يجعله عامر
عضو رائد
    
المشاركات: 2,372
الانضمام: Jun 2007
|
قراءة لـ كتاب <<العشق والكتابة>> لرجاء بن سلامة
كتاب <<العشق والكتابة>> لرجاء بن سلامة:
![[صورة: 106338.gif]](http://www.neelwafurat.com/images/lb/abookstore/covers/normal/106/106338.gif)
حفر معرفي في خطاب العشق
فرج بوالعشة
يبحث الكتاب في اركيولوجيا (حفريات) خطاب العشق, الضارب بجذوره العميقة في طبقات التراث العربي/ الإسلامي. يستنطق المسكوت عنه في موروث العشق. يفكك نصوصه ليقوض تماسكه الشكلي.
يزيح أحجبته الأخلاقوية/الدينية الظاهرة: عذريته, صوفيته, أسماءه, أوصافه, معاييره, مراتبها, أساطيرها... الخ.
تبحث رجاء بن سلامة في أطروحة<<العشق والكتابة>> بأدوات معرفية (إيبستيمولوجية) متقدمة منهجيا, تمتح من فكر التفكيك والتحليل النفسي وما يشبكهما من مناهج بينية (= لسانية, تاريخية, سوسيولوجية...) لتحلل بواسطتها دوال العشق إلى عواملها الأولية, فتزيح عنها ركام <<الأبنية الأسطورية واللاهوتية>> وتجلو عنها غبار <<المعرفة الخفية>> كي يمكن إعادة تركيب خطاب العشق الموروث وإبتنائه في خطاب حديث ينقطع عن القديم دون أن ينفصل عنه!!
خطاب:<<العشق والكتابة>> قراءة تأويلية (بالمعنى الإيبستيمولجي للقراءة) أي أنها- حسب الباحثة-: <<عملية تحويل, تنقل بها من لغة الموروث إلى لغة أخرى لا تكون سلخا وترديدا ببغائيا, بل ترجمة واعية بحدود موضوعها وبحدودها...>>
وحدود موضوعها هنا هو تراث العشق, مبحوث فيه بالتزامن مع عصره وشروطه (حدوده) التاريخية (اجتماعيا/ سياسا/ ثقافيا/ اقتصاديا..) من منظور قراءة معاصرة واعية بأدوات بحثها ومناهجها, ثم غايتها: << فغايتنا من دراسة العشق هي التحرر من النظرة الأخلاقية التي تنظر إلى الغزل بمعزل عن العشق,أو تدرس <<الحب>> بمعزل عن (دال) الشوق, والجماع, والمتعة, مغيبة في نوع من الرياء والنفاق <<الأخلاقوي>> قضايا أساسية لا يمكن أن نتناول نصوص العشق بدونها: قضايا الجسد العاشق, والافتقار البشري المستمر, والمتعة باعتبارها من اهم ما يجري إليه الإنسان وعلاقتها المعق دة بالقانون...>>
خطاب العشق - عند رجاء بن سلامة- هو,في الأساس, خطاب جسد, ملموس/محسوس, سعيد/ تعيس, مكبوت/ هائج, خانع/ متمرد, سادي/ مازوشي, أو أنه, في الجوهر, سـادوشي!! لكـن يجدر مراعاة الملاحظة الإيبستيمولوجية الثاقبة, التي تبرزها الباحثة في تصديرها للكتاب, عن طبيعة استخدامها لمنهج التحليل النفسي, إذ أنها تعدل (بالمعنى الايبستيمولوجي) عن الاستفادة من التحليل النفسي في التطبيق الكاريكاتوري <<المرضوي>> الذي يبحث في سيرة أصحاب النصوص عن اصابتهم بأمراض العصاب أو النفاس, وذاك: <<لأسباب كثيرة, منها احترامنا للمعرفة التحليلية ذاتها, فهي ليست على البساطة التي يتوهمها البعض ممن تفوق كتابتهم حجم قراءتهم. كما عدلنا عن البحث في شخصية الكاتب باعتباره كاتبا لا لتداخل النصوص الشعرية في قرون الشعر الأولى, وتداخل أصوات الرواة في النصوص الخبرية بحيث يعسر في الغالب تبين ملامح الشاعر أو المبدع فحسب, بل لأننا نعتبر النص طفرة لا ثمرة ناتجة عن حياة صاحبه, فما تفسر به الترجمة, والشخصية الكاتبة غير ما يفسر به النص ...>>
في خطاب - رجاء بن سلامة- الاركيومعرفي (= أركيولوجيا المعرفة) لما بعد خطاب <<موروث العشق>> يحدث الجماع الإبداعي الخلاق بين العشق والكتابة مولدا قراءة وارثة, ان جاز التعبير, لكنها لا تتدعى الوصاية على موروثها, فهي وراثة عطاء للموروث وليس آخذا منه. من هنا لا يصبح توريث التراث نقلا لكنز من سلف إلى خلف وإنما مهمة عسيرة لباحث عن كنز ما وراء الكنز.أي ما وراء تمجيد تركة نصوص العشق, وترديدها والتغني بها,والتباهي بعرض ألوانها الزاهية المدوخة لكثرة دوالها المتداخلة في نسيج لغوي من العلامات الدلالية بما تحمله من كثافة حسية تحت سطح معانيها المجردة, وعلاقات بنيوية متشابكة, متقاطعة, ومتضاربة, والتباسات لسانية محمولة على تأويلات متحايثة, مثقوبة بنقاط عماء وغياب تجعل النص فاقدا لليقين على الدوام... أنها اللغة <<مسكن الإنسان>> كما تنقل بن سلامة عن هايدجر: <<إلا أنها ليست مسكنه إلا من حيث يكون هو على نحو ما مسكنا لها, محتويا عليها..>> وأي لغة التي نعنيها, لغة لسان العرب في تداعيه الألسني عميقا حتى الجذور الحسية الأولى, أي الكلمات ما قبل الكلام عندما انتظامه في نظام لغوي محكوم بشروط اجتماع الناطقين به. نتحدث عن لسان العرب الذي يجري على لسانه <<الحب>> بأكثر من مائة اسم. وهي ليست مجرد أسماء لمسميات وانما تحمل دلالات: <<تتغير بتغير الاستعمالات المختلفة....حاملة لما علق بها من آثار الاستعمالات السابقة..>> حيث نعثر عند ردها إلى أصول نشأتها الأولية على البنية الاساسية لتفكير أهلها في نظرتهم للحياة وطرائق عيشهم وأصل أخلاقهم وفصلها!!
فالعشق ليس مجرد مفردة أو دالا محدودا بحقله إنما صار لوحده حقلا معرفيا اشتبك مع دوال ومعان اخرى. إذ يختلط معناه بالالهي والصوفي والشعري والجسدي بما:<< احاطوه به من صور ومعتقدات وأبنية نظرية ومعيارية...>> لأنه (العشق) يشير في جذره الحسي البدئي إلى الشهوة الجنسية الشبقية. شهوة الناقة وهياجها المرتبطة في ذهنية الرجل/ الذكر (الفحل) بالمرأة/ الانثى(الناقة)!
لذلك عندما أطلقت تسمية العشق على علاقة العاشق الصوفي بالله, بدأت, في حينها, ولا تزال في الغالب,ضربا من المروق والحرام, أو دخلت, على الأقل, في دائرة الالتباس بين ثنائية <<بشري/إلهي>> في المسافة ما بين العشق الطبيعي والعشق الإلهي!!
فمنذ أن هل الإسلام وقلب حياة العرب(نظرا وعملا) رأسا على عقب انقلبت بطبيعة الحال على نفسها دوال الكلمات التي وجدت نفسها في حيز الفرز بين الحلال والحرام. فلما اتخذ الصوفيون دال <<العشق>> لوصف علاقتهم الروحية بالله (المحجوب/ المستحيل) بدأوا وكأنهم مسوا محرما إذ انهم اسقطوا دال <<العشق>> الحسي جدا في لسان العرب على علاقة دلالية تصل بين الأرض والسماء, بين العابد/ العاشق والمعبود/ المعشوق, الذي هو تجريد روحي للوجود في كليته الطاغية. إن رفض استخدام تسمية العشق لوصف العلاقة بالله مرده إلى حمولة الكلمة المتجذرة في لسان العرب كدالة حسية تتصل بحقل جنسي حيواني في وصف الناقة: <<إذا اشتدت ضبعتها>> أي إذا اشتدت شهوتها إلى الفحل, أي عشقت. وبالتالي: <<لا يمكن أن يكون(العشق) روحانيا إلا بعسر, وعنف سنبينهما...>> بمعنى أنه مرتبة من الإفراط ذات بعد حسي في جذرها,وقد وظفتها الحالة الصوفية لصالح إفراطها الروحي في حب الذات الإلهية في سياق أنا/ الآخر, أو بتعبير الحلاج ما في الجبة إلا أنت!!
وكما هو العشق في حالته الطبيعية واسطة حسية للتعبير عن فرط الحاجة الجنسية وهياجها إلى الآخر إذا اشتدت (الناقة/ الأنثى) ضبعتها, هو كذلك الجمل/ الذكر الذي يلزم أنثاه ولا يحن إلى غيرها. كما يجدر الانتباه إلى أن دال العشق يشبك أيضا معنى آخر معاكس اشتقه العرب من نبتة تسمى العشقة وهي شجرة تتخضر ثم تدق وتصفر وتذبل إذا قطعت. والصورة هنا تعكس حالة انتكاس عاطفي تشير إلى العجز والاعتلال والاغتراب. وهو ما يتساوق مع حالة العشق الصوفي, الذي هو نبتة مقطوعة من أرض الروح الكلي!!
إن العشق بوصفه علاقة/كتابة: خطية أو شفوية محمول بالضرورة على الشوق>> فالعشق شوق, والشوق افتقار نابع من خواء الجسد البشري, وثغرة الفم الذي ينفتح أملا في الامتلاء..>> كما هي حالة الكتابة.
و<<الكتابة في العشق>> هي بمعنى المؤلفة توق إلى وصف وجه المعشوق المحجوب: <<أي تحويله إلى نص.. يتوق إلى جعل غيره يرى ما رآه, ويسعى إلى أن يكون عشقه قصة تروى وتبقى...>> وبالطبع هذه لا ينطبق إلا على قصص العشق التي رويت بطريقة وأخرى حتى يمكن القول ان العشق الحقيقي لوجه العاشق لم يعرف لأنه لم يكن ليعرف أصلا كونه ضد كل نص يرويه وهو ما يؤكد على ان نصوص العشق المروية والمتداولة في فضاء العلاقة الإنسانية المباشرة (امراة/ رجل) أو الصوفية العابد/ المعبود لم تنل من معنى العشق إلا ما يشاع عنه. فالعشق في مركبه الخيميائي (الروحي) سر يموت عند ذكره.
لكن رجاء بن سلامة معنية بقراءة ما طرحه التراث العربي/الإسلامي من نصوص عشق متداولة للبحث فيها عن مبدأ استحالة التطابق بين الرواية والحدث كما حدث, إذ تقول: <<ولعل المعشوق إذا وصف تبخر, ولعل القصة إذا رويت وبقيت, كانت بمثابة الخط على القبر: لا تروى إلا على انقاض الجسد المقدم قربانا للعشق أو للكتابة أو للقانون..>>
واللغة التي تتأدى بها رجاء بن سلامة في التواصل مع قارئ عصرها (اليوم) هي اللغة نفسها من حيث مفرداتها وقواعد نحوها لكنها في صياغة منقلبة على معناها إذ تعيد وصف التجربة في سياق قراءة معاصرة لتراث مسكوت عنه, لا مفكر فيه, جرى إخراسه بطمسه وطمره تحت ركام المحرمات والمصادرات.
رجاء بن سلامة تنتج قراءة غير مقروءة من قبل للغة نفسها. وكل خطاب هو لغة في الاصل, تحمل او ترفع نظاما متكاملا لسانيا وايديولوجيا. فخطاب العشق قبل ان يكون لغة هو ايديولوجيا, بالمعنى الايبستيمولوجي المنهجي. إذ معنى العشق ومركباته ومراتبه, سواء في فضاء علائقه الفيزقية أو الميتافزيقية, لم يكن ما يعينه قبل الإسلام هو نفسه ما عناه بعده.
رجاء بن سلامة وهى تحفر (معرفيا) في طبقات موروث العشق أو قل موروثاته تتداعي في تفاصيل المفهوم, بما يعنيه من تبدل أوصافه وتصنيفاته ومدلولاته وأساليبه وتداخل مسروداته وتقلب أحواله, وهو ما تتناوله في فصل <<بنية السدم>> الذي تقصد به: <<تحول الذات المشتاقة إلى ذات معتلة تطلب الموت, وتحول العاشقية والمعشوقية إلى علاقة تسلطية شبيهة بالمس : ما يسود في هذا البنية هو التغير>>. والس دم مصطلح لمفهوم مركزي في أطروحة الكتاب, استقته الباحثة من لسان العرب في وصف <<البعير السدم>> إذ يقال: فحل الأبل سدم وسدم ومسدوم ومسدم: هائج. وكذلك هو الفحل <<الذي يرغب عنف حلته, فيحال بينه وبين ألافه, ويقيد إذا هاج, فيرعى حوالي الدار, وإن صال جعل له حجام يمنعه عن فتح فمه..>> أي أن مفهوم السدم يجمع في معادلته بين خطاب الرغبة وخطاب المنع.لكن: <<لا تنسب الشهوة والمنع من الضراب والإلجام إلا إلى البعير,أما الإنسان السدم فتنسب إليه شدة العشق واللهج واضطراب الحركة والحزن والغضب>> وإن لا ينفي ذلك اشتراك فحل الأبل وفحل البشر في طبيعة الرغبة إلى وصال المعشوق الناقة/ المرأة مع اختلاف طبيعة اللغة التعبيرية بين السدم الحيواني والسدم الإنساني.
وإذا كان <<العشق الطبيعي>> هو عالم الحب البشري المحمول على ذهاب العقل والتوحش وصولا إلى الهلاك والموت فإن <<العشق الإلهي>> هو نشدان للاتحاد بالمحبوب: <<حتى كأنما هو حقيقة كل شيء, ومنه كل شيء, وبه كل شيء, وله كل شيء, وعنه كل شيء, وهو في كل شيء, وسع كل شيء, ولكل شيء, وبكل شيء, ومن كل شيء, كأنه لا بشيء, ولا لشيء, ولا عن شيء, ولا من شيء, ولا في شيء, ولا شيء...>> هذا النص الصوفي يلخص, في كثافة لغوية صوفية, التوحد بين الاضداد في رؤية العشق الإلهي الروحية, التي:<< تحيي ولا تميت>> والمترفعة عن طلاب العشق الطبيعي, الذين: <<وقفوا مع الوسائط, ومحبتهم كانت من حب الطبيعة, فلم يصف لهم حال, وانتهت بهم إلى الموت الطبيعي..>>
فالعشق الطبيعي استغراق في النسبي/ الزائل بينما العشق الإلهي استغراق في المطلق/ الدائم, لكنه ممتنع عن الوصف بواسطة اللغة البشرية المخلوقة لوصف البشري,ومن هنا تأتي لغة الصوفي في نفي الاثبات وإثبات النفي كما في قصيدة الحلاج:
لقد أعجبني الوجــد بمن أهــواه والفقــد
فلا بعـد ولا قـرب ولا وصــل ولا صـد
ولا فوق ولا تحـت ولا قبل ولا بعد
ولا عرف ولا نكر ولا يأس ولا وعد
فهـذا منتهى سؤلـ ـي وهو الواحد الفرد
ومع ذلك تستدل الباحثة على نقاط التقاء بين العشقين الإلهي والطبيعي: في طاقة الافتقار إلى المعشوق(نسبيا كان أم مطلقا), واشتراكهما في أسماء الحب ومراتبه التدريجية في جدول بنيوي مقارن أساسه اسماء الحب الإلهي ومراتبه المبتدئة باسم التعرف مرتبة أولى فالتأمل فالت عجب فالت ولع فالت طلع.... وصولا إلى التوله ثم اخيرا التهالك... والنتيجة ان, العشقين الطبيعي والإلهي, يستخدمان المفردات نفسها مع بعض الإنزياح اللغوي الشكلي في المعنى الصوفي, غالبا, تحاشيا للدلالة الجنسية المباشرة في لغة العشق الطبيعي.
كما تكشف عن الاشتراك في طلب الموت عشقا. فالعاشق (الطبيعي أو الإلهي) ينشد في الحالتين نفي وجوده في الآخر (النسبي/ المطلق) عبر الشكوى السدمية والغشية والإغماءة... إلى الجنون, هي نفسها تمتح من نبع الافتقار الوجودي إلى الوجود.وحتى طلب الموت عشقا مشترك بين الحالتين: << فقد يموت العاشق الإلهي نتيجة سماعه كلاما في المحبة, بل قد تنكسر الأشياء الجامدة غير العاقلة..>>
وأكاد اجزم ان لا مثيل لمورث العشق العربي/الإسلامي في أية ثقافة أخرى. ولا اتصور ان هناك ما يناظر مراتب الحب في لغة أخرى, حيث, حسب أبي الحسن الديلمي: <<للمحبة أسماء اشتق ت من رتبها ودرجاتها, مختلفة الألفاظ والمعنى واحد, وبتزايدها تختلف أسماؤها, وهي في الجملة عشر مقامات, وتنتهى في الحادي عشر إلى العشق, وهو الغاية, فإذا بلغها سقط عنه اسم المحبة, ويسمى بغيرها>> وكأننا هنا ازاء لوغريتمات إلسانية تقبل التحليل إلى عواملها الأولية في جداول بيانية تبين تداخها وتقاطعها وتشعبها, تناظرها وتفارقها. وهي ليست مجرد مفردات لتعداد مرادفات الحب والعشق والشوق... وانما دوال لحالات حاملة لأبعاد وتصورات ومفاهيم نفسية وسوسيوثقافية برسم الشخصية العربية/الإسلامية. وهي(الدوال) تتوزع في مراتب حسب درجات الاهواء والمعاني واختلاف مصنفيها التراثيين, إذ تعيد رجاء توزيعها مع ملاحظة تعدد تكرارها في ثمانية مصفات تراثية بارزة: <<منهم الأديب الجماعة, ومنهم المصنف في آداب العشق, ومنهم الصوفي المهتم بالعشقين الطبيعي والإلهي ومنهم اللغوي..>>
وكما تفكك رجاء بن سلامة <<خطاب العشق>> لتستنطق المسكوت عنه (فيه) وتحلل اللامفكر فيه(فيه),تشتغل بالمنهج نفسه على <<خطاب المنع>>. فتقصي المبالغات التاريخوية في ربط موروث العشق بكبت الإسلام للجنس, كما انها لا تسلم: <<بان الإسلام يقبل العشق بلا تردد ويشج ع عليه, أو بان العشق يمكن ان أن يكون ثمرة مباشرة من ثمرات الدين.>> وان هي تذهب إلى ان الموقف العام من العشق : <<يقبل بالعشق ولكن بشروط>> حسب مقتضيات فقهاء العشق في التاريخ الإسلامي وآيتهم ابن حزم الظاهري, الذي يرى ان : <<استحسان الحسن, وتمكن الحب , طبع لا يؤمر به ولا ينهى عنه, إذ القلوب بيد مقل بها, ولا يلزمه غير المعرفة والنظر في الفرق ما بين الخطأ والصواب... وإنما يملك الإنسان حركات جوارحه المكتسبة..>> طبعا هذا الاجتزاء لا يمكن له ان يلخص مفهوم المحبة عند ابن حزم الواقع ما بين الحمامة والطوق!!
لكنه في معرض تحليل الكاتبة لما ترصده من دلالات يدخل في المعنى العريض للتصورات الدينية في تقنين المتعة,إلى درجة تدخل فقه الحلال والحرام في الفصل ما بين النظر/ اللمس. والأمر لا يخص الإسلام بذاته وانما لأن كل دين هو في الإساس مضاد للعشق, كون العشق (الاشتهاء, التوله, الاهتياج....) مضادا لضوابط الأخلاق الاجتماعية, حتى أنه يفتح بابه للعلاقات المثلية على نحو شاسع من التسامح. ومعروف وهائل هو تراث العشق في باب الغلمان والغلاميات. وهو ما يتضارب مع محددات الأخلاقية النمطية للدين. فالحب, في فضاء الدين المغلف بالعادات الاجتماعية الصارمة, نمطي, غايته <<الشريفة>> محددة في شكل زواج مشروط بعقد نكاح نمطي يستنسخ مواصفاته منذ قرون تنطح قرونا. بينما يقع العشق في منطقه الفضيحة الأخلاقية/ الاجتماعية لأنه يقوم بلا وساطة شرعية, ويفلت من شروط عقد النكاح: << ففي العشق بعد لا اجتماعي أساسي, وجدناه واضحا في ارتباط أسمائه بمعاني القتل والفتنة السياسية وخرق العقود التي تنظم حياة المجموعة..>> وهو ما يتضح عند المقارنة بين دوال العشق ودوال القتل والفتنة. فنجد <<الفتنة>> في دال العشق تناظر <<الفتنة>> في دال القتل. و<<الشغف>> في دال العشق هو <<التشغف>> بمعنى تفريق الناس. و<<الدله>> في دال العشق تعني: ذهب دلها أي هدرا ,وهو ما يحيل إلى هدر دم الخارج على أخلاق القبيلة, وكذلك الخارج على أخلاق السياسة!!
ولأن العشق ذو بعد لا اجتماعي وذو بعد لا ديني, تحيط به دائرة منع ونبذ, قام تاريخه على: <<إهدار الدم, العقاب, أو العقاب الذاتي الذي يسلطه المتأثم على جسده:... <<فاكتظ بأخبار<<قتلى الله>> و<<مصارع العشاق>> ومعاقبة الغلمان والمخنثين والخصيان والسحاقيات... وحتى تطول دائرة المنع تعبيرات المتعة من طريق النظر الملتاذ والكلام المغوي والطرب المثير, وكذا وصف المتعة...!!
ولدائرة المنع فواعلها, أي آباؤها, الذين هم حراسها, الذين تتابين قدراتهم على المنع حسب مواقعهم في دائرته, فمنهم: <<الشخصيات التي تمثل ديكورا مذكرا بالخارج, والقانون, إلى رجل السلطة الذي يهدر دم العاشق, إلى الأب الذي يرفض زواج العاشقين فيختار لهما الموت مصيرا..>> ويأتي الرب في أعلى الفواعل, فهو: <<إسقاط اقصى للأبوة>> لما وراء الطبيعة, وإليه الدهر (القدر الأعمى) الذي هو صورة له, ثم العاذل والرقيب في المستوى البشري لصورة المانع, فالأب والعشيرة, رجل السلطة, ورواة الأخبار أيضا, بما يفعلونه في الرواية من إحلال وإبدال وتأويل يعيد إنتاج حكاية العشق بما يليق وبنية الأخلاق الاجتماعية السائدة في محيط المتلقي!
وما كان لدائرة المنع ان تنبني وتتشكل لو لم يكن خطاب العشق خطاب خرق ومروق. خرق لمحددات: <<الكلام عن المتعة والمتعة بالكلام..>> أي أنه, بالمعنى الاجتماعي/ السياسي, خرق لنظام العلاقات الاجتماعية وقانونها الاخلاقوي الأبوي, حتى ان الحب العذري عند الكشف عن ألاعيبه <<الفاضلة>> يبان عن مراوغة (من إنتاج الرواة) لقانون الحب المطوق بالعفة القبلية/ الدينية!!
ان نصوص الحب والعشق الراسخة تدور داخل دائرة الانصياع التراجيدي الغنائي. أنها مثول عند المشهد المأساوي كما يرسمه المخيال الاجتماعي, بحيث :<<يكون فيه البطل (العاشق) بريئا وآثما في الوقت نفسه, باعثا على الشفقة وعلى الخوف والغضب...>> وحيث الموت المصير المحتم إذ العشق هو نفسه الموت. وبالتالي فان نصوص العشاق الخارجين على المصير التراجيدي المحتم بقدرة الله أو بقدرة رجل السلطة هي نصوص فالتة من طوق الانتظام في جدول التراث النمطي لأسباب تاريخية (اجتماعية/ ثقافية) تشرط وجود الراوي غالبا.
لذلك في ظروف تاريخية (اجتماعية/ ثقافية) معينة نعثر على عشاق,سواء في فضاء العشق الطبيعي أو الالهي, تمردوا على الخالق تعبيرا: <<عن الغضب إزاء ما أراده الله أو مطالبة بالعدل والحكمة..>> إذ يقول مجنون بني عامر:
قضاها لغيري وابتلاني بحبها فهلا بشيء غير ليلى ابتلانيا?
وقد يصعد العاشق غضبه إلى درجة التألي تعبيرا عن رغبة المحب/ العاشق في جعله مطيعا لرغبته. وفي ذلك يروي الرواة ان من المتآلين على الله المؤمل بن أميل المحاربي (مات حوالي 190 هـ) وقد نزل به عقاب الله على نحو مخصوص: فكان عاقبه بان حقق ما تمناه في شعره على سبيل المجاز: <<رأى المؤمل في منامه قائلا يقول: أنت المتألي على الله ألا يعذب المحبين حيث تقول:
يكفي المحبين في الدنيا عذابهم
والله لا عذبتهم بعدها سقر!
فقال له: نعم. فقال: كذبت يا عدو الله, ثم أدخل إصبعيه في عينيه وقال له: أنت القائل:
شف المؤمل يوم الحيرة النظر
ليت المؤمل لم يخلق له بصر
هذا ما تمنيت, فانتبه فزعا, فإذا هو قد عم ي.>>
رجاء بن سلامة, على ما اعتقد, هي أول من ولج التراث العربي/ الإسلامي بادوات منهجية مبتكرة في حقل البحث العلمي من باب موروث العشق الذي اكتفينا منه طوال أربعة عشر قرن ونيف بالتمجيد والتغني والتسلي, أو الخجل والعيب والنبذ!!
وهي إذ تلجه لا تحضر فيه كامرأة عربية موضعتها الثقافة الذكورية كموضوع لاستيهامات الذكر/ العاشق, بأوهامه وأهوائه وهياجه وكبوتاته وجنونه,وإنما تلجه كذات مبدعة من لدن باحثة ايبستيمولوجية قابضة على ادوات المنهج العلمي الحديث, متجردة من أحكام الايديولوجية النسوية الضيقة.
وقد يكون صحيحا انها أرادت الإحاطة بكل شيء في أطروحة واحدة, تلاحق فيها مسرودات المحبة وتحولات العشق بما تحملها المسرودات والتحولات من تفاصيل تتداعي تفاصيل, تتوزع هنا وتتناثر هناك, تقاطع بعضها بعضا وتناقضها, كأن كل فصل في كل باب يمكن ان ينقفل على نفسه في موضوع خاص بذاته, لكنها ابقت على جذوة الفكرة المنهجية تخترق أبواب الكتاب وفصوله بما هي استنطاق لمسكوت عنه وتكذيب لمروج في الوقت نفسه.كشف لذات المعشوق المخبوءة وجسد العاشق المقصي, والوقوف عند الشوق إذ يكون <<صيحة في وجه القانون>> ومقاومة لقوى المنع بواسطة التطرف في الخلاعة والبوح والجهر, حتى الكفر أحيانا. ويكون, أيضا, موت العاشق شهادة أمام استحالة التوحد بالمعشوق: <<كما أدرك موسى استحالة رؤية وجه الله بعد أن صعقه النور..>> وفي هذا يتضافر المعشوق الطبيعي مع الالهي!!
كذلك تحضر كتابة العشق, بحسبانها وجود ضد الغياب والمنع والمستحيل, بعد إزاحة غنائيات الاطلال المتهدمة في الذاكرة.ليعاد بناء شعرية العشق في سياق تعريتها للصخب المقام حولها بحيث: <<تصبح الكتابة>> ليست تخيلا بل عجزا عن التخيل, وليست محاكاة بل احتجاجا ( لكل) ما يمكن أن يحاكي, ليست بناء لأساطير الحي المطلق بل تعر يا للأساطير..>> وهو ما اشتغل عليه بحاثة عرب معرفيين قرأوا تراث الحب والغزل والعشق بمنظور مناهج النقد الحديثة (الأدبية/ التاريخية/ الاجتماعية) كما عند صادق جلال العظم والطاهر لبيب وفاطمة المرنيسي, على سبيل المثال. وتأتي رجاء بن سلامة لتمضي في حفرها المعرفي إلى الأبعد عميقا في طبقات الصوت والصدى, وصولا إلى مناطق الصمت المضروب حول كتابة العشق عند درجة صفرها, أي بوحها بالمنوع المقموع المخرس, أي بوحها بلغة الجسد عند درجة حريته الطبيعية!!
وذلك يلزم قبل استنطاق نصوص العشق وأخبار العشاق إزاحة ستائر الروايات التي: <<يستسلم فيها الرواة إلى شوقهم إلى الحديث عن أشواق الآخرين, ويقفون على أطلال العشاق فيعيدون ابتناءها..>> بحيث لا يبقى من أثره على رمل الواقع إلا ما يدل على ما يرغب في استحضاره المألوف. لكن داخل هذا التقاطع التراثي بين الخيالي والرمزي والواقعي, تعثر الباحثة, بفضل سيطرتها على أدوات مناهجها الثاقبة وتحك مها في مسار رؤيتها الايبستيمولوجية, على مداخل نافذة في بنية خطاب العشق, وتحديدا, في << بنية الس دم>> الذي يمثل معيار بحثها المعرفي وحاضن رؤيتها التنظرية. إذ الس دم عندها: <<هو أن تجتمع قوى النفس الخائفة الوالهة من العشق,مع قوى القانون المانعة للمتعة...>> والس دم هو ما يكشف عن زيف الحب العذري, وإقصاء لغة الجسد(الجماع) من خطاب العشق, وجعل النكاح مفسدة للحب/العشق, كي يبدو: <<العشق عفة, وعشق لصورة, والزواج جماع ومتعة وطلب للولد..>> وفقا لتصورات اجتماع البداوة ومخيالهم الاجتماعي, بقلم رواة هم عند تحليل منطلقاتهم الاجتماعية/ الدينية/ الثقافية, يبانوا عن أهواء أنفسهم التي جعلتهم يبتدعون مخلوقا هو: <<شوق بلا إرادة جماع , شوق بلا حركة, عشق بلا شوق, عشق للمنع, عشق للسلطة المانعة ذاتها, عشق بدون عشق. هذا المخلوق لا يقوى على الوجود, لأن العاشق الذي هذا وصفه يكون خبر عشقه خبر موته...>> لأن الرواة هم رواة معرفة السلطة ولم يكونوا يوما أو لم يكن من الممكن لهم ان يكون رواة سلطة المعرفة!!
---------------------
* كتاب: <<العشق والكتابة>> من تأليف رجاء بن سلامة هو في الأصل أطروحة دكتوراة دولة. صدر عن منشورات الجمل, كولونيا - ألمانيا,2003.
|
|
10-04-2008, 05:17 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
يجعله عامر
عضو رائد
    
المشاركات: 2,372
الانضمام: Jun 2007
|
قراءة لـ كتاب <<العشق والكتابة>> لرجاء بن سلامة
|
|
10-04-2008, 05:26 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
يجعله عامر
عضو رائد
    
المشاركات: 2,372
الانضمام: Jun 2007
|
قراءة لـ كتاب <<العشق والكتابة>> لرجاء بن سلامة
Array
رجاء بن سلامة
حاصلة على دكتوراه الدّولة في اللّغة والآداب والحضارة العربيّة، أستاذة محاضرة بكلّيّة الآداب والفنون والإنسانيّات، منّوبة، تونس
-عضو في جمعيّة "الفضاء التّحليلنفسيّ الفرنسيّ التّونسيّ"
-عضو مؤسّس لجمعيّة "بيان الحرّيّات بفرنسا"
- -من مؤلّفاتها : نقد الثّوابت، دار الطّليعة، بيروت 2005؛ بنيان الفحولة، دار البترا، دمشق، 2005؛ العشق والكتابة : قراءة في الموروث، كولونيا، دار الجمل، 2003؛
صمت البيان، القاهرة، المجلس الأعلى للثّقافة، 1999؛
الموت وطقوسه من خلال صحيحي البخاريّ ومسلم، تونس، دار الجنوب، 1997.
الشّهائد المتحصّلة عليها :
- دكتوراه الدّولة في اللّغة والآداب والحضارة العربيّة العنوان : العشق والكتابة : قراءة في الموروث.
- التّبريز في اللّغة والآداب والحضارة العربيّة سنة 1988، كلّيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة.
- الأستاذيّة في اللّغة والآداب والحضارة العربيّة سنة 1985، دار المعلّمين العليا.
الوضع الحاليّ :
- أستاذة محاضرة بكلّيّة الآداب والفنون والإنسانيّات منّوبة، جامعة منّوبة، تدرّس التّفكيك وتاريخ التّصوّرات عن المرأة في نطاق وحدة "تاريخ النّساء".
- تدرّس الخطاب عن المرأة وعن الجندر في العالم العربيّ في نطاق "ماجستير الدّراسات النّسائيّة" بالمعهد العالي للعلوم الإنسانيّة، تونس.
- تنشر مقالات عن القضايا الدّينيّة وعن وضعيّة المرأة العربيّة في : www.elaph.com ومواقع أخرى
أنشطة أخرى علميّة وعالميّة :
- عضو هيئة تحرير مجلّة Transeuropéennes التي تصدر بفرنسا.
- عضو هيئة قراءة مجلّة إيبلا (معهد الآداب العربيّة) بتونس.
- عضو في فريق بحث حول ترجمة الثّقافات في إطار مجلّة تراسأوروبيان المذكورة.
- عضو في فريق بحث حول "تحليل الخطاب" في جامعة منّوبة.
- تشارك في "الورشات الثّقافيّة الأورومتوسّطيّة".
أنشطة جمعيّاتيّة :
- تنشط في الجمعيّات غير الحكوميّة الإقليميّة والوطنيّة التّالية : *المعهد العربيّ لحقوق الإنسان *الجمعيّة التّونسيّة للنّساء الدّيمقراطيّات *جمعية النّساء التّونسيّات للبحث حول التّنمية.
- عضو المكتب النّقابيّ بكلّيّة الآداب والفنون والإنسانيّات بمنوبة (النّقابة العامّة للتّعليم العالي والبحث العلميّ).
المنشورات :
الكتب :
- Les Mots du monde : Masculin –féminin : Pour un dialogue entre les cultures, collectif sous la direction de Nadia Tazi, Paris, La Découverte, 2004.
- العشق والكتابة : قراءة في الموروث، كولونيا، دار الجمل، 2003.
- صمت البيان، القاهرة، المجلس الأعلى للثّقافة، 1999.
- الموت وطقوسه من خلال صحيحي البخاريّ ومسلم، تونس، دار الجنوب، 1997.
- الشّعريّة، لتزيفطان تودوروف، ترجمة بالاشتراك مع شكري المبخوت، الدّار البيضاء، دار طوبقال، 1987، طبعة ثانية سنة 1990.
أهمّ المقالات بالفرنسيّة أو الانكليزيّة :
- "Le mythe politique de l’étalon", à paraître dans Intersignes : la virilité en Islam, nouv.éd.
- "Les sphères divisées d’Aristophane à Ibn Hazm", annales del seminario de historia de la filosofia, vol 12, 2002, pp39-51.
- "Folie censoriale, crise des fondements", Naqd : Revue d’études et de critique sociale, n°17, 2002, pp63-72.
- "Tarab : exhilarated on an impossible wine : s’enivrer d’un vin impossible", (en anglais et en français), Transeuropéennes : traduire entre les cultures, n°22, 2002, pp 215-230.
- « Le sacré de l’autre », Actes du IVème Séminaire Maroco-Italien sur « Les Frontières et Zones de contact », organisé par la Commission Nationale Marocaine pour l’Education, la culture et les Sciences, Tanger, du 23 au 27 Juin 1998.
- « Taire l’amour », Intersignes, n° 6-7, Printemps 1993.
- « Les pleureuses », Intersignes, n° 2, 1991.
أهمّ المقالات بالعربيّة :
- "أهليّة المرأة للمشاركة السّياسيّة في الخطابات الدّينيّة المعاصرة"، يصدر ضمن سلسلة منشورات مجمع الباحثات اللّبنانيّات".
- "التّمييز وعنف التّمييز ضدّ المرأة في العالم العربيّ"، www.elaph.com وwww.amanjoradan.org
- "الحجاب من منظور حقوق الإنسان"، يصدر في العدد القادم من "المجلّة العربيّة لحقوق الإنسان" (المعهد العربيّ لحقوق الإنسان)
- معركة السّفور الجديدة، www.elaph.com.
- "التّرجمة والمحو"، عيون، 2003.
- "في الشّهادة والانتحار"، ضمن أعمال ندوة "المسلم في التّاريخ"، إشراف عبد المجيد الشّرفيّ، الدّار البيضاء، 1999، ص ص 31-50.
- "في المقدّس والغيريّة"، الحياة الثّقافيّة، عدد 99، 1998، ص ص 7-15.
- اللّغات : العربيّة والفرنسيّة والإنكليزيّة.[/quote]
الحديث عن المتعة يولد المتعة ( عن العشق والكتابة )
حوار
رجاء بن سلامة تري أن الحب العذري ظاهرة ثقافية
الموضوعية في دراسة التراث وهم !!
___________________________
|
|
10-04-2008, 05:33 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
يجعله عامر
عضو رائد
    
المشاركات: 2,372
الانضمام: Jun 2007
|
قراءة لـ كتاب <<العشق والكتابة>> لرجاء بن سلامة
من كتاب "العشق والكتابة" بتصرف ..
الصّعق أو الموت المؤدّي إلى العشق
من موسى كليم الله إلى قيس مجنون ليلى
![[صورة: eclair-1.jpg]](http://www.alawan.org/files/articles_images/eclair-1.jpg)
بقلم رجاء بن سلامة
عندما لا يحتمل العاشق "الآله" رؤية المعشوق وقد انبعث نوره، يستفحل أمر العشق-الأله، فتصيبه غشية هي ما يسمّيه القرآن، وتسمّيه نصوص العشق "صعقا". (...)
يحيل الصّعْق إلى "الغشية" والموت، كما يحيل إلى العامل الذي يسبّبهما، وهو إمّا أن يكون "الصّاعقة"، وهي إحراق البرق الإنسان أو "نار تسقط من السّماء في رعد شديد"، وإمّا أن يكون الصّوت يسمعه الإنسان "كالهدّة الشّديدة".
ولعلّه من الضّروريّ أن نميّز بين مفهوم الصّرْع والغشية المرتبطة به ومفهوم الصّعق. فالصّرْع (...) يتنزّل في دائرة الخياليّ، لارتباطه بالمسّ وبعالم الجنّ، بما أنّ الجنّيّ هو شوق الإنسان المنفصل عنه، والمرفوض بطريقة هستيريّة بالأحرى، ولذلك يدخل الجنّيّ جسد الإنسان لـ"يتخبّطه". أمّا الصّعق، فإنّنا نفترض أنّه مرتبط بلقاء الغير المنفصل عن الإنسان، باعتباره الغير المطلق الغيريّة، أي باعتباره لامحدودا ولانهائيّا، ولذلك فهو لا يحتمل. إنّه لقاء بالغير باعتباره مستحيلا، واكتشاف للعشق باعتباره متضمّنا للاستحالة. وهذا ما سنبيّنه.
صعق موسى
لا شكّ أن أحسن من يجسّد الصّعق، بل من يجسّد الصّعق "الأصليّ" هو موسى، كليم اللّه، عندما اشتاق إلى وجه اللّه : "ولمّا جاء موسى لميقاتنا، وكلّمه ربّه، فال : يا ربّ أرني أنظرْ إليك، قال : لن ترني، ولكن انظر إلى الجبل، فإن استقرّ مكانه فسوف تراني، فلمّا تجلّى ربّه للجبل، جعله دكّا، وخرّ موسى صعقا، فلمّا أفاق قال : سبحانك تبت إليك وأنا أوّل المؤمنين."( الأعراف 7/143)
هناك غموض في الآية، تعمّدنا عدم تجنّبه بالعودة إلى التّفاسير المختلفة، فهي ستقدّم ولا شكّ إجابات معقلنة وحلولا توضيحيّة. لنتأمّل الآية كما لو كانت بيتا في العشق، أي بمعزل عن التّرسانة التّأويليّة التي يحيطها بها التّقليد. لماذا صعق موسى؟ ألأنّه رأى اللّه، أم لأنّه لم يره؟ ما الذي لم يحتمله موسى : شدّة النّور التي تنخطف لها الأبصار والألباب، أم وقوف الجبل واسطة تحول بين النّاظر والمنظور، بحيث أنّ المنظور لن "يتجلّى"، وإن وعد بذلك، لن يُرى إلاّ من خلال حجاب، فهو لن يرى(1) ؟
هل صَعِق موسى لأنّه رأى شيئا من اللّه أم لأنّه لم ير اللّه، أم صعق "حتّى" لا يرىJustify Full اللّه؟ هل "صُرف" عن رؤية اللّه عندما أتيحت الرّؤية؟ هل وضع حجاب الجبل على نور اللّه أم وضع حجاب الغشية على بصر موسى؟ هل اجتمع الأمران لحجب الوجه الإلهيّ : غِشاء الجبل وحجاب الغَشية؟
إنّنا نذهب إلى أنّ الآية تتّسع إلى جميع هذه الممكنات التّأويليّة المختلفة، ولكنّنا نرى أنّها مع ذلك تؤكّد أمرا أساسيّا : هو استحالة رؤية اللّه، هو استحالة اللّقاء المباشر باللّه واستحالة حضوره. الأكيد هو أنّ موسى لم ير اللّه من حيث رآه أو أوشك على رؤيته : "أخطأ اللّهَ". ننتقل في الآية من إمكان المستحيل، بما أنّ اللّه وعد موسى بأن يريَه وجهه، إلى استحالة الممكن، بما أنّ الرّؤية انتهت بعدم الرّؤية.
والأكيد أيضا هو أنّ موسى استخلص عبرة من مجابهة الاستحالة عندما "أفاق" وتاب. هذه الإفاقة هي الإفاقة على الواقعيّ باعتباره مستحيلا، وقد سبق أن وجدناها في الشّعر المعلن عن انقطاع الحبل، وفي الشّعر الذّاكر طيف الصّباح بدل طيف اللّيل، وفي المقدّمة الطّلليّة التي تذكر ضرورة الكفّ عن مخاطبة الطّلل وضرورة الرّحلة لقضاء الحاجات والضّرب في الأرض. الأكيد أخيرا أنّ علاقة موسى باللّه تخضع إلى ملامح الإخطاء العشقيّ ذاته : عندما اشتاق موسى إلى اللّه لم يره، وعندما أتيحت رؤيته فقد الوعي، وعندما عاد إلى وعيه أيقن بأنّ اللّه لا يمكن أن يرى : عندما يحضر موسى "إلى نفسه" يغيب اللّه، وعندما يحضر اللّه يغيب موسى.
إنّ عدم إدراك استحالة رؤية اللّه بعين الحسّ يؤدّي إلى الجنون، أو هو مرادف للجنون : مجرّد ادّعاء رؤية اللّه يؤدّي إلى الجنون الاجتماعيّ وإلى الإقصاء : "حُكي عن مالك بن دينار قال : مررت يوما ببعض سكك البصرة، فإذا بصبيان يرمون رجلا بالحجارة، فقلت : ما هذا؟ فقالوا : مجنون يزعم أنّه يرى ربّه عزّ وجلّ على الدّوام. فزحزحت عنه الصّبيان، فإذا شابّ بهيّ قد أسند ظهره إلى الحائط، فقلت له : ما هذا الذي يزعم هؤلاء؟ قال : وما يزعمون؟ قلت : يقولون إنّك ترى ربّك على الدّوام. فبكى وقال : واللّه ما فقدته مذ عرفته، ولو فقدته ما أطعته. ثمّ أنشأ يقول : [من الهزج]
عَلَى بُعْـدِكَ لاَ يَصْبِــ
رُ مَنْ عَادَتُهُ القُــرْبُ
وَلاَ يَقْـوَى عَلَى هَجْـِر
ك مَنْ تَيَّــمَهُ الحُـبُّ
لَئِنْ لَمْ تَـرَكَ العَيْــنُ
لَقَدْ أبْصَــرَكَ القَلْـبُ (عقلاء المجانين).
لا ندري إن كان الصّبية، وهم يمثّلون سلطة المجموعة وصوتها، فهموا هذا العاشق الإلهيّ خطأ، أم أنّ هذا العاشق أدرك مثل موسى استحالة الرّؤية بناظر الحسّ، فطلب الرّؤية بناظر القلب. الأغلب على الظّن أنّه من "عقلاء المجانين"، فهو ليس بالمجنون ولا بالعاقل(...)
وقد يتكرّر الأمر، يتكرّر الصّعق لدى أهل المحبّة، فيتحوّل إلى تقنية جسديّة، غايتها إنتاج وهم الحضور، حضور شيء من الذّات الإلهيّة في الجسد(2) ، وهذا شكل من أشكال "استبدان الإلهيّ" somatisation du divin يختلف عن اللّقاء بالمستحيل، وعن قبوله.
