و قريضة موالاة....

في ظاهرة فريدة "لنظام ديموقراطي" يبدو الأتجاه السياسي في لبنان ذو طبيعة منقطعة و هذا مصطلح رياضي يعني أن هناك فجوات و عدم أتصال في منحني دالة رياضية,ترجمة هذا الكلام على النحو التالي في نظام ديموقراطي الطبيعي أن تلاحظ مصطلحات اليمين و اليسار و يمين الوسط و يسار اليمين الخ و قد ينسحب الأمر على تيار سياسي بعينه فهناك المحافظين الجدد و هو تيار يميني داخل الحزب الجمهوري ذو الأتجاه اليميني. يعني أن كل المساحات "السياسية" التي تفصل المسافة بين اليمين و اليسار ملئية بتيار أو تيارات تدعمها. و هو ما أسميه رياضيا بالظاهرة السياسية المتصلة و هو سمة ديمقراطية صحيحة.

في لبنان يوجد فريقان لا ثالث لهما فريق المعارضة و فريق الموالاة, الخط العريض و الأساسي و قد أقول الوحيد الذي يبدو على محيا الفريقين هو معارضة سورية أو موالاة سورية,و بدون أن تدري المعارضة تجعل من سورية هما لبنانيا و هي لا تتوقف عن الصراخ "هية يلا سورية أطلعي بره" و لكن حديثنا هنا عن الموالاة و قد أستعاضت عن لبنان بسورية و كمية الهتاف و الصور و الشعارات التي كانت تندلق في القناة السورية خلال مظاهرة "المد العارم" أكثر من تلك التي طالت الجانب اللبناني,أن تكون سوريا أكثر من السوريين سؤال "يمرغ" نفسة أمامك و يجبرك أن تجد له جوابا و لو كنت سوريا.

عندما تداخلت سورية في لبنان لم يكن التدخل لأسباب وطنية خالصة و أزعم أن اسبابا "ذاتية" تخص نفسية الحاكم السوري و قد يكون الأهم من هذا و ذاك أن القوى الأقليمية و الدولية لم تمانع في ذلك الدخول.و قد وجده السوريون فرصة يمارسون فيها سياسية من ابتكار سوري خالص يستحقون عنه "براءة أختراع" و هو دعم أو "دفع" جماعة أو جماعات لممارسة سلوكيات مزعجة في دولة ينتج عنها مكاسب سياسية لسورية أو ينتج عنها حاجة دولية للطلب من سورية أن تلجم هذه الجماعات بالكف عن هذا السلوك.و يمكن أن يكون الأحتفاظ "أوجلان" مثالا جيدا لمثل هذه السياسة . و في لبنان تجلت هذه السياسة في دعم حزب الله و بعض الجماعات الفلسطينية,أستطاعت سورية أن تزعج بواسطتها أسرائيل و عرفات في نفس الوقت.

لا أريد التقليل من مكانة حزب الله و لكنه كان يلعب على الأقل من وجهة النظر السورية دور "محرك التنور" و نظرا لما يطرحة حزب الله من شعارات وطنية ذات غلاف ديني كان له قبول جارف في وسط طائفة دينية معينة تعد نفسها الأكثر عديدا في لبنان.ثم تجمع حولة بعض القوى الأخرى التي صنعها السوريون "كحزب البعث في لبنان" أو قوى أخرى ذات شعارات مشابهة "كالحزب القومي السوري",و تحلق حول هؤلاء و بالتالي حول سورية جمهور كبير من الطائفة السنية و زاد تعلق هذه الطائفة بهذا الطرف بعد أن "أنتفخت" ظاهرة الحريري و قد أختار "لأعتبارات تجارية" أن يكون بذات الجهة.

هذا المزيج الذي يسمى موالاة شكلت له سورية الرئة التي تزوده بالهواء ,لأنها أصطنعت جزءا و دعمت جزءا و "شاركت" جزءا فاصبحت كل هذه الأجزاء و بشكل عضوي لا تستطيع الأنفصال عن سورية و لو أرادت ذلك,و صارت دمشق محجا و موئلا و عرابا و أشياء كثيرة أخرى.و تحولت هذه الكتله الى جسم صلد راسخ الوجود و يدعي أنه كل لبنان,و سوق فكره يؤمن بها يقينا أن مصلحة لبنان أن تكون مصالح سورية مصانة في لبنان و لو كان على حساب لبنان.وأيمانا بهذا المبدا تلقت المنشآت المدنية اللبنانية كما هائلا من القنابل الأسرائيلية بمناسبة أو بدون مناسبة.

لم تشعر هذه "الموالاة"بآلام العنق و لا أنقراص فقرات الرقبة نتيجة الألتفات الشديد نحو سورية.و لم تشعر بغرابة خطابها عندما تصر على أن لبنان دولة و سورية دولة مختلفة و لكنهما ملتزمان أو ملزمان بلبس"سروال" واحد بدون تبرير كاف لمثل هذا الزي.و ذهبت الى مدى أبعد من ذلك "بالتواكل" على سورية بحل حتى المشاكل الشخصية أو "الزوجية" التي تعترضها و لم يكذب السوري خبرا وما رس بفرح و دأب هذا الدور و قد ظن أن هذه المسرحية لا نهاية لها.

الأن و قد "راحت السكرة و أجت الفكرة" ووجد فريقا لبنان الكبيرين نفسهما وجها لوجه, و قد حصل تبديل طفيف في المقاعد بأنتقال جزء من السنة بعد أغتيال الحريري الى الطرف الآخر.لا يمتلك أي من الطرفين "مقولات لبنانية حقيقية" و قد أستسلم طرف المعارضة طوال عقد و نصف الى أغنية سمجة مفادها "بدنا السيادة و رحيل سورية" و أسلم طرف الموالاة نفسة الى حقنة مخدرة أسمها سورية.ماذا يملك كلا الطرفين للبنان مع الأخذ بعين الأعتبار أن المعارضة "وهذه أقدر أنها ستظل تحتفظ بهذا الأسم و لو تسلمت السلطة فالأسم مطلوب لذاته" لن تكف عن الزج باسم سورية حتى بعد خروجها و المولاة كذلك لن تكف عن الزج باسم سورية حتى بعد خروجها. و الحال كذلك.....من بقي للبنان....؟؟!!!