zaidgalal
عضو رائد
المشاركات: 4,570
الانضمام: Jan 2005
|
فرعون موسى بين الكتب المقدسة والتاريخ
[CENTER][size=5]فرعون موسى بين الكتب المقدسة والتاريخ[/size]
يقرر الإسلام أن كل رسول قبل محمد صلى الله عليه وسلم قد أرسله الله إلى قومه فقط وبلسانهم:
{[color=Red]وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } (إبراهيم 4)
وأرسل الله محمدًا إلى الناس كافة باعتراف السنة النبوية والقرآن الكريم:
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } (سبأ 28)
فهل أُرْسِل سيدنا موسى إلى بني إسرائيل فقط بناءً على هذا؟ وما هم بنو إسرائيل؟ إننا نعرف أن دعوة سيدنا موسى بدأت في مصر. فهل بدأت في عصر الفراعنة؟ ومن هم الفراعنة؟ هل هم المصريون القدماء أم هم قبائل الهكسوس التي غزت شمال مصر وتدفقت عليها واستقرت بها حقبة من الزمن؟
كتب المؤرخ القديم مانيتون (كبير كهنة جامعة أون "عين شمس") كتابًا عن الهكسوس. قال فيه: "في عهد تيماوس أصابنا ولست أدري لماذا نقمة من الإله فاندفع نحونا أقوام آسيون من أصل وضيع جاءوا من المناطق الشرقية. هذه الأقوام كانت تدعى هكسوس ومعناها الملوك الرعاة. والبعض يقول أن هؤلاء الناس كانوا عربًا. "
ويقول عالم الآثار مارييت "إن قبائل الهكسوس كانوا خليطًا من العرب وأهل الشام وأكثرهم من الكنعانيين، وفي التواريخ العربية العمالقة " (1).
وقد عاش العمالقة في موضع صنعاء اليوم ثم نزحوا إلى مكة ولحقت منهم طائفة بالشام ومصر. وتفرقت طائفة في جزيرة العرب والعراق. ويقال أن فراعنة مصر كانوا من العماليق. (2)
ويقول بريستد أن أبناء يعقوب كانوا على أصح الاحتمالات عربًا تابعين لامبراطورية الهكسوس. ولا يبعد أن يكون وجود هؤلاء الأعراب بمصر سببًا في تلقيب تلك الامبراطورية بدولة الرعاة.
ويؤكد د. أحمد شلبي في موسوعته مقارنة الأديان أن الهكسوس هم قوم من الأعراب الذين ذكرهم القرآن الكريم بقوله: {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا} (التوبة 97)
ويقول العالم زينون كاسيدوفسكي: "يتوقع أن تكون عشيرة يعقوب قد جاءت مصر مع زحف الهكسوس أو بعد أن أقاموا سيطرتهم فيها، وقد استقبلوا يعقوب ومن معه استقبالًا طيبًا في مصر لأنهم كانوا أقرباء المحتلين. وليس من الصعب أن نتوقع أن الفراعنة الهكسوس لم يثقوا بالمصريين، وكانوا يثقون بأنسابهم الآسيويين الذين يجمعهم معًا المنشأ واللغة." (3)
لذلك رحب الهكسوس بقدوم بني إسرائيل ومنحوهم أجود الأراضي الزراعية في محافظة الشرقية وكان أحد أبنائها وهو النبي يوسف الرجل الثاني في البلاد بعد ملكهم.
نستنتج من ذلك أن الهكسوس لم يكونوا شعبًا واحدًا بل أحلاف من شعوب وجماعات متنوعة من قبائل العماليق (الأعراب) والعبرانيين من بني يهوذا وبني إسرائيل (يعقوب) . وقد سيطرت هذه الأحلاف (الهكسوس) على مصر على مرحلتين. استولوا في المرحلة الأولى على مدينة قرب منطقة القنطرة شرق الحالية، واسموها بلغتهم "هوارة" وتعني "المدينة"، وأعادوا تحصينها وشيدوا لها سورًا له أبواب متفرقة، واتخذوها عاصمة لهم. ومنها بدات المرحلة الثانية حيث احتلوا الدلتا وأواسط مصر وظل هذا النفوذ طوال الأسرتين 15 و 16.
من هو فرعون؟ :
لفظة "فرعون" ليست لقبًا كما يتصور البعض وإنما هي اسم عَلَمٍ على كبير الهكسوس الذين غزوا شمال مصر. يقول معجم الحضارة المصرية: "إن المؤرخين الغربيين وكل من تصدى لدراسة الحضارة المصرية قد نقلوا كلمة فرعون عن لفظ حقيقي رسمي في التوراة." وتأثر رجال الآثار المصرية وخضعوا لمسلمات توراتية، فقالوا أن كلمة "فرعون" مشتقة من اللفظ المصري "ب ر – عا" (البيت الكبير) على أساس أنه أقرب الأسماء لاسم "فرعون". وقد أجمع ثقاة الآثار المصرية وعلى رأسهم السير آرثر إيفانز والعالم ألان شورتر والعديد غيرهما أن كلمة "ب ر – عا" ليس لها أي علاقة بشخص الملك أو اسمه. ويقرر القرآن الكريم أن لفظة "فرعون" اسم علم وليست لقب. فلم تأتِ اللفظة معرفة ("الفرعون" مثل: الملك / العزيز) بل تاتي نكرة "فرعون". كما جاء مع أسماء، لذا لابد أن يكون اسم علم مثل الأسماء التي سبقته والتي لحقته:
{وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءهُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ} (39) سورة العنكبوت
{إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} (24) سورة غافر
كذلك لم يأتِ هذا الاسم جمعًا أبدًا، ولم ينسب لمصر ولا للمصريين (مثل: عزيز مصر، ملك مصر). ولم يطلق على أي حاكم مصري لفظة "فرعون" إلا على الحاكم الذي عاصر موسى، أطلق عليه اللفظ بدون أداة التعريف "أل" في 74 موضعًا. ثم جاء هذا الاسم بياء النداء في القرآن الكريم "يا فرعون" بصيغة النكرة على العكس من "يا أيها العزيز". كما تقول الآثار أن العرب عرفوا الاسم "فرعون" واستعملوه في مملكة سبأ القديمة جنوب اليمن في نفس وقت استعماله في مصر أيام الهكسوس. (4) وقد ورد الاسم "فرعون" في إحدى نصوص هيرودوت في كتابه الثاني فقرة 3: "وحين مات سيزوستريس خلفه ابنه فرعون". فلا عجب عندما يستدل د. نديم السيار بعدد من المؤرخين المسلمين ثم يقول: "إن جميع المؤرخين المسلمين يؤكدون أن ملوك العماليق (الهكسوس) هم فقط الذين يحملون لقب فرعون." ولكن لماذا أصبح الاسم "فرعون" لقبًا لكل ملوك العماليق حتى الذين سبقوا فرعون موسى؟ نقول أن هذا أمر شائع عندما يتحول الاسم إلى لقب. فقد تحول الاسم "كسرى" إلى لقب لملوك الفرس وتسموا بالأكاسرة. وكذلك الاسم "يوليوس قيصر" كان حاكمًا للروم فتسموا بالقياصرة. وعلينا أن نعلم أنه لا يوجد ملك مصري واحد نفش هذا اللقب (فرعون) في الخرطوش الخاص به الذي يحوي اسمه ولقبه.
لذا نجد الاسم "فرعون" منعدمًا في مصر قديمًا وحديثًا، ومعروفًا لدى العرب. فهناك عائلة د. "رشاد فرعون" الدبلوماسي السعودي، والكاتب الجزائري "مولود فرعون" وهو من أصل عربي. و "ليف فرعون" البطل السعودي في الزوارق المائية والكثير غيرهم. وأطلق محمد عليه الصلاة والسلام على أبي جهل "فرعون قومه".
نفهم من هذا أن الهكسوس أقوام بدو جبارون من الأعراب والعبرانيين استولوا على حكم مصر، وفي آواخر أيامهم ملك عليهم رجل طاغية اسمه فرعون. فأرسل الله إليهم من أنفسهم رسولًا كريمًا هو موسى ومعه أخاه هارون.
أي أن فرعون لم يكن مصريًّأ. نعم. وإليكم الأدلة:
1- وَكَلَّمَ مَلِكُ مِصْرَ قَابِلَتَيِ الْعِبْرَانِيَّاتِ اللَّتَيْنِ اسْمُ احْدَاهُمَا شِفْرَةُ وَاسْمُ الاخْرَى فُوعَةُ. (خروج 1: 15)
لو كان فرعون مصريًّا لماذا يختار عبرانيتين لتقتلا الأولاد الذكور لبني إسرائيل؟ وأين جنده وبني وطنه؟ ولما كان لبني إسرائيل قابلتان فقط. أي كان لبني إسرائيل قوم موسى قابلتان فقط، دل ذلك على قلة عددهم:
{إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ} (54) سورة الشعراء
{فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ} (83) سورة يونس
كانت القابلتان ومعهن نساء بني إسرائيل ينجحن في الغالب في خداع فرعون وإنقاذ الأطفال الذكور. بيد أن هذا الأسلوب لم ينفع الطفل موسى لأنه كان داخل القصر -كما سيأتي تفصيله- ومن الصعب إخفاؤه مدة أطول. اقرأ الآية مرة أخرى ولاحظ استخدام لفظة "مَلَئِهِمْ" أي الملأ من بني إسرائيل بقيادة قارون. إن فرعون يحكم قبائل الهكسوس ومعه قادة كل قبيلة ومن ضمنهم قوم موسى.
2- لماذا هرب موسى بعد أن قتل رجلًا على أرض مصر؟ لو كان القتيل مصريًّا وفرعون مصريًّا لم يك فرعون ليضحي بفتى القصر المدلل من أجل واحد من الرعية؟ لقد قتل موسى رجلًا ذا جاهٍ له صلة قرابة بالملأ من حول فرعون من قبيلة أخرى:
{وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ } (20) سورة القصص
كان موسى وقبيلته يعيشون في الجانب الآخرمن المدينة. فجاءة رجل على صلة بالقصر الملكي وحذر موسى من محاولة اغتيال يدبرونها له في خفاء. فاتخذ موسى قرارًا بالهرب بعيدًا عن العبرانيين والأعراب. فلم يهرب إلى فلسطين لأن قومه هناك أيضًا. فهرب إلى منطقة أخرى يسكنها قوم آخرون، هرب إلى مديان.
3- لم يعرف المصريون لا الصلب ولا الرجم:
{وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ} (20) سورة الدخان
{قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى} (71) سورة طـه
{يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} (41) سورة يوسف
4- ولم يعرفون الجمال والخيل (العير) :
{فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} (70) سورة يوسف
ولا يوجد رسمًا واحدًا طوال التاريخ المصري وحتى الاحتلال اليوناني يبين استخدام المصريين طريقة الصلب أو الجِمال البدوية.
5- ولم تتحدث مخطوطة مصرية واحدة عن حدوث مجاعة في مصر في فترة الهكسوس. وقعت المجاعة في أرض كنعان (فلسطين) حيث كان يعيش يعقوب وأولاده.
