الحجاب: أزهار بدون ثمار
قد تقدم الأكاذيب أزهارا، لكنها لن تقدم ثمارا أبدا. (مثل فارسي)
الواقعة الأولى (واقعة يعني حادثة وليس يوم القيامة)
التاريخ: سبتمبر 2008
المكان: مطعم Baguette شارع بارس
كنت من جملة من أنعم عليهم الرأس المال الافرنجي بهذا المكان الرائع أين يمكن لمن شاء أن يأكل من طيبات ما رزقناكم في ذلك الشهر الفضيل عندما دخلت حوريتان محجبتان ذلك المكان المدنس. جمدت الدماء في عروقي ولم أعد قادرا على ابتلاع الطعام مما تسبب في تجمع في منطقة الحلقوم (بالعربية الأقل فصحى "الحلق") لم يقوى على تفريقه إلا شربة ماء مستعجلة. "أكيد أخطأتا المكان" قلت في نفسي بكل براءة. "سوف تكتشفان أن هذا مطعم وأننا في شهر يُحرم فيه الأكل نهارا وسوف تغادران محوقلتان شاتمتان شامتتان في مصير أهل النار يوم الحساب". لكن ما حدث هو أنهما جلستا بكل أنفه، يعني بدون خجل، ثم ذهبت احداهما لتقديم طلبهما (طلب الأكل يعني) وبعد أن عادت تناولتا سيجارتين وبدأتا في التدخين. التفت من حولي كالمصعوق وكدت أصيح "يا ناس يا خلق، اشهد يا عالم علينا وعلى بيروت اشهد على المحجبتان في رمضان تدخنان". لكني لم أر أي أحد في حالة غير عادية مثل حالتي بل لم يُبدي أي أحد أي اهتمام بذلك المشهد السريالي. يعني بصراحة كنت أنا البريء الوحيد هناك أو ربما الأصح المغفل الوحيد الذي كان ينظر إليهما باستغراب والذي كان لا يزال يعتقد أن الحجاب يعني
بالضرورة الاسلام والخلق الحميد وجئت لأتمم مكارم الأخلاق وبقية الاسطوانة التي نسمعها كل يوم.
الواقعة الثانية
التاريخ: 10 جوان 2009
المكان: * * * * * * * * ، قبلي، تونس
أسكن في * * * * * * * * مع زميلين (أستاذين). كان واحد منهم قد غادر البارحة عائدا لصفاقس بعد أن أكمل مهمة مراقبة امتحان الباكالوريا بينما بقي الآخر هنا ليكمل مراقبة آخر يوم. في الصباح الباكر سألني إن كنت سأتجه للمعهد للمراقبة فقلت له أني أكملت حصص المراقبة الخاصة بي وأني لن أغادر المنزل ذلك اليوم. صرح لي بعد قليل أن هناك ((ضيفة)) ستحل عليه قريبا. طبعا الأمر لا يحتاج لمزيد من الشرح. لعن الله العزوبية وزميلي هذا في منتصف العشرينات ولا حول ولا قوة إلا بالله. عندما جاء بها بعد دقائق (بكل حذر على ما يبدو حيث دخل ليؤمن المكان ثم أدخلها على عجل) طلبتُ منه وأنا بصدد اصلاح الفروض التأليفية أن يغلق باب غرفتي حتى لا يحسا أن هناك أحد بالمنزل. يعني ربما أنزعجت الحورية إن بقي باب الغرفة مفتوحا، فمهما يكن من حرص فالآهات والتأوهات في مثل تلك اللقاءات الثقافية لا يمكن منعها. بقيت في غرفتي ولم أشأ فتحها رغم الحرارة التي راحت تشدت داخلها. مضت قرابة النصف ساعة انهيت خلالها اصلاح ما تبقى من فروض ثم فجأت تبادرت إلى ذهني فكرة ما: "أي نوع من الفتيات يمكن أن تفعل هذا في * * * * * * * * ؟" أكثر من تسعين في المائة من الرؤوس محجبة هنا. يعني اسلام في اسلام وخلق حميد في خلق حميد واليوم أتممت عليكم نعمتي. لكن الشيطان بقي يوسوس لي إلى أن أقنعني أنه لا يجب أن أفوت رؤية ملاك الحب هذه. وبالفعل بعد أن انتهى اللقاء الرومنسي بينهما خرجت بكل وقاحة لكي اكتشف أن الفتاة على غاية من الروعة (عشرين سنة بالضبط حسب ما صرح لي صديقي بعد لقاءهما) ثم... نعم بالفعل كان الشيطان على حق: ارتدت ما يستر شعر الرأس وانطلقت في حال سبيلها.
وقسما لا يمكن لأحد أن يفرقها بين مئات المحجبات عندما تراهن أفواجا في الشارع.
طبعا
لا يمكن أن تعبر هذه الحالات ولا الآلاف غيرها عن الاسلام ولا يمكن أن تخدشه في شيء فتصرفات مثل هذه هي
مستنكرة في الاسلام وهي محرمة تماما وتجعل مقترفها خارجا عن الملة (تذكروا مثلا أن عمل ابن آدم له إلا الصوم فهو لله وهو الذي يجزي به أما الجنس، أقصد الزنا، فحدث ولا حرج).
في الحقيقة نحن أمام حالتين واضحتين لـ
محجبات مزيفات... محجبات مزيفات؟ مهلا، دعوني أسأل بصراحة:
كم تبلغ نسبة المحجبات المزيفات اليوم؟ لست بحاجة إلى أن أقوم بجمع احصائيات في هذا الصدد. هناك مظاهر من حولنا يمكنها أن تقدم الجواب بأكثر عفوية وشفافية. كان
الشيخ الشعراوي رضي الله عنه يفتخر في احدى عظاته أنه
عندما تخرج المحجبة للشارع لا يرمقها أحد من الشباب الطائش ولا يعاكسها أحد. بينما المتبرجة تراها تعاني الويلات عند خروجها للشارع. الشيخ الشعرواي ربما كان سيمزق شعره لو قام بجولة في شوارع قبلي أو حتى * * * * * * * * هنا (وأكيد أي شوارع عربية اسلامية أخرى) حيث سيرى كيف أن العيون والأفواه تنهش في أجساد المحجبات مثل غيرها (تعجبني تنهش هذه لا أدري أين سمعتها من قبل

).
إن ما حدث هو أن
الاسلاميين قد ربحوا حرب الحجاب، لكن النصر ارتد عليهم سريعا حيث أن الآلاف من المحجبات الاتي تم فرض الحجاب عليهن سوى بالقسر الجسدي المباشر من طرف الأب أو الأخ... أو بغسل المخ الغير الغير مباشر عن طريق الكتب والفضائيات اصبحن يقدمن
صورة سلبية غاية في القبح عن المحجبة بصفة خاصة وعن الفتاة بصورة عامة.
لم يعد أحد الآن يقرن الحجاب بالخلق والتقوى والتدين. الشباب أصبح مدركا
من خلال تجارب مباشرة أن نسبة كبيرة ممن تلبسن الحجاب من أكثر الفتاة طيشا وانحلالا وأن
الحجاب أصبح للكثيرات قناعا لا أكثر. بل ربما أصبح الكثير لا يتعجب عندما يرى إحداهن تضع الحجاب فوق رأسها وفي نفس الوقت تلبس دجينز أو تي شورت يذكرنا بباميلا أندرسن في ذلك البيكيني الأحمر.
الشاب أصبح يعاكس المحجبة مثل غيرها وربما أكثر لأنه يعرف أن وراء الحجاب تختفي فريسة أفضل وأأمن من غيرها. وأشدّد على "أأمن" لأن الحجاب أصبح فعلا وسيلة أمان عند المواقف الحرجة. فهل يمكن لأحد أن يشك في طهارة إحداهن حتى لو كانت بوضعية مريبة في الشارع. لا أستغرب إن طالبت المومسات عندنا في تونس بفرض النقاب على النساء. فتلك لعمرى أضمن وسيلة للتخفي وممارسة مهنتهن بأمان دون مضايقة رجال الشرطة.
في ذلك المطعم في شارع بارس لم يكن احد منتبها لمشهد المحجبتين لأن الجميع (ربما سوايا) كان يدرك أن الحجاب أصبح أي شيء إلا دليل على الاسلام وعلى الخلق المشرف. فأن ترى محجبتين تفطران في شهر رمضان وتدخنان بكل أنفة ولا يلتفت لهما أحد حتى بمجرد نظرة سريعة فذلك إن دل على شيء فإنما يدل على شيوع ذلك المشهد (على الأقل في ذلك المكان).
الحجاب خرج عن الاسلام وأصبح رمزا فارغ المحتوى. أولئك الذين أعلنوا الحرب من أجل الحجاب ومن أنفقوا مليارات المليارات في حروب اعلامية من أجل ((احياء)) الحجاب يحصدون اليوم نتائج حربهم الغبية:
الحجاب لم ينتصر إلا كقطعة قماش توضع فوق الرأس. الحجاب الذين طالما حاولوا ربطه بـ((أخلاق الاسلام)) والشرف والطهر والحياء والخلق الحميد
أصبح مجرد خرقة يمكن حتى لعاهرة أن تضعها على رأسها.
وسوس لي الشيطان يوما (بناءا على نصيحة صديق لي كان قد وسوس له الشيطان هو أيضا

) أن أزور موقعا/منتدى جنسيا عربيا يقدم صورا ومقاطع فيديو جنسية عربية حقيقية بعضها يصور خفية وبالبعض بقبول الأطراف المعروضة. وهناك اكتشفت تقسيما طريفا لأقسام ذلك المنتدى. التقسيم العام هو حسب البلدان العربية لكن أيضا من ضمن أقسام هذا المنتدى
قسم خاص بالمحجبات يقدم فيديوهات لمحجبات يمارسن ما حرم الله. وطبعا عندما تشاهد وتستمع تلك المحجبة وهي بصدد ممارسة الجنس عارية مع صديقها (بعد أن خلعت حجاب الطهر والعفاف) لا تملك إلا أن تضحك وتتمنى لو كان هناك انترنت في الجنة لترسل تلك المقاطع للشيخ الشعراوي (الذي هو بالتأكيد مشغول الآن مع حوريات العين المحجبات في فردوس الخلد).
صرّح لي صديق أنه لا يفهم التناقض في تصرف احداهن حيث تكون محجبة لكن تصرفاتها والمكياج على وجهها واقوالها تدل على انحلال كبير. هو يريد الزواج ببنت الحلال المؤدبة المتخلقة والتي يمكن أن تصون عرضه وتربي أبناءه. قلت له (بعد أن علمتني الأيام وأفقدتني براءتي) "
يا صديقي الحجاب أصبح قناعا تضعه العاهرة قبل المسلمة الحقيقة فابحث عن علامة اخرى تدلك عن بنت الحلال تكون في جوهرها كإنسان قبل مظهرها كجسد ملفوف في القطن والقماش".
هناك بالطبع الملايين من المحجبات اللاتي تقدمن صورة ناصعة على الفتاة المسلمة لكن كيف تفرقهن وسط الآلاف من المزيفات (وربما الملايين أيضا من يدري)؟ الكثيرات تم غسل دماغهن عن أن الحجاب هو ضمان طهارتهن وعفتهن ونقائهن وصفائهن (كأنه إعلان تجاري لمياة معدنية) وتحت وابل الكلمات المؤثرة: "
أختاه... يا أختاه... إلبسيه وسيفرح الله بك... توبي يا أختاه ولا تكوني وقودا للنار... يا أختاه أنظري من حولك مصير المتبرجات... يا أختاه كيف تقبلين عرض جسدك للغرباء؟ الستر الستر يا أختاه..." تحت وابل تلك الكلمات ونتيجة لضعف في شخصية أكثرهن وخصوصا في معارفهن (من خلال نقاشاتي الشخصية مع أغلبهن وجدت أنهن لا يعرفن شيئا عن المسيحية واليهودية ولا تسأل عن بقية الديانات الغير سماوية. أما عن معارفهن العلمية فحدث ولا حرج). فتيات من هذا القبيل هن بالفعل على درجة كبيرة من نقاء السريرة والطهر وهن أبعد ما يكون عن الطيش والمغامرات الجامحة بكل أنواعها لكنهن لم يستطعن الافتلات من الشبكة الكاذبة التي ربط بها الاسلاميون الدين بصفة عامة والاسلام بصفة خاصة والحجاب بصفة أخص بالأخلاق والفضيلة. وكأن الإسلام (خصوصا الاسلام وليس أي دين) هو الضامن الوحيد للفضيلة وحسن الخلق. أصبح الاسلام عندهم (بالتحديد حسب أكاذيبهم) رمزا للطهر والبراءة والصفاء والأخلاق الفاضلة ولكل ما هو سامي ورفيع وما دون الإسلام ومن خرج عنه أصبح مصدرا للشر والفساد والرذيلة. تقسيم كلاسيكي غبي. من قرأ منكم رواية 1984 لجورج أورويل؟ دائما أعود إليها تلك الرواية الرائعة.
بعد أن تنكرت له ابنتيه خلع الملك لير كل ملابسه وراح يصيح وسط العاصفة عار ساخطا على الانسان الجحود. قدم لنا شكسبير في نفس تلك المسرحية حكمة كبيرة عندما جعل ابنتي الملك لير اللتين راحتا تمدحانها وتجزلان له بالكلامات البراقة هما من تنكرتا له. شكسبير يقول لنا أن الكلمات لا تعني شيئا ولا قيمة لها وأنه علينا أن لا ننتبه للكلمات مهما كانت براقة. ومن ناحية أخرى يقول لنا أن الانسان الذي يبحث عن الحقيقة عليها أن يخلع ملابسه أولا لأن الملابس أكبر قناع يفصل الانسان عن الوصول للحقيقة.
في رواية The Awakening لـKate Chopin قامت البطلة بالانتحار غرقا بعد أن قامت بنزع ملابسها الثقيلة واحدة وراء الأخرى. لقد اكتشفت ان الملابس تقدم هوية كاذبة عن الانسان وأن جوهر الانسان لا يمكن اكتشافه إلا متى كان الانسان عاريا. المظاهر كلها لا تعني شيء ولا تعكس أي شيء عن حقيقة الأنسان.
لقد تم غسل ملايين الادمغة باستعمال كلمات براقة مثل تلك التي استعملتها ابنتي الملك لير. كلمات عن قيمة الحجاب وعن رمزيته المقترنة بالاخلاق الحميدة والشرف والتدين والتقوى و... و... و...
راحت الفتيات ترتدي الحجاب خوفا من عذاب القبر وسقر تارة وطمعا في لقب الفتاة الطاهرة العفيفة طورا. اليوم تهدّم مشروع خيالي انفقت من أجله المليارات.
من كتيبات آل سعود إلى مواقع الشيوخ ودكاترة اللاهوت على الانترنات إلى القصص التافهة التي تصور عبرا وأحداثا مؤثرة إلى برامج الفضائيات والاذاعات و... و... و... أموال تم ضخها بلا حدود من أجل غسل عقول الفتيات خاصة.
النتيجة: اليوم لا أحد يشك في أن
العقول قبل الرؤوس قد تحجبت وأن الحجاب انتصر وأن الملايين من النساء يرتدين الحجاب.
لكن أصبح الجميع يشك في طهارة وعفاف كل من ترتدي الحجاب. عقلية القطيع الذي يعرف بعضه ببياض صوف أعضائه ارتدت وبالا على ذلك القطيع. لماذا؟ لأن البياض قشور يمكن تزييفها.
كان حريا بالراعي أن لا يجعل القشور رمزا لجوهر قطيعه. الجوهر نعرفه بالفعل وليس بالقول والمظهر.
آه نسيت... لون الحجاب التي ارتدهت الفتاة الطاهرة بعد أن اكملت لقاءها الديني مع صديقي كان زهريا جذابا يذكرني بالألوان المحبذة عند "بنات الحجاب"، عفوا أقصد "بنات الليل" والأهم من ذلك (صدقوا أو لا تصدقوا) أن صديقي هذا هو الوحيد الذي يؤدي فرض الصلاة بيننا

.
اللهم لا نسألك رد الحجاب لكننا نسألك اللطف فيه.
Philalethist
* * * * * * * * – قبلي
12 جوان 2009