من هو كاتب الإنجيل للقديس لوقا؟
العلماء ومصادر الإنجيل للقديس لوقا كما ورد في كتاب تفسير إنجيل لوقا للأب متى المسكين :
يبتدىْ ق. لوقا انجيله ( 1: 1- 4) بمقدمة تعطيه الصفة الرسمية بأعتباره تجميعاً لنصوص وحقائق على اساس تقليد يقوم على الرؤية العينية , ومن افواه خدام رسميين للكلمة , حيث يقصد التلاميذ والرسل الذين يتتبعهم فى سفر الاعمال بشخصياتهم واقوالهم وطبائعهم وكرازتهم . فهو يقدم تسجيلات تاريخية موقعة على هيئة احداث وتعاليم , بعد فحص ومتابعة ومثابرة متأنية استترت وراء الحوادث , ولكن تنطق بقدرة ق. لوقا كمؤرخ وباحث ملهم لا يكتفى بالعرض والتسجيل ولكنه يصنع من العرض والتسجيل بشارة الهية مفرحة تحمل معياراً لاهوتياً عالى المستوى . فالقديس لوقا فى انجيله على مستوى الانجيل الذى كتبه , فهو لاهوتى يسجل لاهوتيات , وفى هذا يهدف ان يقدم خبراً صحيحاً دقيقاً كاملاً محققاً على مستوى الصدق والحق معاً , بترتيب ينطق بعبقرية النظام زالتتابع الالهامى .
وهو كغيره من الانجليين يقدم تقليداً رسولياً غير انه يخفى علاقة لاهوتية وفكرية تعليمية بالقديس بولس الرسول لا يسهل العثور عليها مباشرة , فهى منسوجة مع روايته .
وفى نفس الوقت يحمل مصادر واضحة ومباشرة من انجيل ق. مرقس بألفاظها و اسلوبها , فلغة ق. مرقس تكشف هوية صاحبها شاء الناقل او لم يشأ.
والعالم جوانس وايس الذى فصص انجيل ق. لوقا تفصيصاً على اساس بحثى متين قد وجد اننا :[ اذا اسثنينا الاصحاح الاول والثانى , ثم الخاتمة التى تبدأ من ( 24: 9) حتى النهاية , ثم بأخراج الجزء من ( 6: 20) والاخر من ( 9: 51) حتى ( 14: 8) يكون كل ما بقى من انجيل لوقا بأكمله سواء فى ترتيبه او صيغته الخاصة جداً هو اعتماد كلى على انجيل ق. مرقس ].
اما انجيل القديس متى كمصدر استقى منه القديس لوقا فى انجيله , فالعالم أ هـ . و . ماير يؤكد ان ق. لوقا اعتمد على القديس متى فى الاجواء غير الموجودة عند القديس مرقس , ولكن وايس خالفه فى ذلك . اذ يقول وايس ان القديس لوقا استقى الاقوال من مصادر رسولية اقدم من انجيل متى , والتى تحتوى على مادة تاريخية اكثر من انجيل ق. متى اما اماكن اخذ القديس لوقا من هذه المصادر الرسولية الاقدم فهى معروضة فى الاجزاء التى تضمنها ق. لوقا فى انجيله والتى ذكرناها اعلاهو وقد نقلها ق. لوقا بوضعها والفاظها زنطامها . ويقرر العالم نورتون ان انجيل القديس لوقا لا نجد فيه سوى عشرة فقط منقولاً بحروفه من بقية الاناجيل , والتسعة اعشار الاخرى هى من صياغته الخاصة . وبالتحليل الدقيق قد لا تزيد النسبة عن واحد على عشرين , حيث قصد ق. لوقا فى الاجزاء التى اقتبسها من الاناجيل الاخرى ان يكتبها بلغته الخاصة ويعيد صياغة الترجمة ليعطيها صفة الاصالة التى التزمها على نفسه .
وبالرغم من ان مادة انجيل ق. لوقا تبدو ضعف ما حواه ق. مرقس , الا اعتمد فى هذا عليها كليهما ولكن بأسلوبه الخاص .
