القطط السمان» في روسيا بين الغضب المحلي والإعجاب الخارجي
تقرير: 100 شخص يمتلكون نحو 25% من ثروة البلاد

لندن: ناصر التميمي
ساعد تصاعد اسعار المواد الاولية والنفط، في دولة مثل روسيا الغنية بالموارد الطبيعية، العاصمة موسكو لتحتل المركز الثالث على المستوى العالمي في عدد المليارديرات. ولكن رغم ما يبدو ظاهريا من ثراء فاحش، الا ان توزيع الثروة في روسيا يبدو انه يتركز في يد اقلية او ما بات يصطلح على تسميتهم «القطط السمان»، في حين ان غالبية الشعب بالكاد تلبي احتياجاتها اليومية. ولكن مع ذلك فان روسيا تتفوق على دول رأسمالية عريقة مثل بريطانيا وفرنسا واليابان في عدد المليارديرات فهي تتربع على المركز الثالث بعد الولايات المتحدة والمانيا.
وبحسب قائمة مجلة «فوربس» لأغنى اغنياء العالم عام 2005، فان اميركا تملك العدد الاكبر من مليارديرات العالم حيث يوجد فيها 341 مليارديرا اي 49% من العدد الاجمالي على مستوى العالم. بينما تملك المانيا 57 مليارديرا، في حين تأتي روسيا في المرتبة الثالثة بعدد يصل الى 27 مليارديرا.

وطبقا لما جاء في الطبعة الروسية لمجلة فوربس التي صدرت اخيرا ارتفع عدد المليارديرات في روسيا ليصل حاليا الى 30 شخصا. وقد حقق رومان ابراموفيتش رئيس نادي تشيلسي لكرة القدم دخلا بلغ 2.2 مليار دولار في السنة الاخيرة، كما ارتفعت ثروته 1.5 مليار دولار خلال شهر واحد تقريبا وأصبحت 14.7 مليار دولار ليتصدر بذلك قائمة فوربس التي صدرت بالطبعة الروسية اخيرا لاغنى 100 شخص في روسيا.

وحل ثانيا فلاديمير ليزين الذي يعمل في مجال المناجم. وجاء في المرتبة الاخيرة نيكولاي بورتسوف بثروة وصلت الى 280 مليون دولار.

ويمتلك ابراموفيتش، 38 سنة، الذي يعيش في العاصمة البريطانية لندن، بالاضافة الى نادي تشيلسي شركة سيبنفت الروسية للنفط خامس اكبر منتج للنفط في روسيا كما انه حاكم اقليم تشوكوتكا الذي يواجه الاسكا عبر مضيق بيرنغ. ويرى مراقبون على نطاق واسع ان ابراموفيتش على وفاق مع الكرملين على النقيض من الرجل الذي حل هو محله كأغنى الاثرياء في روسيا وهو قطب صناعة النفط ميخائيل خودوركوفسكي.

واشتملت قائمة 100 اغنى شخص في روسيا على 30 مليارديرا، اي اقل بستة اشخاص مقارنة بقائمة العام الماضي، الا ان ثروتهم الاجمالية ارتفعت باربعة مليارات دولار لتصبح 141 مليار دولار، بمتوسط 1.41 مليار دولار.

وحقق العديد من أثرياء روسيا ومنهم ابراموفيتش وخودوركوفسكي ثرواتهم خلال الفوضى الاقتصادية التي سادت روسيا في التسعينات باستغلال عمليات الخصخصة المشبوهة في شراء أصول ضخمة في صناعات النفط والتعدين بأسعار زهيدة. وهوت ثروة خودوركوفسكي من 15.2 مليار دولار في القائمة السابقة الى مليارين وذلك بفعل فاتورة الضرائب الضخمة التي بلغت 27.5 مليار دولار التي سحقت شركة يوكوس النفطية التي اسسها. ويحاكم خودوركوفسكي الآن بتهمة الاحتيال والتهرب الضريبي ويرى كثيرون أن المحاكمة عقاب له من الكرملين على طموحاته السياسية.

