كانت الدموع تملأ عينيها وهي تستمع لهم، ويدها تمسك بيد ابنتها النائمة بجوارها، وصوت ابنها يقول لها : سيبيها ترتاح يا أمي ،وزوجها يرد قائلا: ترانا كدة نرحمها.
نظرت في عيونهم جميعا وعلمت داخل نفسها أنهم اتفقوا على القرار.
زوجها الرجل الكهل الذي كانت عيناه المتعبتان تنظر إليها وهو ينتظر منها أن توافق.. وابنها الذي كان يحتضن رأسها ويقبله بهدوء راجيا منها أن توافق
أما زوج ابنتها فلم يكن يستطيع الكلام.. حيرة تملأ عيناه.واحترامه لألمها منعه من الكلام .. تعلم أنهم جميعا يتألمون ولكنهم احتكموا للعقل
تبا لهم لا يحكمهم إلا عقولهم والمنطق.
أما هي فتحتكم إلى شيء آخر....إلى قلب الأم
تنظر نحوها وهي نائمة وتقول كيف أستطيع أن اسمح لهم بأن يقرروا حياتها أو موتها؟؟ كيف أستطيع أن أمحى كل شيء بكلمة واحدة ؟؟
حياتها.. تاريخها.. ذكرياتها.. ألمها..وفرحها.. كله سيمحى بمجرد أن أقول نعم
كيف.يستطيع لساني أن يقولها ؟؟ كيف .. اسمح لهم بأن يقتلوا ابنتي ؟؟
أحنت رأسها والدموع تتساقط من عينها وقالت لهم : .... ما باليد حيلة
ونظرت نحو الطبيب كأنها ترجوه... ولكنه مثلهم يحكمه المنطق والعقل لا المشاعر
نظرت إليه وهو يقوم بفصل الأجهزة.. نظرت له وهي لازالت تمسك بيد ابنتها
لم تستطيع منعه كل ما استطاعت أن تفعله هو أن تحتضن وجه ابنتها النائمة في هدوء وتغطيه بدموعها
بينما كنت استمع لها وهي تتكلم عن ابنتها تذكرت تلك المقولة
(وقالوا القتل رحمة وهل يوصف الشهد بمرارة العلقم)
وجعلني أتساءل عن أحقية أي منا في اتخاذ القرار بإنهاء حياة شخص آخر.. في الحالة السابقة قد يتقبل العقل ما يقوم به الأطباء من فصل للأجهزة لان المريض يعتبر ميت سريريا ( أي انه ميت بأي حال) ولذا فصل الأجهزة عنه قد لا يعتبر قتل بصورة أو بأخرى لكن حتى وان كان يعتبر ميت من له الحق باتخاذ القرار بان يلغيه كانسان عن الحياة

وأن تجاوزنا القتل بفصل الأجهزة فهناك مرضي كثيرين يعانون آلام يكون الموت في بعض الأحيان راحة لهم ومن يعمل في أقسام مرضي السرطان في المستشفيات يعلم صحة ما أقول.. وهناك من ينادي بإنهاء حياتهم تخليصا لهم من آلامهم ومن بين المنادين بعض المرضى أنفسهم
كل ما سبق يجعلنا نتساءل عن القتل الرحيم
من يحق له بأن يتخذ القرار بإنهاء حياة إنسان آخر تحت مسمى القتل الرحيم أو ما يعرف بـ( اليوثنيزيا Euthanasia )و اليوثنيزيا كلمة يونانية تعني في الأصل الموت الجيد(Good Death)أو الموت اليسير (Easy Death) أو الموت الكريم(Death With Dignity) يقصدون بذلك الموت الطبيعي عندما يأتي في صورة سهلة ويسيرة وفى زماننا الذي تفشت فيه الأوبئة والأمراض الخطرة تحول هذا المعنى ليتخذ مسارا جديدا وأصبحت اليوثنيزيا تعنى (القتل الرحيم )
و للموت الرحيم عدة انواع منها:
القتل الناتج عن فصل جهاز التنفس
كأن يكون المريض مصابا بارتجاج في المخ أدى إلى موت الدماغ (brain death) ولا أمل في استعادة المريض لوعيه فيقوم الطبيب بفصل جهاز التنفس الصناعي عن مريضه فيموت ذلك الغائب عن الوعي عند حرمانه من التنفس
القتل الناتج عن إعطاء مسكنات
كأن يكون المريض يعانى من سرطان منتشر يحدث له آلاما رهيبة لا تكفى الجرعة الآمنة من العقارات المخدرة بتسكينها فيضطر الطبيب إلى زيادة الجرعة ليهزم الألم فتكون نيته تخفيف الألم ولكن النتيجة قتل المريض بالجرعة القاتلة والطبيب يعلم هذه النتيجة جيدا ومع ذلك يعطى مريضه الجرعة القاتلة
القتل الناتج عن الإمساك عن العلاج
مريض مصاب بسرطان متقدم في الرئة وأيامه معدودة في الحياة (كما يتوقع له طبيبه المعالج) أصابه التهاب رئوي حاد يستلزم إعطاءه مضادا حيويا فيرى الطبيب انه لا داعي لهذا الإجراء طالما المريض في طريقه إلى النهاية فيموت المريض من الالتهاب الرئوي

من الناحية الشرعية فأن العلماء اختلفوا إلى فريقين.. منهم من أجاز.. ولكن بشرط وقوع الضرر الشديد عليه وعلى من حوله..سواء كان برغبته أو بمعرفة الطبيب المسلم المتقن..ومنهم من منع..
وبعيدا عن الناحية الشرعية يبقى السؤال هنا عن القتل الرحيم ومدي مشروعيته لا دينيا فقط بل إنسانيا وأخلاقيا
يبقى السؤال
من يحق له أن يقرر إنهاء حياة شخص آخر..؟؟
وكيف يستطيع أن يتخذ القرار؟؟