زمان
عضو متقدم
المشاركات: 454
الانضمام: Sep 2004
|
كيف دخلت أميركا جهنم العرب? - د. شاكر النابلسي
كيف تورطت اميركا في العالم العربي?
لماذا تورطت اميركا في العالم العربي هذا التورط?
هل تعتبر اميركا اليوم في مأزق كبير في العالم العربي?
ما حدود هذا المأزق?
من المتسبب في هذا المأزق?
ما اثاره العكسية على اميركا الداخل والخارج?
ما فائدة العرب من التوغل الاميركي في الشرق الاوسط?
هذه هي معظم الاسئلة الكبيرة التي تدور الآن رنانة طنانة في العالم العربي, والتي يُصبح ويُمسي العالم العربي عليها, واصبحت شغله الشاغل.
اسئلة سوف نحاول الاجابة عنها اليوم وفي الاسابيع المقبلة, في ضوء المعطيات القائمة الان في الشرق الاوسط, وعلى ضوء ما جرى في النصف الثاني من القرن العشرين, فالتاريخ لا يُقرأ الا بالتاريخ . وتاريخ اليوم لا يُقرأ الا بتاريخ الامس.
كيف تورطت أميركا في العالم العربي ?
لو استعرضنا تاريخ الوجود الاميركي سريعا في منطقة الشرق الاوسط, لوجدنا ان الوجود السياسي الاميركي بدأ في الشرق الاوسط بدأ منذ 1952 وقيام الثورة المصرية التي يقال ان اميركا لعبت دورا لا يُستهان به ( مايلز كوبلاند , "لعبة الامم"), وساعدت على انهاء المعاهدة البريطانية - المصرية والجلاء البريطاني عن مصر 1954 لكي تحلَّ محلَّ بريطانيا في العالم العربي. وسبق هذا وجود استثماري امريكي قوي في 1933 عندما نجحت الشركات الاميركية في الحصول على امتياز التنقيب عن البترول في السعودية واستغلال نفط الاحساء بالسعودية, الذي يُعد من بين اكبر مستودعات النفط في العالم, والصورة التي تمت عليها ابعاد الشركات البريطانية من ساحة التنافس, ثم ما قامت به اميركا من اجبار بريطانيا وفرنسا واسرائيل على وقف حرب السويس 1956 والانسحاب من مصر, وما تبع ذلك من دعوة مصر والاردن والعراق وتركيا وباكستان من ضرورة اقامة حلف عسكري في وجه الاتحاد السوفياتي فيما سُمي ب¯ "حلف بغداد" الذي رفضته مصر رفضا قاطعا , واجبرت العالم العربي على رفضه (لو تم قبوله لما قامت حرب 1967 ووقعت النكسة, وضاعت الضفة الغربية, ولما تفاقمت القضية الفلسطينية وتعقدت, كما شرحنا في كتابنا »الشارع العربي«) نتيجة لارتباطها بالمعسكر الشرقي من خلال صفقة السلاح التشيكية الشهيرة التي وقعها عبد الناصر 1955, وتمويل وبناء السدِّ العالي من قبل الاتحاد السوفياتي وتأميم قناة السويس, وكانت اول صدمة كبيرة للغرب , عندما حلَّ المعسكر السوفياتي محل َّ الغرب كمصدر سلاح رئيسي وممول لمشاريع انمائية لدولة مثل مصر التي تعتبر مهمة من الناحية الستراتيجية, وكسرت هذه الصفقات الاحتكار الذي كان يفرضه الغرب على تسليح وتمويل العرب, وازداد التوغل الاميركي في الشرق الاوسط اثناء وبعد حرب 1967. ولعبت الحرب الباردة دورها الكبير في زيادة التوغل الاميركي في الشرق الاوسط, ووقوف اميركا الى جانب الانظمة الملكية العربية المحافظة مقابل وقوف الاتحاد السوفياتي الى جانب الانظمة الجمهورية الديكتاتورية, وذلك لحفظ التوازن في المنطقة. وكانت اميركا في ذلك الوقت وحتى حرب الخليج الثانية 1991 هي الحليف العربي - الاسلامي السُني مقابل الحليف السوفياتي للعرب الاشتراكيين الديكتاتوريين. وكان الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز يعتبر الشيوعية والصهيونية والاشتراكية "مثلث الشر" في العالم العربي . ولم تُعتبر اميركا شيطانا اكبر الا في الادبيات الثورية الخمينية, بعد عام 1979 وبدء الحرب العراقية - الايرانية 1980 عندما وقفت اميركا الى جانب السُنة متمثلين بالعراق ضد الثورة الخمينية الشيعية. واطلقت ثورة الخميني الاسلامية هذا الشعار علما بان اميركا بعد ذلك قامت بمحاربة "الشيطان الاكبر" عند السُنة بالذات , وهو الشيوعية في افغانستان, وهزمته في عام 1986.