مخاطر استثمارية

* ورغم هذا العدد من المليارديرات، الا ان غالبية الشعب الروسي تواجه صعوبات كبيرة لتأمين قوتها اليومي، وطبقا لاحصائيات البنك الدولي فنحو 18% من الروس يعيشون تحت خط الفقر الرسمي (2.451 الف روبل) في العام الماضي. صحيح ان الاجور ازدادت في الآونة الاخيرة حيث قفز معدل الاجور خلال الثلاث سنوات الماضية بنحو 50 % ليصل الى نحو 250 دولارا شهريا في عام 2004، الا ان الفجوة بين الاغنياء والفقراء توسعت بشكل لافت للنظر.

وفي هذا السياق قال بيتر ويستين كبير الاقتصاديين في مجموعة «اتون كابيتال» في حديث مع صحيفة الـ «نيويورك تايمز»: «دخل الناس يتزايد ويشمل ذلك معظم الشرائح الاجتماعية، كما ان موظفي الدولة حصلوا على زيادة كبيرة في الاجور في السنوات الاخيرة، لكن مع ذلك تبقى الفجوة بينهم وبين الاثرياء كبيرة للغاية.. الجميع يتحرك من خلال السلم الى الاعلى، الا ان الواضح ان الاغنياء يتحركون بسرعة فائقة».

وما يقلق بعض الاقتصاديين الروس هو توسع الفجوة في الدخل المالي بين الشرائح الاجتماعية، فطبقا لاحصائيات بنك «الفا» في موسكو فان نسبة العشرة بالمائة الاعلى دخلا في روسيا تحصل على اجور اعلى بنحو 15 مرة من العشرة بالمائة الاقل دخلا العام الماضي. ومن المعروف ان المعيار الغالب في معظم الدول الصناعية المتطورة هو 5 مرات. ووفقا لبيانات بنك «الفا» في روسيا فان الفجوة توسعت من 12 مرة عام 2003 الى 15 مرة عام 2004 . وتاريخيا فان الفجوة عندما تصل الى 10 مرات فانها غالبا ما تقود الى اضطرابات اجتماعية خطيرة، وفي هذا الصدد قال كريستوفر ويفر كبير الاقتصاديين في بنك «الفا»: «لا تستطيع ان تبقى على هذا الوضع لفترة طويلة، لانه عادة ما يقود الى ضبابية سياسية ومخاطر كبيرة على صعيد الاستثمار».

وفي الحقيقة ان الطفرة الاقتصادية في روسيا غالبا ما يتم مقارنتها مع الصين التي تملك مليارديرين في قائمة مجلة «فوربس» رغم ان عدد سكانها يمثل 4 اضعاف سكان روسيا، وكذلك الهند التي تملك 12 مليارديرا وعدد سكانها قريب من عدد سكان الصين، وكلتا الدولتين (الهند والصين) تملكان فجوة كبيرة في معدل الدخل الفردي. وطبقا لمارشال غولدمان مدير معهد ديفيس للدراسات الروسية في جامعة هارفرد الاميركية، فانه يوجد فارق كبير بين روسيا وكل من الهند والصين، حيث قال في هذا الاطار: «في الهند والصين فان معظم المليارديرات هم من العصاميين، حيث اسسوا أعمالهم من الصفر وقاموا بالاستثمار فيها حتى توسعت»، ولكن في روسيا فان الاثرياء قاموا بشراء اصول من الوزارات التي كانوا يعملون فيها في اطار صفقات مشبوهة لا تزال تثير الكثير من الجدل السياسي حتى يومنا هذا في روسيا. وفي السياق ذاته قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطاب اذاعه التلفزيون الروسي اخيرا ان اغلبية الروس يعتقدون ان عمليات الخصخصة الكبيرة التي جرت في التسعينات مشكوك فيها. وكان بوتين يرد بذلك على سؤال عن ميخائيل خودوركوفسكي المؤسس المسجون لشركة يوكوس النفطية المعطلة التي اقيمت على اساس اصول حكومية مخصخصة.

معضلة سياسية

* وقال بوتين: «عليّ ان اقول وحتى لا أكون مبالغا ان الاغلبية الساحقة من المجتمع الروسي تنظر الى كثير من القرارات التي اتخذت في اوائل ومنتصف التسعينات خلال عملية الخصخصة على انها مشكوك فيها».

واعطت عمليات الخصخصة في التسعينات اصولا قيمة بأسعار زهيدة لدائرة ضيقة من رجال الاعمال الذين كانت لهم صلات بالرئيس الروسي وقتئذ بوريس يلتسين وبطانته. وقد اصبحوا مليارديرات بشكل شبه فوري في حين رأى الروس العاديون مدخراتهم تتبخر ودخولهم تهوى مع بدء اصلاحات السوق. كما ان المفارقة ان حوالي 18% من قائمة اغنى 100 شخص في روسيا هم من السياسيين.

بالطبع فان هذا الامر لا يزال يشكل معضلة سياسية للرئيس الروسي، فمن جهة فهو لا يستطيع ان يتجاهل الغضب الشعبي تجاه «الاوليغارشية» Oligrachs، الا انه في المقابل ادرك ان قضية يوكس خرجت عن السيطرة وبدأت تضر بالاقتصاد الروسي وتأثر على سمعته شخصيا. وعلى ارض الواقع يتطلع الرئيس الروسي الى الوصول الى اكبر شريحة من الشعب الروسي من خلال مضاعفة الناتج الاجمالي المحلي الذي يصل حاليا الى نحو 582 مليار دولار بحلول عام 2012 .

وينبغي القول هنا انه الى حد ما فان استراتيجية بوتين ربما بدأت تعطي مفعولها بشكل او بآخر، فمستوى الفقر الذي وصل الى 17.8 العام الماضي كان 20.6 في عام 2003 بعد ان بلغ 24% عام 2002 .

لكن العديد من الخبراء الاقتصاديين يعتقدون ان هناك «قطعة» مفقودة في اطار «اقتصاد الاثرياء»، حيث قال ستيفن كوتكين مدير الدراسات الروسية في جامعة برينستون الاميركية: «ان الاخبار حول المليارديرات الروس توحي وكأن الرئيس الروسي يشن «حربا» على الاوليغارشية»، لكن على ارض الواقع المفارقة ان اغنى 100 شخص في روسيا تصل ثروتهم الاجمالية 141 مليار، وهذا يعني في المحصلة انهم يملكون نحو 25% من ثروة روسيا.

وبحسب ماكسيم كاثولينسكي مدير تحرير مجلة «فوربس» الطبعة الروسية «فانه يبدو ان هناك طبقة جديدة بدأت تظهر من الاشخاص الذين يملكون حصة كبيرة من الاسهم في الشركات الكبرى مثل «غازبروم»، «سبيربنك»، «يو إ اس»، فغاز بروم على سبيل المثال ارتفعت قيمتها السوقية 3.5 اضعاف خلال 3 سنوات».

لكن في المقابل فان حجم الاعمال الصغيرة والمتوسطة لا يتعدى 15% من الناتج المحلي الاجمالي الروسي، مقارنة مع اميركا على سبيل المثال التي يصل حجم الاعمال الصغيرة والمتوسطة الى نحو نصف الناتج المحلي الاجمالي، طبقا لاحصائيات مؤسسة «اوبورا» opora وهي مجموعة ضغط روسية تعمل لصالح الاعمال الصغيرة. كما ان الطبقة المتوسطة الروسية لا تزال تشكل بمعظمها من موظفي الدولة او الشركات الكبرى الذين يتقاضون رواتب عالية، بدلا ان يكونوا طبقة عريضة من ملاك العقارات او اصحاب الاعمال على سبيل المثال.

وهذا الامر اعترف به الرئيس الروسي اخيرا في تصريحات للتلفزيون الروسي حيث قال: «ان السلطات الرسمية الاقليمية فشلت في خلق ظروف ملائمة لازدهار الاعمال الصغيرة والمتوسطة.. فكل شخص يطلق مشروعا جديدا او يسجل شركة ينبغي ان يمنح نوط شجاعة».

لكن اذا استمرت الامور بالطريقة التي تسير عليها حاليا، خصوصا اذا ترافقت في المستقبل المنظور مع هبوط اسعار النفط الذي يشكل 25% من الناتج المحلي الروسي، فان اللوم ربما يقع على عاتق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصيا، وبالتالي دخول روسيا في مرحلة جديدة يصعب التكهن بنتائجها.
my answer

[SIZE=6]سوريا تتعادل مع روسيا..بالفساد..