أصدر الأستاذ الدكتور محمد شحرور حتى الآن أربعة كتب هي: الكتاب والقرآن/ قراءة معاصرة (1990)، الدولة والمجتمع (1994)، الإسلام والإيمان/ منظومة القيم
(1996)، نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي (2000). غير أن كتابه الأول كان الأكثر لفتاً للأنظار لما احتواه من منهج جديد في التفكير لدرجة أن بعض القراء والمثقفين يعتبرونه بمثابة "فتح جديد" في المعرفة الدينية الإسلامية، بينما يراه البعض الآخر كفرا وإلحادا وخروجا على الأصول المجمع عليها!.
ولد الدكتور شحرور في دمشق عام 1938 ودرس الهندسة المدنية في موسكو ثم التحق بجامعة دبلن في إيرلندا حيث حصل على شهادة الدكتوراة في الهندسة المدنية عام 1972. اشتغل بكتابه الأول منذ عام 1967 أي أنه استغرق منه نحو 23 سنة. يقوم منهج شحرور على مبدأ عدم وجود ترادفات في اللغة العربية وبالتالي في كتاب الله، مستنداً في ذلك الى اكتشاف علمي هام لأحد اللغويين المعروفين (وهو يثبت بحث أستاذ اللغويات ذاك كملحق في كتابه الأول)، ما يؤدي الى أن لكل كلمة في المصحف معناها الخاص بها وليس ثمة كلمتين تحملان المعنى نفسه، ومن هنا اشتغل شحرور على جمع الآيات الكريمة التي تتناول الموضوع نفسه والمفرقة في أكثر من سورة ودرس كل موضوع على حدة بالرجوع الى المعاني العربية للكلمات، وهذا هو المعنى اللغوي الحقيقي لـ "الترتيل" الذي أمر به الله تعالى في كتابه. وبهذه الطريقة استخرج شحرور نظريته في الحدود، فقد جمع الآيات التي تتعلق بكل موضوع فقهي على حدة فوجد أن الآيات توضح ما هو مطلوب من المسلم في حديه الأدنى والأعلى في كل قضية كقضايا الإرث والنكاح والمعاملات الاقتصادية وغيرها. لكن الدكتور شحرور لا يطل كثيراً في وسائل الإعلام وقد يكون يعاني من تهميش مقصود لما يعنيه انتشار أفكاره من هز أكيد لـ"الثوابت" التي تصنع هذا الركود والسلبية والاستقالة من التاريخ التي تعيشها مجتمعاتنا العربية.
وإذا كانت آراء شحرور في المعرفة الإسلامية تتسم بالجدة، فإنها في المقابل قد أثارت الجدل والنقاش الكبير حولها، وقد كانت مجالا للرد من خلال العديد من الكتابات ومن ذلك دراسات عليا قدمت في مناقشة آراء شحرور في عدة دول عربية، في هذا الحوار نلتقي مع شحرور ونضع على طاولة النقاش والجدل معه أبرز آرائه الدينية وما يرتبط بها من إشكاليات، كما ونفتح الباب مشرعا لأي ردود أو تعليقات إذا التزمت بمنهجية الحوار الموضوعي المنهجي..
-1-
سؤال الإصلاح الديني في العالم العربي
- دعنا نبدأ بسؤال عكسي: ما هي برأيك الكيفية التي يمكن على أساسها نقل الافكار التي تطرحها من الحالة النظرية إلى التطبيق العملي؟
حاليا أفضل العمل الفكري وأشبه أفكاري بقنبلة الأعماق، ولو كان لي ظهور مستمر على قناة فضائية فأنا متأكد من أن آرائي ستذهب الى المستمع وسيقبلها وسيعلم انني لا امثل اتهامات المؤسسات الدينية لي، التي تتهمني احيانا انني ملحد، مع العلم أنه يحدث احيانا ان تبث هذه المؤسسات افكاري باسمها. هناك بداية لكل شيء، وهذه فقط البداية، ومن الوارد أن تأتي البداية من الخارج، على سبيل المثال جميع كتبي ترجمت للأندونيسية ومنتشرة هناك. ولا تستبعد ان يتحملها الاميركان ويتبنوها ويأتوا هم ليعلموننا الاسلام من خلالها (تكون هزلت). أحد زملائي قام باختصار كتبي في ملخص من52 صفحة بهدف ترجمتها للغة الانجليزية، فبرأيه من الضروري أن يطلع الاوروبيون على مؤلفاتي.