"الشيطان الاكبر" بين الدين والسياسة
وهنا ندرك, ان شعار "الشيطان الاكبر" المرفوع الان وفي السابق, شعار سياسي وليس دينيا, فهو في الماضي كان "اميركا" عند الشيعة, وكان "الاتحاد السوفياتي" عند السُنة. وهو في الحاضر اصبح "اميركا" عند السُنة والشيعة الايرانية فقط على السواء, والدليل ان المسلمين السُنة كانوا يعتبرون اميركا اثناء الحرب الباردة الحليف القوي ضد "الشيطان الاكبر" الشيوعي. ولذا, تحالفوا معها في الحرب الافغانية, وانتصروا على "الشيطان الاكبر" الشيوعي بالمال الاسلامي السُني وبالمقاتلين الاسلاميين السُنة فقط. وتحالف السُنة مع اميركا في حربها ضد الثورة الخمينية من خلال الحرب العراقية - الايرانية. في حين ان المسلمين الشيعة كانوا يذيقون "الشيطان الاكبر" الاميركي مُرَّ العذاب داخل ايران وخارجها خاصة اثناء حرب الخليج الاولى (1980-1988 ) وبعدها. وانقلب الوضع في الحالة العراقية الان. فاصبحت اميركا في عُرف المسلمين السُنة وشيعة ايران هي "الشيطان الاكبر", في حين رضي شيعة العراق عنها, وبرزوا على سطح الحياة السياسية العراقية للمرة الاولى في تاريخ العراق, في ظلها وحمايتها, وبفضل حملتها على العراق.
الديكتاتورية والسلفية السُنية جرت أميركا عسكريا إلى العالم العربي
كانت اميركا قبل حرب الخليج الثانية 1991 تتواجد في العالم العربي بكثافة من خلال ديبلوماسييها ومراكز ثقافتها وجامعاتها واستخباراتها ومدربيها وخبرائها العسكريين والاقتصاديين والصناعيين والثقافيين, ومن خلال معوناتها العسكرية والمالية والغذائية, ومن خلال منتجاتها الكثيرة, ومن خلال طعامها وشرابها ولباسها واغانيها وافلامها.. الخ. ولكن الديكتاتورية والسلفية السُنية لم تكتف بهذا التواجد الاميركي بل ارادت لاميركا ان تأتي بقوتها العسكرية الضاربة لكي تصفي حسابها معها كما كانت وما زالت تقول في ادبياتها, بعد انهيار الاتحاد السوفياتي 1989, حيث لم يعُد للسُنة والشيعة على السواء من "عدو ديني كافر" غير الغرب واميركا على وجه الخصوص, وانه لكي تبقى الامة ناشطة ومتحفزة لا بُدَّ لها من عدو خارجي. فكانت حرب الخليج الثانية 1991 التي دقت المسامير العسكرية الاميركية الاولى في الخليج وعلى حدود العراق. ولم تكتفِ السلفية السُنية بهذا التورط الاميركي, بل ارادته على اوسع نطاق, فذهبت بمجموعة من الشبان الاغرار الانتحاريين الى نيويورك وواشنطن لدعوة اميركا الى المجيء للعالم العربي بكل ما تملك من قوة عسكرية. وتمَّ التورط الاميركي في العالم العربي بعد كارثة 11 سبتمبر 2001 بغزو العراق.
