11-4-2005 ( كلمة رثاء في الذكرى السنوية على رحيل والدي العزيز )
(الشهيد الشيخ رياض محمد بدير --- استشهد في معركة مخيم جنين الاسطورية)
.............
...................
آه
.........................
...آه...اااااه..لاأدري بماذا أبدأ وماذا أقول ؟؟ تاهت الكلمات ..انقبض صدري ..غص حلقي..ارتجفت يداي.. عادت الذكرى لتحفر من جديد دياجير الحزن والألم التي طمرها الزمن ..عادت لتوقظ الهم المكبوت الذي سكن فؤادي وانشغلت عنه بتوافه هذه الدنيا ..عادت لأبكي من جديد ..وهل ينفع البكاء.. فقد جف الدمع في مآقي العيون ؟
أبي الغالي : زمن مر على رحيلك عنا .. زمن.. كأنه الدهر كله ..مر ثقيلا ..عصيبا . بأيامه.. بساعاته..بدقائقه .كل شيء حولي يئن بذكراك .. ابتسامتك الصافية لم تغب عن ناظري ...أراها .. أشعر كل يوم ببعد فراقك ..بمر رحيلك .. بنقص يقتلني ...
في مثل هذا اليوم يا أبي نالت منك صواريخ الحقد الصهيوني الأعمى .. وارتقت روحك الطاهرة الى بارئها لتنال منزلة من منازل الشهداء في أطهر أرض .. وأكرم بقعة ...
وهاهي الأيام تمر طويلة .طوييييييلة .. وأطول من نشيد الحزن الذي أدمنه الفلسطينيون منذ حط غراب الاحتلال على رؤوسنا .. لم تنم عصافير الجبال..ظلت تقرأ نشيد الابتهال..وتجمد الماء في شرايين البرتقال الكرمي ..فيما كان البحر يسكت أمواجه في صمت حزين ..
حتى الليل يا ربي مر ثقيلا كئيبا كما لم يكن من قبل ..فيما حمل صوت الناعي الحزين ..غاب الجسد .. وسكنت نبضات قلبه المدجج بعشق فلسطين وهوا الشهادة ..وهامت روحك الطاهرة في دياجير قلوبنا الدامعة ...
بكا كل شيء ...بكاك كل محبيك ..وارتعشت عيونهم بالدمع الساخن .. وانكسر بريقها ليحتضر فيه النهاار .. نثر البحر موجه الغاضب ..بعد أن اعلنت الحكاية الجميلة خاتمتها المتردة .. اااااه ....وأية خاتمة
.. قسما بأن الدم يا أبي يغلي كاللهب .. وبأن روح الثأر في دمي تراتيل وإعصار على مر الزمن .... قسما بأنك لم تمت .. ما زلت في كل الحنايا ساكنا كل الصدور.. حطمت كل قيودهم...أرعبتهم ..لم يبق فيهم سافل الا ارتجف....ولكن ...
... ولكنك ارتجلت عن صهوة جوادك بعد ان أثخنوك جراحا ... ارتحلت لتكتحل عيون الأرض بروحك الصافيه ... وتضمك الى صدرها المثقل بالحزن والألم ... ليهدأ النبض الصاخب مرة واحدة ..ويترك دمعة حارقة تتأرجح في عيون الواقفين خلف حواجر الألم والحزن ....
حي انت يا أبي .. حي أنت يا ابي وقريب ... وتعيش في صمت دماءنا الغاضبة .. لن يطاردوك بعد اليوم ..فمسكنك القلوب الدامعة .. حي أنت يا أبي وقريب.. أكاد أشعر بنبضك يروي ظمأ قلبي بدم الشهادة وعشقها....أكاد أشعر بأنفاسك الدافئة تلفحني.. تدغدغني ..تبث حبك لي
آه . من قسوة الزمن ..
اااه يا ربي... ما أقساك يا قدر... أبي ... لقد خطفك القدر الى الأبد .. خطفك في وقت أحتاج اليك فيه ..احتاج الى حنانك وعطفك وحبك ورضاك وكلماتك الرائعة ....اااااااااه كم أشتاق اليك ...أبعدتك عني يد المنون .... أحن اليك ..الى صدرك الحنون ... وهمسك الدافئ ... وعينيـك الجميلتين البراقتين ...الى يديك المكفنتين بالرقة والحنان ...أحن الى صوتك..ضحكتك .. حبك الأبدي...
آه .. أوترحل يا أبي ..هكذا ..دون وداع ...أوترحل عادت دمعتنا تجري في مجرى الأحزان ؟؟ أوترحل... وقلوب أحبتك حيرى ..
اااااااااه كم كنت اتمنى رؤيتك لأأخر مرة .. أن اودعك...أقبلك ... ياا ربي .. حتى هذا حرموني منه...لماذاا؟؟ أي ذنب اقترفته ؟؟ أأحرم من إلقاء نظرة الوداع الأخيرة ..أأحرم من لمس وجنتك الطاهره.. من طبع قبلتي الأخيرة ..... من ...من...من.. أأحرم من أن أقول لك مرة واحدة فقط ودااااعااااا ؟؟؟
وتسير الجنازة كئيبة حزينة ..وأنا خلف أسوار المعتقل ... أبث أشجاني وحزني ..أبعث لجسدك الطاهر قبلتي...لعل النسيم يحث الخطى ليوصلها قبل فوات الأوان .... آآآآه ما أصعبها من لحظات ... ما كان لي غير البكاء .. وقلب أدماه الفراق ... أبث اشتياقي للسماء...أبثها بين سطور زماني.. وسط بحر دموعي المهراقة...أبثها الى شمس قطفت من زنبق عينـيـك الرائعتين صفاها ومداها ...
آه . كم في فؤادي طعنة غارت الى حد الممات وما بكيت ..ما بال دمعتي التي عانت من اليتمان ...ما بالها تسيل الآن ؟؟؟
الآن قلبي قد هوا في عمقه ... أفلوعة هزت فؤادي واشتياق ؟؟ أم أنه ألم الفراق ؟؟
كفي دموعك يا عيوني ... هم يرتقون الى عرائسهم هناك ...وساحة العرس الجنان ....
تغرورق العينان دمعا ..لكن دمعتي الوحيدة سوف تجري في الوريد ..هي دمعة الحزن المكفن بالنشيد ...هي دمعة تأبى البقاء .. وترتحل.. صوب فجر من جديد ..
أبي الغالي : ها قد رحلت .. وفي فؤادي من عيونك ألف ذكرى ....يجتاحني منها هواك.. فأنحني حزنا وقهرا ... ها قد رحلت ..فكيف لي أن لا أفجر ما كتبت لأملأ الآفاق شعرا ..... يا فلسطين الحبيبة : هم قتلوه وكان مشغولا بحبك هائما قلبا وفكرا .... هم قيدوه الى السجون وفي السجون وأشربوه الكأس مرا ... قالو له دع قيدها ..دع سحر عينيها وغادر ... ما درو أنه قد كان في عينـيـك حرا ... قالو له ..هذي قصور الطامحين فخلها .. لا يشغلنك حبها ... يا ليتهم ... يا ليتهم تركو القصور لنفسهم وبنو لأجله من صخور القدس قبراا ...
أبي العزيز : لن أبكي بعد اليوم .. فالشهداء لا يبكى عليهم ...شهداؤنا راياتنا فليرتفع منها مئات .. بل ألوف.. لا ضير ..فالشهداء قنطرة الحياة الى الخلود ... وهمو إذا ما أجدبت أرواحنا سالو ندى...وحمو نضارة عشبنا من صفرة الزمن العقيم ... يا سادتي الشهداء .... هذا عهدنا... أن نمتطي ذات الصهيل .. ولا نفك لجام خيل الله قبل بلوغنا الفتح العظيم ....
آآه .. كم من الكلام المر مكبوت داخلي .. حزن .. ألم ... جراح لن تندمل...لكن أبي ..أعدك .. لن تغيب كلماتك الأخيرة عن ذهني ما حييت ....رحمك الله ورحم جميع شهداء فلسطين الأبرار .... وداعا يا أبي .. وداعا .. وأسأله تعالى أن يجمعنا بك في جنان النعيم ..إنه سميع مجيب الدعاء .
ابنك المشتاق جدا : سيد
طولكرم
http://www.alburaq.net/forum/thread.cfm?CFB=1&Tid=7630