1967 العقدة العربية المستحكمة
اليوم وبعد سنوات قاربت الـــ 42 عاماً على ما سمي وقتها بالنكسة لازال الوعي الجمعي العربي يعيش هذه النكسة حاضرة ليل نهار في وجدانه كرست خوفاً دفين من مواجهة حقيقية مع ماضيه وكأنه كل ما فعله بعد 1967 هو فقط من أجل نسيان تاريخ 5 حزيران 1967 ، فحرب تشرين كانت من أجل نسيان النكسة ... السلام المزعوم من أجل الهروب من تكرار مواجهة 1967 ... تقاذف العرب التهم فيما بينهم تتستر بكل الأردية ولا تفصح عن أن مضمون العقدة هو واحد 1967 ....
لقد مر هذا التاريخ منذ 42 عاماً ولازال إدراكنا للزمن متوقف عند يوم 5 حزيران 1967 ....
شعوب كثيرة في التاريخ هزمت وسحقت وقامت من تحت الأنقاض ... والشعب العربي يرفض أن يقوم من تحت أنقاض 1967 وكأن لا شعب غيره قد هُزم ... وكأن الهزيمة مست الكرامة العربية وإلى الأبد وأن إصلاح الحال وتحويل الهزيمة إلى قيامة جديدة للشعوب المنتكسة أمر مستحيل ....
ولأن حرب 1973 أتت للعرب بمكاسب جزئية بسيطة ومحدودة تشبه كل شيء إلا النصر ... ولأنهم عاشوا هاجس تكرار ما حدث عام 67 في حرب تشرين فكانت النهايات الحزينة لهذه الحرب التي أدت بالمصريين الخروج وإلى الأبد من الصراع العربي الإسرائيلي .
إن ظروف هذا الخروج المصري تُرجم في سوريا حرب استنزاف على الجبهة استمرت لأكثر من 80 يوماً استطاعت أن تحصل مكاسب جزئية وأن تخفف قليلاً من عقدة 67 ولكنها لم تمحها أبداً وربما من الجدير الإشارة أنني عند قراءتي للكتب والأبحاث على الجانبين السوري والمصري ... وجدت أن المصريين أكثر حساسية تجاه هذا التاريخ وهم محقين في جزء كبير ... ولكن أن تصل هذه الحساسية إلى درجة العقدة فهذه المشكلة ...
مصر وسوريا
لا يضيرنا التنويه أن مصر كدولة ومقدرات وإمكانيات تفوق سوريا بعدة أضعاف ... وإن حجم الآمال التي كانت معقودة على مصر أكبر بكثير من سوريا خصوصاً أنه إلى جانب هذه الإمكانات كانت القيادة السياسية في مصر تأثيرها على المستوى العالمي وليس على المستوى المحلي أو الإقليمي فحسب ... كما أن حجم الضربة الإسرائيلية الأساسية كانت موجهة نحو مصر وحجم الأراضي التي خسرتها مصر أكبر من كل الأراضي مجتمعة التي خسرتها الدول العربية الأخرى ... فكان من الطبيعي شعور المصريين بوطأة الهزيمة أكثر من غيرهم ... لكن ما حول هذه الهزيمة عند المصريين وغيرهم من العرب إلى عقدة هو ثقافة العار والفخار ، وعقلية القبيلة وانتهاج عقيدة الكر والفر في الحروب ... فقد كان العرب يحاربون وعينهم ليست على الجبهة بقدر ما عينهم على شعوبهم وجيرانهم العرب الذين سيشمتون بهم في حال الهزيمة ...!!
لقد تطور الوضع داخلياً في كل من سوريا ومصر بشكل مختلف تماماً بعد الـــ 67 ففي مصر ثقة جمال عبد الناصر الزائدة بعبد الحكيم عامر وثقة الأخير بنفسه الزائدة (كانت من أحد أسباب الهزيمة وهي كثيرة جداً داخلية وخارجية) لتنقلب الأمور 180 درجة وتصبح قلة ثقة السادات بقياداته العسكرية في حرب الــ 73 أحد أسباب خيبة الأمل في نهاية غير جيدة تماماً للحرب على الجانب المصري والسوري ...
وفي سوريا أدى الأمر إلى إنقلاب جذري في المشهد السياسي ليصبح حزب البعث الذي حكم سوريا قبل الــ 70 مختلف تماماً عنه بعد الـــ 70
حرب الـــ 73
إن أي حرب خاطفة مع إسرائيل ليست لها جدوى بالمعنى العسكري الحقيقي لاعتبارات كثيرة عسكرية وغير عسكرية فإسرائيل كدولة مهيأة خصيصاً لهذه الحروب والغريب أن الحروب الخاطفة تشبه حروب قبائل الكر والفر العربية ...!!
فهل بعد هذا نلوم العرب على تجذر عقلية الهزيمة في وجدانهم ...؟
أكثر ما لفت نظري في حرب الـــ 73 هو تطور الذهنية السورية السياسية واستنتاجها الحاسم أن مثل هذه الحروب لا جدوى منها وأن الحرب مع إسرائيل حتى تأتي بنتائج يجب أن تكون حرب استنزاف طويلة المدى ....
بينما على الجانب المصري جذرت القيادة المصرية السياسية ممثلة بالسادات عقلية مفادها أنه لا يمكن هزيمة إسرائيل واعتمد السادات على تجربتي الــ 67 الحية في عقله اللاواعي ... وتجربة الــ 73 في عقله الواعي ... والغريب أن الحربين كانتا خاطفتين أي أنهما استمرتا لأيام محدودة لا أكثر ... ويبقى السؤال هل تجربتي حربين خاطفتين (إذا ما استثنينا الحروب السابقة لاختلاف ظروفها) مع إسرائيل كافيتين للحكم بعدم جدوى مواجهة المشروع الصهيوني في المنطقة ... وليزرع السادات في عقل جيل كامل أن حرب الـــ 73 هي آخر الحروب مع إسرائيل ... وهل إسرائيل تنتهج نفس العقيدة فعلاً مع مصر..؟
لا بد من الاعتراف أن مواجهة المشروع الصهيوني مكلف ومكلف جداً على الشعوب العربية قاطبة من المحيط إلى الخليج وأن الشعوب العربية دفعت ثمناً لهذه المواجهة دماً ودموع ... لكن لا بد من الاعتراف أيضاً أن سياسة وضع الرأس كالنعامة في الرمال وإقناع النفس أن خطر المشروع الصهيوني في المنطقة وهم مزعوم أو غير موجود هو كلفة أعلى بكثير من هذه المواجهة على المدى البعيد ...
كنت أتكلم عن تطور العقلية العسكرية والسياسية في سوريا في كل مفترق من مفترقات الصراع العربي الإسرائيلي... وربما لا يعلم الكثيرين أن خوض سوريا لوحدها حرب استنزاف عام 74 مع إسرائيل كان قرار جريء أكثر من قرار حرب الــ 73 نفسها لأنه بحسبة عسكرية بسيطة كان الجيش النظامي في سوريا لا يزيد على 100000 مقاتل يضاف إليها بعض الوحدات من القوات الخاصة وغيرها أمام الجيش الإسرائيلي المؤلف من أكثر من 400000 جندي في حالات الاستنفار ..
وإذا نظرنا إلى الأمر من وجهة نظر عسكرية فالمعركة خاسرة ... لكن استطاعت القيادة السورية أن تحول هذه المعركة إلى معركة متوازنة (والحصول على مكاسب جزئية) بعدم حصرها بالجانب العسكري فقط بل بجعلها معركة عسكرية سياسية تترافق فيها السياسة إلى جانب السلاح في خوضها .... فكما تعرفون حروب الاستنزاف هي حروب السياسة أولاً والسلاح ثانياً أما الحروب الخاطفة (الكر والفر) فهي حروب السلاح أولاً والسياسة تأتي فيما بعد لإخراج المشهد الذي حُسم أصلاً ...!!
على الجانب المصري تتطورت الذهنية المصرية السياسية نحو قناعة بتوقيع اتفاقية سلام والتي كانت في شكلها ومضمونها نتيجة طبيعية لأمرين أساسين :
1- الهزيمة النفسية التي تجذرت في عقلية القيادة السياسية المصرية الممثلة بأنور السادات (1).
2- قناعة القيادة السياسية المصرية بأنها أصبحت غير معنية تجاه الصراع العربي الإسرائيلي وأنها أدت قسطها إلى العلا ..!!
طبعاً هناك أسباب كثيرة وضغوطات غيرها داخلية وخارجية ولكن يهمني التركيز على هذين السببين موضوع بحثنا ...
على الجانب السوري كانت العقلية السياسية السورية تتطور بتكتيكاتها في كل مفترق مع الحفاظ على الرؤية الجوهرية لهذا الصراع ... ومن نتائج خروج مصر من معادلة الصراع العربية كان اجتياح لبنان في الـــ 82 ....
ربما من المفيد أن ننبه من يحبون أن ينظروا في السياسة والصراع العربي الإسرائيلي بأهمية اجتياح لبنان في هذا الصراع ...
إن الهزيمة التي تكبدتها سوريا في لبنان في مواجهة الاجتياح الإسرائيلي نتيجة ضعف الإمكانيات كانت كبيرة ولكن كيف استطاعت أن تتجاوزها ولماذا لم تؤدي بها إلى هزيمة سياسية موازية للهزيمة العسكرية (2)...
إن تطور الرؤية السورية في أساليب المواجهة أدى بها إلى قناعة نهائية أن الحرب النظامية ومفاهيم التوازن الاستراتيجي لا تحسم صراع وإن الصراع في شكله وفي مضمونه مع إسرائيل يجب أن يكون طويل الأمد تراكمي الانجازات وهذا ما أدى بدمشق إلى حسم خياراتها نحو دعم كل أشكال القتال التي تنتجه حركات التحرر (المقاومة الوطنية اللبنانية أثناء الاجتياح وحزب الله فيما بعد).
وقد أنتجت هذه الرؤية على المدى البعيد النتائج المُرضية بتحرير الأرض اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي رغم ضآلة إمكانات حزب الله .
لا بد هنا من التنويه إلى أمرين أساسين في العقلية السورية لإدارة الصراع العسكري مع إسرائيل :
1- لقد رأت القيادة السورية أن الحل السياسي للصراع العربي الإسرائيلي هو الحل الوحيد الممكن حالياً... ولكنها كانت تعمل على تحسين شروط التفاوض للحصول على أكبر كم من المكاسب على مستوى الصراع العربي الإسرائيلي ككل وليس السوري الإسرائيلي كما يعتقد البعض ... فسوريا تستطيع إرجاع الجولان إذا انتهجت الطريقة المصرية ...
2- لقد أكتفت القيادة السورية السياسية بإدارة الصراع العربي الإسرائيلي بعيداً عن أراضيها كي لا تحترق بنار الآلة العسكرية الإسرائيلية .. ورغم دعم دمشق لبعض الأعمال المقاومة في الجولان المحتل بعد الـــ 74 إلا أنها لم يكتب لها الاستمرار بسبب الطبيعة الجغرافيا والديموغرافية للجولان (خلو الجولان المحتل من الكثافة السكانية ) وطبيعة فصل القوات على الجبهة السورية.
اليوم ونحن نطل على 42 عام من هزيمة 1967 وفيما لو استثنينا تشخيص الحالة العربية واختصرناها بدولتي المواجهة سوريا ومصر لرأينا منحيين مختلفين للتعامل مع هزيمة الــ 67 .. مصر استطاعت الحصول على أرضها ولكنها استغنت عن دورها حتى الإقليمي وانكفأت إلى داخل حدودها ... وسوريا لها حضورها الإقليمي رغم محدودية إمكانياتها والحصار (العربي الغربي) عليها ولكنها غير قادرة على استرجاع أرضها دون الاستغناء عن دورها على صعيد المنطقة والتنازل عنه ....
ولأن العرب لا يفكرون إلا في عقلية القبيلة الحاضرة دائماً وأبداً في وجدانهم ويرفضون الاستغناء عنها لم يستنتجوا ولن ... أن المشروع الصهيوني لا يحتاج إلى معارك (كر وفر) الهزيمة فيها مؤكدة بل يحتاج إلى تضافر جهود لبناء دول حديثة تمحو من عقلها الطريقة القبلية في رؤية الأمور وتحويل الصراع مع إسرائيل إلى صراع طويل الأمد تراكمي .
لقد قرر العرب أن يقنعوا أنفسهم أن إسرائيل صديقة أسهل من أن يواجهوا أنفسهم ويعترفوا بالهزيمة بعيداً عن جلد الذات والماسوشية (أو المازوخية) وأسهل من أن يستغنوا عن عقلية القبيلة المتجذرة فيهم ....
وبعد كل هذه الــــ 42 عام لازال منطق العربان والقبائل هو السائد في التلفزيونات والصحف والإذاعات وعلى الانترنت وقد آثرنا الاستغناء عن عقولنا كأفراد وشعوب لصالح عقل القبلية في تحديد رؤيتنا لتاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا ....
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
الهوامش :
1- قد يحلو للبعض نعت السادات بالخائن والعميل لأنه تراجع وتخلى عن القضية الفلسطينية ... لكني شخصياً لا أرى السادات حسب ما قرأت والمعطيات المتوفرة بين يدي أنه خائن أو عميل ... هو مهزوم فكرياً نعم ... ولكنه ليس عميل ولا نستطيع أن نقول عنه عميل فإذا كان هو عميل ماذا نقول عن الملك حسين ملك الأردن ....؟!!
2- من أهم الأسباب التي منعت تحول الهزيمة العسكرية إلى هزيمة سياسية لسوريا على المدى الطويل في لبنان :
- حدوث الحرب خارج الأراضي السورية .
- تحويل سوريا الصراع مع إسرائيل إلى صراع طويل الأمد ومتراكم .
22-5-2009
انتهى