الإخوة الأعزاء (روقة - سيتا - إبراهيم)
هل يمكن توفير هذا الكتاب ؟ :emb:
ألفة يوسف لـ"آفاق": ألا يحار المسلم الصّادق حين يكتشف أنّ المفسّرين قد تلاعبوا بما ورد في القرآن؟
ألفة يوسف
1
الجزائر: ياسمين صلاح الدين ـ خاص
1
قالت الباحثة التونسية ألفة يوسف لـ"آفاق" إن حيرة المسلم ليست بالضّرورة ذات منحى سلبيّ بل الحيرة بمعناها الفلسفيّ إيجابيّة إذ هي منطلق السّؤال، والسّؤال هو منطلق التّفكير وتساءلت بقولها "ألا يحار المسلم الصّادق حين يكتشف أنّ المفسّرين قد تلاعبوا بما ورد في القرآن؟.." وهذا نص الحوار مع الباحثة ألفة يوسف:
*آفاق: أثار كتابك " حيرة مسلمة" الكثير من الجدال منذ صدوره، هل تعتبرين المسلمة اليوم في حيرة من أمرها و دينها؟
ـ ألفة يوسف: الحيرة ليست بالضّرورة ذات منحى سلبيّ بل الحيرة بمعناها الفلسفيّ إيجابيّة إذ هي منطلق السّؤال، والسّؤال هو منطلق التّفكير. ولا أزعم أنّ كلّ المسلمات اليوم في حيرة كما أؤكّد أنّ الحيرة الّتي يعرضها كتابي هي حيرة فكريّة وليست حيرة دينيّة. وبعبارة أخرى إنّها حيرة المسلم الّذي أتاح له الله تعالى بعض معرفة وعلم فاكتشف الهوّة الكبيرة القائمة أحيانا بين جوهر الدّين ومقاصد الشّريعة بل بين بعض النّصوص الحرفيّة من جهة وبعض تأويلات المفسّرين الّتي تأثرت بمصالح شخصيّة أو أطر تاريخيّة من جهة أخرى. ألا يحار المسلم الصّادق إذ يكتشف أنّ المفسّرين قد تلاعبوا بما ورد في القرآن من فروض ونصيب صريح لبعض الورثة الّذين همّشهم الإجماع إذ تحوّل بديلا عن كلام الله تعالى؟ ألا يحار المسلم إذ يكتشف أنّ القرآن سكت عن المهر أي إنّه اعتبره ممكنا لا لازما فإذا بالمفسّرين يجعلونه شرطا من شروط الزّواج ويذهبون إلى أبعد من ذلك فيعتبرون أنّ المهر ثمن لفرج المرأة؟ ألا يحار المسلم إذ يكتشف أنّ اللواط ليس المثليّة الجنسيّة وأنّه اغتصاب للرّجال الضّيوف خلافا لما يقال للمسلمين اليوم؟
* آفاق: لعل الجديد في كتابك هو دعوتك الصريحة إلى مراجعة العديد من الأمور التي يعتبرها فقهاء الدين " ثابتة" مثل الميراث، و طاعة الزوجة لزوجها الخ؟
ـ ألفة يوسف: أنا لا أدعو إلى مراجعة النّصّ. فالقرآن مقدّس ثابت لدى كلّ المسلمين وأنا واحدة منهم، ولكنّي أدعو إلى مراجعة قراءة بعض المفسّرين للقرآن. فإذا كان القرآن حمّال أوجه فلماذا نقتصر على وجه واحد ممكن بل لماذا نجد أحيانا تأويلات لا علاقة لها بالمعاني الممكنة. إنّ كلّ ما ورد في كتابي منطلقه قراءات ممكنة للقرآن بعضها جسّمه مفسّرون همّشتهم المصالح السّياسيّة والاجتماعيّة. أمّا بعض القراءات الممكنة الأخرى فما تزال كامنة في القرآن الحكيم، موجودة بالقوّة تنتظر علماء للنّظر فيها وإخراجها من حيّز الوجود بالقوّة إلى حيّز الوجود بالفعل. إنّ الله تعالى أورد قرآنه لغة في لسان عربيّ مبين فكان القرآن متعدّد المعنى شأن كلّ النّصوص اللغويّة، وهذا ما يثبته النّظر في كتب التّفسير والفقه الّتي تتعدّد قراءاتها ولكن ما ننساه أو نتناساه هو أنّ الله الحكيم اختار في كثير من الأحيان أن يكون القرآن متعدّد المعنى أي اختار أن يعمد إلى أشكال لغويّة تتيح التّعدّد، وأذكر مثالا بسيطا وهو قول الله تعالى: ﴿ ولا يبدين زينتهنّ إلاّ ما ظهر منها﴾ فلقد كان من الممكن أن يحدّد الله تعالى الزّينة الظّاهرة لغة ولكنّه أوردها في صيغة عامّة تمكّن من اختلاف تحديدها وفق الأزمنة والعصور.
