بسم الله الرحمن الرحيم
بيان من جماعة الإخوان المسلمين في سورية
في ذكرى الثامن من آذار
أيها المواطنون الأحرار في سورية الأبية..
لقد كان اليومُ الثامنُ من آذار عام 1963 بدايةَ حُقبةٍ مظلمةٍ في تاريخ سوريةَ الحديث، شملت كلّ مناحي الحياة السياسية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية.. حيث تمّ الاستيلاءُ على الحكم بانقلابٍ عسكريّ، وفرضَ حزبُ البعثِ نفسَه قائداً للدولة والمجتمع، وأعلنَ حالةَ الطوارئ التي ما زلنا نعيشُ تحت وطأتها حتى اليوم، وارتكبَتْ أجهزةُ الأمن في ظلالها القاتمة - خارجَ إطار الدستور والقوانين والقضاء - أبشعَ أنواع الجرائم بحقّ المواطنين، على اختلافِ انتماءاتهم السياسية والعرقية والمذهبية.. وامتهنَتْ كرامتَهم، وانتهكَتْ أبسطَ حقوقِ الإنسان، فصودِرَت الحرياتُ العامة، وحُلّت الأحزابُ السياسية، وأغلِقَت الصحف، وفُرِضَت القوانينُ والمحاكمُ الاستثنائية، وطورِدَ الأحرار، وشُرّدَ رجالُ السياسة، وهُجّرَت العقولُ والأدمغة، وامتلأت السجونُ بالمعتقلين، وتحوّلت البلادُ إلى مزرعةٍ للفساد والمفسدين، وقادت سياساتُ التفرّد والقهر والتمييز والتسلّط والاستبداد، إلى حالةٍ من التمزّقِ الوطنيّ، والشللِ السياسيّ، والاحتقان الاجتماعيّ..
وتحت نيرِ الظلم والقهر والاستبداد، وفي ظلّ قانون الطوارئ والأحكامِ العرفية، وقعت الهزيمةُ النكراء، فضاع الجولان، وضاعت معه آمالُ الأمة بالوحدة والنهوض، وتحلّ قريباً الذكرى الثامنةُ والثلاثون للاحتلال، وما يزال الجولان محتلاًّ، والجيش السوريّ مكبّلاً، وأجهزة الأمن منشغلةٌ بحماية النظام الشموليّ ومصالحه، على حساب حرية الوطن والمواطن.
وفي ظلّ هذه السياسات، دخلت القوات السورية لبنان، لتنجِدَه في ساعة العسرة، فإذا بها تتحوّلُ إلى عاملٍ من عوامل الفتنة والفرقة والفساد، فاستلبت إرادة الشعب اللبناني، وانتهكت حريته وسيادته، متجاهلةً روابطَ الأخوّة والجوار، ومقتضيات المصلحة الوطنية السورية واللبنانية، فأساءت إلى الروابط الحميمة بين الشعبين، وأوصلت العلاقات الاستراتيجية بين القطرين إلى حالةٍ من التردّي، دفعَتْ بها إلى نفَقٍ مظلم، ومهّدت للضغوط والتهديدات الخارجية ، وفتحت الباب أمام التدخّلات الأجنبية.
يا جماهير شعبنا السوريّ الأبيّ..
رغمَ ما يتعرّض له وطننا من أخطار، وما يواجهُه من تحدّيات.. ما تزال السلطة السورية حتى اليوم، ماضيةً في سياسات الاستبداد والتمييز والتسلّط، معرضةً عن كلّ النداءات الوطنية المخلصة، متجاهلةً كلّ المبادرات الإيجابية، مراهنةً على التسويات الخارجية والتنازلات. ولقد شكّل الخطابُ الرئاسيّ الأخير، خيبةً لما تبقّى من أملٍ عند بعض المتفائلين، باستجابته للضغوط الخارجية والتهديدات، وإعراضِه عن المطالب الشعبية المشروعة والملحّة، وتجاهله لضرورات الإصلاح الداخليّ، ومتطلّبات الوحدة الوطنية، وتحصين الجبهة الداخلية.
لقد بذلت جماعتنا عبرَ السنوات السابقة، كلّ جهدٍ ممكنٍ من أجل لملمة الجراح، وقدّمت المبادرة تلو المبادرة، لإخراج الوطن بكلّ أبنائه، من المحنة التي هو فيها، ومنحت النظامَ الفرصة تلوَ الفرصة لإصلاح الأوضاع، لكن يبدو أنّ الفساد أصبح جزءاً من بنية السلطة، وأن لا إصلاح إلاّ برحيل المفسدين.
إنّ جماعة الإخوان المسلمين في سورية، إذ تحيّي انتفاضةَ الحرية التي انطلقت من لبنان الشقيق، وتأملُ أن تعودَ العلاقاتُ الأخويّةُ بين الشعبين الشقيقين، إلى سابق عهدها من الصفاء والمحبة والوفاء، لتؤكّد التزامَها بالثوابت الوطنية، التي تضمّنها الميثاق الوطني، والمشروع السياسيّ لسورية المستقبل.. وتدعو جماهير شعبنا السوريّ، بكلّ فئاته وقواه الحية، إلى التلاحم والتعاضد، للدفاع عن الوطن وحريته وكرامته.
إنّ جماعة الإخوان المسلمين في سورية، ومن موقع التزامها بالمسئولية الشرعية والوطنية، لتدعو كلّ القوى الوطنية، إلى اتخاذ الخطوات العملية، والترتيبات اللازمة، لعقد مؤتمرٍ وطنيّ جامع، في أقرب وقتٍ ممكن، تشتركُ فيه كلّ مكوّنات الشعب السوري العرقية والدينية والمذهبية، وكلّ أطيافه السياسية والفكرية، لوضع خطةٍ شاملةٍ للتحرّك الجادّ والفاعل، لإخراج الوطن من أزمته الخانقة، التي أدّى إليها إمعانُ النظام في سياسات التفرّد والتسلّط والاستبداد، ولتشاركَ جميع القوى الشعبية في استعادةِ حريتها وكرامتها، ولنحملَ معاً أعباء مشروع الحرية والتنمية والنهوض، وندفع عن وطننا حالة الذلّ والهوان والارتهان، التي أوصلنا إليها المستبدّون والمتهاونون والمفسدون.
وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون، وستردّون إلى عالم الغيب والشهادة، فينبئكم بما كنتم تعملون. والله أكبر ولله الحمد.
لندن في الثامن من آذار 2005 جماعة الإخوان المسلمين في سورية
http://www.metransparent.com/texts/syrian_...for_8_march.htm
:nocomment: