الملك فهد.. و2 أغسطس

عادة ما يتذكر التاريخ كل رجل دولة قاد بلاده في حقبة تاريخية معينة بمنعطف او منعطفين كبيرين اضطر فيهما الى اتخاذ قرارات حاسمة كان لها تأثيرها. وقد قاد الملك فهد السعودية في فترة تاريخية حافلة بالأحداث والأعاصير منذ عام 1982 جرى فيها تحديث المجتمع والاقتصاد السعودي في منطقة شهدت الكثير من الاضطرابات والاعاصير السياسية، لكن التاريخ بدون شك سيسجل غزو العراق للكويت في الثاني من اغسطس (آب) 1990 وما تلا ذلك من حرب الخليج باعتبارها اهم التحديات والأعاصير التي واجهها الملك الراحل. ومن مفارقات الاقدار ان وفاة الملك فهد جاءت قبل يوم من الذكرى

الـ 15 لغزو الكويت، والتي كانت بمثابة زلزال غير متوقع هز المنطقة والعالم، وما زالت تداعياته السياسية مستمرة حتى اليوم.

وفي ازمات مثل هذه تحتاج الدول والأمم الى زعماء قادرين على اتخاذ قرارات حاسمة بدون تردد او خوف ويستطيعون تحمل مسؤوليتها واقناع الناس بها.

واذا عدنا الى مسار الأحداث والتطورات الملتهبة التي تلت زلزال غزو الكويت وحرب الخليج الاولى والانقسام الذي ساد العالم العربي، بينما كانت الاعصاب ملتهبة والموازين دقيقة للغاية وأي خطأ سيكلف الكثير، سنجد ان الملك فهد استطاع وقتها ان يتخذ قرارا استراتيجيا في ما يتعلق بالتحالف الدولي الذي تشكل لتحرير الكويت وحماية السعودية من الخطر الذي يهددها في حالة لو استسلمت لابتزاز صدام حسين وقتها وتركت الكويت لمصيرها.

وقيل الكثير وقتها وبعدها عن الحل العربي ـ العربي وترك الفرصة للتفاوض والمساومة مع صدام، لكن كل من يفقه اولويات الاستراتيجية وكيف تدار السياسة الاقليمية والدولية كان يعلم ان ذلك الحديث مجرد هراء ومحاولة لكسب الوقت حتى يستطيع الغازي هضم فريسته، ومن ثم فرض شروطه على الصعيد الاقليمي من حيث إعادة صياغة التوازن الاقليمي للقوى وعلى الصعيد الدولي بالسيطرة على سوق النفط. واذا كان هناك من يُلام بخلاف القرارات المتهورة التي كان صدام يتخذها فهو النظام العربي نفسه الذي يتسم بالمجاملات وعدم القدرة على المواجهة من البداية والذي يجد دائما من يبرر المغامرات والأفعال الطائشة التي تضر المنطقة وشعوبها بشعارات ثبت انها لم تجلب سوى الهزائم والخراب.

ويُحسب للملك فهد أنه تصرف كرجل دولة اتخذ قرارا حاسما وسط هذا الإعصار ليضع بلاده في الجانب الرابح، ومن ثم كان ما كان من حرب الخليج وتحرير الكويت على يد التحالف الدولي والاقليمي الذي تشكل وقتها.