لطالما حدثني الآخرون عن شعورهم بالأسف لأنهم أحسنوا إلى أشخاص لم يستحقوا ذلك الإحسان.
أو أحبوا أناساً ثم قوبل ذلك الحب بالطعنات والأذى.
أستطيع أن أتفهم جيداً هذا الشعور، غير أن العجيب في الأمر ، هو أني عندما عقدت مقارنة بين هذا الأسف، وذاك الآخر الذي أشعر به في حق من آذيتهم أنا. وجدت الأخير ينتصر دائماً على الأول ويفوز باللقب "الأسف" عن جدارة.
بينما يصعد الأول بي إلى درجات عليا من شعوري الإنساني، ويعطيني إحساساً بالكرامة والتفوق.
يهبط بي الأخير إلى دركات تحتية من الحزن والإختباء منه ومن ذكراه.
وعلى ما يبدو لي، أن هناك أسفاً دون أسف.
أسف يجعل مني مرتفع المعنويات أمام نفسي، رغم ما يسببه من ألم شديد. وذلك عندما أكون أنا الدائن.
وأسف يجعلني أختبيء في الظلمة وأهرب من الذكرى إلى نشاط ما، لأنهمك فيه. وذلك عندما أكون أنا من سدد الصفعة ، وليس بالضرورة هنا أن أكون مديناً ، فالعجيب أن ذلك الشعور أيضاً يتحقق في حالة قيامي برد الصفعة بمثلها.
لاأدري ماهو سر تلك القوة التي ترفع الإنسان عندما يحاول آخر أن يدكه إلى الأسفل، وكلما حاول بشدة أكثر، كلما رفعت تلك القوة الآخر المضروب مزيداً إلى الأعلى، حتى يصبح أخيراً ، والدماء تسيل منه، في موضع شبه سيادي فوق الجاني ، بينما يصبح ذلك الأخير تحت رحمته. وذلك رغم ما تبدو عليه هذه الفكرة من غرابة ومفارقة.
وهناك شعور ضمني بهذا بين الإثنين، وإن كان خفياً لا يظهر إطلاقاً وقت ارتكاب الجريمة ، إلا أنه يزداد قوة في نفسيهما بمرور الزمن، حتى لربما يطغى في النهاية على أحلام الجاني إذا ما تقدم به العمر ومر زمن طويل جداً على الواقعة. ليتحول إلى هاجس لا ينقطع قد يدفع إلى الإنتحار.
وهذا سمعت أنه يحدث كثيراً مع الجنود المنتصرين في معركة غير عادلة وغير متكافئة، بعد عودتهم إلى بلادهم وحصولهم على النياشين وعلى التكريم الملائم لما سددوه من لطمات كثيرة في بلاد العدو المهزوم. إذ لا يمر كثير وقت حتى تنتحر نسبة لا بأس بها منهم بسبب الأصوات الصارخة والوجوه الباكية لضحاياهم والتي تهاجمهم في الأحلام، حتى تصيبهم بالجنون.
نعم لقد أوذيت بشدة ونزفت كثيراً ، ولكن عندما أراجع نفسي الآن، لا أشعر بالأسف على ما أعطيته من حب وعناية واهتمام لمن فعلوا بي ذلك ، ولكني فقط تعلمت كيف لا أسمح لنفس السيناريو بأن يتكرر معي مرة أخرى.
لهذا قلت في البداية أنني لست نادماً على اختياراتي الغبية، وهذا الإختيار أحدها. لأنها جعلت مني أكثر قوة ودهاءً وخطورة أيضاً . وأكثر استعصاءً على أن تؤثر في ضربة مماثلة مرة أخرى.
الأعزاء ، جريئة و بني آدم :
منذ زمن طويل، لم أقرأ مداخلات هنا بمثل هذا الجمال وكثافة الأفكار والمشاعر التي وردت في مشاركتكما.
شيء رائع جداً ، لا علاقة له بالإحراج بتاتاً ، بل كله جميل.
شكراً لكما

وهذه لكل من سيكتب بعد في هذا الموضوع عن أمنيته لتغيير شيء يجعله حتى اليوم يشعر بالأسف