خفافيش الديجيتال من الإسلاميين والوهابيين والسلفية والإخوان مغرمون بالفعل بالألفاظ الرنانة التي تصلح لتكون مانشيتات عريضة في أي جريدة صفراء من صحف الفضائح الرخيصة.
واليوم ليس استثناءً لهذه القاعدة. فقد استعملها الخفافيش المتأسلمون الذين طوروا هذا الموقع الظلامي الجديد، وأنا أستعمل لفظ "طوروا" بتحفظ وربما بتهكم أيضاً، فالخفافيش الإنترنتيون هم أبعد ما يكون عن مفاهيم وكلمات راقية مثل: التطوير- الإبتكار- السبق. ولكنهم في الحقيقة قاموا بإنشاء موقع طفيلي جديد، وهو محرك بحث إسلامي آخر، وبالحقيقة هو اسم على مسمى، واسم المحرك "غمّة" وهو دمج لكلمتي: "جوجل" أو "غوغل" و "أمة".
وطبعاً هم يستعملون اللفظة هكذا "جمة" أو "غومة" في محاولة يائسة منهم للإبتعاد أو صرف النظر عن الإسم الهزلي والمقرف في نفس الوقت الذي يتبادر إلى الذهن فور قراءة الكلمة الإنجليزية، وهو الإسم المشتق من "الغم" والدال على "الغثيان" وهو مرحلة ماقبل التقيؤ.
ولهذا أحضرت هذه الصورة الإلكترونية ووضعتها على رأس المقال، لأنني أعتقد أن تلك الصورة المعبرة لشخص مصاب بالغثيان وعلى وشك القيء هي أفضل شعار يصلح لموقع "غمة" الإسلامي الجديد. ويمكن لخفافيش الديجيتال من مطوري ذلك الموقع أن يعتبروا هذه الصورة هدية مجانية لهم، رغم أني لم أبذل فيها مجهوداً يذكر، فقد أحضرتها بالبحث في موقع "جوجل".
ذلك الموقع العظيم الذي كثرت طفيليات النت من الإسلاميين ومواقعهم الظلامية بحيث أصبحت تعيش على قفاه وتقتات من خيراته، وفي ذات الوقت تنكر فضله.
فموقع "غمة" – أعزائي - ليس محرك بحث حقيقي، ولكنه محرك بحث طفيلي، بمعنى أنكم تكتبون فيه كلمة البحث المراد العثور عليها ثم يقوم المحرك الإسلامي الطفيلي بالبحث نيابة عنكم في موقع جوجل، وفي موقع الياهو، ثم يقوم موقع "غمة" بفلترة نتائج البحث التي أخذها من جوجل ومن الياهو على مزاجه ومزاج الخفافيش الذين طوروه، مستبعداً منها كل النتائج التي يعتبرها مطوروه حراماً، ومبقياً على النتائج التي توافق مزاج أصحاب الموقع السلفيين بأنها حلال.
بمعنى آخر: الموقع ينصب نفسه بكل اقتدار ليكون وصياً عليك- عزيزتي القارئة وعزيزي القاريء- فيقوم بإلغاء عقولكم تماماً ورميها في سلة المهملات باعتبارها قطعة قديمة من الخردة الصدئة، ويجلس هو بكل فخر على عروش أدمغتكم منصباً نفسه كعقل جديد. فهو يفكر بدلاً عنكم، ويقرر بدلاً منكم، محدداً لكم ما يراه هو حلالاً فيسمح لكم برؤيته، وما يراه حراماً فيخفيه عنكم ويعطيكم بدلاً منه نصيحة تأنيبية يعلمكم فيها الأدب، ويربيكم من جديد، وينصحكم بعدم البحث بهذه الكلمات النابية مرة أخرى، لأنها عيب، فاختشوا وابحثوا عن شيء آخر.
وكل هذا طبعاً لم يأت به موقع "غمة" من تلقاء نفسه، بل هو مجرد عبد مأمور، أو بعبارة أخرى، هو مجرد برنامج كمبيوتر على الإنترنت، تمت تغذيته بمصطلحات وكلمات معينة من قبل الشخص المبرمج ومن قبل الأشخاص الذين عينوه في هذه الوظيفة ودفعوا له راتبه ومولوا المشروع، بحيث أن تلك الكلمات والمصطلحات التي تم تغذية محرك البحث بها تعتبر كلمات "ممنوعة" و "حرام" وعلى محرك البحث أن يمنع تماماً أي صفحة إنترنت تأتي من خلال البحث عن تلك الكلمات.
وهذه الكلمات تم اختيارها بواسطة أصحاب الموقع الذين يتبعون مذهباً إسلامياً متطرفاً ومتشدداً ، فقاموا بتحريم ما يرونه حراماً، ثم فرضوا هذه الرؤية على مستخدمي الموقع كلهم.
ولنقم بإجراء تجربة بسيطة تثبت لنا مدى انحراف عقلية هؤلاء الناس، وإلى أي حد بلغ بهم الكبت والمرض النفسي المتأصل في نفوسهم المأسوف على ضياعها وإنسانيتها الميتة.
فأول ما جربت البحث به في موقع "غمة" – أغم الله نفوس صانعيه – كانت الكلمات السحرية التي يرتعب أمامها أي وهابي أو سلفي من خفافيش الديجيتال المتأسلمين، وهي بالطبع كلمة "الجنس"، وقد كتبتها باللغة الإنجليزية sex ، لتأتي نتيجة البحث كما في الصورة التالية:
ما الذي تقوله تلك الصورة إذاً؟ إنها تقول بأن البحث بهذه الكلمة "حرام".
وفي الرسالة التي ظهرت في نتائج البحث مفارقة مضحكة للغاية، تبين إلى أي حد بلغ اعوجاج العقل ومرض النفس وظلام الفكر الذي وصل إليه هؤلاء الخفافيش الذين طوروا ذلك الموقع.
فالرسالة تقول لي: "لا تبحث عن شيطان" وهذه هي الترجمة الحرفية للعبارة search no evil والتي تعني: لا تحاول البحث عن أمور شيطانية، فكلمة "الجنس" شيطان برأي هؤلاء، ولا يصح أبداً أن تحاولوا معرفة أي شيء بخصوصها.
غني عن القول طبعاً بأن الجنس هو شيء أكبر بكثير وأعظم بكثير وأجمل بكثير جداً مما يفهمه هؤلاء المرضى الإسلاميين. فمعرفتهم بالجنس عادة لا تتعدى القذارة ، والأفلام الجنسية "البورنو" ، والمرأة المسكينة الملقاة في بيوتهم والمحرومة من كل حقوقها الإنسانية حتى في حدودها الدنيا، فهي ليست إلا مبولة لما احتقن من منيّهم الزائد، أو مفرخة لأطفال جدد، أو مرتبة من إسفنج يتم ضربها بالمنفضة إذا تعكرت أمزجتهم السقيمة السوداء لأي سبب كان، أو مغسلة لقاذوراتهم وفضلاتهم ونتنهم، ومع هذا كله، فهم لا يترددون دقيقة واحدة في التبجح بأن المرأة مكرمة معززة عندهم، ويملأون بهذا القيء من الأكاذيب والإفتراءات كل محيطهم.
فلا عجب أن يصدر عن هؤلاء موقع يسمى "غمّة" ولا عجب أن ينظروا إلى الجنس باعتباره شيطاناً، وهو الغريزة الإنسانية المتأصلة في وجود الإنسان تأصل الطعام والشراب والبقاء والحب. فإذا به يتحول مع هؤلاء إلى شيطان، ينهاني موقعهم الغم عن البحث عنه.
ما الذي فعلته إذاً بعدما جاءتني رسالة "لاتبحث عن شيطان" عندما حاولت البحث عن كلمة "الجنس" في موقع غمة؟
بتلقائية شديدة: بحثت عن كلمة "شيطان" باللغة الإنجليزية evil ثم طرقت زر البحث لتأتي النتيجة كما في الصورة التالية:
وهذه النتيجة تعني أنني عندما بحثت عن الشيطان بالفعل، لم يمانع موقع "غمة" نهائياً، ولم ير بأساً على الإطلاق في بحثي عن الشيطان شخصياً، فجاءت نتائج البحث بشكل عادي تماماً دون أدنى اعتراض من محرك بحث "غمة" الإسلامي.
فهل بعد هذا التناقض المضحك والفضائحي من تعليق؟ لا أعتقد.
وبالفعل أرى أنه من الأفضل إيداع القائمين على ذلك الموقع في مصحة نفسية وتحت إشراف طبي محترف، حتى يتم تعليمهم من جديد بأن الجنس غريزة إنسانية خيرة وحميدة، وبأن الشيطان هو الشر والخبث. وبعد التأكد من التزامهم بتناول الأدوية في مواعيدها وأخذهم الحقن بانتظام وعودة أنفسهم إلى مستوىً طبيعي وسوي مرة أخرى ، يمكن السماح لهم بتصفح الإنترنت تحت إشراف مختصين لفترة علاجية حتى يعودوا إلى الإندماج في المجتمع مرة أخرى.
وهنا يظهر سؤال: لماذا وصفت محرك بحث "غمة" الإسلامي بأنه "طفيلي" ؟ وليس أصلياً كمحرك بحث "جوجل" ؟
لكي يكون محرك البحث أصلياً يجب أن يكون له سيرفر كبير وضخم جداً خاص به، والسيرفر هو كمبيوتر أو شبكة هائلة من الكمبيوترات المتصلة ببعضها البعض في مقر الشركة الأم، والتي تقوم بتخزين صفحاتها بنفسها على أجهزتها، وتقوم برامج الشركة بتصفح الإنترنت وزيارة كل الصفحات التي تقدر عليها، ثم فهرسة كلمات تلك الصفحات وتصنيفها ثم تخزينها على أجهزة الشركة الضخمة ذات القدرات الهائلة. والتي هي في مثالنا هذا: جوجل.
فعندما يدخل المستخدم لاحقاً ويبحث على موقع "جوجل" عن كلمة ما، فإن محرك البحث يقوم بالبحث في أجهزة شركة "جوجل" عن النتائج، ثم يرسل تلك النتائج إلى المستخدم.
أما الموقع الطفيلي، وهو في هذه الحالة "غمة" – غمت أنفس أصحابه بما فعلوا – فهو عبارة عن صفحة إنترنت ضعيفة وفقيرة وهزيلة، لا تملك سيرفرات وليس لها مقر شركة، ولا أي شيء، ويمكن إنشاؤها بجهد فردي لعاطل سلفي لا يجد شيئاً مفيداً لفعله سوى أن يحاول كل جهده أن يتحكم في البشر الآخرين ويفرض عليهم رؤيته السقيمة للحلال والحرام والمليئة بالرغبات والمخاوف والأحلام المكبوتة والمظلمة كنفسه الدهليزية الخانقة.
وبمجرد أن يقوم المستخدم بالبحث في هذه الصفحة، تقوم الصفحة الطفيلية بالبحث في موقع جوجل.
أي أن الصفحة المريضة هذه، تضع نفسها كوسيط بين جوجل وبين المستخدم، فكأنها بالضبط "ولي أمر" المستخدم للكمبيوتر، وهي ليست محرك بحث حقيقي مثل جوجل بأي حال من الأحوال، ولا تساوي إلى جوار موقع جوجل أو الياهو جناح بعوضة، بل هي مجرد برنامج كمبيوتر صغير يقوم بنقل كلمة البحث التي تكتبونها له إلى موقع جوجل ويبحث هو فيه بدلاً منكم كأنه مستخدم عادي، ثم يأتي بالنتائج من جوجل، ثم يقوم بحذف النتائج التي لا تأتي على هواه وعلى هوى القائمين عليه من الإسلاميين المتطرفين ، ويضع فقط النتائج التي يرى أنها مناسبة لكم لتشاهدوها.
بقيت نقطة أخيرة: وهي أنني افتتحت هذا المقال بالإشارة إلى افتتان الإسلاميين بالألفاظ الرنانة والإكليشيهات الساخنة لاجتذاب الناس، ولكني لم أشر كيف فعل أصحاب موقع "غمة" هذا، فقد أعلنوا عن أنفسهم "كأول محرك بحث إسلامي" ، نعم فهكذا يحب الإسلاميون والوهابية دائماً أن يظهروا بمظهر البطولة ولا تأخذهم في الكذب والتدليس والزيف لومة لائم، فدائماً ما تجدونهم يلتجئون إلى ألفاظ من نوع "أكبر موقع لكذا وكذا" أو " أعظم انتصار على الكفرة أعداء الله" ، والمضحك في هذه المرة أنهم لم ينتبهوا إلى وجود موقع آخر من مواقع خفافيش الديجيتال قد سبقهم إلى الظهور من قبل، وهو محرك بحث "أنا حلال" الظلامي والذي صدر منذ فترة قصيرة كـ "أول محرك بحث خفاشي" على الإنترنت باعتماد وسيلة التطفل على جوجل أيضاً.
معلومة بلس
من الجدير بالذكر أن وكالة آكي الإيطالية قالت نقلاً عن صحيفة "سولي 24 أوري" بأن موقع "غمّة" يقوم بالتبرع بخمسين في المائة من مكاسبه إلى مؤسسات إسلامية "مجهولة" ، وهذا يدق ناقوس خطر شديد إلى العالم، بأن ذلك الموقع قد يتسبب في حدوث خراب هائل عن طريق تمويله لمنظمات محظورة تابعة لمتطرفين.
Albert Camus