جينز ودراجة نارية وحياة صاخبة.. كانت هذه هي مفردات حياة وليد جنبلاط في الأعوام الـ27 الأولى من حياته .. عاش حياة لاهية بعيدا تماما عن السياسة التي انغمس فيها ابيه بالكامل .. وفي لحظة وداع الأب ورث وليد تركته السياسة والعائلية الثقيلة .. وانطلق بها بنفس منطق الدراجة النارية.. السير بسرعة قصوى وبمتعة خاصة عند المنحدرات الخطرة. !!
المكالمة القاتلة
مكالمة هاتفية أغلق فيها كمال جنبلاط الخط في وجه حافظ الأسد .. كانت كفيلة بنهاية حياة كمال جنبلاط ... كان هذا في 16 مارس عام 1977 أي منذ 28 سنة و أسبوع بالتمام والكمال..هذا الملف الذي صمت عليه وليد بيك – كما يلقبوه أبناء طائفته الدرزية - طيلة كل هذه السنوات يحاول فتحه من جديد اليوم..رغم أن هذا اليوم لا يشبه البارحة ولا الإبن الجنبلاطي يشبه أبيه.
وليد جنبلاط الذي جلس مع حافظ الأسد قبل مرور الأربعين علي وفاة أبيه والدم كان مازال ساخنا .. قال له حافظ الأسد :" كيف تشبه أباك؟" .. وأشار لمقعد فارغ و قال: "أبوك اعتاد الجلوس هنا".!! كما يذكر موقع "أرض الأرز" المعارض لجنبلاط وسوريا علي حد سواء.
كان حافظ الأسد حريصاً على أن يذكر الابن بألا يسير على خطى أبيه وإلا سيلقى نفس المصير ... وقد استجاب وليد لرغبة الأسد طيلة فترة حياة حافظ الأسد وصار رجل سوريا في لبنان بل صار رجل المهمات الصعبة..فماذا تغير الآن.؟!
ما فات ومات
في عام 1983 .. كانت سوريا تهدف لاسقاط الاتفاق الاسرائيلي اللبناني .. وكان (وليد جنبلاط) هو ذراعها المسلح ضد القوات اللبنانية ، فيما عرف وقتها بحرب الجبل ،.. وقام بتفريغ منطقة الجبل الجنوبي من المسيحيين وصار زعيما أوحد للمنطقة .
فأطلق عليه رجل سوريا الذي يحرس الجبل .. ، بعد عامين قرر السوريون التحرك ضد المرابطين (التنظيم المسلح للسنة في لبنان) ودفعت حركة أمل الشيعية للمواجهة معهم ..ولما فشلت (أمل) لم تجد سوريا سوى الدروز ووليد جنبلاط لتنفيذ المهمة .. و قد كان و تم بالفعل القضاء على المرابطين في وقائع دامية.
اليوم .. وقد تحالف جنبلاط مع أعداء الأمس " المسيحيين " ضد أصدقاء الأمس السوريين .. فإنه يقوم بمصالحات تهدف لإعادة المهجريين المسيحيين بالكامل لمناطقهم .. وعفا الله عما سلف .. وما سلف بين جنبلاط والمسيحيين كثير..أبرزه مذبحة دير القمر سنة 84 التي راح ضحيتها المئات من المسيحيين.
من قبل رفض وليد زيارة البطريرك الماروني (نصر الله صفير) .. ووصف خطابه بأنه عنصري تحريضي ونصحه بأن يختار ما بين السياسة والصلاة.. أما (سمير جعجع) فقد كان من الرافضين لفكرة العفو عنه وطالب بنفيه لباريس ليتسلى هناك مع ميشيل عون حسب تعبيره.
ولأن ما فات قد مات عند وليد جنبلاط فقد زار منذ أسابيع (ستريدا جعجع) زوجة العدو القديم وانضم للقاء (قرنة شهوان) المعارض ليصطف مع نفس الخصوم الذين هاجمهم وقاتلهم من قبل.
