{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 2 صوت - 3 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
هل الاسلام ذو اصول اريوسية؟
الفكر الحر غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 2,191
الانضمام: Oct 2009
مشاركة: #1
هل الاسلام ذو اصول اريوسية؟
نقد الفكر الديني
هل الاسلام ذو اصول اريوسية؟

[صورة: ramadan1.jpg]

لا بد من الإشارة إلى أن هذه المطالعة تعتمد أطروحات نقدية راديكالية، تقوم على التشكيك بالأنموذج الرسمي للتاريخ، بما فيه من حقب وسلالات وأزمنة، وتعتقد أن تاريخ نشوء الأديان قد حدث متأخرا بعملية إسقاط إرتجاعي وصياغة لأحداث ضبابية مؤسطرة تتلاءم مع مصالح سياسلطوية سادت في عصور لاحقة. ولعل أهم العلامات المميزة لهذه المدرسة النقدية كان كاممايرKammeier (توفي 1959) بنقده لتاريخ المسيحية (1) أعقبه صمت لتعود الأسئلة مطلع التسعينيات بسيل من البحوث والكتب والدراسات التي حاولت هزّ أعمدة التاريخ ، وتسفيه المنهج الأكاديمي الرسمي ونظام اليقينيات الذي تم ترسيخه خلال الأربعة قرون المنصرمة.

ولعل دراسة هيربرت إليغ H.Illigهي الأكثر إثارة وجدلا لأنها كانت محاولة ممنهجة إعتمدت دراسة تطور بناء الكنائس والمسكوكات..إلخ للبرهنة على وجود زمن شبحي في التقويم المسيحي قدره 297 سنة تحدده الفرضية بين (614/911م) (2)لكن باحثيين آخرين من نفس المدرسة شككوا بذلك أمثال توبر (3) الذي أشار إلى أن التقويم الميلادي حديث العهد، ولم يقرّه الفاتيكان رسميا إلا عام 1443م بعد جدل دار في مؤتمر بازل المسكوني الكنسي، عام 1332م ودعوات كونزانوس (أصبح بابا فيما بعد) لإعتماد تقويم ميلادي (كي لانظل أضحوكة للوثنيين المسلمين كما صرح في المؤتمر) وهنا يؤكد توبر Topperبأن حسابات كونزانوس لإنشاء التقويم المسيحي تمت (بعمليات إرتجاعية) إعتمدت التقويم الهجري أساسا في حسابها، أما المهم في هذا السياق ملاحظته المدهشة للفرق الزمني بين مؤتمر نيقييا الكنسي الأول (325م ) الذي أسُست بموجبه كنيسة الدولة، وبين عام الهجرة الإسلامي الأول (622م) وهذا الفرق يساوي الزمن الشبحي في نظرية إليغ ويبلغ بالتمام والكمال 297 سنة؟؟

يا للهول هذا يعني ضمنيا (فيما لو صحت فرضية السنوات الشبحية) أن مؤتمر نيقييا الذي عُقد لدحض هرطقة " الأسقف الإسكندري آريوس Arius، وصياغة قانون الإيمان" هو مؤتمر تزامن مع ظهور محمد !!
بعد هذا التمهيد أشير إلى أن هذه المطالعة إعتمدت أفكارا لتوبر (4) حول الخيط السري بين الأريوسية (المسيحية) والإسلام. ودراسة جان بوفورت Beaufort (5) وفرضيته حول تطابق الأريوسية مع الحركة العلوية؟ وفي كلا الدراستين محاولة جديدة لتفسير تناقضات التاريخ الرسمي.. إنها ببساطة أفكار تقلب معارفنا رأسا على عقب (أنوه بأن كاتب السطور ترجم بتصرف مقاطع منتخبة، مع فتح أقواس لمزيد من التوضيح)

محمد ـ آريوس ؟

يشير توبر إلى أن مصادرنا عن الآريوسية لا تعرف إلا بعض الكتابات المشوهة، لكن الملفت أن القداس الأرثوكسي لازال ليومنا يكرر لعن "الزنديق آريوس" ثلاث مرات بموافقة المؤمنين الخاشعين وهذه اللعنة الأبدية تنصب على أمثال آريوس ممن يزعمون بأن المسيح ليس مساويا للآب بل أقل مرتبة منه، أو الذين يزعمون أنه إنسان متأله وهذه الفكرة هي جوهر الحركة الأريوسية (وتسمى أحيانا الأريانية) التي إمتدت بدء من عام 313م لتصبح عقيدة الأغلبية المسيحية (الوندال، ومسيحية المشرق) مما إستدعى إنعقاد مؤتمر نيقيا عام 325م برعاية القيصر قسطنطين، وبموجبه تم لعن آريوس ووضع قانون الإيمان المسيحي، لكن قسطنطين مال لجانب الأيروسيين فأعيد إعتبارهم (بإستثناء آريوس نفسه) الذي قُتل قبيل عودته إلى حضن الكنيسة عام 336م. وبعد جدل وشجار وحروب إستطاع المؤتمر الكنسي في القسطنطينية عام 381م لعن الأريوسية وتكفيرها نهائيا، ومع مرور الزمن إستتب الأمر وإستطاعت الأرثودوكسية تثبيت أقدامها.
ثم يعقب الكاتب قائلا: إن هذا اللعن اليومي للآريوسية في القداس لابد أنه تذكير بعدو قوي يتلطى. عدو مازال يشكل خطرا محدقا. ومن يكون هذا العدو الشرس الذي لا يؤمن بأن المسيح هو الله؟ اليهود ليسوا بوارد السؤال لأنهم ينكرون المسيح التاريخي من حيث المبدأ، أما في الإسلام فإن للمسيح معنى، فهو النبي الذي سيعود آخر الزمان محملا بالقوة الإلهية لإقامة محكمة الله؟ وهنا يضيف الكاتب جملة مستفزة تقول: إن المضمون الدوغمائي للمسيح في الإسلام يجعله أهم من محمد؟ثم يضيف بعضا من أفكار لولينغ إلى الموضوع التي تعتبر أن نظرة الإسلام إلى ألوهية المسيح ذات صبغة أريوسية؟
فإذا كانت هذه الأحداث التاريخية متظافرة، وإذا كانت علاقة الأريوسية بنشوء الإسلام علاقة جدلية، فإن كثيرا من الغموض الذي أحاط بتاريخ الكنيسة سوف يُرفع . ويمكننا تفسير غياب الصراع مع الإسلام الناشئ، وتفسير إندفاع جيوش الإسلام عبر الحدود الرومانية، وفهم رسائل محمد إلى هرقل ودعوته لإعتناق الإسلام، ومثل هذه الأمور التي بقيت قرونا بدون كتابات "مسيحية"مضادة.
لقد إكتفت الكنيسة فقط باللعنات الثلاث التي كالتها لهذه "الحركة" الجبارة! أي أن مايسمى مؤتمرا نيقيا والقسطنطينية كانا إجابة على خطر متربص.. لكن علينا أن نتصور هذا الربط بين مؤتمر نيقيا ونشوء الإسلام بإعتباره فانتازيا متأخرة تؤكد بوضوح كم العبث الذي أحاط بالحساب الزمني (المقصود حساب التقاويم)
ثم يعقب الكاتب بأن مؤتمر نيقيا لاتؤكده إلا بعض الرسائل المتأخرة (بدون وثائق حقيقية) والمواضيع التي طُرحت على جدول أعماله:
1ـ مناقشة الزندقة الأريوسية القائلة بأن يسوع ليس مساويا لله
2ـ الإعتراف بطقوس الأيقونات
3ـ معالجة مشكلة التقويم وتثبيت يوم الفصح أو بداية الربيع
والملاحظ أن أمرين من تلك كانا محور عمل محمد
1ـ لعن كل محاولة تقلل من وحدانية الله الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد (توافق مع رؤية أريوسية)
2ـ إن محمد لم يتهاون مع طقوس الأيقونات والتمائيل والصور (أيضا إتفاق مع طابع أريوسي)
ولو أخذنا بنظر الإعتبار فرضية إليغ عن السنوات الشبحية ال297 الزائدة في التقويم الميلادي فإن العام الهجري الأول المساوي ل 622ميلادي يصبح:
622 ناقص297 يساوي 325م (تاريخ مؤتمر نيقيا) ومن الملفت أن آريوس بدأ دعوته عام 313م ومحمد 610م والفرق سيكون 297 سنة وهو نفس الفرق الزمني بين لعن آريوس في نيقيا وهجرة محمد، ومن العجيب أن وفاة آريوس حدثت عام 336م ومحمد عام 632؟؟الفرق يقترب من 297 سنة !! إنها نفس الفترة الشبحية المتكررة .. عليه فإن الصراع مع الآريوسية يعكس في جوهره صراعا مع إسلام فتي. والملاحظ أيضا بأن مذبحة كربلاء حدثت عام 59 هجري (وفق التقويم الرسمي بحدود 679م) وإذا أزلنا السنوات الشبحية فإننا نقع على عام 381م وهو تاريخ مؤتمر القسطنطينية الذي أعلن فيه تكفير الآريوسية نهائيا وهدر دمها؟ وهذا يقابل إنشقاق الإسلام إلى شيعة وسنّة!
بعد ذلك يمر الكاتب على موضوع "الهجرة"النبوية ويرى كباقي الباحثين بأنها حجر عثرة أمام البحث، فالمعرفة بتقاليد قانون الدم العروبي بين القبائل تستبعد كلّية المزاعم عن محاولة تدبير قتل محمد، إذ يُعتقد أن مكة (القرن السابع) كانت متسامحة دينيا وهذا جزء من التسامح الديني الذي عرفته النخبة الفارسية، لهذا تبدو هذه الهجرة غريبة، لكنها محتملة في القرن الرابع ميلادي، إذاك كانت مكة تحت الهيمنة الرومانية (بيزنطه) التي أنزلت اللعنة على أريوس.. عليه تصبح هجرة محمد مفهومة وضرورية، وهي بمثابة إنفصال عن الكنيسة الأم في مكة ولجوء إلى يهود يثرب.
أما بالنسبة للفتوحات "الأسطورية" للإسلام (منتصف القرن السابع) فإن المصادر البيزنطية تصمت عنها تماما وهذا أمر بمنتهى الغرابة مع أن الإسلام طرق أبواب (القسطنطينية) وهدد مملكتها، وهنا يستأنس الكاتب برأي لولينغ الذي أكد غياب دلالات الفتح الإسلامي في المصادر المسيحية، فالموجود لا يزيد عن تلميحات سطحية ليوحنا الدمشقي. أما إيزيدور الإشبيلي فلم يذكر شيئا عن إسلام ذلك الوقت المبكر، أيضا تجدر الإشارة إلى أن غرب أوروبا التي كانت مهددة بإجتياح إسلامي (كما تذكر الكتب) لم تسمع بالإسلام .. وفجأة تندلع الحروب الصليبية نهاية القرن 11م وكأنها ذكّرت الأوروبيين (توا) بالإحتلال الإسلامي لبيت المقدس بعد 450سنة من حدوثه؟
إن أول الفقهاء الذين أخبروا عن الإسلام في أوروبا هو اليهودي بدرو ألفونسو الذي إعتنق المسيحية في إسبانيا عام 1106م آنذاك كان المسلمون يفرضون نفوذهم حتى توليدو وسرقسطة . أيضا نلاحظ أن فقهاء المسلمين خلال القرون الهجرية الأولى لم يجادلوا المسيحيين بل جادلوا المنوية والمزدكية والزردشتية .. وهكذا يصل الكاتب إلى أحدى الخلاصات الملفتة: إن هذا التجاهل المتبادل بين كلا الديانتين قبل القرن 11م يدل بأنهما لم يكونا موجودين بعد (يقصد كمؤسسة)، فإذا إعتبرنا الإسلام هو رد على نشوء المسيحية، ينتج عن ذلك أن الإعتراف بالأرثودكسية كدين دولة (في نيقيا) كان المحرك الباعث لتمكين الهرطقة الأريوسية في أماكن أخرى، فالساسانيون فضّلوا هذه الهرطقة (التي أصبحت فيما بعد إسلاما) لأنها معادية ومعارضة لخصمهم بيزنطه، ولهذا فإن الشاهنشاهية الفارسية دعمت الإسلام المتأخر كما أنهم قُبلوا بترحاب من مؤرخي الإسلام (يقصد طبعا تعظيم الكسروية في التاريخ والأدب العربي)
وختاما لهذا الفصل يعرج توبر على أطروحة لرودي باريت (مترجم القرآن الأكثر شهرة في ألمانيا) والذي تحدث عام 1957عن إنقطاع في السرد القرآني!؟ وكذلك تعرض لفرضية لولينغ التي تحدثت عن 150سنة من الفراغ في القصة الإسلامية المبكرة، إضافة لوجود قرن إضافي يصعب توثيقه، ليصل إلى قناعة بأن تقديم القرآن بصورته المنجزة والنهائية قد حدث في القرن الرابع الهجري ويقتبس حرفيا عن لولنيغ مايلي:
إن القادة الدينيين والسياسين الذين أعقبوا النبي، وبسبب أفكار داخلية وخارجية وعدم إستقرار أمور الأسلام الفتي، وتقديرا منهم للتفوق الفلسفي للكنيسة الهلينية الرومانية قرروا الإنكفاء وتكذيب الماضي المسيحي للإسلام والتاريخ المسيحي للقرآن والإسلام وطمس معالمه الأولية وبذا حافظوا على المكتسبات والإستقلالية الدينية السياسلطوية، مما أحدث فراغا تاريخيا تم حشوه فيما بعد.
هنا أرجو من القارئ الكريم أن ينتبه جيدا إلى خلاصة توبر الأخيرة عن الحركة الأريوسية (الإسلام فيما بعد) التي تبنتها فارس بسبب خصومتها مع بيزنطه، لأن هذه الخلاصة المحورية التي صاغها الكاتب عام 2000م أصبحت محرك دراسات لاحقة كما هو الحال في حلقة البحث بجامعة سارلاند بألمانيا بقيادة هانس أوليغ وكتبهم من قبيل : البدايات المظلمة 2005، وبدايات الإسلام 2007) التي بدأت تؤشر العراق ونساطرته كمنطقة مرجحة لبداية الإسلام، تعززها في ذلك فرضيات عن صيرورة اللغة العربية، وتطور الكتابة والنقوش وأصول المخطوطات القديمة.. ولأن الموضوع خارج إهتمامنا في هذا النص أشير إلى أن هذه الخلاصة المركزية لابد وأن تلقفتها أيضا الباحثة الألمانية زينب مولر لتوكد في دراسة فيلولوجية تاريخية أن الأريوسيين لاعلاقة لهم بالأسقف الإسكندري آريوس بل بحركة مصدرها إيران؟ وهنا أنتقل إلى موضوع بوفورت الذي إقتبس بدوره أطروحات مولر وتوبر ليصوغ فرضيته الجديدة حول نشوء المسيحية والإسلام.

