{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
عن أرواح المدن والنساء براغ ......كأفيون أدبي
بسام الخوري غير متصل
Super Moderator
******

المشاركات: 22,090
الانضمام: Feb 2004
مشاركة: #1
عن أرواح المدن والنساء براغ ......كأفيون أدبي
عن أرواح المدن والنساء براغ كأفيون أدبي

"براغ لا تتركني... هذه العجوز تملك مخالب"

فرانز كافكا

في احد كتبه، يقول فرويد انه لم يتمكن بعد 30 عاما من دراسة روح المرأة من الاجابة عن سؤاله الحقيقي: ما الذي تريده المرأة؟ السؤال نفسه طرحه احد الكتاب: ما الذي يجعل المدن تزدهر؟ ما الذي يجعل لندن أو نيويورك مختلفة عن ابسويتش؟ ولماذا تكون للمدينة حقبة ذهبية، ولماذا لم تعد اثينا او فلورنسا او فيينا عواصم للابداع؟

لم افهم روح النساء ولا روح المدن. لكني اعتبر ان روح المدن من روح نسائها ومن حريتهن. ربما لهذا السبب كرهت الريف واحببت بيروت، وتعلقت بها كثيرا، وعشت في ظل كوابيسها.

ما لا افهمه هو حبي لبراغ عن بعد، رغم انه لم يتسنّ لي ان اوضب حقائبي وازورها. لم ازر مدينة حقيقية الا بيروت. احببت براغ في الصورة والكتب، بحثت عنها في الروايات، فوجدت علاقة الكتّاب بها اقرب الى اللغز، اذ ان الكثيرين عاشوا في كنفها، وكان بينهم خيط لامرئي من فرانز كافكا الى ميلان كونديرا وايفان كليما. خيط لامرئي مصدره الحياة "الكابوسية" في هذه المدينة. فرغم عراقة الفن العماري فيها، يبدو انها محكومة بقالب كابوسي بيروقراطي، على ما نقرأ في روايات كافكا ويومياته، او بالحياة في ظل النظام الشيوعي كما عند كونديرا، او بمجتمع الحاضر والمستقبل كما عند كليما.

حين اراد سومرز ان يخرج فيلم "دراكولا" اختار براغ ذات المناخ البارد والاجواء الضبابية ليضفي بعداً راعبا، وحاول أن يجعل إحدى كلاسيكيات الرعب السينمائي شخصية متطورة تكنولوجيا عبر المؤثرات الصوتية وإيحاءاتها الواقعية. يصف نقاد السينما الفيلم بالناجح لاختياره موقعا يمنح المشاهد شعورا بواقعيته، وخصوصا انه صوّر براغ عبر مناخها وابنيتها الموغلة في فن العمارة القديم.

عاش كافكا في براغ لأنه ربما كان يعلم انها "دراكولا الروح" بالنسبة اليه، بل دراكولا الفتنة، وأنها تجعل الكتابة سببا للحياة، على نحو ما كان المرض سببا للابتعاد بالنسبة اليه. براغ مدينة المئة برج، احتلت مكانة مميزة في ذاكرته، فاعتاد التسكع بمفرده في شوارعها واستكشاف المشاهد الطبيعية حولها، وعانى ارهاب البيروقراطية التي لم يكن يطيقها، فظل عاجزا عن اقامة علاقة عاطفية حقيقية، لذا كان يمر قبالة المبغى، كأنه يمر من امام منزل حبيبته. وقد شكلت جزءا من وجدانه الادبي والفكري، على نحو ما شكلت سان بطرسبورغ بالنسبة الى دوستويفسكي، اذ اصبحت رمزا للقاع. مدينة تحتية كل شيء فيها معتم، فقط سماؤها بيضاء.

دبلن بالنسبة الى جيمس جويس كانت رائعة، احبها صاحب "عوليس" وكرهها بالقوة نفسها، وقد حملت الايرلنديين على تحويل يوم 14 حزيران من كل عام عيداً قومياً، والتجول في الاماكن نفسها التي مر بها بطل الرواية مستر بلوم.

في براغ يبدو ان الموضة الثقافية تتجسد في البحث عن الاماكن التي مر بها كافكا. الكتّاب يتحدثون عن لغزه واساطيره الغرائبية الواقعية رغم مرور ثمانين عاما على وفاته. فهناك "كافكالوجيون" في الكتابة، منهم الايراني المنتحر صادق هدايت صاحب "البومة العمياء"، وكونديرا وايمري كيرتش ومارتين فلزر وغيرهم. أي أن كافكا صار رمزا، والرمز مصطلح يجب التعامل معه بحذر كبير، "حتى انا بالفعل، لم اعد اعرف ما الذي يكون رمزا"، يقول المفكر والروائي الايطالي امبرتو ايكو. كافكا رمز في كل شيء، في علاقته بمدينته براغ، وفي تنظيراته عن الكتابة، والكلام عن سلطة والده ومسخه. رمزيته تعيدنا الى عبارة فرويد حول فهم روح المرأة.

براغ مدينة كافكا، تقلباتها تشبه قلقه. عرفت المدينة تغيرات اجتماعية بدلت في نسيجها السياسي. ففي العام 1891 كتبت جميع اللافتات في شوارع براغ باللغة التشيكية كجزء من صراع البقاء والوجود واعادة الحضور الى ذات الامة البوهيمية. وفي العام نفسه عقد مؤتمر للناطقين بالتشيكية في المناطق البوهيمية، تمخض عنه توفير خدمات صحية واجتماعية في الأحياء الفقيرة. ازعج ذلك الامبراطورية النمسوية، فأعلنت احكاما عرفية استمرت حتى عام 1907، شهدت براغ خلالها موجة من الاضطرابات واعمال التخريب والعنف اشهرها عاصفة الديسمبريين عام 1897، والتظاهرات الكبرى التي شارك فيها نحو 200 الف شخص عام 1905. كذلك ظهرت احزاب تشيكية قوية منها حزب الديموقراطيين الاشتراكيين، وحزب الواقعيين الجمهوري، وقد تحمس كافكا لهذين الحزبين لكنه لم ينتسب الى أي منهما.

زمن كافكا، كان الوضع السياسي مضطربا في براغ. فالطلاب الألمان الذين قدموا من خارج المدينة، كانوا يعارضون البورجوازية، والعمال يعارضون مستغليهم الرأسماليين، وكان التشيكيون ضد هيمنة الالمان الاقتصادية والسياسية. وكان الصراع ذا وجهين، فمن طرف كان صراعا بين القوميات، ومن طرف آخر كان صراعا بين الطبقات. بعد انهيار الإمبراطورية النمسوية في اعقاب الحرب العالمية الاولى، تأسست في تشرين الاول 1918 جمهورية تشيكوسلوفاكيا واعلنت براغ عاصمة لها.

ورغم ان عدد الالمان في هذه المدينة لم يكن يزيد على خمسة في المئة من عدد سكانها، فإنهم كانوا يعيشون حياة اجتماعية وثقافية نشيطة. كان لديهم مثلا مسرحان، ومبنى ضخم للحفلات الموسيقية، ومبنى آخر للنوادي، واربع مدارس متوسطة...

في العقدين الاول والثاني من القرن العشرين عاش الادب الالماني فترة ذهبية في براغ، وكان للكتاب الالمان ثلاثة انتماءات: الانتماء الالماني ثقافيا، والنمسوي سياسيا، والتشيكي اجتماعيا. لذا فقد خرج ادب هؤلاء من المحلية والقومية، ودخل الى الأوروبية والعالمية. وكان كافكا وريلكه اهم هؤلاء الكتاب.

لم يعش ريلكه في تشيكيا، بل يعتبر المانيا بامتياز. كتب عنه مارتن هايدغر: "عندما يكون الشاعر شاعراً في زمن الأزمة، فإن شعره يجيب فقط عن السؤال الآتي: "لماذا هو شاعر؟ وإلى أين غناؤه المستمر ابداً؟ وإلى أين يتجه في ليل العالم؟". اما كافكا فرغم رحلاته الكثيرة خارج براغ والتي توحي أنه كان يبغضها، فانه عاش طوال حياته في كنفها ولم يبرحها الا قليلا. والمدينة الاخرى التي كان يحبها هي برلين. كان مغرما بالطبيعة والهواء النقي، وتعوّد القيام بنزهات ورحلات في الريف بغرض الراحة، وحظيت قريتا ليبوخ ودوبر يشوفيتش بمكانة خاصة في قلبه.

قيل ان كافكا لم يكن في ميسوره ان يبدع الا في مدينة مثل براغ، في وسط البيوت القديمة والازقة الضيقة. فهو يقرأ روح هذه المدينة خصوصا في روايته "القصر". القراءة تدفع باللغة الى قول ما لم تتعود قوله بحسب جاك دريدا، اذ تستحوذ كل قراءة المعاني والدلالات، وهذا ما فعله كافكا. فشخوصه اثر لشخوص براغ وكذا لغته وعمله. ويمكن فهم براغ وتحديدها من خلال كافكا اكثر من فهمها وتحديدها لدى أي كاتب آخر باللغة التشيكية. ربما كان هذا احد الاسباب اللارادية لمحاولات التشيكيين اخيراً اعتبار كافكا كاتبا تشيكيا وانتزاعه من المانيا.

الحياة الملتهبة

لغز آخر يرتبط بالعاصمة التشيكية، اطلق عليه اسم "ربيع براغ" 1968 ويبقى في تاريخ الأمم صورة خالدة لرغبات الشعوب بالانتفاض على الاحتلال. لقد كان كونديرا شاهدا على "ربيع براغ"، الذي هشم وجه الاشتراكية الانساني. وجاءت روايته "المزحة" تعبيرا عن تلك المرحلة. كتبت "المزحة" ببراعة، وعلى نحو محكم الدقة، وكانت إقرارا بعدم جدوى الحياة في ظل الحكم الشيوعي. وشارك الرئيس المثقف فاتسلاف هافل في هذا الربيع الرمزي الذي سُحق، وبات مصطلحا سائدا في اصقاع الارض من الصين الى دمشق وبيروت. بعد الغزو السوفياتي دُمرت الحياة الثقافية الحرة ومُنع الادب التشيكي الذي صار متداولا عبر المخطوطات، وقد ظهرت تجارب مميزة في السبعينات منها تجربة بوهميل هربال.

صحيح ان "ربيع براغ" انتهى بدخول الدبـابـات السـوفـيـاتـيـة واعادة احتـلال الـبـلاد بـكامـلهـا، لـكـن توالي الاحداث في التسعينات أكد ان الحرية التي دفعت براغ ثمنها غالياً عادت لتثبت وجودها وعادت تـشـيـكـيـا الى استـقـلالها بعـد انفراط عقد الاتحاد السوفياتي السابـق.

صحيح ان "ربيع بيروت" ضاع في معمعة الطوائف لكنه حرر لبنان من الوصاية السياسية والأمنية. لا شك ايضا ان هذا الربيع كان في بعض مضمونه طائفيا، او شحنا طائفيا ردا على شحن طائفي آخر، تحت اهزوجة هلل لها الكثيرون وهي التوحد تحت العلم اللبناني. ومع زوبعة الانتخابات النيابية، رجعت الاعلام "الزاروبية" الى اماكنها المعهودة، واصبح العلم اللبناني خجولا، او على هامش اعلام الجماعات التي تصادر الدولة وتنتهك سيادتها، على نحو ما كانت تفعل "سوريا الاسد" .

سحر الرمز

بين بيروت وبراغ هناك "سحر الرمز" الذي تحدثنا عنه، والذي يحتاج الى مفسر لفهمه. لكن بين "ربيع بيروت"، و"ربيع براغ" فرق في طرق التعبير. فالرواية اللبنانية لم تكتب حيثيات الوضع القائم. بقي الروائيون في لبنان مبتعدين عن فضح الممارسات التوتاليتارية واساليب الاحتلال. في حين أن كونديرا أفاض في سرد زمن السيطرة التوتاليتارية وسلوكها الغريب في العاصمة التشيكية. ففي كتابه "الضحك والنسيان"، يتذكر بطل الرواية كارل والدته وسلوكها الغريب أثناء اجتياح 1968 عندما اجتاح الروس براغ. فقبل أسبوع طلبت والدته من الصيدلي أن يأتي ليقطف شجرة الأجاص التي نضجت في حديقتها. "لكنه لم يأت ولم تستطع والدتي أن تغفر له أبدا". في البداية اغتاظ كارل من موقف والدته الشخصي غير السوي: "الجميع يفكرون في الدبابات، وأنت تفكرين في الأجاص". لكنه مع مرور الزمن بدأ يتعاطف مع منظور والدته، " آه، نعم! في الواقع إن أمي على حق. الدبابات فانية، أما شجرة الأجاص فخالدة". هل قصد كونديرا بالدبابات الفولاذ الستاليني، وبالاجاص الحياة العابرة بلا أيديولوجيا التي يعيشها كل انسان خارج نطاق التعقيدات؟

نقرأ في روايته "الجهل" ليس عن مواجهة الدبابات السوفياتية، بل عن لحظة سقوط الشيوعية سنة 1989. ففي مطار باريس تلمح البطلة ايرينا وهي مهاجرة تشيكية تعيش في فرنسا أثناء عودتها الى براغ، شبح صديق قديم من بلادها هو جوزف الذي التقته صدفة في إحدى الحانات الشهيرة في تشيكوسلوفاكيا وتحدثت اليه واتفقا على لقائهما التالي في براغ ولم يلتقيا إلا بعد عشرين سنة.

كانت ايرينا قد غادرت براغ مع زوجها الى منفاهما الاختياري باريس في سنة 1968 هرباً من وطأة الضغوط السياسية التي كان يتعرض لها، وبعد رحيله عن الدنيا راودها الحنين للعودة الى تشيكوسلوفاكيا مع ابنائها وأحد اصدقائها الأوروبيين الذي يقرر إقامة مشروع تجارى هناك.

ما يريد كونديرا قوله فى النهاية أن بطليه يتعرضان للصدمة بعودتهما الى موطنهما الأصلي وان كل منهما يكتشف الوجه الجديد المفزع لبراغ كما يكتشف آثار الهزيمة العاطفية التي تقتل في اعماقه الرغبة في الاستمرار في هذا المكان.

اما غوستاف، صديق إيرينا، فيقيم في براغ بعد سقوط الشيوعية ويغوي صديقته بالعودة إلى وطنها الأم. غير أن براغ غوستاف مختلفة عن براغ إيرينا. براغه مدينة المال، تحل فيها اللغة الإنكليزية محل التشيكية في اعتبارها لغة مشتركة.

غوستاف، كما يصوِّره كونديرا، عديم الرحمة. تراه ايرينا في مكتبه يرتدي تي شيرت كُتِبَ عليه "فرانز كافكا وُلد في براغ". بينما تقيم إيرينا وليمة غداء وتجلب نبيذا فرنسيا فاخرا. لا يكتفي أصدقاؤها بتجاهل النبيذ الفرنسي واحتساء البيرة التشيكية بل، علاوة على ذلك، يتجاهلونها هي نفسها ولا يبدون أي اهتمام بحياتها التي أمضتها في باريس. وبتجاهلهم الكلّي لتجربتها في الخارج، استأصلوا عشرين عاما من حياتها، وبهذا الاستنطاق يحاولون أن يخيطوا ماضيها القديم على حياتها الراهنة.

يبين كونديرا مدى الكيتش الثقافي عندما يتحدث عن الرجل الذي يرتدي "تي شرت كتب عليه "كافكا ولد في براغ"، الكيتش في وصفه عودة الى الرمز لا المضمون. الكيتش في تعريف بعضهم، ليس مجرد عمل سقيم الذوق، بل ينطوي على موقف رخيص، وسلوك رخيص، وحاجة الإنسان التافه الى عمل رخيص، هي الحاجة الى التحديق في المرآة، حتى تبتل عيناه بدموع الفرح لرؤية انعكاس صورته الخاصة. انها موقف الشخص الذي يريد أن يعجب الآخرين بأي ثمن، ولكي يعجب الآخرين، يجب عليه أن يؤيد ما يريد الكل سماعه او مشاهدته.

الكيتش كالحب، يتأصل في قدرة الانسان على الاحساس الوجداني، خلافا للتفكير المنطقي. الا ان محتواه العاطفي، على عكس الحب، يتضمن شيئا زائفا او خاطئ الوجهة، لكنه ليس عنصر رياء.

لا قديسون ولا ملائكة

من هذا المنطلق يشرّح كونديرا الحياة الأدبية التشيكية وكيتشها من العام 1950 حتى اليوم فيبيّن في شكلٍ دقيق غناها وتنوّع التجارب الأدبية التي عرفتها وأهميتها على المستوى الأوروبي. اما ايفان كليما فنقيض مواطنه كونديرا رغم نقاط التشابه الكبيرة بينهما. ثمة هوة عميقة بين طبعَيهما وأصولهما ومسارَيهما في الحياة. لكن هنالك في الوقت نفسه قرابة شديدة على مستوى استخدام الإيروسية والكفاح ضد اليأس السياسي وطريقة توقف كل منهما عند النفايات الاجتماعية واستعدادهما الدائم للجدل وخلط الأنواع الأدبية وتعلّقهما بقدر المنبوذين.

يشير كليما إلى أن الثقافة التشيكية كانت تقود صراعاً مريراً ضد النظام التوتاليتاري شارك فيه المفكرون الذين بقوا داخل البلاد وأولئك الذين كانوا منفيين وعانوا كثيراً وضحّوا بحريتهم الخاصة ووقتهم وأحياناً بحياتهم، في حين أن كونديرا الذي حقق آنذاك شهرة عالمية لم يتضامن قط معهم ولم يشارك في هذا الجهد. لقد آثر كونديرا الرحيل والعيش في المنفى، غير ان هناك من اصر على البقاء في البلاد رافضا الاستسلام ومتحملا عواقب البقاء والرفض. فهذا ايفان كليما يؤثر مهانة العمل كجامع للقمامة على مغادرة براغ والاقامة في الخارج كمنشق ومنفي. ورغم ان كليما كان في الولايات المتحدة ابان الغزو السوفياتي لتشيكوسلوفاكيا عام 1968، وامتلك ذريعة كافية للبقاء في الخارج، الا انه لم يفعل.

والحق ان كونديرا شبيه بالقضايا التي انتقدها. فهو اذ يحذر من "الكافكالوجويا"، يعتبر ان شهرة جان بول سارتر جاءت على حساب الروائي البولوني بورغوفيتش، لان هذا الاخير لم يكن إيديولوجيا. شهرة كونديرا جاءت على حساب كليما. الأول ذهب الى باريس، وسلطت الاضواء عليه في وصفه هاربا من النظام التوتاليتاري، وعومل في اعتباره مضطهدا وتشيكيا يكتب بالفرنسية. الثاني لم يكن منشقا، وبقي يصارع روح براغ.

ايفان كليما كان قلقا من حاضره ومستقبله. في روايته "لا قديسون ولا ملائكة" يبدو كأنه يقوم بتفكيك هذا المشهد الحي في براغ الذي يرمز اليه بحالة التفكك والضياع العاطفي التي تعيشها العائلة التشيكية وهي تحاول ان تزيح عن كاهلها عبء التفكير في تاريخها الشيوعي السابق.

بطلة روايته كرسينا يلاحقها الماضي بظلاله الثقيلة بدءاً بتاريخ ميلادها في يوم يشكل في ذاته منعطفاً تاريخياً مهما في تشيكوسلوفاكيا وحدها، وإنما على مستوى القرن العشرين بأكمله هو اليوم الذي يرحل فيه ستالين عن الحياة. ليس ذلك فحسب، إنما هي المرحلة التي تشعر فيها بالتمزق الحقيقي بين مشاعر الفرح والألم، بين حياتها النزقة المتواضعة في مجتمع براغ في بيت تعيش فيه مع ابنتها المدمنة جانا لتوازن بين حياتها السابقة في هذا المجتمع وحياتها الجديدة المترتبة على ذلك كنتيجة حتمية.

بحسب رواية كليما تنشأ في صيف سنة 1998 بين كرسينا (45 عاما) وجان هونزا (30 عاما) علاقة عاطفية. رغم انها غير متكافئة تبدو كرسينا مشدودة إليها لمبررات كثيرة منها ان هونزا هو ابن مواطن اقدم النظام السابق على اغتياله في الخمسينات في حين انه يعمل الآن لدى الحكومة التشيكية ضمن نخبة تم تشكيلها للتحقيق في جرائم النظام الشيوعي السابق. رغم أهمية هذه المبادرة لم يشعر بالارتياح لاكتشافاته الجديدة إذ سرعان ما تم حل اللجنة تحت ضغوط متزايدة من الحكومة التشيكية وتسريح أفرادها على نحو شديد البساطة.

التحولات تزداد قتامة عندما يمتد الصراع لتتوسع جبهة المواجهة في المرحلة الجديدة رغم احاطتها بإطار من الحرية على نحو لم يتوقع معه أحد ان تصير مرحلة صراع حقيقي على مستوى القيم الاخلاقية المادية الجديدة التي تهدد كيان الأسرة التشيكية.

مجتمع براغ كما تصوره رواية كليما ممزق. حتى كرسينا نفسها تعيش ممزقة بين تفكيرها في نفسها وتفكيرها في ابنتها وبيتها ومعاقرتها الخمر وتعثرها العاطفي.

روايات كليما، وان تكن موضوعاتها تتمحور حول هاجس التحول السياسي في بلاده، تشتمل على خطاب آخر لا يقل اهمية هو خطاب الحياة في معناه الواسع بما في ذلك الديكتاتورية والرقابة والحب.

روح براغ هي روح الكتابة عند كونديرا وكافكا. روح مشحونة بالمعاني لكنها تعبث بوجودنا.


يوسف حاتم

http://www.annahar.com/cults/
08-05-2005, 08:15 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  الوصايا العشر ( نص أدبي ) أحمد شهاب الدين 1 430 04-22-2006, 12:16 AM
آخر رد: أحمد شهاب الدين

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS