Obama
عضو متقدم
المشاركات: 347
الانضمام: May 2008
|
نظرة الرأي العام المعولم إلي أمريكا
نظرة الرأي العام المعولم إلي أمريكا
بقلم: د. محمد شومان
كشف استطلاع أخير أجرته هيئة الإذاعة البريطانية عن تحسن محدود في صورة الولايات المتحدة وإسرائيل لدي عينة من17 ألف شخص في34 دولة وتراجع صورة إيران وباكستان. وقد اجتهد عدد من الكتاب في تفسير وربما تأويل نتائج هذا الاستطلاع في اتجاهات شتي, وركزت أغلب الاجتهادات علي صورة الولايات المتحدة في العالم بينما أهملت مناقشة مدي دقة مثل هذه الاستطلاعات ومدي تأثيرها في اتخاذ القرار السياسي.
وقبل أن أناقش تلك الاستطلاعات أشير بداية إلي حالة الشك العلمي المتزايد في مدي دقة وموضوعية نتائج استطلاعات الرأي العام التي تجري داخل كل بلد, حيث تتهم استطلاعات الرأي العام بأنها أصبحت صناعة توظف لصالح من يدفع أو يمول تكاليف الاستطلاع, وقد كشف النقاب عن كثير من الاستطلاعات التي وظفت لصالح القوي المسيطرة اجتماعيا أو استغلت نتائجها لتزييف وعي الجمهور وتبرير سياسات عدوانية كشن الحرب علي العراق. ولا يشفع لاستطلاعات الرأي العام والمراكز أو الهيئات التي تقوم بها ادعاء العلم والموضوعية واستخدام منهجية بحثية صارمة إذ أن أغلب تلك المناهج تتعرض لانتقادات واسعة, علاوة علي أن استخدامها في سياق سياسي أو اجتماعي معين قد يسمها بالانحياز وعدم الدقة, من هنا اتهمت آلية استطلاع الرأي العام بأنها قد صممت وروج لها من أجل أن تقيس ماسبق لوسائل الإعلام أن قدمته للجمهور.
الانتقادات لاستطلاعات الرأي العام المحلية ـ التي قد تأتي بعكس نتائج الانتخابات أو رغبة الناس ـ دفع إلي سيادة الاتجاه النسبي في النظر إلي استطلاعات الرأي العام, فتحول الموقف العام من الإيمان أو التسليم المطلق بنتائجها إلي الشك بل والنقد الواعي لنتائجها وإجراءاتها المنهجية. لكن المفارقة أن الألفية الجديدة ومنذ أحداث سبتمبر2001 تحديدا قد شهدت موجة واسعة من استطلاعات الرأي العام العابر للحدود والذي يجري في عشرات الدول عبر قارات العالم الخمس وثقافاته المختلفة, وبطبيعة الحال فإن هذه الاستطلاعات استندت إلي حقيقة أن العولمة وثورة الاتصالات قد أتاحا فرصا أوفر لتشكل رأي عام معولم يمكن قياسه والاهتمام به كلاعب في صناعة القرار السياسي علي المستويين الوطني والدولي. وقد اجتهدت معاهد ومراكز بحوث مثل بيوpew وجالوب في إجراء هذه الاستطلاعات وفق مناهج وأدوات بحثية حاولت أن تراعي الاختلافات السياسية والثقافية بين الدول التي تجري فيها تلك الاستطلاعات. لكن أغلب التجديدات المنهجية لم تسلم من انتقادات علمية جادة بداية من عدم دقة العينات وطول الفترة الزمنية التي يجري فيها الاستطلاع, فعلي سبيل المثال استطلاع هيئة الإذاعة البريطانية الأخير استمر ثلاثة أشهر وهي مدة كافية لتغيير مناخ الرأي مع ظهور أحداث وتفاعلات جديدة علي المستويين الوطني والدولي, وبالتالي فان آراء العينات المستخدمة في الاستطلاع ستتغير بدورها.
ويلاحظ أن أغلب موضوعات استطلاعات الرأي المعولم ارتبطت بصورة الولايات المتحدة والحرب في العراق وأفغانستان ورؤية المسلمين للحرب علي الإرهاب, والموقف من تنظيم القاعدة وبعض الحكومات الإسلامية, والإسلام والديمقراطية. ولاشك أن هذه الموضوعات تخدم أجندة اهتمامات محددة تحددها الجهات التي تقوم بالتمويل وهي في معظمها جهات أمريكية وبريطانية تشارك فيما يعرف بالحرب علي الإرهاب. في هذا السياق كانت مشاركات الأمم المتحدة ومنظماتها محدودة للغاية, كما أن موضوعات الاستطلاعات التي قامت بتمويلها عالجت موضوعات أكثر حيدة كالتنمية البشرية والحفاظ علي البيئة وحقوق المرأة. من جانب آخر فإن بعض الدول التي يجري فيها الاستطلاع معروف عن حكوماتها أنها لا تسمح أصلا بإجراء أي استطلاع للرأي العام, كما يسودها مناخ غير ديمقراطي قد يحول بين أفراد العينة والتعبير الحر عن آرائهم, ومثل هذه الدول تضم حكومات عربية وإسلامية ورد ذكرها في أكثر من استطلاع معولم خاصة تلك الاستطلاعات التي تجري عن صورة أمريكا أو الموقف من القاعدة.
وإذا كنت أعتقد أن استطلاعات الرأي العام المعولم بصورتها الحالية متحيرة وغير علمية فإنني علي قناعة تامة بأن هناك رأيا عاما معولما يتشكل في ظروف معينة عبر تفاعلات معقدة حول موضوعات ليست بالضرورة مما تحدده الاستطلاعات الحالية والتي تمول وتجري بطرق لا تخلو من التحيز والتوظيف السياسي, من هنا يجدر البحث والتفكير في وسائل وآليات جديدة تضمن تمويلا أقل تحيزا وإجراءات منهجية أكثر دقة ونزاهة. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل تؤثر هذه الاستطلاعات المعولمة في اتخاذ القرار السياسي؟.
ثمة إجابات عديدة ومتضاربة تتراوح بين عدم التأثير بمعني أن هذه الاستطلاعات لا تلعب دورا في عملية صناعة القرار السياسي, مقابل التأثير النسبي أو التأثير الكبير من زاوية ان صانع القرار السياسي علي المستويين المحلي والدولي يراعي اتجاهات ومواقف الرأي العام ويحاول ان يتماشي أو يتكيف معها.
لكن عملية التكييف هنا قد تتضمن محاولات تنظيم حملات علاقات عامة أو شن حروب دعائية لإعادة توجيه آراء الناس عبر العالم, أي التلاعب عبر وسائل الإعلام باتجاهات الرأي العام. ولعل الجهود المتعثرة لتحسين صورة أمريكا في العالم توضح ما أقصد. ومن الثابت أن تأثير استطلاعات الرأي العام في صناعة القرار السياسي أصبحت أكثر تعقيدا من المراحل التاريخية السابقة وذلك في ضوء معطيات العولمة وثورة الاتصالات والإعلام الجديد, ومن ثم لا تأخذ اتجاها مباشرا بل تؤثر بطرق غير مباشرة وعلي مستويات مختلفة وطنيا ودوليا. كما أن بعض هذه التأثيرات قد تكون طويلة الأمد وغير مباشرة, وتختلف بحسب نوع القضية التي تشغل الرأي العام, فضلا عن مدي قوته.
|
|
10-19-2008, 06:37 PM |
|