أريوس ـ وعلي: حول الجذور الإيرانية للمسيحية والإسلام؟؟
بداية يشير الكاتب إلى أنه يتفق مع فرضية زينب مولر Z.Müller التي تقول بأن مصطلح "آريوس"ذو أصل إيراني وأن الهرطقة الاريوسية المسيحية القديمة تضرب جذورها في إيران، وعلى ذلك فإن مصطلح "آريوسي" في اللاهوت الكاثوليكي للقرن السادس يعني (أتباع آريوس) الذي لم يكن له وجودا بل كان شبحا تم إختلاقه وإسقاطه على القرن الرابع، وغرض هذا الإختلاق هو تكفير حركة قوية مضادة "للتثليث" والقبطنة (من أقباط). حركة تم منعها أيام جستنيان (483ـ565م) وتتطابق هويتها مع حركة موجودة ليومنا بإسم "شيعة علي، أو حزب العليّ) ثم يقول:
في مثال جدير بالقراءة تشير مولر لصعوبات جمة تعترض فرضية طباق بين علي وآريوس وتدعو إلى تعامل مع جذور هذه المادة وتجنب الأحكام السريعة، وكفرضية معاكسة قدمت رؤيتها بأن مصطلح آريوسي يعني: أناس من آريا (إيران) وهؤلاء هم ممثلو الغنوصية الإيرانية المثنوية، أما عن السؤال حول تاريخية علي صهر محمد فتبقيه مفتوحا. لذا فإن دراستها تقدم مادة للتفكير والتأمل بغض النظر عن تقرير عما إذا كان "علي" محاولة إسلامية لتجسيد حقيقة أريوسية تاريخية، أو كان أريوس إختلاقا متأثرا بخطوط الرواية العربية. فهذا ما ستقرره البحوث القادمة، كذلك الأمر فيما يتعلق بالسؤال الكرنولوجي وموضعة الزمن لكليهما أو زمن إختلاقهما؟ لكن بوفورت يحاول التقدم خطوة إلى الأمام ويتفق مع مولر بأن الأجدى حسب وجهة النظر العلمية متابعة مصير الحركة الدينية دون التمسك بتاريخية مؤسسها أو عدمها. فالفرضية تقوم على مطابقة آريوس بعلي وعلى إتهام كاثوليكي لإتباع آريوس بالهرطقة الذين هم أنفسهم أتباع "علي" أو العليين الشيعة.. لكن الكاتب يضيف قناعة شخصية بعدم تاريخية علي تماما كالمسيح وبولس ومحمد.!! علي يصبح إذن شخصية ميثولوجية وأب مؤسس لحركة سياسية تاريخية موجودة ليومنا (حزب العليّ، الشيعة) ويمكن أن يكون محمد شخصية دينية شبحية، أسّست السنّة ثم ربطت نفسها مع حركة الشيعة لتشكلا معا كنيسة الدولة للنظام الأموي؟ويضيف:
أفهم آريوس كبناء تم إختلاقه في عصر جستنيان أثناء تمدد الكاثوليكية في أرجاء الإمبراطورية لمحاربة وتكفير أعداء التثليث وهم "العلييون" ولاجدال في أن أتباع آريوس (الشبحي) هم خصوم الأقباط وأن الأريوسين هم أنفسهم أتباع المسيحية المعمدانية (الصابئة) السابقة للكاثوليكية.

: قصة المسيحية بدون يشوع وبولس التاريخيين.
يخبرنا بوفورت بأن الكنيسة الحالية بنسختيها الأرثودوكسية والكاثوليكية (والبروتستانتية) تعرف نفسها من خلال الإنتساب لمؤتمري نيقييا والقسطنطينية، حيث ربطت نشوءها بشخص ذي حقيقة تاريخية هو يسوع الناصري وتلامذته بمعية بولس الذي كان نفسه ساولس أحد مضطهدي المسيحية.. هؤلاء أصبحوا رسلا ومؤسسين لما سُمي لاحقا الكنيسة الكاثوليكية. وهي العقيدة "النقية" التي إستطاعت أن تحقق نجاحا بوجه الضلال والهرطقات العديدة، أما الشاهد على هذه المسيحية المبكرة فهي الأناجيل الأربعة وأعمال الرسل. وسيان إن تطابقت أو تناقضت هذه الصورة التاريخية للكنيسة المبكرة مع تاريخية يسوع المثيرة للجدل والمشكوك بأمرها، فإن منتقدي نظرية الحقيقة التاريخية ليسوع أهملوا نقدهم لتاريخ المسيحية المبكرة التي يطفو فيها بولس مكان يسوع كمؤسس حقيقي وواعظ بأناجيله. هنا فإن النقد الراديكالي للباحث الإنجيلي Bruno Bauer ذهب أبعد من ذلك عندما إعتبر بولس شبحا أدبيا وعرف أن رسائله (في العهد الجديد) هي تحوير لإنجيل مارثيون Marcion المفقود (حسب دراسات Deteringلأعوام 92ـ 95ـ 2008) وفي هذه الحالة وعندما لايكون يسوع وبولس وراء الكاثوليكية فيجب أن يكون تاريخ الكنيسة قد شُكّل بطريقة مختلفة تماما عما هو سائد ومعروف. والسؤال: في أية بيئة روحية نشأت قصة يسوع المصلوب وكيف إنتشرت في عالم الأنتيكا وكيف أصبحت عقيدة الدولة الرومانية؟ وهكذا يقوم بوفورت بإعداد جدول إفتراضي للمراحل المهمة في تاريخ مسيحية لاترتبط دوغمائيا بتاريخية يسوع، وهذا المبنى من التصوّرات ليس نهائيا قطعيا. وتتضمن فرضيته تعليلا وتفسيرا للإنحرافات عن الصورة التاريخية المألوفة.