روح نظيرة هانم
يبرر (وليد جنبلاط) دائما تحولاته بأنه عاد لتراث كمال جنبلاط " تراث لم أكن نسيته .. لكني تعمقت فيه أكثر" هكذا قال في حوار مع (جيزيل خوري) على قناة العربية.
لكن الذي يعود لتراث جنبلاط فعلا يكتشف أن الأمر ليس عودة لتراث الأب ... ربما هي عودة لتراث العائلة الجنبلاطية ... لكن ليس الأب على الاطلاق ..التاريخ يحكي لنا عن (نظيرة هانم جنبلاط) جدة وليد .. وأم كمال التي كانت تلقب بـ "أقوى سيدة في الشرق" والتي ما إن مات زوجها حتى اختارها الدروز للتحدث باسمهم وتصبح زعيمة لهم .. واستطاعت أن تحفظ مقعد الزعامة لابنها كمال جنبلاط سنة 1943 .. بدعم من أصدقائها الفرنسين الذين كانوا منتدبين على لبنان وسوريا.
في نفس العام فاز كمال بمقعد في الانتخابات النيابية .. ودخل معترك العمل السياسي معلنا وقوفه ضد الانتداب الفرنسي ووقوفه إلى جانب حكومة الاستقلال وربطه بين استقلال لبنان وعروبتها ، مما أغضب نظيرة هانم فتركت له قصر المختارة.
وأقامت عند ابنتها حتى وفاتها ، المتابع لتصريحات وليد جنبلاط اليوم والتي يطالب فيها بتدويل المشكلة اللبنانية ،وبعودة الانتداب الفرنسي .. يشعر أن روح نظيرة هانم عادت لترفرف على (قصر المختارة) – مقر إقامة العائلة الدرزية الكبيرة- من جديد.
جوائز ومكافآت
كانت مكافآت سورية لوليد جنبلاط سخية في مطلع التسعينات وتحديدا مع بداية رئاسة (الياس الهراوي) نال الدروز مكاسب جمة ، ونال وليد مكاسب شخصية ساهمت في إعلاء زعامته .. فعين نائبا في البرلمان في مقعد والده ثم صار نائبا منتخبا ورئيس كتلة برلمانية في برلمانات 92 -96-2000 .
ثم جاء الدور على مكافآت من نوع آخر .. النائب في البرلمان اللبناني (ناصر قنديل) تحدث لقناة الجزيرة عن وعود مقدمة من القوى الدولية للدروز بامكانية انشاء كيان درزي .. وعن دور يلعبه الدروز في لبنان – وفلسطين وهذا هو الأهم - أقرب لدور الأكراد في العراق.
ويبدو أن مكاسب جنبلاط لم تقتصر فقط على المناصب التي تبوأها بسرعة ونجاح .. فحرب فتح الملفات بينه وبين سوريا كشفت عن اتهامات بتحويل أموال وزارة المهجرين (التي تولاها الدرزي طلال أرسلان) للخارج .. بالاضافة إلى حصول جنبلاط على مبالغ تتراوح ما بين 5 : 7 ملايين دولار ..من برلمانيين ارادوا الانضمام لكتلته البرلمانية.
ربما يكون وليد جنبلاط هو الوجه الأبرز للبنان القادم .. المشكلة الحقيقية تكمن في انه لا أحد يعرف الوجه الحقيقي لجنبلاط ..الصاعد بصخب دراجة نارية ... فإذا كان من السهل معرفة موضع قدمه بالماضي .. وموضع قدمه اليوم .. فمن الذي يعرف من سيكون حلفائه غدا ؟؟ المعلومة الوحيدة الأكيدة أن وليد جنبلاط متزعما الدروز .. لم يطلق طلقة نار واحدة ضد إسرائيل التي احتلت لبنان .. حيث كانت مدافعه تدوي في كل صوب .. إلا صوب إسرائيل.!!
http://www.20at.com/article.php?sid=1060