* قلت أيضا أن زواج المتعة لم يحرمه الرسول، بل حرمه الخليفة عمر بن الخطاب، هل تعتبرين زواج المتعة قيمة إنسانية تخدم المرأة المسلمة العصرية و كيف؟
ـ ألفة يوسف: من الثّابت لمن ينظر في النّصوص نظرة مجرّدة ودقيقة أنّ عمر بن الخطّاب هو الذي حرّم زواج المتعة، وقد بيّنت هذا في الكتاب، على أنّي لم أقل إنّ زواج المتعة أفضل أشكال الزّواج وإنّما أشرت إلى ظاهرة غريبة يغمض اغلب النّاس أعينهم عنها وهي أنّ الشّباب المسلم اليوم يتزوّج في سنّ متأخرة وقد يبلغ الشّابّ أو الفتاة الثّلاثين وقد يتجاوزونها دون أن يتزوّجوا فإن مارسوا الجنس قبل الزّواج (على فرض إمكان ذلك في مجتمعات تقليديّة حتّى النّخاع) عدّ ذلك زنى وإن لم يمارسوه أدّى ذلك إلى الكبت الجنسيّ وأدّى إلى مخالفة رؤية الإسلام للجنس إذ الإسلام يدعو المسلم(ة) إلى حفظ فرجه وإلى إحصان نفسه بالزّواج أي بممارسة الجنس منظّما لا بالامتناع عن ممارسة الجنس. ومن منظور واقع الشّباب المسلم اليوم أشرت إلى أنّ زواج المتعة قد يكون حلاّ من الحلول الممكنة لتيسير علاقة جنسيّة منظّمة. وليس في زواج المتعة أيّ إهانة للمرأة ولا للرّجل ذلك أنّ المتعة تقوم على اتّفاق بين الطّرفين على فترة مّا تدوم أثناءها علاقتهما. ولا تفترض المتعة بالضّرورة اشتراء للمرأة أو استئجارا لها. فالاشتراء والاستئجار إنّما هي قراءة الفقهاء الّتي تقوم على إثبات المهر ركنا من أركان الزّواج ومن ثمّ على إثبات متعة الرّجل وحدها بجعل المرأة موضوعا جنسيّا أو بضاعة جنسيّا تشترى أو تكترى. أمّا ما بيّنّاه من قراءتنا للقرآن وللسّنّة فهو أنّ المهر ممارسة تاريخيّة لم ينه عنها القرآن ولكنّه لم يأمر بها كما أنّ حقّ المرأة في المتعة يكفله لها القرآن والسّنّة. و لذلك فإن زواج المتعة يخفّف من الوطأة الاجتماعيّة الجديدة للزّواج وهي وطأة مسيحيّة تجعل كلّ زواج نهائيّا إلى آخر العمر في حين أنّنا نجد المسلمين الأوائل نساء ورجالا قلّ من اكتفى منهم بزواج واحد في حياته. إنّ الزّواج الإسلاميّ بسيط يكفي فيه الإيجاب والقبول والشّاهدان بما يجعل العلاقة مسئولة وبما يمنع اختلاط الأنساب وبذلك تغدو الممارسة الجنسيّة المنظّمة متيسّرة ممكنة تبعد عن تعقيدات، ولا تقوم هذه الممارسة على سيّد وعبد ولا على ذات راغبة وعلى موضوع مرغوب فيه بل على علاقة مشتركة بين طرفين يكون كلّ واحد منهما ذاتا وموضوعا في الآن نفسه وبعبارة سؤالك يكون كلّ منهما جسدا وفكرا.