نموذج بوفورت لنشوء المسيحية:
1ـفي البدء نشأت مسيحية قديمة (يهودية هيليية) أهم طقوسها إرتكزت على تعميد الكبار Batisma والمسح بالزيت Chrisma وتناول وجبة المحبة للمؤمنين Ogapa. وإرتبطت بيوحنا المعمدان وكانت ديانة منفتحة على الغنوصية وديانة "الأقانيم الثلاثة" ووجدت تعبيراتها الإنجيلية في الراعي الصالح والخروف والسمكة والطاووس والحمامة البيضاء والصليب اليوناني، وشاب بدون لحية من تلامذة يوحنا أو المسيح، وكان هذا الدين متسامحا منفتحا ولم يكن قد إرتبط بعد بيسوع المصلوب، وإنتشر لاحقا بإسم الهرطقة "الآريوسية" وشهادته موجودة ليومنا في جماعة دينية إسمها "المندائيون" في العراق أو آريوسية القوطيين والكاثار في الغرب (شمال اسبانيا)، وجماعات عديدة إنتشرت في القرون الوسطى ومارست طقوس تعميد الكبار في الكنائس المعمدانية (اليوحنائية)، ومصدر هذه المسيحية يمكن أن يكون العراق ـ إيران لهذا يوافق الكاتب فرضية مولر بأن إصطلاح "آريوس" يمكن أن يكون قد حمل معنى جغرافيا (إيران)

2ـ وعلى سبيل التخمين يمكن إعتبار أن هذه المسيحية بدأت قبيل تدمير الهيكل الثاني عام 70م في وسط ديني يهودي في سوريا وفلسطين حيث قامت بصياغة مجاميع من الحِكَم والمقولات، وتم تلقيمها لمعلم حكمة ومخلص إسرائيل (يشوع) الذي لم يكن قد ثُبّت كرونولوجيا، فتارة هو خليفة موسى وتارة خليفة داوود (في القرآن تظهر مريم على أنها أم المسيح وأخت موسى وهارون [قرآن 3.30و 19.29ـ وحسب كورت رودلف فإن هذا التطابق (بين المريمين) موجود أيضا عند أحد آباء الكنيسة المدعو رابولا من إديسا Rabbula المتوفي عام 435م] ) وهناك أجزاء كثيرة من إنجيلي توما ومتى تُذكّر بالمراحل القديمة لهذا الدين الذي لم يُصلب يسوعه بعد ولم يكن قد أصبح إبن الله وصاحب معجزات، وتلامذته لم يصبحوا رسلا بعد وشمعون لم يصبح بطرس ويهوذا ليس خائنا.

3ـ إن أقدم سيرة ليسوع كتبها الإنجيلي مرقس، حسب الرأي السائد منذ القرن19 وقد كان فرانشيسكو كاروتا (صاحب الكتاب الشهير : هل كان يسوع قيصرا) (6) قد عرف بأن إنجيل مرقس إستبطن سيرة يوليوس قيصر، التي نقلها مرقس من روما إلى القدس. فمن قائد للجيوش الرومانية حصلنا على آمر جنود السماء، ومن ملك أراده الشعب الروماني إلى ملك أراده الشعب اليهودي، ومن مجلس الشيوخ الروماني (باليونانية Synedrion ) إلى السنهدرين اليهودي ومن بروتوس إلى يهوذا ومن Capitolium (موقع الجماجم والمشتق من لفظ رأس Caput ) إلى Colgatha (الجلجلة) لكن كاروتا لم يتساءل أين نشأ إنجيل مرقس. فهذا عاش في مصر بإعتباره البابا الأول للكنيسة القبطية فعليه لابد أن مصر موطن إنجيله ومن المرجح أن الأقباط أول جماعة دينية إعتقدت بإبن الله يسوع المصلوب (وهذا ينطبق مع عقيدة التثليث المصرية إيزيس أوزيريس حورس. وتجدر الإشارة إلى أن ميلاد الإبن حورس يصادف أيضا 24ديسمبر ناهيك عن رمز الصليب الذي يرتبط بحرف الحياة الفرعوني أنخ)

4ـ إن وجهة نظر كاروتا حول دور مرقس في نقل مكان سيرة القيصر وإستبدال شخصيات الدراما تركته لا يرى أن إنجيل مرقس كان فريدا في تضاده مع ديانة القيصر يوليوس (التي تسمى Divius iulius ) وذلك عندما إستبدل القائد العسكري يوليوس بيسوع القائد الروحي، إذا لم يعد هنالك القيصر الإله بل يسوع اليهودي المصلوب، وهذا جعل ديانة يسوع مشحونة بعداء الدولة التي كانت حينها ماتزال تؤمن بعقيدة القيصر (يوليوس) الإله

5ـ ويبدو معقولا أن ديانة القيصر ( يضاف إليها تعظيم اوغسطس) قد تم دمجها مع الكنيسة القديمة الهلينية في عهد دقليديان (حكم بين 285ـ 305م) مضطهد الأقباط أو الذي كان معاديا لأتباع دين يسوع، لكنه لابد كان "آريوسيا "مسيحيا وبعكس ذلك لايمكن توضيح كيف أن الكنيسة إقتبست نظامه الإمبراطوري في توزيع أبرشياتها (مراكز الأسقفيات) وكذلك لايمكن توضيح كيف أن مرقده لايزال لليوم كنيسة مسيحية. وقسطنطين هو الأخر كان آريوسيا لكن لابد أن عهده شهد نهاية التأليه الروماني للقيصر يوليوس .. بعدهما يبدو أن كنيسة إمبراطورية رومية (شرقية) تشكلت وفق مسيحية قديمة "آريوسية" لكنها لم تكن تنتمي بعد ليسوع المصلوب.

6ـ ويبدو محتملا أن حركة تطورت في المشرق مضادة لفكرة التثليث القبطية وعقيدة الصلب وإبن الله، وإعتقدت بشخص تاريخي على شاكلة أنبياء اليهود. هذه الحركة كما يراها الكاتب هي شيعة العلي "الآريوسية" التي وجب تكفيرها وهي حركة تقدّس يوحنا إلى جانب يسوع (كما في الإسلام) وفي محيطهم نشأ القرآن القديم كتابا مسيحيا يجد صداه الأدبي والعقلي في مقاطع عديدة من إنجيل متى (حسب دراستي لوليغ 1973 ولوكسمبرغ2001) وكما الأقباط فقد كان أعداء التثليث"العلييون" مستقلين سياسيا وأضداد لديانة تأليه القيصر وبالتالي أعداء للدولة (الرومانية)

