منذ سنوات ليست بعيدة كان النقاب ظاهرة غريبة علي المجتمع المصري الذي تعامل مع المتنقبة علي أنها حالة استثنائية تضطر لتقديم تنازلات في سبيل اندماجها مع المجتمع وتلبية احتياجاتها الضرورية، وبالتدريج أصبحن يعشن بيننا وكأنهن مجتمع قائم بذاته، بل لا نبالغ إذا قلنا إنهن وبفضل زيادتهن العددية المستمرة أجبرن المجتمع علي الخضوع لقانونهن الخاص.
هنا نخترق أدق تفاصيل حياتهن اليومية لنكشف كواليس الأنثي التي تختفي وراء جدار من الصمت الأسود اسمه «النقاب».
النقاب بمستلزماته من العباءات والإسدالات والملاحف (عرضها ضعف الإسدال تقريبا) والقفاز والمعصم (كم إضافي يمنع الذراعين من الانكشاف أثناء الحركة) كلها احتياجات ضرورية للمتنقبة تجدها في المحلات الصغري الموجودة في الأحياء الشعبية والتي غالبا ما يكون أصحابها من الإخوة المعروفين في المنطقة ويبيع معها المسك والأذكار وغيرهما وهي نفس البضاعة تقريبا الموجودة بجوار المساجد الكبري التي تشغل مكانة استثنائية لدي المتنقبات وأعداد كبيرة منهن في صلاة الجمعة كمسجد الجمعية الشرعية في رمسيس علي سبيل المثال.
المركز الرئيسي لبيع مستلزمات الطبقة الوسطي من المتنقبات موجود في العتبة، مول كبير متعدد الأدوار لا يعمل به إلا متنقبات فقط بدءا من العاملات في المحلات وحتي الكاشير علي الخزانة أي أن البائع والشاري من المتنقبات، يضم المول كل مستلزمات النقاب بأشكالها وألوانها وكل خاماتها ومستوياتها.
بالصعود إلي طبقة اجتماعية أكبر من المتنقبات نكتشف أن هناك محلات خاصة في أحياء راقية تحمل توكيلات لشركات سعودية شهيرة تبيع النقاب السعودي بمستلزماته.
النقاب أساسا لم يعد له شكل واحد ولم يقتصر علي الشكل المصري الوحيد الذي ظهر به وهو الخمار الذي ترتدي المتنقبة تحته قطعة من القماش يتم تثبيتها باستيك في الرأس وقد ترتدي معه بيشة لتغطية عينيها أولا، وإنما ظهر النقاب الخليجي والنقاب السعودي المزدوج والذي يكتفي بإيشارب فقط وليس خمارا كاملا ويتم تثبيت النقاب فوقه بكباسين، كذلك يوجد النقاب اليمني الذي يلتزم بنفس اللون الأسود للنقاب السعودي إلا أنه يتم ربطه أسفل الطرحة بدلا من الكباسين.
هناك كذلك موضات متعددة وجديدة.. النقاب المزدوج والنقاب المطرز والمبطن والنقاب المدرج كالكرانيش، كلها أشكال وألوان للنقاب تجدها المتنقبات أيا كانت طبقتهن الاجتماعية.
أما ثوب فرح العروس المتنقبة فيختلف عن فستان الفرح العادي بقطعة زائدة هي «الكاب». ترتديه العروس عند خروجها من الكوافير وفي طريقها من مكان الفرح إلي بيت زوجها وهو عبارة عن قطعة كبيرة من القماش الأبيض المطرز تعلوه قطعة معدن من أعلي للتثبيت علي الرأس ترتديه العروس فوق الفستان ليغطي رأسها ووجهها وجسمها فلا يظهر منها شيء.
في البداية كانت إحدي «الأخوات» تصنعه وتقوم بتطريزه بنفسها وتستخدمه كسلعة تقوم بتأجيرها لعرائس المنطقة في الأفراح وبالتدريج تطورت السلعة، وأصبحت محلات تأجير فساتين الأفراح في الأحياء الشعبية تتيح تأجير الكاب مع فستان الفرح وأصبحت تقدمه بشكل أكثر حرفية بحيث يماثل شكله وخامته نفس خامة فستان الفرح من الدانتيل أو الأورجانزا أو غيرهما، حتي المحلات الفخمة أيضا أصبح مألوفاً فيها أن تري الكاب موجودا مع فستان الفرح لبيعه للمتنقبات اللاتي أصبحن شريحة لا يستهان بها من زبائن هذه المحلات.
المتنقبة ليست أقل أناقة من غيرها، العكس تماما هو الصحيح فجهاز العروس المتنقبة نفسه يختلف عن العروس غير المتنقبة، يكون أضخم وأغلي، فالمتنقبة مهما كانت طبقتها الاجتماعية عادة ما تكون ملابسها داخل البيت وعلي سبيل التعويض أجرأ وأكثر أناقة حتي مما ترتديه غير المحجبات بدءا من البادي والميني جيب والجينز والبرمودا والبانتكور، بل إن عددا غير قليل من المتنقبات رواد لمراكز التجميل وزبائن نشطين لشراء حتي العدسات اللاصقة والملونة.
ولأن المرأة هي المرأة فكان لابد من العثور علي حل لمشكلة الكوافير بالنسبة للمتنقبات، والاتفاق مع فتاة من الكوافير لعمل الماكياج والمانيكير والباديكير في البيت خيار غير عملي بالنسبة للكثيرات وبالتالي إيجاد حل آخر هو أمر لا مفر منه، قسم المحجبات أيضا في أي كوافير أو مركز تجميل حل يتسبب في الكثير من المشاكل بين أصحاب هذه المحلات الذين يستهينون أحيانا برغبات المحجبات أو المتنقبات في عدم الانكشاف علي الرجال فيحدث أن يتعرضن في العادة لدخول أحد العاملين بالكوافير عن طريق الخطأ مما يجعل الكوافير يخسر زبائنه من المتنقبات.
الآن وفي كل منطقة تقريبا يوجد كوافير بالكامل للمحجبات والمتنقبات فقط، تكون جميع العاملات فيه من السيدات ويعلق عليه من الخارج لافتة مكتوباً عليها «ممنوع دخول الرجال» تعرفه متنقبات كل منطقة جيدا سواء كانت شعبية أو راقية ويسمح لهن أزواجهن بالذهاب إليه.
حتي مشكلة التصوير بالنسبة للمتنقبات تم حلها.. كن لا يذهبن للتصوير في البداية إلا إذا اضطرتهن الظروف إلي ذلك عند استخراج جواز سفر مثلا أو لإتمام إجراءات العام الدراسي الجديد في المدارس والجامعات أما الآن فالوضع اختلف تماما فمثلما توجد استديوهات في إمبابة يعمل فيها للتصوير والتحميض سيدات فقط تجد أن مركز «كوداك» الرئيسي في الدقي مثلا يضم عددا غير عادي من الزبائن المتنقبات اللاتي يشعرن بالثقة وهن يتعاملن مع سيدات فقط في التحميض والتصوير ويستلمن صورهن في أظرف مغلقة تأمينا لها من أن تنالها يد رجل بالفتح.
وبهذا الوضع الحالي أصبحت المتنقبات بمستوياتهن الاجتماعية المختلفة زبائن لاستوديوهات التصوير يصورن بمنتهي الحرية وبالماكياج وبملابس عادية وبدون حتي حجاب.
أفراح المتنقبات أيضا لها وضع خاص.. فالعنصر النسائي هو المسيطر علي كل مظاهر الفرح من البداية وحتي النهاية، يتم الاتفاق عادة مع استديو تصوير يقوم بإرسال من تقوم بمهمة تصوير الفيديو أو الفوتوغرافيا تقوم بتسليم الشريط بعد انتهاء الفرح والصور الفوتوغرافية يتم تحميضها من قبل امرأة أخري.
إحياء الفرح نفسه لا يخرج عن خيار من اثنين.. إما أن تقوم بإحيائه ما تعرف باسم الفرق الإسلامية التي تتكون جميعها من النساء أو يستخدم الدي جي الذي تتولي أمره أيضا امرأة وإذا تمت إقامة الفرح في قاعة بأحد الفنادق مثلا يتم الاتفاق منذ البداية علي أن من يقوم بالخدمة بالكامل جميعا من السيدات.
ظاهرة جديدة بدأت في الانتشار وتلقي رواجا في أفراح المتنقبات وهي قاعات ودور الأفراح الإسلامية والتي يتم تأسيسها بمواصفات خاصة للأفراح الإسلامية بما لها من شروط معروفة ولكافة المستويات بدءا من الحد الأدني وحتي مستويات الفنادق الخمس نجوم أشهرها دار بن الأرقم في مدينة نصر ودور كاميليا العربي ودور الفائزين في المعادي. وعلي عكس المتوقع تكون هذه الأفراح خاصة في الطبقات الراقية أكثر جرأة وسخونة في ملابس النساء عنها في الأفراح التقليدية حيث إن الانفصال بين الرجال والنساء في هذه الأفراح مضمون وبذلك يكون للسيدات مطلق الحرية في اختيار السواريهات العادية والمكشوفة أسفل ملابس النقاب التي يتم خلعها فور بداية الفرح.
رواد النوادي أيضا من المتنقبات لايجدن حرجا في نزول حمام السباحة حيث يتوفر في الكثير منها حمام سباحة مغطي خاص بالمحجبات كما هو الوضع في نادي المعادي مثلا.
أما المفاجأة فهي البلاج.. شاطيء كامل في الساحل الشمالي للمحجبات والمتنقبات فقط، جميع العاملين وحتي أفراد الأمن من السيدات، ممنوع دخول الكاميرات وأجهزة الموبايل المزودة بكاميرا وبذلك فالشاطيء مفتوح للمتنقبات لارتداء المايوه والبكيني أيضا.
وإذا كانت احتياجات المتنقبات من المجتمع قد تم حلها جميعا بدءا من الكوافير وحتي البلاج فمن المنطقي والبديهي جدا وجود حل لمشكلة العلاج، القاعدة المعروفة لدي المتنقبات في هذه الحالة هي أن الضرورات تبيح المحظورات بمعني أن الطبيب المسلم الماهر أفضل من طبيبة غير ماهرة إلا أنه يبدو أن المتنقبات لن يضطررن للجوء حتي إلي هذه القاعدة مع الظاهرة الجديدة التي بدأت في الانتشار تدريجيا وهي ظاهرة مستشفيات المتنقبات وهي في حقيقتها مستشفي كامل يضم كافة التخصصات بما فيها التجميل بحيث يكون جميع العاملين فيه بدءا من مديرة المستشفي ومرورا بالطبيبات وحتي عاملات النظافة من المتنقبات، وتوجد هذه الظاهرة بمستشفي كبير في الدقي لصاحبته الدكتورة عنايات والمستشفي الأشهر (العزيز بالله ) في منطقة الزيتون والذي يعتبر بلا أية مبالغة مستعمرة كاملة للمتنقبات يعملن ويعالجن فيه ويترددن عليه ليلا ونهارا ومن حوله مساحة شاسعة تضم كل ما يخطر علي بال من احتياجات أو مستلزمات المتنقبات أو المحجبات عموما.
وبذلك تكون المتنقبات قد استطعن الاندماج مع كافة مظاهر الحياة اليومية حتي تعلم قيادة السيارات لا يشكل النقاب أي عائق سواء في الرؤية أو في استخراج الرخصة، شيء واحد لاتزال تفتقده أغلب المتنقبات في حياتهن اليومية وأصبح أشبه بالعقدة بالنسبة لهن وهو ارتياد المطاعم وتناول الطعام علانية في الأماكن العامة حيث يعوقهن النقاب عن ذلك في نفس الوقت الذي لم يظهر بعد أي نوع من المطاعم تخصص قسما للمتنقبات فقط حتي الآن.http://www.elfagr.org/NewsDetails.aspx?nwsId=14584&secid=3431