مجنون ليلى : هل صعق أم صرع؟
ونجد "الصّعق" في أخبار "العشّاق الطّبيعيّين"، ومنهم مجنون بني عامر. المعشوق المستحيل لم يعُد اللّه بل ليلى، لاسيّما أنّها كما سنرى تشبّه بالشّمس لأنّها لا تدرك. فهل يلتقي المجنون بالمستحيل فيفيق؟ وهل تمثّل ليلى غيرا مطلقا أم صورة من صور الأنا تتخبّط المجنون كما يتخبّط الجنّ من أصابه مسّ؟
"حدّثنا بعض مشايخ بني عامر أنّ المجنون مرّ في توحّشه، فصادف حيّ ليلى راحلا، ولقيها فجأة، فعرفها وعرفته، فصعق وخرّ مغشيّا على وجهه، وأقبل فتيان من حيّ ليلى، فأخذوه ومسحوا التّراب على وجهه، وأسندوه إلى صدورهم وسألوا ليلى أن تقف له وقفة، فرقّت لما رأته به، وقالت : أمّا هذا فلا يجوز أن أفتضح به، ولكن يا فلانة –لأمة له- اذهبي إلى قيس فقولي له : ليلى تقرئك السّلام، وتقول لك : أعزز عليّ بما أنت فيه، ولو وجدت سبيلا إلى شفاء دائك لوقيتك بنفسي منه، فمضت الوليدة إليه وأخبرته بقولها، فأفاق وجلس وقال : أبلغيها السّلام وقولي لها : هيهات! إنّ دائي ودوائي أنت، وإنّ حياتي ووفاتي لفي يديك، ولقد وكّلت بي شقاء لازما وبلاء طويلا. ثمّ بكى وأنشأ يقول : [من الطّويل]
أقُولُ لأصْحَابِي : هِيَ الشَّمْسُ ضَوْؤُهَا
قَـِريبٌ وَلَكِــنْ فِي تَنَاوُلِـهَا بُعْدُ
لقَدْ عَارَضَـتْنَا الرِّيحُ مِنْهَا بِنَفْــحَةٍ
عَلَى كَبِدِي مِنْ طِيبِ أرْوَاحِهَا بَرْدُ
فَمَا ِزلْتُ مَغْشِـيًّا عَلَيَّ وَقَدْ مَضَـتْ
أنَاةٌ وَمَا عِنْـدِي جَـوَابٌ وَلاَ رَدُّ…(الأغاني)
رؤية ليلى بصفة مباشرة أدّت إلى عدم المباشرة، أي إلى صعق المجنون، وتكرّر الإخطاء : عندما حضرت ليلى غاب المجنون عن الوعي. وبعد ذلك، عندما عاد الوعي إلى المجنون كان لابدّ من واسطة بينه وبين ليلى تمثّلت في الفتيان من قوم ليلى، أو في الأمَة التي كلّفتها ليلى بتبليغ رسالتها إلى المجنون. لقد أفاق المجنون وذكر المستحيل : ليلى شبيهة بالشّمس، لا في جمالها وبهائها، بل في البعد رغم توهّم القرب، في الاستحالة التي تبدو إمكانا.
ولكنّنا نذهب إلى أنّ المجنون، خلافا للنّبيّ موسى حسب الرّواية القرآنيّة لم يتّعظ ولم "يفق" حقيقة، يظهر ذلك فيما يلي :
- أعلن في نثره عن فوات الأوان (هيهات!)، فهو سائر إلى موته لأنّ ليلى هي داؤه ودواؤه.
- عادة ما تأتي الاستفاقة، والتّسليم بالاستحالة بعد البكاء، أمّا المجنون، فقد بكى بعد أن أفاق.
- لم يل البيت الذي يقرّ باستحالة ليلى سلوٌّ، أو إعلان عن قطع الحبل، أو غير ذلك من الممكنات الشّعريّة التي تعرّضنا إليها في هذه الدّائرة، بل تلاه بيت في التّشوّق، أي في العودة إلى الخيال لعقد الصّلة بليلى ولاستحضارها وهْما. ليلى مستحيلة ولكنّه سيظلّ يجري وراءها.
- انتهت الأبيات، وانتهى الخبر بأكمله بذكر الغشية، بل وطــولها واستمرارها (" فما زلتُ مَغْشِـيًّا علَيَّ… ") وذكر عدم الكلام ( ومَا عِنْدِي جَـوابٌ وَلا رَدّ)، عدم الإعلان عن قطع الحبل ربّما.
وبذلك لم يفق المجنون من غشيته إلاّ ليعيد الغشية، ولم يأنس إلى قوم ليلى إلاّ ليعود إلى توحّشه، ويمضي إلى موته. وهذا هو الفارق بين صعق موسى و"صعق" المجنون(...)
ليس صعق المجنون لقاء بالغير المطلق، بل هو لقاء بغير موجود داخل العاشق، هو مبدأ عدم قبوله العشق وتبعاته، ومبدأ تغيّر العاشق واعتلاله. فهو من النّاحية المفهوميّة صرع وليس صعقا.
صرع المجنون يختزل قصّة الحبّ في دائرة السّدم : عشق فموت، وصعق موسى وغيره من العشّاق "الإلهيّين" أو "الطّبيعيّين" يختزل قصّة الحبّ في دائرة المستحيل : موت فعشق، لقاء بالموت فعشق تلوح منه استحالة العشق. إنّه الموت الذي تنبعث منه ذات أخرى، أدركت المستحيل، وسلت على نحو ما، أي : ابتلعت شيئا من الموت.
من كتاب "العشق والكتابة"، بتصرّف.
الهوامش
1-يقول ماسّينيون متسائلا، رابطا بين صعق موسى وسجود إبليس : "هل يجب رفض طاعة اللّه، عندما يطلب منّا في القرآن أن ننظر ( أن ينظر موسى) إلى صفحة وجهه Son reflet(وهي غيره) في سيناء، أو عندما يطلب منّا (من الشّيطان) أن يسجد أمام صورته Son image (وهي غيره)، في شكـل آدم؟" انظر :
La Passion de Hallaj 1/410-11.
2- انظر حديث دي سرتو عن المصروعين الإلهيّين الذين "ينتجون أشباه حضور" des semblants de présence ، وهم غير المتصوّفين الحقيقيّين الذين "يدافعون عن الاستحالة التي يواجهونها" :
De Certeau Michel : La Fable mystique : XVI –XVII siècles, Gallimard, p 14.
نقلا عن الأوان .
|
|
10-04-2008, 05:38 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
|