موضة جديدة مذيعين معروفين على فيس بوك ..يسري فودة ..رشا قنديل ...علي الضفيري ...زين العابدين توفيق ...وهل تعرفون شخصيات عربية مهمة أخرى على فيس بوك

خمسة آلاف صديق!!

علي الظفيري

2009-09-06
قبل أشهر حدثني أحد الزملاء عن موقع الفيس بوك الشهير على الإنترنت، وأطنب في ذكر أهميته ومزاياه وأبعاده على حياتنا المعاصرة، استغرب صاحبي -وهو «إنترنتي» حتى النخاع- عدم وجود حساب خاص لي على هذا الموقع، بالغ في دهشته حين تبين له عدم امتلاكي لمدونة أو موقع على الشبكة، منظر الرجل وهو فاغرٌ فاه أربكني وأدخلني دوامة من الرعب، حتى حسبتني خارج الزمن، وبدأت في الالتفات عن يميني وشمالي، وأدركت ساعتها سبب تراكم ديوني في السنوات الأخيرة، وكثرة مشاكلي في العمل والمنزل، وتلك الاضطرابات التي أعانيها في النوم كما في الأكل، فأقسمت ألا أبيت ليلتي دون صفحة زاهية على الفيس بوك ومدونة خاصة بجانبي، و4 «إيميلات» فوق البيعة! والمسألة لا تستغرق دقائق معدودة بالطبع.
الفيس (وهذا اختصارٌ للتدليل) هو موقع تعارف اجتماعي فوائده جمّة، تلتقي فيه كثير من معارفك القدامى وتتعرف فيه على أشخاص جدد، وعبره تكتشف هموم الآخرين وأحلامهم وتطلعاتهم. الشرائح التي تلتقيها في هذا الموقع متباينة بشكل عجيب، فهو يضم بين طياته المراهقين والكهول، النساء والرجال، المثقفين والبسطاء، المُسيَّسين والمؤدلجين والمتدينين والمتحررين وخالي الوفاض، ثمة من تقف أقصى طموحاته عند باب صفحة فتاة تستخدم صورة مستعارة فاتنة، وآخر يصحو وينام على شتم النظام الحاكم في بلده، زميله في نفس الصفحة يرد يوميا على هذه الاتهامات المغرضة! آخرون تمتلئ صفحاتهم بـ «صباح الخير، مساء الخير»، وقس على ذلك من المتناقضات التي ما أنزل الله بها من سلطان، إنه سوق تعج بالباعة والمتسوقين والمتفرجين والدلالين من كل ملّة، وهذه يا سادة هي قائمة الأصدقاء!
صاحبنا، الرجل الذي يتنفس «الإنترنت»، استحسن أدائي بعد أن تاب الله عليَّ واهتديت على يديه، فبخلاف المدونة الخاصة والعناوين البريدية على جميع المواقع التي تقدم هذه الخدمة، أصبحت لي صفحة خاصة في الفيس بوك على 4 شوارع، وضعت فيها صورة أنتجتها أفضل كاميرات الفوتوغراف بـ «فلاترها» المتعددة! كتبت بجانبها بعض البيانات الشخصية المعرّفة بي، وبدأت بعدها باستقبال الطلبات، أقصد طلبات الصداقة من المستخدمين الآخرين، ضغطة زر من هناك وضغطة زر من هنا تنتهي صفقة الصداقة بيننا، نتبادل كلمات الشكر وينتهي كل شيء، بدأت أكرر هذه العملية كثيرا وبشكل يومي، أستطيع القول بمعدل يتجاوز 100 مرة في اليوم، أصبحت عملية آلية أنفذها من دون تفكير وكأنها واحد من الواجبات اليومية في حياتي، أصحو فأغتسل وأتناول إفطاري، أذهب للعمل وألج عالم الفيس بوك لأقبل الأشخاص الذين تقدموا بطلبات الصداقة! وفجأة قبل أيام، يفاجئني الموقع برفض قبول الأصدقاء الجدد، فقائمتي بلغت الرقم (5 آلاف) وهو السقف المحدد لكل حساب.
يالسعادتي وحزني في الوقت نفسه، ففي الوقت الذي أصبح لي خمسة آلاف صديق من كل بقاع الأرض، لم يعد باستطاعتي كسب آخرين، كيف وقد أدمنت الصداقة واستعذبت طعمها! توجهت إلى عرّابي وقدوتي لأبشره بنضجي في عالم الإنترنت، بيد أن الحسد والغيرة أكلا قلبه وجاوبني بأن الفيس بوك بات موضة قديمة (مسكين فأصدقاؤه يعدّون بالمئات)! ثمة أشياء وعوالم لم أكتشفها بعدُ، والرجل لا يُلام وهو يشاهد تلميذه قد تجاوزه بمراحل، وبدأ يعدد عليَّ مُحْدَثات الإنترنت من (التويتر) وغيره، فعل ذلك والحزن والبؤس باديان على محياه!
أعترف أنني خُدعت، وأتحدث الآن حديث الجدّ لا الهزل، ولست أعارض هنا كل الفوائد التي نتجت عن استخدامنا لهذه المواقع، من معرفة الأشخاص النبلاء الطيبين وتبادل الآراء والخبرات معهم، فضلا عن نشر المعرفة بحدها الأدنى، مقال هنا وخبر هناك، العاملون في حقل الإعلام مثلي يستفيدون من معرفة آراء الناس وانطباعاتهم عن أعمالنا ومؤسساتنا، إضافة إلى بعض الجوانب الإنسانية بين الوقت والآخر، فضلا عن التوظيف السياسي الجيد في كثير من القضايا التي تشغل الرأي العام، لكن هذا كله لا يعني ألا نثير استفهامات عن قيمة وأهمية ما نقوم به، أسئلة حول الوقت الذي نهدره في هذه الأعمال والمواقع، وأسئلة عن قيمة ومفهوم المسؤولية وتدهورها إثر خوضنا في هذا العالم الافتراضي الذي زُيِّن لنا، أسئلة حول النشاطات المعرفية والفكرية والاجتماعية والنفسية المتأثرة بهذا الفعل، أسئلة عن الكائن القادم الذي سيشكله الإنترنت لنا ويحدد مواصفاته! وأسئلة أخرى كثيرة.
سيدة بعثت لي برسالة عبر الموقع سألتني فيها بخبث: كيف تتعامل مع كل هذا العدد من «الأصدقاء»، وهل أنت سعيد بهذا الزحام؟ أجبتها: ثمة أصدقاء حقيقيون في هذا المكان، لكن ثمة هامشا كبيرا أيضا لبيع الوهم وشرائه بين الناس! والفضل لأميركا.

http://www.facebook.com/aldafiri?ref=nf