6- لم يعرف الهكسوس وقائدهم فرعون البناء بالأحجار كالأهرامات، وإنما كانوا يبنون بالطوب اللبن أو الطوب الأحمر:
{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ} (38) سورة القصص
«فَاتَى مُدَبِّرُو بَنِي اسْرَائِيلَ وَصَرَخُوا الَى فِرْعَوْنَ قَائِلِينَ: «لِمَاذَا تَفْعَلُ هَكَذَا بِعَبِيدِكَ؟ التِّبْنُ لَيْسَ يُعْطَى لِعَبِيدِكَ وَاللِّبْنُ يَقُولُونَ لَنَا اصْنَعُوهُ وَهُوَذَا عَبِيدُكَ مَضْرُوبُونَ وَقَدْ اخْطَا شَعْبُكَ». (خر 5: 15، 16)
7- لم تعرف مصر الخيل والعربات الحربية إلا بعد مجيء الأعراب الهكسوس إليها، فلا يوجد ذكر أو أثر لأي حصان أو عربة قبل هذا الغزو. وبعده انتشرت الخيل والعربات الحربية في مصر لدرجة أن يوسف:
«فَشَدَّ يُوسُفُ مَرْكَبَتَهُ وَصَعِدَ لِاسْتِقْبَالِ اسْرَائِيلَ أبِيهِ الَى جَاسَانَ. وَلَمَّا ظَهَرَ لَهُ وَقَعَ عَلَى عُنُقِهِ وَبَكَى عَلَى عُنُقِهِ زَمَانا». (تك 46: 29)
H4818
מרכּבה
merka^ba^h
BDB Definition:
1) chariot
أي مركبة حربية.
وهذا يؤكد نزول بني إسرائيل إلى مصر كبطن من بطون الهكسوس الذين أتوا من وادي عربة شمال جزيرة العرب وأحضروا معهم الحصان والعربة حتى أن المصريين يستخدمون لفظة "عربية" اليوم.
8- ثُمَّ قَامَ مَلِكٌ جَدِيدٌ عَلَى مِصْرَ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ يُوسُفَ. فَقَالَ لِشَعْبِهِ: «هُوَذَا بَنُو اسْرَائِيلَ شَعْبٌ اكْثَرُ وَاعْظَمُ مِنَّا. هَلُمَّ نَحْتَالُ لَهُمْ لِئَلا يَنْمُوا فَيَكُونَ اذَا حَدَثَتْ حَرْبٌ انَّهُمْ يَنْضَمُّونَ الَى اعْدَائِنَا وَيُحَارِبُونَنَا وَيَصْعَدُونَ مِنَ الارْضِ». (خر 1: 8 – 10)
لو كانوا مصريين فما الداعي لخوفهم من 70 فردًا يتكاثرون في دولة مترامية الأطراف؟! ولماذا يفكر الملك في الحرب وينظر إلى زيادة عدد بني إسرائيل؟! لأنه غريب دخيل محتل فيتوقع الحرب في أي لحظة ويخشى ويتوجس خيفة من انتماء بني إسرائيل حين تدق الحرب طبولها بينهم وبين المصريين.
هل استولى الهكسوس على مصر كلها؟
استولت قبائل الهكسوس المتدفقة على جزء من شمال مصر. وكما ذكرنا استولوا في البداية على مدينة اسموها "هوارة" ثم استولوا على الدلتا وأواسط مصر. والاسم "هوارة" عروبي صرف. لذلك تجد مدن بهذا الاشتقاق عند العرب (الحيرة: عاصمة المناذرة – حارة = قرية، حِيران، حوران)
إن "هوارة" عند الهكسوس تعني "المدينة" وهنا يتجلى إعجاز القرآن الكريم:
{قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } (123) سورة الأعراف
{وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ } (20) سورة القصص
وتدور جُلَّ الأحداث في هذه المدينة "هوارة". يقول القرآن الكريم:
{وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} (67) سورة يوسف
سيدنا يعقوب يعرف أنها مدينة. فقد سمع عنها القاصي والداني بسبب غناها في عصر مجاعة تجتاح جزءًا شاسعًا في آسيا. فيتحدث يعقوب عن مدينة لها سور له أبواب متعددة. وينصح أبناءه بعدم الدخول من باب واحد، وإنما من أبواب متفرقة حتى لا يصيبهم حسد حاسد. ترى لو كان سكانها مصريين أيحسدون حوالي عشرة نفر من بني إسرائيل جوعى ينتظرون الإحسان؟! إن سكان المدينة هنا هم من قوم يعقوب يعرفهم ويعرفونه، ويخاف أن يحسدونه على عدد أبنائه. فهو منهم وهم منه. لنقرأ المزيد:
{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } (82) سورة يوسف
والقرية تطلق في القرآن الكريم على المدينة أيضًا، ومنها "أم القرى". واسأل القرية: واسأل القادمين منها فهم يعرفون الأحداث. هنا كل الأحداث تقع في المدينة على مرأى ومسمع من أهلها:
{فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } (70) سورة يوسف
إن سرقة صواع الملك الذي يشرب فيه تدل على العيش في مدينة يختلط فيها الملك مع أهلها.
في ناحية من المدينة يعيش فرعون وطائفته والطوائف المقربة منه وقادة بني يهوذا وقادة بني إسرائيل. وفي الناحية الأخرى يعيش عامة بني إسرائيل. لذلك لما قتل سيدنا موسى رجلًا ذا جاهٍ من هؤلاء فر من ناحيتهم إلى ناحية قومه التي يسكنون فيها:
{وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ } (20) سورة القصص
كل رسول مبعوث لقومه:
يرسل الله كل رسول لقومه وبلسانهم إلا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد جعله الله للناس كافة:
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } ( 4 إبراهيم)
{ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَآؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلوبِ الْمُعْتَدِينَ} (يونس 74)
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} (إبراهيم 5)
{ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُواْ بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} (الأعراف 103)
{وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءهُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ} (العنكبوت 39)
{ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ} (يونس 75)
{ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ. إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ} (المؤمنون 45، 46)
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ. إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} (غافر 23، 24)
وهكذا بجلاء لا لبس فيه يتضح أن فرعون وقارون وهامان هم من قوم موسى. إنهم قبائل الهكسوس المتحالفة الذين تجمعهم اللغة والعادات والتقاليد والتاريخ. كما أن الاسم "هامان" ليس مصريًّا، بل عروبي يخص الأعراب والعبرانيين:
"بَعْدَ هَذِهِ الأُمُورِ عَظَّمَ الْمَلِكُ أَحْشَوِيرُوشُ هَامَانَ بْنَ هَمَدَاثَا الأَجَاجِيَّ وَرَقَّاهُ وَجَعَلَ كُرْسِيَّهُ فَوْقَ جَمِيعِ الرُّؤَسَاءِ الَّذِينَ مَعَهُ." (أستير 3: 1)
H2001
המן
ha^ma^n
BDB Definition:
Haman = “magnificent”
لقد كان الهكسوس ومنهم بنو إسرائيل ملوكًا في شمال وبعث الله فيهم أنبياءً ورسلًا. ومانيتون المؤرخ المصري يقول: "هؤلاء الناس الذين أسميناهم من قبل ملوكًا، ويسمون أيضًا بالرعاة هم وأحفادهم سيطروا على مصر." إذ أن مانيتون فسر "هك" بمعنى "ملك" و "سوس" بمعنى "راعي": الملوك الرعاة أو الملوك البدو.
ورتل قول الله تعالى بقلب خاشع رحيم لتجد نفسك أمام آية جليلة من آيات الله عز وجل:
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ } (20) سورة المائدة
البداية:
وقعت مجاعة شديدة في الشام وجزيرة العرب. ومن شدة الجوع تجمعت قبائل أطلق عليها الهكسوس وغزت شمال مصر واستقرت هناك. واختطف سيدنا يوسف وبيع في مصر لوزيرها حينئذٍ. وكبر وصار فتيًّا يافعًا ثم نبيًّا من أنبياء الله. وعاش الهكسوس في رغد من العيش والسعة. وبدأ شبح المجاعة يتردد من جديد في هيئة حُلْمٍ حَلَمَ به الملك:
{وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} (43) سورة يوسف
{قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ} (44) سورة يوسف
لا علم للهكسوس بتفسير الأحلام وعلم السحر ولا بالعرافة. فهذه أمور اختص بها المصريون. وكل هذا يؤكد أن الفراعنة ليسوا مصريين. إنهم قبائل البدو الرعاة قليلو الحظ من الثقافة والتمدن.
احتاط الهكسوس لأمر المجاعة قبل حدوثها وذلك عن طريق الوحي لسيدنا يوسف، فخّزَّنوا من القوت ما يكفيهم ويزيد. وكانوا ينعمون على القبائل المجاورة. ولما علم سيدنا يعقوب بخبر ابنه يوسف، قدم إلى مصر ومعه أبناؤه ومنهم لاوي الذي أنجب قاهت الذي أنجب عمرام الذي أنجب سيدنا موسى وسيدنا هارون. أي أن موسى عاش في عصر الهكسوس. جاء في الطبري: "عن ابن إسحاق قال: قبض الله يوسف وهلك الملك الذي كان معه وتوارثت الفراعنة من العماليق ملك مصر فلم يزل بنو إسرائيل تحت أيدي الفراعنة العماليق حتى كان فرعون موسى."
أقام بنو إسرائيل كقبيلة متحالفة مع الهكسوس حقبة طويلة من الزمن حتى قال العرافون لفرعون أنه يولد ولد من بني إسرائيل يطيح بعرشه. من هنا بدأ اضطهاد فرعون موسى لهم باستعبادهم وبقتل أبنائهم الذكور ولكنه كان يترك البنات والنساء أحياء. والعبودية نظام لم يعرفه المصريون القدماء البتة:
{فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ} (47) سورة المؤمنون
{وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ} (22) سورة الشعراء
{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} (4) سورة القصص
في هذه الآية مزيد من التوضيح. فالهكسوس طوائف متحالفة. وكان فرعون يستضعف الطائفة الأقل شأناً، الأقل عددًا. وقسم الهكسوس طوائفًا وشيعًا، لتكون قبيلته الأقوى بين قبائل الهكسوس جميعًا. ولجأت نساء بني إسرائيل إلى الخداع والمكر للحفاظ على حياة أبنائهم. ولكن موقف أمِّ سيدنا موسى كان الأصعب لأنها وأسرتها كانوا يعيشون في قصر فرعون. قيل أن زوجها كان حارسًا على باب القصر. فكان موقف أمِّ موسى صعبًا للغاية لأنها لن تستطيع إخفاء وليدها مدة طويلة:
{وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} (القصص 7)
{إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى. أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} (طـه 38، 39)
واليم هنا ليس هو البحر ولا النيل. وإنما هو خليج يتصل بالبحر الأحمر من جهة ويتصل بقناة سيزوستريس العذبة من جهة ثانية، وهذه القناة كانت تربط نهر النيل بالبحر الحمر وكذلك فرعًا من النيل. فلفظة "اليم" ليست مصرية وإنما من الكلمات السامية. وقد ذكرها القرآن الكريم في 8 مواضع تخص مصر فقط، وكأنه يشير بها إلى موضع معلوم، وهو كذلك، إنه الخليج الموجود وسط مدينة هوارة:
H3220
ים
ya^m
yawm
From an unused root meaning to roar; a sea (as breaking in noisy surf) or large body of water; specifically (with the article) the Mediterranean; sometimes a large river, or an artificial basin; locally, the west, or (rarely) the south: - sea (X -faring man, [-shore]), south, west (-ern, side, -ward).
اليم yam: بحر، تجمع مائي كبير، نهر كبير، بركة صناعية.
وتستخدم التوراة السامرية لفظة "الخليج" في جميع المواضع. وقد عثر على رسم على أحد حوائط معبد الكرنك لمدينة هوارة بعد طرد الهكسوس. وفيه نرى جانبي المدينة متصلان ببعضهما بواسطة قنطرة (الخليج). وعلى أحد الجوانب صورة تمساح ونبات مائي دلالة على نهر النيل. وعلى الجانب الآخر سمك بحري دلالة على البحر.
العهد القديم يسمي هذا الخليج "يم سُوُف". فما معنى "سُوُف"؟:
فَرَدَّ الرَّبُّ رِيحا غَرْبِيَّةً شَدِيدَةً جِدّا فَحَمَلَتِ الْجَرَادَ وَطَرَحَتْهُ الَى بَحْرِ سُوفَ. لَمْ تَبْقَ جَرَادَةٌ وَاحِدَةٌ فِي كُلِّ تُخُومِ مِصْرَ. (خر 10: 13)
H5488
סוּף
su^ph
soof
Probably of Egyptian origin; a reed, especially the papyrus: - flag. Red [sea], weed.
BDB Definition:
1) reed, rush, water plant
بوص، نبات مائي.
فيصبح المعنى "بحر البوص" ولكن الترجمة الإنجليزية تشككت في الأمر فحولت reed إلى red وكتبتها The Red Sea "البحر الأحمر". إنه خليج وسط المدينة به نباتات مائية.
أمر الله في قرآنه الكريم أمَّ موسى أن ترمي رضيعها موسى في يم سوف، في الخليج الذي يشق مدينة هوارة. ورمته بالفعل من أمام مكان ما في القصر ليصل إلى الناحية الأخرى من القصر حيث الحرس الملكي وآل فرعون الذين التقطوه وشرعوا في قتله، ولكن امرأة فرعون تدخلت وأنقذت الطفل الرضيع:
{وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ } (9) سورة القصص
وهو نفس أسلوب الكلام في قضية سيدنا يوسف، لأنه في كلتا الحالتين الهكسوس هم الذين يتكلمون:
{وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا } (21) سورة يوسف
وافق فرعون الذي لم يكن ينجب على طلب زوجته وهرع الجميع لخدمة هذا المولود الملك القادم فجاءوا له بمرضعات ولكن الطفل الرضيع موسى رفض أن يرضع من أثدائهن:
{وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} (12) سورة القصص
{إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ } (40) سورة طـه
ها نحن نرى أخت موسى وسط القوم في قلب القصر في قلب الأحداث ومجريات الأمور. إنها منهم فهم قومها. وتطرح عليهم الرأي في حل مشكلة الملك القادم فيسمعون لها ويستجيبون لنصحها. ويعود موسى لحضن أمه في القصر نفسه حيث يكبر ويبلغ:
{قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ} (18) سورة الشعراء
وأطلقوا عليه الاسم "موسى" وهو اسم عبراني وليس مصريًّا ليؤكد لنا أن الفراعنة ليسوا هم المصريين وإنما هم قبائل الهكسوس من الأعراب والعبرانيين:
H4872
משׁה
mo^sheh
mo-sheh'
From H4871; drawing out (of the water), that is, rescued; Mosheh, the Israelitish lawgiver: - Moses.
المُنْتَشَل من الماء، المُنْقَذ.
