الفيزيائيون كانوا يعتقدون، والى فترة قصيرة، ان الكون تكون بنتيجة الغاز الناشئ عن الانفجار العظيم، ولكن الان لم يعد احد واثقا من ذلك. بعد الانفجار العظيم، وعندما كان عمر الكون لم يتجاوز من واحد من المليون من الثانية كانت هناك ليس فقط حرارة فلكية وانما ايضا شكل غريب من اشكال المادة يطلق عليها kvark-gluon-plasma. الكثير من الدلائل تشير الى ان خصائص هذا النوع من البلازما لاتتشابه مع خصائص البلازما الناشئة في الغاز المتعرض لسوبر حرارة، كما كان المرء يعتقد. دراسة جديدة جرت في حرارة فائقة الارتفاع في مختبر خاص للتكنولوجيا العالية في نيويورك قدمت الاساس للاستنتاج ان الكون كان كرة نارية، وان مكوناته كانت تتحرك كما تتحرك في السوائل.
الفيزيائيين كانوا على الدوام يتمنون ان يحصلوا على إمكانية لتجربة مالذي يحدث عند تسخين المادة الى درجات فائقة، بحيث تؤدي الى إنهيار البنية المعروفة لنا والتي يتحكم بها البرونون والنيترون، فتكون في حالة ماكانت عليه بعد الانفجار مباشرة. المكان الوحيد الذي توجد فيه اليوم العلاقة التي تتشابه بما كان موجود في بدايات الكون هي المناطق الداخلية من نجمة نيترونية فائقة الكثافة، وتلك المنطقة، من الطبيعي ان يكون من المستحيل الوصول اليها بذات القدر كما هو من المستحيل الوصول الى لحظة الانفجار العظيم.
لهذا السبب فإن الطريق الوحيد هو إجراء التجربة ، حيث يمكن خلق هذه العوامل لجزء من الثانية في المختبر. هذا الامر ممكن فقط من خلال السماح لنواة الذرة ان تصطدم بسرعة فائقة السرعة وعندها تتحرر طاقة تكفي لتشكيل الشكل المطلوب من البلازما لجزء بسيط من الثانية.
عام 2000 إنتهى إنشاء المُسرع RHIC (Relativistic Heavy Ion Collider) والذي يسمح بإجراء هذا النوع من التجاربن من خلال تسريع سرعة ذرات الذهب على طول اربعة كيلومترات من المسار الدائري، لتصل السرعة الى سرعة الضوء تقريبا، وبعد ذلك تترك الذرات لتصطدم ببعضها.
بفضل الاصطدام تتحرر طاقة هائلة تسمح بنشوء كرة نارية ميكروسكوبية تصل حرارتها الى مئة الف مرة اعلى من حرارة باطن الشمس. كثافة الطاقة عالية إذ ينشأ 7500 كفارك حر في الاصطدام الواحد. اغلب هذه الكفاركات تصطدم مع بعضها بسرعة البرق، مما يؤدي الى نشوء سحابة من جزيئات المرحلة الثانية تتوجه في إتجاه عكس مركز الانفجار. الكرة النارية تبقى في الوجود لمدة 10-23 ثانية، ولكنها كافية لكبح انتشار الجزيئات بعض الوقت. العلماء لاحظوا ان الجزيئات انكبحت في بعض الاتجاهات اكثر من الاتجاهات الاخرى، وهذا اللاتناظر بالذات هو الذي يعتبر البرهان على النجاح في الوصول الى البلازما من النوع المقصود والذي سبق الاشارة اليه. الكرة النارية لايمكن ان تكون متناظرة تماما ولهذا السبب سينبعث عنها اشعاعات لاتناظرية.
![[صورة: 0064-2.gif]](http://www.alzakera.eu/music/vetenskap/kosmos/bilder/0064-2.gif)
ليس جميع العلماء يوافقون على هذا البرهان. البعض يشير الى ان البرهان غير مباشر. من حيث ان الكرة النارية تتواجد لجزء صغير من الثانية، يكون من الصعب البرهان مباشرة على وجود ظاهرة kvark-gluon-plasmat, ولذلك يبقى هناك ضرورة لاستخدام الموديلات النظرية لحرارة أجسام الطاقة الكثيفة، وما شابه.
إذا كان ماتمكن العلماء من خلقه هو هذا النوع من البلازما فإن التجربة ستكون نوع من الابهار. في الواقع كان العلماء يعتقدون ان الجزيئات الحرة في البلازما سيكونون على شكل غاز شفاف، وان الجزيئات من المرحلة الثانية ستواجه معارضة ضعيفة. في التجربة كان الامر على العكس، لقد كانت قوة الكبح عشرة مرات اقوى من المتوقع. Thomas Kirk, الذي يقود التجربة، يقول ان الامر يظهر وكأنهم متشابكين ببعضهم، تماما كما لو كان الامر مع عسل سائل. الحسابات تشير الى ان البلازما السائلة كانت اكثر كثافة مما هو متوقع مابين 30-50 مرة.
وعلى عكس المنطق، تتعلق جزيئات البلازما مع بعض عوضا عن ان تنطلق وتنتشر في جميع الاتجاهات كما هو الامر مع الغازات، كما هو متوقع عند الحرارة العالية. هذا الامر يعني ان حركة الجزي\ات يمكن تفسيرها بواسطة معادلات الهيدروديناميك، التي تصف حركة السوائل.
النتائج تشير الى اننا لازلنا بعيدا عن ان نفهم هذا الشكل من الوجود المادي، وبالتالي لم نفهم كيف نشات البروتونات والنيترونات التي تشكل احجار بناء الكون.
ان يتصرف هذا النوع من البلازما تصرف السائل لابد ان يعني ان الروابط مابين الكفاركات والغلونيورات غير منتهية. على العكس لابد انه لازال هناك تأثير متبادل، إذ ان البلازما قادرة على كبح حركة الجزيئات الاخرى. من المحتمل ايضا ان هناك انواع اخرى للبلازما. في النموذج الكلاسيكي يتصور الانسان ان المرحلة الانتقالية الاولى ( اي عندما تقوم المادة بالانتقال من شكل الى شكل اخر) حدث بعد جزء من المليون من الثانية بعد لحظة الانفجار العظيم. لهذا السبب امكن للكفاركات والغلونيورات ان تتجمع لتتشكل البروتونات والنيوترونات، ولكن يمكن ان يكون انه في الجزء الاول من الثانية الاولى حدثت عدة مراحل انتقالية، في كل منها بلازما من نوع له خصائصه الخاصة.
![[صورة: 0064-3.jpg]](http://www.alzakera.eu/music/vetenskap/kosmos/bilder/0064-3.jpg)
إذا كان الامر كذلك، فمن المحتمل اننا قادرين على حسم الامر مع العمل في المُسرع الجديد LHC. العلماء لديهم تمنيات كبيرة متعلقة بهذا المُسرع ومنها اكتشاف خائص البلازما. المُسرع الجديد يبلغ طوله 16×26 متر ويتألف من مغناطيس وزنه 10 الف طن، قادر على توثيق الاصطدامات القصيرة الى جزء من اجزاء اجزاء الثانية.
حسب الخطة ستجري تجربة لبضعة اسابيع، حيث سيجري صدم ذرة الرصاص لتصدر طاقة اكبر 12 مرة من التجربة السابقة. من نتائج هذه الفوضى سيستخلص العلماء نتائج تفسر العلاقة الداخلية في البلازما الاولى. من المحتمل اكتشاف انواع جديدة من اللازما. من المحتمل اكتشاف انواع جديدة من الجزيئات، وعندها صورة العالم ستتغير تماما.
حمدي الراشدي، موقع الذاكرة