* آفاق: اعتبرت أن عدم المساواة بين المرأة و الرجل لم يصنعه القرآن، بل صنعته التفسيرات الخاطئة للقرآن ( أي صنعه المفسرون )؟ و هل تعتبرين أن القرآن ساوى بين النساء و الرجال؟
ـ ألفة يوسف: كيف لا يساوي القرآن بين الرّجل والمرأة وهو الّذي يعرض الأمانة على الإنسان رجلا وامرأة، وهو الّذي يجازي المرأة والرّجل ويعاقب كليهما وكيف لا يساوي الإسلام بين الرّجل والمرأة وهو الّذي لا يميّز بين النّاس إلاّ بالتّقوى غاضّا الطّرف عن فروقهم العرقيّة والاجتماعيّة والجنسيّة طبعا. فليس القرآن مسئولا عن تأويلات قرّائه وإسقاطهم لرؤاهم الشّخصيّة وانتماءاتهم التّاريخيّة ومصالحهم المذهبيّة على المعاني الممكنة للنّصّ. وإنّي قد بيّنت في كتب سابقة أنّ مفهوم القوامة مثلا ورد في القرآن مشروطا بإنفاق الرّجل وأنّ غياب شرط الإنفاق ينفي قوامة الرّجل لا سيّما أنّ القرآن لا يشير إلى تفضيل النّساء على الرّجال وإنّما يشير إلى تفضيل بعضهم على بعض أي إنّه يشير إلى تفضيل بعض الرّجال والنّساء على بعض الرّجال والنّساء.
* آفاق: لكن شهادة امرأتين بشهادة رجل واحد، كما أن القرآن أورد عبارة " الرجال قوامون على النساء". كيف تفهمين هذه الإشكالية التي ينطلق منها أغلب المفسرين للحديث عن العلاقة بين الرجل و المرأة؟
ـ ألفة يوسف: اشتراط شهادة المرأتين فلئن رأى فيها البعض تفضيلا للرّجل فإنّ وضعها في سياقها التّاريخيّ كفيل بتقديم قراءة مختلفة، ومن ذلك أنّ المفسّر الطّاهر ابن عاشور في "التّحرير والتّنوير" أشار إلى أنّ المرأة لم تكن في الجاهليّة أي زمن نزول القرآن تشتغل بالشّأن العامّ فكان في الدّعوة إلى اعتماد شهادة امرأتين دون امرأة واحدة طريقة من طرق تعويد المرأة في صدر الإسلام على شؤون لم تكن معتادة عليها، وهذا من شأنه أن يشجّع اشتغال المرأة بالشّأن العامّ. إنّني أؤكّد مرّة أخرى أنّ قراءة جلّ المسلمين للإسلام هي الّتي جعلته دينا يفضّل الرّجل على المرأة أمّا جوهره فقائم على المساواة بين الجنسين.
* آفاق: قلت في تصريح سابق أنك ضد المذهبية في الإسلام، مع هذا يوجد المذهبين السني و الشيعي و مذاهب أخرى. كيف ترين الصراع المذهبي القائم في البلاد الإسلامية اليوم؟
ـ ألفة يوسف: ليس الصّراع المذهبيّ سوى صراع على امتلاك معنى النّصّ، وامتلاك معنى النّصّ يعني امتلاك السّلطة في مجتمعات يختلط فيها الدّينيّ بالسّياسيّ وفق أوجه متعدّدة ومظاهر شتّى. فإذا علمنا أنّ معنى القرآن الأصليّ في اللّوح المحفوظ وإذا سلّمنا أنّ هذا المعنى الأصليّ ممّا لا يمكن أن يدركه أحد من البشر وأنّه يستعصى على أذهاننا جميعا أقررنا في الآن نفسه بأنّنا نجول في مجال النّسبيّة وأنّ كلّ المعاني الممكنة الّتي يسمح بها النّص تتعدّد وتختلف من مكان إلى مكان ومن عصر إلى عصر. ولا تغدو المذهبيّة حينئذ إلاّ وسيلة لفرض معنى مّا بحدّ السّيف، ولمّا كانت الدّول قائمة بالضّرورة على العنف الرّمزيّ بشكل أو بآخر فإنّ ما يقلقني ليس أن يُفرض معنى معيّن دون معنى آخر وإنّما أن يدّعي من يفرض ذلك المعنى المعيّن أنّه المعنى الواحد الحقيقيّ المقدّس في حين أنّ الحقيقة لا يمتلكها إلاّ الله عزّ وجلّ. فإن كانت المذاهب تريد أن تتصارع سياسيّا فلتفعل ولكنّ ما أرفضه هو أن يتحوّل هذا الصّراع إلى صراع باسم الدّين، ولذلك قلت إنّي أرفض المذهبيّة في الإسلام.
* آفاق: ظهرت في الآونة الأخيرة العديد من الفتاوي منها "إباحة الزواج من الرضيعة" و إرضاع الكبير. كيف تقيمين هذه الفتاوي التي تصدر بعضها عن شيوخ دين معروفين من السعودية و مصر؟
ـ ألفة يوسف: هذه الفتاوى هي فرصتنا الوحيدة لكي يلج الإسلام الحداثة من أوسع أبوابها. فشيوخ الفتاوى ليسوا مخطئين بالنّظر إلى الوقائع التّاريخيّة بل حرفيّة النّصوص أحيانا. إنّهم لم يأتوا بكلام من أذهانهم وإنّما قرأوا النّصوص وفق المناهج التّقليديّة الّتي علّمتها إيّاهم مدارس كبرى مثل الأزهر. أيمكن أن ننكر أنّ الرّسول قد دخل بعائشة وهي في سنّ التّاسعة؟ فإذا اقتصرنا على المنهج التّقليدي الّذي يقول بأنّ عليها أن نتّبع سنّة الرّسول وإذا نفينا شأن المقلّدين جميعهم تأثير الأطر التّاريخيّة في معاني النّصّ أو في سنّة الرّسول فإنّه يكون من الطّبيعيّ أن نبلغ النّتائج الّتي بلغها هؤلاء الشّيوخ. بل أكثر من ذلك إذا أردنا التّمسّك بحرفيّة جامدة للنّصوص أمكن أن نفتي بضرورة إباحة الرّقّ الّذي لم ينفه القرآن أو السّنّة بنصّ صريح والّذي تواصل العمل به مدّة قرون طويلة بعدهما، وأمكن أن نفتي بجواز سبي نساء الكفّار ممّا يجيزه القرآن ويثبته تاريخ الفتوحات الإسلاميّة. فإذا أردنا أن نتجنّب هذه المفارقات التّاريخيّة كان لزاما علينا أن نخرج من المنظومة التّقليديّة وأن نتجاوز حرفيّة النّصوص إلى جوهرها وأن نتجاوز صريح النّص إلى مقاصد الشّريعة وأن نضع القرآن والسّنّة في إطارهما التّاريخيّ، وكان لزاما علينا من ثمّ أن نفتح باب الاجتهاد حتّى نبلغ الإسلام المشرق.