- صرحت سابقا بأن العالم العربي يحتاج إلى حركة إصلاح ديني شامل، لماذا؟
الاسس التي وضعت سابقا وضعت ضمن منظومة معرفية وآلات معرفية محددة، ولذلك فالمعرفة التي أفرزت كانت نتاجا لهذه الادوات، وهي الادوات التي استعملت في صياغة التفسير في القرنين الثاني والثالث الهجري، وهذا هو تراثنا شئنا ام ابينا. التراث هو كل شيء قيل عن القرآن وليس القرآن نفسه، نحن بحاجة الى اعادة نظر بالتراث ضمن ادوات ونظم معرفية معاصرة، وهذه المحاولة التي قمت بها واستهلكت مني جهداً كبيراً، انا لا اريد ان أنقد فقط بل اريد ايضاً ان اعطي البديل لو كنت ناقداً فقط لما تمت معاداتي. عملياً ما قمت به هو قطيعة معرفية للأدوات القديمة فالمعرفة اسيرة ادواتها.
-2-
أسس تفسير القرآن الكريم
- استندت في الكثير من نتاجك الفكري في تفسير الآيات إلى مبدأ عدم وجود مترادفات في القرآن، هل يوجد من يوافقك الرأي من المحدثين أو القدماء؟
نعم، وعودة للوراء فإن من فسروا القرآن يعجزون عن القول بعدم الترادف، فالترادف كان ضرورة فقهية، ومن كان ينكر الترادف في اللغة كان عليه ان ينكر الحديث النبوي مباشرة، لأنهم يقولون إن الحديث النبوي نقل عن المعنى لذلك لم ينكر الفقهاء الترادف لأن من ينكر الترادف لا يقبل الحديث لأن (قال الله) ليست (نطق الله). ومن مبدأ عدم الترادف، نجد في المصحف أن هناك معاني: فالاب لا تعني بالضرورة الوالد والام لا تعني بالضرورة الوالدة، ومن هنا ندرك قوله تعالى "حرمت عليكم امهاتكم" فالوالدة والوالد مفهوم بيولوجي بحت، والأب والأم مفهوم بيولوجي. وأيضا الولادة لا تعني الوضع، خروج الجنين هو الوضع، ومنه الآية "فلما وضعتها قالت رب اني وضعتها انثى"، وأيضا "أولات الاحمال اجلهن ان يضعن حملهن" وليس (يلدن). الولادة عندما تلد البويضة في جسم المرأة لذلك عندما قالوا لزوجة ابراهيم أنها ستحمل قالت "يا ويلاه أألد وانا عجوز" بما معناه أنني لا أحيض وانا عجوز عقيم، وهنا وقعت المعجزة. و"اتخاذ الولد" معناه التبني بما معناه أن التبني مسموح في الاسلام.
- ظهرت بقراءاتك للمصحف بمجموعة من الأفكار التي أثارت جدلا واسعا في الأوساط الفقهية والإسلامية، كان من أهمها الفصل في المعنى بين كلمتي (القرآن) و(الكتاب)؟
القرآن جزء من الكتاب، إلا أن القرآن لا يتغير وهو حقيقة موضوعية ثابتة سواء قبلت بها ام لم تقبل. بمعنى آخر لا تقبل التغيير، أما مثلا ايات الارث فهي من الكتاب وليست من القرآن فهناك من يطبق ايات الارث وهناك من لا يطبقها، مثلا (كل نفس ذائقة الموت) هذا قرآن. وفي كل سور المصحف نجد كتابا وقرآنا باستثناء سورة (التوبة) .
- هلا شرحت الأسس التي استندت عليها لنقض أفكار الآخرين، والدفاع عن أفكارك؟
هناك قاعدة فقهية تقول (لا اجتهاد في مجال النص) أنا قمت بقلب هذه القاعدة فبرأيي لا اجتهاد إلا في النص أما خارج النص فنحن نفعل ما نشاء، فيقول الفقهاء أن هناك آيات قطعية الدلالة مثل (للذكر مثل حظ الانثيين) وبعد إعادة قراءتها اكتشفت أنها غير قطعية، فمتى تأخذ الأنثى مثل الذكر؟ فقط إذا كان عدد الإناث يساوي عدد الذكور، ولكي نطبق هذه القاعدة يجب أن تكون الحالة هي فقط (ذكر وانثيين)، فإذا كانت أقل من اثنتين أي واحدة فإنها تأخذ نصف الميراث وبغض النظر عن عدد الذكور. وطبقا للرياضيات الحديثة فإن نظام الإرث القديم عشوائي ليس له نظام رياضي محدد.
ولذلك عندما يقال إننا بصدد تنقيح التراث الإسلامي مثلا، فإن التنقيح يتم ضمن نظام المعرفة القديم، وهو في النهاية جهد ضائع لأنه سيخرج بذات النتائج.
- طلب منك غير مرة أن تقوم بتفسير القرآن كاملا، هل ننتظر هكذا كتاب؟
هذا أمر مستحيل، لأن القرآن موسوعة كبيرة جداً آية تتحدث عن الصلاة واخرى تتحدث عن القمر والشمس، القرآن يفسر كمواضيع لذلك السبب وضعت مبدأ الترتيل، ولهذا السبب أيضا أعتقد أن التفاسير سخيفة، فأنت لا نستطيع ان تفهم في الشمس والسماوات والصلاة والصوم، هذا مستحيل. لذلك حين أسعى لتفسير موضوع معين أخرج كل شيء عنه في المصحف وأرتله.
-3-
بين جدلية العقل- التراث والحركة السياسية
- لم يشهد تاريخ المسلمين كله حالة انتصر فيها العقل والتفكير على سلطة النص. حدث ذلك حتى لابن رشد، فهل تظن ان انتصار العقل، أي انتصار أفكارك على الذين يتبنون سلطة التراث، ممكن أخيراً؟
دائما كان الدين والسياسة حليفين، الان وفي الأزمة الحالية هما ضد بعضهما البعض، وكون السلطة الدينية مؤسسة فمن الممكن ان تنتشر الافكار الجديدة على هذا الضوء.
وغالبا لن تستطيع المؤسسة الدينية ان تدافع عن نفسها لأنها حالياً ضعيفة، وكونها ضعيفة من الممكن ان تبدأ هذه الافكار بالانتشار بين الناس.
- فيما يخص المجموعات التي تؤمن بأفكارك كيف يمكن لها المساعدة في نقل هذه الأفكار من الكتب الى أرض الواقع؟
ما أراه من خلال خبرتي وقراءتي للتاريخ أن هذه الافكار ستنتشر وتتحول الى تيار فكري، وهذا التيار سيفرز أحزابا سياسية في كل بلد وهذه الاحزاب هي القوة المطلوبة هذا هو الطريق الوحيد. جاءني مرة عضو احد القيادات القطرية وسألني "لمن تكتب هذه المؤلفات؟ هذه سياسة وستقلب الدنيا رأساً على عقب؟" اجبته بأنني رأيت قومي يحاربون بسيف وترس ورمح فقمت أنا بإحضار (فانتوم) ورميتها بالطريق، لا أعرف بعد من الذي سيأخذها، ولا اعرف من سيجيد استخدامها، لكنه سيكسب بالتأكيد، وفي النهاية أنا مؤمن تماما ان هذه الافكار ستتحول الى حركة سياسية. هذا التيار هو العصر الحديث وهذه هي طريقته، هناك جزر معزولة في المجتمع، لكنني في النهاية مفكر ولست رجل دعوة، ولا اعرف كيف انشئ حزبا وانظمة سياسية، لو كان الامر بيدي لفعلتها لكنني لا استطيع انا لست رجل سياسة ولست رجل تنظيم، ما افعله هو وضع الفكرة تنقيحها وتنظيمها ومن ثم تقديمها للناس لقراءتها.
- هل كان هذا هدفك من البداية؟
طُلب مني في احدى المرات من قبل مجموعة من الزملاء أن أقوم بإنشاء حزب في مصر، فأجبتهم بأنكم إن أردتم فعلياً بناء حزب وان يكون هذا الحزب مميزا ستحتاجون الى (بيان) أي أن تكونوا مدركين لفلسفة حزبكم ومن ثم يتم التحرك على ضوئها. ان أهم شيء على الاطلاق هو تبيان ان شعار تطبيق الشريعة لا يعطي اي شرعية، وهنا بالضبط يكمن مكسبنا، فعندما انتهت الخلافة الاسلامية التي كانت سنداً شرعياً (خلافة الرسول)، فقد الاستبداد شرعيته وظهر الاستبداد مجردا.
-4-
رؤية جديدة في السياسة الشرعية
- وكيف ستكون برأيك ماهية هذه الشرعية الجديدة؟
إلى الان وبعد 80 سنة من سقوط الخلافة العثمانية لم تتكون لدينا شرعية جديدة، حالياً نمر بمرحلة المخاض الفكري وهو تكوين شرعية، وكل النظم والدول تشعر في الوقت الحالي بنقصان الشرعية، نحن نحتاج الى شرعية جديدة جامعة للعرب والمسلمين وهي لم تحدث الى الان. حالياً اضع كتابا عن ذلك، واولاً انا اتحدث هنا عن (شرعية السلطة) وهذه لا تؤخذ الا من الناس، وأؤكد أن شعار (تطبيق الشريعة) لا يعطي شرعية للسلطة اطلاقا فالشرعية سلطة ليس لها سلطة. هنالك جزء من هذا الفكر وضعته في كتابي الثاني (الدولة والمجتمع)، لكن حاليا استندت في مفهوم (الدولة) لكتاب علي عبد الرازق "الإسلام وأصول الحكم" الذي صدر في العام 1925 في40 صفحة. واليوم وبعد 80 عاما سأكتب انا (الاسلام واصول الحكم) وربما بنفس الاسم، وسأبين فرق الثمانين عاما الماضية، وهل تم احراز أي تقدم في مفهوم الدولة.
- ثمة إشكالية في "نظرية الحدود" التي هي العمود الفقري لأفكارك الجديدة، إذ بدلاً من استخراجها من المصحف استخرجت 6 حدود من الطبيعة ومن ثم حاولت مواءمتها مع المصحف فما مدى مصداقيته هذه المواءمة؟
لأن منزل الكتاب هو نفسه خالق هذه الطبيعة، أي أن المصدر واحد فهو نفس الناموس وانا انطلقت من هنا (فناموسه واحد هنا وهناك).
- وهل الحدود هي فقط التي حددتها في كتابك "الكتاب والقرآن"؟
يجب الانتباه الى انه لا يوجد تناقض في الايات. انا لا انظر الى مجتمع مكة والمدينة كمثال عام بل أيضا إلى مجتمعات أخرى كشيكاغو. لذلك يمكن تطبيق قواعد هذه الحدود على كل شيء وما وضعته أن هو مجرد أمثلة. مثلا محارم النكاح، تستطيع اذا اردت ان تضيف لغايات العشائرية ان ابن العم لا يستطيع ان يتزوج من ابنة عمه (كإضافة الى الحد الادنى). لكن ان تنقص لا يجوز هذا هو الحد الادنى تضيف لكن لا تنقص، عندما قلت الحدود وانواع الحدود ذكرت جميع التشريعات. مثال اخر جسم الانسان عندما تدرسه تقسمه إلى الجهاز العصبي والجهاز التنفسي والجهاز الهضمي، هذه الأجهزة برغم ترابطها وتشابكها أجهزة مختلفة. وهكذا هو المصحف كل المواضيع مختلفة ولا يوجد كتاب آخر هكذا. وعودة إلى سؤال تفسير القرآن كاملا أؤكد أن التفسير يتم من خلال المواضيع وليس السور تماما كجسم الانسان لا يدرس الا اذا فصل كل موضوع على حدة.
-5-
الأحاديث النبوية ونظرية المعرفة والإلزام الإسلامي
- ثمة رأي يقول إنه لا يجوز الأخذ بالأحاديث المنسوبة الى رسول الله في انتاج الفقه باعتبارها جمعت بعد وفاته بمئات السنين أي يصعب اثبات صحتها مئة بالمئة من الناحية المنطقية. لكنك استندت في تحديد الحدود الى أحاديث من تلك وقلت انها حدود رسول الله فكيف يمكن قبول ذلك؟
أولاً المطلوب الا تقول لي هذه احاديث صحيحة وغير صحيحة ما اطلبه من الفقهاء هو الفصل بين الاحاديث النبوية والرسولية، واليوم وبعد 14 قرنا لم يفعلوا هذا الامر فليفعلوه الان. أريد منهم أن يصنفوا هذا نبوي وهذا رسولي. أنت لا تستطيع أن تقول لي إن الأكل باليمين من السنة، أنا أرفض هذا الأمر، لماذا؟ الناس أكلوا باليمين قبل الرسول عليه الصلاة والسلام ومعه وبعده، وهناك من أكل باليمين ولم يعلم ان رسول الله اكل باليمين. السنة هي الامور التي قام بها الرسول لأول مرة هل تم فصلها من قبل؟ لا.
- وهل يجوز الفتوى استنادا الى الاحاديث وليس الى الكتاب؟
الاصل في الامور الاباحة. اذا قلت أنا مثلا إن الخمر حلال ليس مطلوب مني ان ابين أو أبرر، واذا قلت انت أنها حرام فعليك أن تبرر فتقول لي الآية الكريمة التي تحرم الخمر. أي أن الخمر حرام لأن هناك آية في المصحف تحرمها أي أن الدليل موجود. الحرام شمولي ابدي لهذا السبب التحريم فقط من اختصاص رب العالمين. وعندما تقول ان التدخين حرام فهذا يعني أن الانسان الذي سيلد بعد 10 الاف سنة محرم عليه التدخين . ففتاوى التحليل والتحريم كلها باطلة لان التحليل والتحريم لا يستمد الا من المصحف وحده. المحرمات في الدين الإسلامي هي13 فقط، وردت 10 منها في سورة الأنعام والباقي هي محارم النكاح. أما ما تقتضيه الظروف لاحقا فهو "منع"، والمنع يختص به ويحدده البرلمان وليس الفتاوى، ورسول الله كان يأمر وينهي ويمنع لكنه لم يكن يحلل ويحرم، وبالتالي فالمنع ظرفي والتحريم ابدي. حتى احاديث الرسول في المنع والسماح -ان صحت- للاستئناس وغير ملزمة، فمنع وسماح رسول الله لا يؤخذ منه احكام شرعية. انتهت المشكلة - لذلك نحتاج الى برلمانات وليس فتاوى.
-6-
الربا والنظام الاقتصادي المعاصر
- فصلت قليلا في المجال الاقتصادي خاصة في مسألة الربا لكنك دائما تكثف عباراتك وقد لا تكون شافية فهل لك أن تزيد لنا في توضيح الأمر؟
يوجد في علاقة الربا طرفان من يعطي ويأخذ، وهناك قاعدة عند من يسمون الفقهاء تقول (كل قرض جر منفعة فهو ربا) وهي قائمة على التعريف الفقهي للمنفعة، ويبدو أن من وضعها لا يعلم ان حياة الانسان كلها منفعة، كل شيء منافع بين الناس حتى العلاقة بين العباد ورب العالمين هي علاقة منافع، نحن ننتفع والله عز وجل يريد لنا ان ننتفع.
مسـألة الربا تخص فقط مستحقي الصدقات ولا تخص عامة الناس وبالتأكيد لا تخص الأثرياء، فالله بتحريمه الربا يريد ان يحمي المقترض البسيط وليس شركات البترول أي يريد أن يحمي المضطرين فقط.
- يعني إذا أخذ مواطن 1000 دينار وارجعها للبنك 1500 هل يرتكب حراماً؟
لتحسين وضعه الاقتصادي؟ طبعا ليس حراما.
- طيب اذا ارجعها ثلاثة آلاف؟
هذه الامور يضعها الماليون والاقتصاديون، النقطة الاساسية أن ربنا لا يحمي شركات الصناعات الكبرى والضخمة بل يحمي شريحة "الصدقات". ويتوجه بالحديث إلى المقرض أنه لهؤلاء تحديدا تعطي ولا تأخذ، او تعطي قرضا حسنا "فان كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة وان تصدقوا فهو خير لكم" وحتى ان اردت ان تكون صارما معه فخذ نقودك لكن "على اقل من مهلك" ووفقا لقدرته، هذا إذا اردت ان تكون صارما مع اصحاب الصدقات خذ مالك، والحديث هنا ليس عن البنوك. مثال في ألمانيا منذ عشر سنوات فاض نهر الراي فأقرضت البنوك كل المتضررين من الفيضان بدون فوائد (هذا قرض حسن). وكثير من البنوك تتبرع للمياتم ولا تأخذ منهم شيئاً، اما الربا فهو من يعطي شخصا1000 دينار ويطلب منه ان يسددهم 100 كل اسبوع، كل الربا المحرم في القرآن مرفوض في كل العالم وليس فقط لدينا كمسلمين. حاليا على الدولة ان تحدد للبنك الحد الاعلى من نسبة الفائدة، واذا اراد البنك أن ينزل عن هذه النسبة بهدف المنافسة فليكن فهذه منافسة شريفة.
- ماذا بخصوص نظام المرابحة الذي تعتمده البنوك المسماة اسلامية على أنه محلل شرعا؟
(مرابحة) تعني تحمل الربح والخسارة، وهي احتيال، فيعطيك مرة 2% ومرة 3% باعتبار أن الأرباح تتغير من عام إلى عام وتتحمل انت الربح والخسارة. وكثيرا ما يذهب هؤلاء إلى أحد البنوك الاوروبية ويأخذ فائدة مضمونة 6% على نقود المرابحين، فيقوم بإعطائهم في أحد الأعوام 4% وفي العام الآخر 3.5% وفي العام الذي يليه 4.5% وهكذا، ومن رؤيتي فإن جميع الناس الذين وضعوا أموالهم في شركات خاصة بناء على مبدأ المرابحة أفلسوا وتعرضوا للاحتيال سواء في مصر أو سورية، هذا هو مبدأ المرابحة الذي تقوم عليه حاليا البنوك الاسلامية.
-7-العقل العربي وأزمة الإبداع
- يقال إنك تقوم بتفسير آيات القرآن وفقا للفلسفة الماركسية، ماذا تقول؟
هناك مفهوم واضح ضمن الفلسفة الماركسية هو "وحدة الاضداد" فليقل لي الفقهاء إن هذا المبدأ غير صحيح (الجبل والوادي) وحدتهم التضاريس، (الشهيق والزفير) وحدتهم التنفس، (الليل والنهار) وحدتهم اليوم، فإذا اعتقد البعض ان هذا القانون خاطئ فليثبت لي عندها انا سأنسحب فوراً. ماذا عساني أن اقول فليقرأوا قبل أن يرفضوا، من يعارضوني لا يفرقون بين الاضداد والتناقضات. دائماً الاضداد لا توجد الا في صفات الاشياء، الشيء هو الرئة والأضداد هما الشهيق والزفير، الشيء هو العين والاضداد هما العمى والبصر, كل الاشياء قائمة على الزوجية، قال تعالى "ومن كل شيء خلقنا شيئين اثنين". وكل الخلق والطبيعة قائمة على التناقضات، لكي نبرهن على وجود البعث، هذه هي نظرية التطور الشيء هو نفسه وليس نفسه معناها أنه يتحرك. قال تعالى "يا ايها الناس ان كنت في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم نطفة ثم علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة" هذا هو التنناقض اما الليل والنهار فأضداد. انت وليس انت تعني أنك تتقدم في السن، من يخبرني اين الخطأ؟ بالمناسبة كتبت في احدى الردود ان ماركس خرج من الطوباوية من باب ورجع اليها من بوابة، ترك الجنة والنار وأتى للمجتمع الشيوعي الذي هو مجتمع طوباوي، فالمجتمع لا يمكن ان يكون مجتمع نهاية اذا كان فيه ظاهرة الموت التي تعبر عن العلاقة بين المادة والزمن في الاجسام الحية. وفي الاجسام غير الحية تغير الشكل، قال تعالى "كل شيء هالك الا وجهه"، هذه هي نظرية التناقضات، نعم اعتمد على الفلسفة الماركسية ونظرية التطور، مثال لو لم يكن هناك موت هل سيتطور الانسان؟ كل التطور يكمن وراء ظاهرة الموت.
- ماذا عنيت بقولك إن العقل العربي عقل قياسي ولا ينتج معارف؟
هناك امر مهم لا بد من ذكره في البداية، هناك علماء مهمين في التاريخ العربي والإسلامي لا ينتمون إليه إلا بجنسيتهم فقط، أمثال ابن رشد وابن الهيثم، هؤلاء العلماء الذين اثروا في الحضارة الأوروبية لم يشاركوا بأي شكل في صياغة العقل العربي، ابن رشد غير موجود في العقل العربي، والموجودون فيه هم الغزالي والشافعي. العقل القياسي هو عقل عاجز عن انتاج المعرفة لهذا السبب لم ينتج العرب أية معارف منذ قرون بالمقارنة مع الكم الهائل من العلوم الجديدة التي ظهرت في القرن العشرين والتي لم يشارك العرب في أي منها. بدأ تشكل هذا العقل عقب عهد النبوة والصحابة، الذي يعتبرونه الأصل، ومنذ ذلك الوقت ونحن نقيس هذا على ذاك بمعنى (قياس الشاهد على الغائب) ومحاولة ايجاد الشيء المشترك بينهما، هذا هو النشاط العقلي الوحيد في العقل القياسي، وليس لديه اكثر من هذا النشاط. يرى الشيء المشترك بين الشيئين، أما الاستثناءات من المفكرين والعلماء الحقيقيين فلم تشارك، والاستثناءات الحالية كلها تعيش في الخارج.
- لماذا أنت مقل في إصداراتك وكتاباتاك؟
لا يهمني الكم بل النوعية، أذكر أنه زارني مرة بروفيسور اميركي وقال لي عندما يطالع احد كتابك لا يسألك كم أمضيت في كتابته بل يخبرك ما مدى جودته، وبالمناسبة عندما اعطي كتابا جديدا لناشري أطلب ألا يقوم بنشره إذا لم يكن مستواه أفضل من الذي قبله.
- قبيل نشر كتابك الأول "الكتاب والقرآن" الذي أثار ردات فعل كبيرة في العالم العربي، ألم يراودك إحساس بالخوف؟
خفت ان أنشره على اجزاء فأقتل ولا اكمل الفكرة الرئيسية، لذلك قمت بتجميعه كله ضمن وحدة واحدة، حتى أضمن انه اذا اصبت بمكروه يكون الكتاب قد نجا.
-8-
أحكام المرأة المسلمة
- في تفسيرك لمعنى كل من (المؤمنين) و(المسلمين) خرجت بتفسير جديد لكلا الكلمتين قد يترتب عليه جواز زواج (المسلمة) اصطلاحا من مسيحي؟
تصحيح لا بد منه "المؤمنة" من "كتابي". المسلم في المصحف كل من امن بالله واليوم الاخر وبغض النظر عن ملته، اليهود والنصارى ليسوا أتباع دين آخر في المصحف، فهم ملة ونحن ملة لكننا في النهاية من دين واحد، والملل مختلفة بالشعائر ايضا، لكن هذا لا يمنع اذا كان انسان مؤمنا بالله وهي انسانة مؤمنة بالله أن يتزوجا، فعدم زواج المؤمنة من كتابي هو اجتهاد. قال تعالى "ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم"، المشركة هي غير اهل الكتاب لقوله تعالى "لم يكن الذين كفروا من اهل الكتاب والمشركين" بما معناه ان هناك مشركين وهناك اهل كتاب وليسوا نفس الفئة، المشركون هم الوثنيون. في احدى زياراتي لمصر دار نقاش أن قتل المرتد من احد ثوابت الدين الاسلامي، وسألني أحدهم إذا كنت أعتقد بذلك، فقلت له ليس من الثوابت ولا تمت للدين بصلة. وثارت ضجة حول هذه الكلمة. هناك امر يقلقني جدا ان الثقافة الاسلامية ثقافة مريضة في امرين اثنين، أولا أن الحرية غير موجودة كقيمة، وثانيا أن الحياة غير محترمة في ثقافتنا. أذكر أن امين الحافظ مثلاً قال في سنة 1965 وفي سنة 2000 أيضا في شاهد على العصر أن يذهب خمس ملايين قتيل لتحرير الجولان، ولم يحتج احد على هذا الكلام. في ثقافتنا اذا كان المرء يحب الحياة ويكره الموت فعليه أن يحس بالذنب ولكن انا اقول إنني احب الحياة واكره ان اموت ولا اشعر بالذنب، وهذه مشكلة أقوم بحلها حالياً في كتاباتي.
- ثارت الضجة الأكبر حول إعادة تفسيرك للباس المرأة المسلمة والحجاب، هل شكل الأمر أي مؤشر لديك؟
من هنا تحديدا يظهر مقدار الازمة الفكرية التي نعاني منها، وهي ان الدين الاسلامي اختزل في متر قماش، هذا لباس البدوية العربية ليس للإسلام علاقة به، وهو ما شرحته باسترسال في كتابي "نحو أصول جديدة في فقه المرأة المسلمة".
المرأة في مفهومنا العربي (وليس مفهوم الدين) ليس لها شرف، الرجل له شرف اذا اتت الاخت فاحشة لطخت شرف اخيها، أما اذا أتى هو فاحشة لم يلطخ شرفها، هي لا تملك شرفا، لهذا السبب يوجد خمسة مصطلحات غير موجودة في كتاب الله (الشرف/المروءة/العرض/ النخوة/الشهامة) فهي مصطلحات عربية ليس لها أصول دينية، وهذا احد اهم الدلائل ان المصحف ليس من تأليف "محمد" لأنه لو كان كذلك لكان بالضرورة وضعها فيه. ويكفي ان نقول إنه وبحسب الفقه الإسلامي فإن لباس المرأة يقسم الى قسمين: لباس الأمة المؤمنة ولباس الحرة المؤمنة، وعورة الأمة من السرة الى الركبة اي مكشوفة الصدر، أما الحرة فتغطي كل شيء ما عدا وجهها، هذا لباس تراثي أي إذا أردنا ان نقول إن هذه التفرقة في اللباس امر شرعي فمعناه اننا نقول إن الاسلام دين طبقي والاسلام ليس طبقيا، إضافة لكون حجة اللباس انه للفتنة غير صحيح، فالتفرقة بين الحرة والامة يلغي مفهوم الفتنة، أما تفسير "ألا يؤذين" فمعناه أن المرأة تلبس في الطريق ما يجعلها لا تتعرض للأذى فلباس "نفس المرأة" في باريس يختلف عنه في مكة والحكم يعود بحسب المنطقة الجغرافية والعادات والأعراف السائدة.
-9-
التيارات الإسلامية وأزمة التجديد الديني
- تقول ان يوسف القرضاوي وحسن البنا وأسامة بن لادن ينتمون لمدرسة واحدة هي المدرسة التراثية، ماذا عن النهج السائد حالياً لتقسيم التيارات الاسلامية لمتشددة ووسطية؟
ضحك على اللحى لأن ابن لادن وشيخ الازهر ينتميان لمدرسة تراثية واحدة الا ان كل واحد منهما انتقائي. لهذا السبب الى اليوم لم ولن نرى ان واحدا مثل القرضاوي وابن لادن يتواجهان على التلفزيون أو يتحاججا، فكلاهما يعودان لمدرسة واحدة ولنفس المراجع، البخاري وابن كثير وغيرها. مثال: الكتب التي طبقتها طالبان تدرس في الازهر وكليات الشريعة كلها أي أن طالبان لم يأتوا بشيء جديد وانما كاونوا انتقائيين من تلك الكتب. ماذا تعني الوسطية، إنها مصطلح جديد لم نسمعه إلا بعد 11 ايلول (موضة) او بالاحرى (تخريجة)، وأود ان اقول إنه لا يوجد علماء في العالم والتاريخ يتقنون التخريجات مثل فقهاء المسلمين ونحاة العرب، والدفاع الحالي عن الاسلام ليس إلا دفاع عن التراث.
- هل تعتقد أننا في مرحلة تشبه ما قبل الثورة الفرنسية اليوم؟
أعتقد أننا لم نصل إلى تلك المرحلة بعد، لعلنا نحتاج إلى "مارتن لوثر كينغ" وتقوية قيمة الحرية عند الإنسان العربي، لكن المشكلة أن الثقافة الدينية والعائلية تقوم على ثقافة القطيع، وتحويل الانسان الى "بهيمة"، كثير من الشيوخ يحولون الناس الى قطيع يسهل سياقه من قبل السلطة.
http://www.alghad.jo/?news=16676