اما فيما غير الانجليين متى ومرقس كمصادر لانجيل ق. لوقا فتقف اقوال الرسل انفسهم اما السفاهية او المكتوبة , كمصدر ثالث هام للغاية . فأنجيل ق. لوقا يحمل الاصالة الرسولية الرسمية بكل تأكيد , ذلك بشهادة الكنيسة الاولى خاصة ما جاء فى القوانين الرسولية . علماً بأن علاقة ق. لوقا بالقديس بولس تبرز ذاتها بكل تأكيد , وقد انحدر الينا رسمياً من اقوال القديس ايرينيئوس ما يؤكد هذا :
[ ولكن لوقا وهو رفيق بولس وضع فى كتابه الانجيل الذى كان بولس يبشر به ]
وهذا الامر نفسه لفت نظر كل من اوريجانوس ويوسابيوس وجيروم , اذا رأوا ان انجيل ق. لوقا اثماً تخطط حاملاً اصطلاحات ق. بولس الذى كان يسميه ق. بولس " انجيلى" ( رو 2: 16) ويقيناً اطلع ق. لوقا ودرس واستفاد من الرقوق والكتب التى يحملها ق. بولس فى اسفاره :" الرداء الذى تركته فى ترواس عند كاربس , احضره متى جئت , والكتب ايضاً ولا سيما الرقوق "( 4: 13).
كذلك لا يمكن ان نغفل المقدار الهائل الذى استوعبه ق. بولس من المسيح رأساً والذى شاركه فيه ق. لوقا واستوعبه :" لاننى تسلمت من الرب ما سلمتكم ايضاً ان الرب يسوع ... الخ "( 1كو 11: 23) علماً بأن غالبية العلماء يضعون تاريخ كتابة انجيل ق. لوقا قبل كتابة سفر الاعمال الذى ينتهى فجأة اثناء زمن سجن ق. بولس فى روما . اى ان الانجيل كتب فى اول زمن سجن ق. بولس فى روما :" واقام بولس سنتين كاملتين فى بيت استأجره لنفسه وكان يقبل جميع الذين يدخلون اليه "( اع 28: 30). هذا ما كتبه . قلوقا بنفسه فى سفر الاعمال . وهكذا جلس ق. لوقا يسمع ويكتب من فم ق. بولس , وهذا للاسف الشديد لم يدخل فى حسبان كثير من الذين تعرضوا لشرح انجيل ق. لوقا , وفات على الجميع مقدار تأثير ق. بولس الشديد فى انجيل ق. لوقا غير ان ق. لوقا لم يشر الى ذلك بل تركه للقارىْ ان ق. لوقا كان مع ق. بولس فى السفينة التى اقتلهما الى روما وتحطمت بهما على شواطىْ مالطة , , وعانى مع ق. بولس الغرق والاشراف على الموت , ثم جلس بجوار ق. بولس يكتب هذه القصة بدقائقها وبقية سفر الاعمال النفيس .
كيف اخذ القديس لوقا من المصادر الموضوعة امامه ونسج منها قصة واحدة :
بقدر ارتفاع قيمة المصادر واهميتها وفرادتها يأخذ ق. لوقا اهميته وفراداته فى انجيله , وقد سبق ان قلنا ان اول مصدر هام وفريد التجأ اليه ق. لوقا هو انجيل ق. مرقس كأساس لانجيله . ولكن هناك مصدر اخر اقترحه العلماء واعطوه اسم Q , وهو يمثل فى الحقيقة الجزء المشترك بين انجيل ق. لوقا وانجيل ق. متى غير موجود فى انجيل ق. مرقس . وينحصر فى حوالى 200 ايه لا يظهر منها شىْ فى انجيل ق. مرقس . وهذه الوثيقة اعتبرت مفقودة ولكن يظن ان تتابع اجزائها كان اقرب لانجيل ق. لوقا اكثر مما لانجيل ق. متى .
على الابحاث الحديثة اظهرت ان ق. لوقا لم يعتمد على ما جاء فى انجيل ق. متى , ولكن كلا من ق. وق. متى اخذ بدوره من نفس الوثيقة Q كل حسب اسلوبه ؛ بل يظن ان هذه الوثيقة ذاتها Q كان يوجد لها اكثر من نسخة منقحة .
على ان قصة الميلاد التى سجلها ق. لوقا فى الاصحاحين الاولين لا يوجد لها مثيل فى اى من الاناجيل , لذلك اعتبرت انها منقولة بحد ذاتها من مصدر اعطاء العلماء حرف L وهكذا اتحدث الوثيقتان فى انجيل ق. ق. لوقا Q + L مع ما جاء فى انجيل ق. مرقس . على ان ما جاء فى تسجيل فصل الالام يعتبر خاصاً بالقديس لوقا .
وعلى العموم يبدوا واضحاً ان الدقة التى التزمها ق. لوقا فى تأليف انجيله ترجع بالدرجة الاولى الى اهمية ورسوخ التقليد فى هذه المصادر التى اخذها عنها ق. لوقا : سواء انجيل ق. مرقس او وثيقة Q او L .
فأذا اردنا معرفة المزيد عن كيف استخدم ق. لوقا هذه المصادر التى اعتمد عليها , يلزمنا ان نعمل مقارنة بين انجيلى ق. لوقا و ق. مرقس والوثيقة كما اخذها القديس متى . وهذه الدراسة قام بها العالم بوركت الذى اكتشف ان ق. لوقا ولو انه لجأ الى بعض التصرف فى الاخذ من انجيل ق. مرقس , الا انه لم يخرج عنه كثيراً . على ان ق. لوقا بعد ان اعتمد على انجيل ق. مرقس , عاد فأجرى على كل ما دون مراجعة منهجية غيرت قليلاً من الشكل الذى اعتمد عليه , وهذا نراه بوضوح اذ اصبح لانجيل ق. لوقا وانجيل ق. لوقا اسلوبه الموحد والمميز . ولكن هذا لم يعق الباحثين من العلماء عن عمل دراسة مقارنة بين انجيل ق. مقارنة بين انجيل ق . لوقا وانجيل ق. مرقس ذات موضوعية من جهة النص . وفيها اكتشفوا ان التغيير الذى اجرأه ق. . لوقاعلى ما اخذه من انجيل ق. مرقس اصاب بدايات الفقرات ونهايتها واحتفظ بالمضمون كما هو . كذلك اجرى قلمه على سرد الرواية مع حفظ صحة المقولات , على انه كان شديد الحرص ان يحتفظ بكل ما اخذه من المصادر دون تغيير .
اما فى رواية الالام فظهر كيف كان ق. لوقا يضم المصادر ليستخرج منها الوقائع بتسلسل .
على ان ق. لوقا التزم بترتيب الاحداث كما جاءت فى انجيل ق. مرقس حيث اتبع ق. مرقس دون انحراف . ولكن ق. لوقا لم يلتزم بتحديد الاوقات او الاماكن التى اوردها ق. مرقس اذ ترك ق. لوقا الاوقات والاماكن بلا تحديد .
اما الاختلاف فى اللاهوت المنهجى بين ق. لوقا . مرقس فيظهر بوضوح كان ق. مرقس حريصاً اشد الحرص على سرية المسيانية فى كل اقوال واعمال المسيح بأهتمام بالغ على مدى الانجيل كله , بينما نجد هذا غير وارد عند ق. لوقا ، ا اهتم بأمور أخرى رآها أكثر أهمية . فبدت تعاليم المسيح و صورته مغايرة فى انجيل ق. لوقا عن ما هى فى انجيل ق. مرقس.
كما كان يحلو للقديس لوقا أن يغير من الدقائق التى اهتم بها ق. مرقس، فمثلاُ فى مثل الزارع نجد الذى سقط على الأرض المحجرة عند ق. مرقس مات اذ ليس له جذر (أصل)، أما عند ق. لوقا فجف و مات لأن ليس له رطوبة، وهذا التعديل بالذات يوضح كيف أن ق. لوقا يلتزم بالحقائق دون الوسائل , فى أخذه من المصادر
000 يتبع
الراعي / عمانوئيل
|