السُنة واليابانيون في النوازلِ شرقُ
وكما اخطأ اليابانيون خطأ عسكريا وستراتيجيا فادحا في 1941 بضرب "بيرل هاربر" الاليم للعنفوان والكرامة الاميركية, وكان ذلك سببا رئيسيا لدخول اميركا الحرب العالمية الثانية وهزيمة النازيه والفاشية واليابان, فقد اخطات السلفية السُنية كذلك في كارثة 11 سبتمبر 2001 في ضربها لنيويورك وواشنطن. وكما لم تستفد اليابان من كارثة "بيرل هاربر", بل خسرت مليون ضحية في 1945 في هيروشيما وناغازاكي كعقاب, وخسرت الحرب, ووقع عليها الاحتلال الاميركي, فكذلك خسر العرب السُنة نتيجة لكارثة 11 سبتمبر في افغانستان والعراق ولبنان. وكما اعتُبرت كارثة هيروشيما وناغازاكي رد فعل انتقاميا لاميركي للكرامة المجروحة في "بيرل هاربر" 1941, كذلك كانت الحرب على العراق - كبش الفداء السمين - في 2003. فكارثة ككارثة 11 سبتمبر لا يفتديها الا كبش سمين ك¯ "عراق صدام". ولو لم يوجد "عراق صدام" لما وجدت اميركا في العالم العربي كبشا سمينا, يستحق ان تفتدي به كارثة 11 سبتمبر ك¯ "عراق صدام". وكما جرت اليابان من حيث تعلم او تجهل, اميركا الى خوض الحرب العالمية الثانية, وهزيمة النازية وحليفتها اليابان, فقد جرت كذلك السلفية السُنية العربية اميركا الى خوض معركة الديمقراطية بالسلاح في العالم العربي, واحتمال هزيمة الانظمة الديكتاتورية العربية الحزبية والقبلية.
صحيح ان اميركا كانت تنوي خوض معركة الديمقراطية في العالم العربي بالطرق الديبلوماسية والمعرفية قبل كارثة 11 سبتمبر لنشر السلم الاهلي في الشرق الاوسط حماية لمصالحها الحيوية في هذه المنطقة. وكان "المحافظون الجدد" يخططون ل¯ "الشرق الاوسط الكبير" قبل هذه الكارثة ومنذ عهد ريغان وبوش الاب, ولكن اميركا اجبرت على خوض هذه المعركة بالدم بدلا من الحبر, وبالصواريخ بدلا من البعثات السياسية الديبلوماسية بعد هذه الكارثة, وانتقاما للكرامة والعلياء الاميركية المجروحة جرحا عميقا.
كذلك فان السلفية السُنية الان بما تقوم به من اعمال ارهابية في العراق تحت شعار مُلتبس وهو "المقاومة", وتشمل قتل المدنيين والنساء ورجال الشرطة والحرس الوطني وموظفي الدولة واساتذة الجامعات والصحافيين ونسف مرافق المياه والكهرباء والبترول, تُعمق الحفرة العراقية للتورط الاميركي فيها, وتعطيه المبرر الكافي للبقاء مدة اطول في العراق.
وفي الادبيات السلفية السُنية اعتُبرت الحرب الاميركية على "طالبان" و "القاعدة" حربا اميركية ليست ضد "حكم القرون الوسطى" في افغانستان, ولكنها حرب على السُنة جميعا, بل على الاسلام نفسه. وبرز شعار (صراع الحضارات) بقوة في العالم العربي, وهو في واقع الامر (صراع جهالات) كما قال ادوارد سعيد. ثم بالحرب على العراق 2003 التي فجرت العداء الاسلامي السُني لاميركا, واعتبرت ليست حربا ضد الديكتاتورية العربية, ولكنها حرب متواصلة ضد السُنة. وجعلت من اميركا "الشيطان الاكبر" لدى السُنة ولدى الشيعة الايرانيين على السواء.
وازدادت كراهية الانظمة العربية لاميركا الى جانب كراهية الشارع العربي السابقة والحالية لاميركا عند اعلان الادارة الاميركية في ولاية الرئيس بوش الاولى والثانية, ان اميركا ستقود الطريق الى التغيير والديمقراطية في الشرق الاوسط, وتتحدى كافة الانظمة الديكتاتورية في العالم العربي, وترغمها على فعل ما لا تريده وترغب فيه. وهو ما تم بالفعل بعد غزو العراق ومن امثلة ذلك: التسابق نحو الدعوة الصادقة والكاذبة تجاه الاصلاح السياسي, واللين والتسامح مع المعارضة من قبل الانظمة العربية, والتخلي عن ابحاث ومختبرات اسلحة الدمار الشامل, والالتفات الى حقوق المرأة السياسية والاجتماعية, واجراء الانتخابات التي كانت معطلة سنوات طويلة, والانسحاب السوري من لبنان, وتعديل مواد الدستور لتسمح بالمنافسة السياسية الشفافة على منصب الرئاسة, والموافقة على مراقبة الانتخابات من قبل هيئات دولية, واطلاق يد منظمات حقوق الانسان المغلولة سابقا, الخ.
]http://www.sotaliraq.com/articles-iraq/nie...id=8431
|
|