كبر موسى وبلغ أشده وأتاه الله الحكمة والعلم بما يسره له من الأسباب في أرض مصر:
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} (القصص 14)
ثم تتطور الأحداث حتى يتعارك رجل من قبيلة موسى مع رجل من أحد قبائل الهكسوس التي لها شأن فيستغيث قريب موسى به، فيتدخل موسى فيضرب الرجل فيقتله دون قصدٍ منه.. وفي اليوم التالي يتعارك قريب موسى هذا مع رجل آخر من قبيلة من الهكسوس تكن الكراهية لقبيلة موسى، فيستغيث بموسى:
فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَآئِفاً يَتَرَقّبُ فَإِذَا الّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالأمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَىَ إِنّكَ لَغَوِيّ مّبِينٌ. فَلَمّآ أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالّذِي هُوَ عَدُوّ لّهُمَا قَالَ يَمُوسَىَ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالأمْسِ إِن تُرِيدُ إِلاّ أَن تَكُونَ جَبّاراً فِي الأرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ. (القصص - الأية: 18، 19)
هنا يظهر تأثير فرعون الفاسد في نشر الكراهية بين قبائل الهكسوس لينفرد بالملك والأمر. وجاء رجل من الناحية الأخرى لمدينة هوارة يحذر موسى وينصحه بالهرب فورًا من هوارة وإلا قُتِل. هذا الرجل الذي أنقذ موسى كان على مقربة من الأحداث ولصيق بمراكز صناعة القرار ومحب لموسى أو من الملأ من قوم موسى المحبين له. استشعر موسى خطرًا حقيقيًا فهرب من هوارة ووصل إلى مديان حيث قضى بها مدة من الزمن، وقابل بنات النبي شعيب اللاتي سقى لهن الغنم وأخبرن أباهن بذلك وذكرن أنه رجل مصري:
فَقُلْنَ: «رَجُلٌ مِصْرِيٌّ انْقَذَنَا مِنْ ايْدِي الرُّعَاةِ وَانَّهُ اسْتَقَى لَنَا ايْضا وَسَقَى الْغَنَمَ». (خر 2: 19)
إن موسى هنا متأثر بلسان المصريين كما سيتأثر بلسان أهل مدين بعد أن يقضي مدة طويلة بين ظهرانيهم. كل هذا أثر على أسلوب تفاهمه مع فرعون وملإئه إذ اكتسب مفردات جديدة وثقافة أكبر. فوصفه فرعون بعدم القدرة على البيان والتبليغ. لذلك طلب من الله أن يلهمه الأسلوب الأمثل ليتواصل مع فرعون وينجح في نقل رسالة الله للهكسوس. كما طلب من الله أن يؤيده بأخيه هارون فصيح اللسان في لغة قومه لأنه لم يحتك فلم يتأثر بلغات وثقافة الآخرين:
{أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} (الزخرف 52)
{وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي. يَفْقَهُوا قَوْلِي } (طـه 27، 28)
{وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ} (القصص 34)
ثم قرر الرجوع إلى مصر وقد. وفي الطريق أوحى الله إليه ليكون رسولًا ومعه أخوه هارون إلى قبائل الهكسوس بقيادة فرعون وهامان وقارون والملأ من هذه القبائل. وقد استجاب الله لطلبات سيدنا موسى التي عرضنا لها. وعرض موسى وهارون رسالة الله بين يدي فرعون وملإئه وأيدهما الله بالمعجزات الدالة على صدقهما:
{وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ} (الأعراف 104)
{قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُورًا} (الإسراء 102)
(اذْهَبَآ إِلَىَ فِرْعَوْنَ إِنّهُ طَغَىَ. فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لّيّناً لّعَلّهُ يَتَذَكّرُ أَوْ يَخْشَىَ. قَالاَ رَبّنَآ إِنّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ أَوْ أَن يَطْغَىَ. قَالَ لاَ تَخَافَآ إِنّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىَ. فَأْتِيَاهُ فَقُولآ إِنّا رَسُولاَ رَبّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيَ إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مّن رّبّكَ وَالسّلاَمُ عَلَىَ مَنِ اتّبَعَ الْهُدَىَ. إِنّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَآ أَنّ الْعَذَابَ عَلَىَ مَن كَذّبَ وَتَوَلّىَ. قَالَ فَمَن رّبّكُمَا يَمُوسَىَ. قَالَ رَبّنَا الّذِيَ أَعْطَىَ كُلّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمّ هَدَىَ. قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الاُولَىَ. قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبّي فِي كِتَابٍ لاّ يَضِلّ رَبّي وَلاَ يَنسَى. الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنزَلَ مِنَ السّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مّن نّبَاتٍ شَتّىَ. كُلُواْ وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لاُوْلِي النّهَىَ. مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىَ. وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلّهَا فَكَذّبَ وَأَبَىَ. قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَمُوسَىَ. فَلَنَأْتِيَنّكَ بِسِحْرٍ مّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لاّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ مَكَاناً سُوًى. قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النّاسُ ضُحًى. فَتَوَلّىَ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمّ أَتَىَ. قَالَ لَهُمْ مّوسَىَ وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَىَ. فَتَنَازَعُوَاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرّواْ النّجْوَىَ. قَالُوَاْ إِنْ هَـَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَىَ (طه 43 - 63)
قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا ....
انظر وتأمل عظمة القرآن الكريم وروعته وإعجازه الذي لا يملك من يرتله وهو يعلم إلا أن يجثو على ركبتيه ثم يسجد في خشوع شاعرًا بانسحاق بين يدي الله العلي العظيم. هنا فرعون ليس من أهل مصر. إنه يخاف من الطرد من أرض محتلة فيها نعم كثيرة. إن موسى يطلب من فرعون أن يسمح لبني إسرائيل بالخروج من مصر إنقاذًا لهم من العذاب. وهذا خطر يهدد فرعون إذ يمثل أول انشقاق في تحالف قبائل الهكسوس في مواجهة المصريين أصحاب الأرض. وكذلك يشجع أي طائفة مستضعفة بعد ذلك أن تطالب بالسماح لها بالرحيل والعودة إلى موطنها الأصلي. إن لفظة "لتخرجنا" لهي أدق تعبير وأعظم دليل قاصم على أن فرعون ليس مصريًّا مثله مثل باقي قبائل الهكسوس. لذلك جمع فرعون الملأ لكل قبيلة ورأوا جميعًا أن ذلك خطر يهدد سلطانهم الكبير وثروتهم التي جمعوها من عرق المستضعفين. وقرروا المواجهة. وهنا تقرأ آية تقشعر لها جلود الذي آمنوا ثم تلين قلوبهم وجلودهم لذكر الله:
قَالَ لَهُمْ مّوسَىَ وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَىَ
وارتعدوا بالفعل من وقع هذه الآية على آذانهم:
فَتَنَازَعُوَاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرّواْ النّجْوَىَ
ولكنهم تنكروا لنعم الله عليهم وآياته إليهم:
{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} (النمل 14)
{فَلَمَّا جَاءهُم مُّوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ} (القصص 36)
نعم، إنهم لم يسمعوا بهذا في آبائهم الأولين. فهذه آيات لأول مرة يرونها. وبالتالي هم ليسوا مصريين. فالمصريون برعوا في السحر والفلك والطب والهندسة وفن المعمار. وهذه الآيات قريبة من جنس ما برعوا فيه. مثل القرآن الكريم الذي جاء بلغة العرب. أي من جنس ما برعوا فيه.
قرر فرعون والملأ من كل طائفة منهم مواجهة موسى وهارون من جنس ما يشبه سلاحهما، فاستعانوا بالسحرة المصريين:
{قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ. يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} (الشعراء 34، 35)
{قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ. يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ} (الأعراف 111، 112)
{قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى. فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنتَ مَكَانًا سُوًى } (طـه 57، 58)
ووافق سيدنا موسى ووضع لذلك شرطًا وافقوا هم عليه:
{قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى} (طـه 59)
وهو يوم عيد الهكسوس وان يعمل فرعون على جمعهم في ضحوة النهار. والناس هنا هم عامة طوائف الهكسوس في هوارة. وبذلك تكون طوائف العرب من الهكسوس قد سمعت ورأيت معجزات سيدنا موسى وعلمت بقصته وبرسالته.
ونصر الله عبده ورسوله موسى أمام طوائف الهكسوس. وهم:
1- قبائل عربية يحكمها فرعون وجنوده.
2- قبيلة بني يهوذا يحكمها هامان وجنوده.
3- قبيلة بني إسرائيل يحكمها قارون.
وانظر وتأمل موقف السحرة المصريين بعد أن استبان لهم الحق وهددهم فرعون بالتقتيل صلبًا:
(قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ إِنّهُ لَكَبِيرُكُمُ الّذِي عَلّمَكُمُ السّحْرَ فَلاُقَطّعَنّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مّنْ خِلاَفٍ وَلاُصَلّبَنّكُمْ فِي جُذُوعِ النّخْلِ وَلَتَعْلَمُنّ أَيّنَآ أَشَدّ عَذَاباً وَأَبْقَىَ) [طه: 71]
{قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ} (الشعراء 50)
{وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} (الأعراف 126)
(قَالُواْ لَن نّؤْثِرَكَ عَلَىَ مَا جَآءَنَا مِنَ الْبَيّنَاتِ وَالّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ إِنّمَا تَقْضِي هَـَذِهِ الْحَيَاةَ الدّنْيَآ. إِنّآ آمَنّا بِرَبّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَآ أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السّحْرِ وَاللّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىَ. إِنّهُ مَن يَأْتِ رَبّهُ مُجْرِماً فَإِنّ لَهُ جَهَنّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَىَ. وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصّالِحَاتِ فَأُوْلَـَئِكَ لَهُمُ الدّرَجَاتُ الْعُلَىَ. جَنّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَآءُ مَن تَزَكّىَ
من أين هذا العلم وهذا الإيمان؟ من المستحيل أن يكونوا تلقوه عن موسى مطلقًا. ويزول العجب وتنمحي الدهشة عندما نعرف أن المصريين هم ورثة نبي الله إدريس الذي آتاه الله من العلم والحكمة ما آتاه، قبل عصر الأسرات حوالي عام 6000 ق.م. إنهم المصريون ورثة الأنبياء الذي آمنوا بالوحدانية وبالبعث والحساب والجنة والنار على أيدي أنبياء الله. ودخل مصر إبراهيم ثم يوسف فيعقوب وموسى وكل أنبياء بني إسرائيل بدءًا من الأسرة 13 حوالي عام 2000 ق.م. فالمصريون ورثة الأنبياء وهم من اختتن واغتسل من الجنابة وتوضأ. وآمنوا أن عرش الله يوم القيامة تحمله من الملائكة ثمانية. ورسموا الميزان العدل الذي يضعه الله يوم القيامة فلا تظلم نفس شيئًا. كل هذا بوحي الله لهم على أيدي أنبيائه. لكن انظر إلى ثقافة البدو المتخلفة! انظر إلى طباع بني إسرائيل والهكسوس وقساوة قلوبهم:
{وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ } (البقرة 93)
{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَآئِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} (الأعراف 138)
إنها ثقافة الأجلاف والأعراب:
6702 أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة حدثنا حرملة قال حدثنا بن وهب قال أخبرنا يونس عن بن شهاب أن سنان بن أبي سنان الدؤلي وهم حلفاء بني الديل أخبره أنه سمع أبا واقد الليثي يقول وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لما افتتح رسول الله مكة خرج بنا معه قبل هوازن حتى مررنا على سدرة الكفار سدرة يعكفون حولها ويدعونها ذات أنواط قلنا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر إنها السنن هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم لتركبن سنن من قبلكم. (صحيح ابن حبان. ج15. ص 94)
ميراث ثقافي يجمع قبائل وطوائف الهكسوس جميعًا وهم الأعراب والعبرانيون. فكما كفروا بموسى وجحدوا آيات الله ومعجزاته على يد موسى، كذلك كفروا بالنبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم الذي قارن بعبقرية فريدة لا مثيل لها بين الموقفين. إنه النبي المسيا الخاتم الذي وضع الله يد قدرته على ظهره فكشف له بحورًا من العلم تذهب بالأبصار وتنفطر لها القلوب وتذهل لها العقول.
آمن لموسى ذرية قليلة من قومه القليلي العدد أصلًا. وتجلت عظمة رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إبمانه وقدم خطبة لهم ولنا من روائع الخطب وإعجاز قرآني لا نملك إلا أن ننحني له:
(وَقَالَ رَجُلٌ مّؤْمِنٌ مّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبّيَ اللّهُ وَقَدْ جَآءَكُمْ بِالْبَيّنَاتِ مِن رّبّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الّذِي يَعِدُكُمْ إِنّ اللّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذّابٌ. يَقَومِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللّهِ إِن جَآءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَآ أُرِيكُمْ إِلاّ مَآ أَرَىَ وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاّ سَبِيلَ الرّشَادِ. وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ. مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ
لم يحدثهم عن النبي إدريس وعلومه ورسالته ولا عن قوم لقمان المصريين. إنه يحدثهم فقط عن قوم نوح (الأعراب)، وقوم عاد (كانوا عربًا يسكنون الأحقاف)، وقوم ثمود (كانوا عربًا عاربة يسكنون الحجر بين الحجاز وتبوك). إعجاز تاريخي لا نملك تجاهه إلا البكاء، البكاء خشوعًا والبكاء تقصيرًا تجاه كتاب الله الذي يحوي بين دفتيه كنوزًا تضع بين يديك خيري الدنيا والآخرة.
لم ينته بعد خطيب الهكسوس من خطبته. فلنرتل خلفه هذه الآية ولنبك، فإن لم نستطع فلنتباكى:
{وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ} (غافر 34)
نعم. لقد جاءهم نبي الله يوسف يأمرهم بعبادة الله الواحد الأحد ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر. فما سمعوا له وما استطاعوا هزيمة شيطانهم. فنبي الله يوسف بعثه الله وسط الهكسوس، أما المصريون فقد أرسل الله لهم نبيه إدريس وليسوا بحاجة لرسالة جديدة وتشهد على ذلك شهادات السحرة المصريين الذين ظهرت صوفيتهم وحبهم الجارف لله الواحد الأحد، وقلوبهم التي تهفو إلى الآخرة وإلى لقاء الله فيقولوا لفرعون الهكسوس: "اقض ما أنت قاض إنما تقض هذه الحياة الدنيا". هل هناك إعجاز ديني وتاريخي لا تنسحق أمامه القلوب أقوى من هذا؟!
الذين يققولون أن الفراعنة الذين أذلوا بني إسرائيل هم مصريون، نقول لهم رتلوا ما يلي:
{قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} (الأعراف 123)
إن فرعون يتهم السحرة المصريين بالتعاون مع موسى للتخلص من الاحتلال. لا عداوة بين المصريين وبين بني إسرائيل. لذلك لم يطرد جيش مصر قوم موسى من سيناء واستضافهم 40 سنة:
{وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ} (137) سورة الأعراف
وإذا عدنا للوراء رأينا موسى والذين آمنوا معه لما اضطهدهم فرعون، أمرهم الله بدخول الأرض التي يسيطر عليها المصريون ويبنوا بيوتًا غير بيوتهم في هوارة، ويجعلوا بيوتهم تجاه القبلة حينئذٍ، ويقيموا الصلاة وسط المصريين الذي لم تغب عنهم معرفة الله الواحد الأحد وإكرام الضيف وإجارة المستجير بهم:
{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (يونس 87)
أرأيت؟! لا ذكر لهوارة (المدينة) هنا، وجاء ذكر مصر. لا عداوة بين موسى وقومه وبين المصريين:
"لا تَكْرَهْ أَدُومِيّاً لأَنَّهُ أَخُوكَ. لا تَكْرَهْ مِصْرِيّاً لأَنَّكَ كُنْتَ نَزِيلاً فِي أَرْضِهِ. " (تث 23: 7)
بعد هلاك فرعون وجنوده غرقًا قام المصريون بطرد قبائل الهكسوس من سيناء. فاتجه بنو يهوذا إلى فلسطين ومن بعدهم بنو إٍٍسرائيل. واتجهت باقي جحافل الهكسوس الأعراب إلى جزيرة العرب ومعهم بعض من بني يهوذا وبني إسرائيل الذين فضلوا النزوح للجنوب.
شيد الذين نزحوا إلى فلسطين مدينة سموها "هورشليم" (أورشليم: مدينة السلام) مثل "هوارة" في الاسم، كما غيَّر المسلمون العرب مدينة يثرب لتصبح "المدينة"، ضاربين مثلًا في التوارث الثقافي في أوساط العرب والعبرانيين. ونقلت قبائل الأعراب الأسماء المصرية وأطلقتها على مدنهم ومناطقهم وقبائلهم في الجزيرة العربية (كمثال: تيماء: الأرض الجديدة، هوازن: رافعو الأعلام، قريظة: حاملو الدروع، خزرج: فنيو أعمال النحت ......الخ). وكذلك الاسم "يثرب" الذي يعني في اللغة المصرية القديمة "ملجأ الهاربين." وكأن هذه المدينة بهذا الاسم قد وضعت خصيصًا للجوء أتباع النبي المسيا الخاتم إليها فرارًا بدينهم من تعذيب مشركي وكفار مكة.
ولما أرسل الله محمد للناس كافة، قال العرب والأعراب يومئذٍ:
"[color=Red]وَلَوْلآ أَن تُصِيبَهُم مّصِيبَةٌ بِمَا قَدّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُواْ رَبّنَا لَوْلآ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُ
|
|
08-05-2005, 11:56 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
اسحق
عضو رائد
المشاركات: 5,480
الانضمام: Jul 2004
|
فرعون موسى بين الكتب المقدسة والتاريخ
|
|
08-10-2005, 01:33 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
اسحق
عضو رائد
المشاركات: 5,480
الانضمام: Jul 2004
|
فرعون موسى بين الكتب المقدسة والتاريخ
|
|
08-15-2005, 05:51 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}