.. ومات ذلك الشاب التونسي
منى الطحاوي
توفي هذا الأسبوع شاب تونسي قد يكون مجهولا لأغلب القراء، وفي اليوم اللاحق لوفاته تم في بلد خليجي إطلاق سراح ثلاثة رجال قد لا تكونون سمعتم بهم.
إنها لمفارقة حزينة أن تكون وفاة التونسي زهير يحياوي قبل يوم واحد من إطلاق سراح الثلاثة يوم الاثنين الماضي، وكأنما يكون بذلك قد سلم عمله لهم. فالأربعة كانوا روادا في مجال الإنترنت بالنسبة لبلدانهم، وقد دفع أربعتهم ثمن استخدامهم شبكة الإنترنت في الترويج لحرية التعبير.
كان زهير من السباقين في مجال كتابة نشرات يومية حول أمور شخصية وسياسية. هذا النمط من الكتابة أصبح رائجا وفعالا في كل أنحاء العالم. وقد تابعت بنفسي هذا النوع من الكتابات (BLOGS) في منطقة الشرق الأوسط، فوجدتها حركة متنامية تطالب بالإصلاح والتغيير. وعلى الرغم من أن تسهيلات استخدام الإنترنت محدودة في الكثير من البلدان العربية، وبعض الحكومات العربية تفرض رقابة على الشبكة، فإن نشرات «البلوغز» تلعب دورا فعالا من قبل الكثيرين من الشبان في العالم العربي وتمنحهم الفرصة لجعل صوتهم مسموعا.
من هنا يذهب تقديري أن على الشباب أن يكونوا في قلب أي حوار يدور بيننا حول التغيير والإصلاح في الشرق الأوسط، لأن نسبة من هم تحت سن الثلاثين تبلغ 60% من عدد السكان، فيما أصاب غياب الفرص السياسية والاقتصادية الكثير من الشباب العرب بحالة من الإحباط والغضب الشديدين. وفوق ذلك، إذا كانوا لا يحاولون أن يغادروا بلدانهم ويهاجروا إلى الغرب، فإن اليأس ومشاعر الإحباط قد دفعتهم الى حالة من اللامبالاة تخلوا معها عن السعي لتغيير حياتهم، لكني وجدت عبر النشرات الشخصية والسياسية التي قرأتها تصميما قويا على الاحتجاج بصراحة وتوجيه النقد ومناقشة الوسائل حول تحسين الحياة في العالم العربي.
وزهير، الذي كان في السادسة والثلاثين عندما توفي في العاصمة التونسية نتيجة سكتة قلبية، هو مؤسس ومحرر صحيفة تصدر عبر الإنترنت اسمها TUNEeZINE تم إطلاقها في يوليو 2001 واستخدم زهير اسما مستعارا هو «التونسي»، وعلى صفحاتها نشر مقالات صريحة كتبها صحافيون مستقلون وناشطون في ميدان حقوق الإنسان انتقدوا فيها الحكومة، وكذلك نشر بيانات معارضة للحكومة التونسية، وقد اعتقلته الشرطة عام 2002 داخل مقهى إنترنت، وأصدرت محكمة الاستئناف التونسية يوم 10 يوليو 2002 حكما ضده بالسجن لمدة عامين لنشره «أخبارا غير دقيقة».
وحسب منظمة «مراسلون بدون حدود» فإن زهير تعرض للتعذيب خلال فترة التحقيق معه، وأضرب عن الطعام عدة مرات خلال اعتقاله احتجاجا على الأوضاع السيئة. وطبقا لتقرير صادر عن لجنة حماية الصحافيين، فقد ناضل زهير من خلال إرسال اكبر قدر من المعلومات إلى الخارج حول اوضاع السجن، مستفيدا من زيارات شقيقه او شقيقته له في السجن، إذ كان يحدثهما عن كيفية المعاملة، ويبلغ هؤلاء خطيبته في فرنسا لتنشر بدورها القصة على شبكة الإنترنت. وقد صدر قرار بإطلاق سراح مشروط لزهير في 18 نوفمبر 2003 بعد احتجاجات عالمية، وفي نفس العام منحت منظمة «صحافيون بلا حدود» زهير جائزتها لحرية النشر على شبكة الإنترنت.
العام الماضي، ابلغ زهير لجنة حماية الصحافيين انه لم يعد يتعرض للمضايقات بصورة مباشرة، إلا ان اسرته تعرضت لمضايقات، وقطعت عنها خطوط الهاتف وتعرض شقيقه للاعتقال مرتين. ابلغ زهير أماندا ووتسون ـ بولز، المسؤولة في لجنة حماية الصحافيين، انه طالما هناك بضعة اشخاص يستخدمون حقهم في حرية التعبير، فمن الضروري ان يثبت لهم الآخرون ان ذلك امر ممكن. لقد دفع زهير الثمن، ويجوز الافتراض ان المعاناة التي مر بها كان لها اثرها على صحته.
اذا كان لدى البعض شك في قوة الإنترنت او في الصداع الذي يمكن
ان يسببه الناشطون المتخصصون، فإن تجربة زهير تعتبر مثالا ونموذجا لهذه القوة. لقد جرى سجن الرجال الثلاثة في البلد الخليجي في نهاية فبراير، بسبب نفس التهم التي وجهت من قبل الى التونسي زهير يحياوي. والثلاثة كانوا ايضا يديرون منبرا للنقاش حول قضايا بلدهم على شبكة الإنترنت.
اعرف كل ذلك لأن ناشطين كثيرين على الشبكة كتبوا حول أولئك الثلاثة ونشروا صورا للمظاهرات على مواقعهم، مما ساعد بالتأكيد في توصيل الرسالة حول مصيرهم. ان هذه التجربة تعتبر دليلا على فعالية هذا النوع من الاحتجاج. ويستخدم الكثير من هؤلاء الكتاب أسماء مستعارة لأن الحكومات العربية لا تزال تفرض رقابة على الإعلام، بما في ذلك الإنترنت. ولا يشعر غالبية الكتاب بالأمان، لذا لا يستخدمون اسماءهم الحقيقية. هناك كثيرون من هؤلاء الناشطين على الشبكة في العالم العربي الآن، وقد حرصت على دراسة نشاط هؤلاء ومتابعته، وسوف أشارككم قريبا نتائج بحث اجريته حول نشاطهم.
حتى ذلك الحين، دعونا نقول: رحم الله زهير يحياوي
http://www.asharqalawsat.com/view/leader/2...,20,289076.html