* آفاق: قلت أيضا لنتق الله في أبنائنا و لنقدم لهم إسلاما مشرقا. كيف هي صورة الإسلام المشرق في نظرك؟
ـ جوهر الإسلام لا يكون إلاّ مشرقا. فدين لا يتحقّق إلاّ بأن يسلم الآخر من يد المرء ولسانه ودين لا يكون إلاّ إذا أحبّ المسلم لأخيه ما يحبّ لنفسه لا يكون إلاّ مشرقا. إنّ الدّين عند الله الإسلام ولذلك نجد كلّ القيم الأخلاقيّة الكبرى مندرجة ضمنه، ولذلك تعجّبت من مسلمين يشتمون ويسبّون الفكر المختلف دون نقاش أو نقد وتعجّبت من مسلمين يشكّكون في إسلام الآخرين ويكفّرون سواهم وكأنّ الله حباهم بمعرفته الخفيّة دون سواهم وتعجّبت من مسلمين يكرهون ويمقتون ويهينون متناسين أخلاق الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وجاهلين أو متجاهلين أنّه ما بعث إلاّ ليتمّم مكارم الأخلاق. وليست مكارم الأخلاق في تحويل المرأة سلعة ولا في إلباسها نقابا وتحويل الرّجل حيوانا مسعورا ولا مكارم الأخلاق في فتوى تحرّم الانترنت على المرأة إلاّ بحضور محرم ولا مكارم الأخلاق في الانغلاق والجمود وإنّما هي في المحبّة والخير والسّلام. هذا هو جوهر الإسلام عندي وهذا جوهر الأمانة الّتي عرضها الله علينا وإنّي سأضطلع بها إلى آخر يوم من عمري رغم التّهديد والتّخويف والشّتم والإرهاب ممّن يدّعون أنّ لهم بالإسلام علاقة في حين أنّ الإسلام منهم براء.
________________________________
" حيرة مسلمة" بين الوصاية و الاجتهاد
أثار كتاب " حيرة مسلمة " لمؤلفته التونسية ألفة يوسف الكثير من النقاش و أسال الكثير من الحبر، فصار الشغل الشاغل لأغلب المدونات و المواقع خاصة منها التي تعنى بالدين الإسلامي. كما بعثت رؤى و أفكار الباحثة التونسية في الإسلام ألفة يوسف الانقسام و الشقاق حتى التصادم بين مؤيد و رافض، بين من يحّيي هاته المقاربة و من يتصدى لها حتى وصل الأمر ببعضهم حدّ السبّ و الثلب و التكفير. و في الحقيقة لا يخرج هذا الأمر عن العادات العربية حيث انّه ما يلبث مؤّلف جديد بالصدور حتى يشكل محور النقاش و التشّاد بين مختلف التيارات ، فما بالك لمّا يتعلق الأمر، كما هو الحال لكتاب "حيرة مسلمة" ، بالبحث و الدرس في شؤون الأديان وخاصة منها الإسلام.
و بالعودة لهذا الكتاب نفهم السبب وراء كل هذا اللغط فألفة يوسف تتحفظ بصفة مباشرة عن سابق مقاربات و اجتهاد الفقهاء لمسائل دينية لعل أبرزها الميراث و الزواج و الجنسية المثلية. كما تتهم الباحثة التونسية هذه المقاربات بنسبتها لظروف تاريخية محددة و عملها وفق أجندات و مرجعيات سياسية ، و الخطر كل الخطر بمنطوقها أنّ هذه الاجتهادات اكتسبت عبر الأزمان و التراكمات وقعا ملزما و منزلة علوية منزهة عن الخطأ حتى إنها تجاوزت بذلك في بعض الأحيان منزلة ووقع القرآن والسنة. وصارت وصاية إذ أغلقت باب الاجتهاد و إعمال العقل كما أنّها صارت وصيّة على الآخر تحدّد له ما إليه وما عليه.
و تدافع ألفة يوسف عن حيرتها بل تدعو لمشاركتها التساؤل و مراجعة مسائل الميراث و الزواج و الجنسية المثلية نافية أن يكون الاجتهاد شأنا ذكوريا إذ تؤكد أنّها لاتندرج " في صراع الجنسين" و ليست " نسويّة بالمعنى التقليدي" فما أثارها " ليس صورة للمرأة نمطيّة بل صورة للمجتمع يدّعي البعض أنها مستقاة من القرآن والسنة في حين أنّهما منها براء". و تنفي الباحثة أن يكون كتابها " كتابا في التشريع ، و لكنه كتاب في فلسفة التشريع" أي دعوة للفكر و تجاوز العراقيل المتوّهمة من كون التفكير في الدين حكرا على فئة دون غيرها أو جنسا دون آخر. بل تتساءل عن جدوى و"فائدة كتاب لايدعو للتفكير و إلى إعمال النظر" متعالية على أن يكون هدفها الوصول إلى أحكام نهائية تسقطها على نصوص الشريعة لتكتسب عبر الزمن سلطة مغلوطة تقصي فكر و رأي الآخر و تعتبر الانتقاد و الاختلاف خروجا عن أصول الدين. فتقول ألفة يوسف أنّها"قدمت قراءة ممكنة إضافية و تساؤلا جديدا حول عقاب امرأة لوط دون الادعاء أنّها قراءة نهائية و انّما هي إضافة إلى التأويل البشري الذي يتراكم عبر التاريخ"، مشيرة إلى "أن المعنى الأصلي للقرآن في اللوح المحفوظ لا يعلم تأويله إلا الله وهو تعالى الذي سينبئنا يوم القيامة بما فيه كنا نختلف أمّا القراءات جميعها فهي اجتهادات بشرية تختلف و تتعدد و نتناقش حولها فنختار الأصلح للمجتمعات في رأينا ما لم يتعارض مع جوهر الشريعة". و تستند ألفة يوسف في هذا الرأي إلى اختلاف واقع و قوانين البلدان الإسلامية دون أن يكون ذلك مدعاة للتناحراو تفاخر إحداها على الأخرى فهي بالأساس نتخذها ونتبناها نسبة ووفقا لما نراه خدمة لصالحنا العام.
و بعيدا على الوقوع في الدائرة الضيقة لمساندة أو معارضة الباحثة التونسية ألفة يوسف فيما رأته في كتابها " حيرة مسلمة" لايسعني هنا إلا تحية حيرتها، فدافع الفكر هو الحيرة والتساؤل وقوده. نحن جميعا و إن اختلفنا في معظم شؤوننا نكاد نتفق حول أفضلية الإنسان على غيره من الكائنات بالعقل، أي بالفكر. هذا الاتفاق يلزمنا بالتخلي عن سلوك الوصاية إذ أن العقل مشترك بين الجميع و هذا المعطى، المسلم به، يتعارض إذن مع ما نسمعه بين الحين و الآخر حول أحقية أو شرعية أو أفضلية فكر على آخر. برأيي يبقى الفاصل بين هذه المقاربة و الأخرى هو مدى خدمتها لمصالح الإنسان دون السقوط في الحسابات الاقصائية كالحسابات الفئوية أو الدينية أو العرقية و غيرها.
نحن كأمة عربية الأجدر و الأولى لنا أن نوّلي وجوهنا نحو تكريس و تعميم سلوك الاجتهاد في كل شؤوننا العرضية منها و الحيوية. و إن واجهنا احدهم و تذّرع بخطر سقوطنا في الفوضى فسنواجهه حينها بآليات و برامج تعليم وتكوين عملية تسهر بالأساس على تكريس الاجتهاد و إعمال النظر. و هذا السلوك ليس غريبا على العرب فقد عرفوه في مرحلة سابقة من تاريخهم عبر الفكر المعتزلي، الذي و للأسف شوّه و استبدل لأغراض و أسباب أنجحت عصر فئة و قضت على عصور امة.
____________
http://www.magharebia.com/cocoon/awi/xhtml...30/reportage-01
http://www.womengateway.com/arwg/Reporters...sia/tunise3.htm
____________
:redrose: