر، بين رجاء بغيث مغيث، وخوف من قلة الحيلة ونقص في التجهيزات والإستعدادات التي صارت باهظة.
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 10-25-2008, 04:39 PM بواسطة faw1.)