7ـ الخصومة بين الأقباط والعليين قادت في القرن الخامس إلى صيغة مسيحية في مناطق واسعة من غرب آسيا، قبلت فكرة الصليب القبطي، كحل وسط، وهذه الصيغة طرحها T.تيودور Mopsuestia وبموجبها أصبح يسوع إنسانا في مولده وصلبه. أما طبيعته الإلهية فلم تتأثر بذلك وهذه الصيغة تم تكفيرها من الكاثوليكية لاحقا لكنها إقترنت بالكنيسة الشرقية النسطورية. التي لاتزال مستقلة عن الكنيسة الأرثودوكسية الكاثوليكية الرومانية. وحافظت على إستقلاليتها في العصر الفارسي الساساني، وكذلك أثناء الحكم العربي فقد كانت ديانة ذات حضور موازي لدين الدولة (الإسلام) وذات مرجعية كنسية ناطقة باللغة السورية (الآرامية) مثلها كاثوليكوس سلوقية وطيسفون (المدائن)
8ـ لكن القيصر جوستنيان عارض هذه النسطورية المدعومة من فارس والمنافسة لكنيسة الإمبراطورية، ورمى بثقله إلى جانب الأقباط (زوجة جوستنيان تيودورا كانت قبطية) وأخذ عنهم فكرة الصليب مدفوعا بهم إستثمار الدفق الديني لإستقرار الإمبراطورية، حينها بدأت كنائس الإمبراطورية تتزيّن بالصور والإيقونات لتقريب صورة يسوع لأذهان الشعب .. وأصبحت وجبة المحبة لمؤمني المسيحية القديمة تتحول إلى قداس يديره كهنة، وفي تلك الفترة بُدء بإنشاء قصص الرسل الإنجيلية، التي رُبطت إرتجاعيا بأعمال شخصية تاريخية ليسوع.. ومن الآن فصاعدا أصبحت الكنيسة الإمبراطورية تحتكر تمثيل مسيحية يسوع، وكل عقيدة منحرفة عنها كالنسطورية "كنيسة المشرق" أو آريوسية المسيحيين المعدانيين أو شيعة العلي ستصبح زندقة مارقة يتوجب منعها ومطاردة أنصارها.

9ـأما المرحلة الجديرة بالإنتباه فتتضمن نزاعا عنيفا بين العليين (أو الشيعة) مع الأمويين، هذه الصدامات، بلغت إربها بإتفاق الطرفين على صورة تاريخية موحّدة، بإتفاق القادة على مرجعية موحدة هي النبي محمد. وفي هذا الإطار أصبح علي إبن عم وصهر محمد (ما) القرشي، وبنفس الوقت أصبح معاوية الأمويين صهره أيضا. وهذا الإتفاق كان بمثابة ساعة الميلاد الحقيقية لإسلام اليوم. ( أشير إلى ميول بحثية بدأت تشق طريقها، خصوصا بعد صدور كتابي مانفرد تسيلر M. Zeller (7) عن الدولة الأموية والإسلام المبكر في إيران صدرا عام 1993 وفيهما استنتج أن الدولة الأموية والفارسية تعايشتا معا وأن عبدالملك بن مروان عاصرالملك الفارسي خسرو الثاني ( 591ـ628م) وقد توصل إلى نتائجه من خلال دراسته للمسكوكات والقصور الأموية، وأشار إلى أن تاريخ الدولة الأموية هو أقدم ب78 سنة من التاريخ الرسمي!! وعلى هذا تترتب أمور بالغة الأهمية)

10ـ ولبلوغ التمام لابد القول أن الكنيسة الكاثوليكية الرومانية الحالية هي نتيجة لإنقسام متأخر حدث في كنيسة جوستنيان (الأرثو ـ كاثوليكية) ، ويبدو أنها أصبحت مستقلة في القرن العاشر، فقبل ذلك كان أسقف روما يُعتبر أحد البطاركة الخمسة للكنيسة الإمبراطورية (المقصود البيزنطية) وعندما أكتسبت روما الأهمية في عصر الشارلمانيين البيبين Pippin والأوتوويين Otto (أوتو الأول: 936م) تم تأهيلها للإستقلال السياسي عن بيزنطه، بعد تعزيزها وإختلاق تاريخ كنيسي يرجع إلى بطرس معزز بسلسلة مُضللة (مغشوشة) من قوائم الباباوات، كي ترجح مرجعيتها وأسبقيتها على الأرثودوكسية اليونانية (بيزنطه)
إن هذا المبنى لتاريخ المسيحية القديم يتعارض مع كثير من النصوص القديمة التي روت القصة التقليدية للكنيسة والتاريخ المسيحي، وبرأي بوفورت فإن تلك النصوص هي مزوّرات وحشو متأخر وتحريف تم صياغته وإسقاطه على أزمنة سابقة.
والبرهنة على النحل في وقائع منفردة ليس عسيرا، لكن التزوير غالبا ما يتناول المحتوى، وهنا لايمكننا فهم طبيعته إلا من خلال الصورة الكلية، التي نكوّن منها مادة التاريخ. وتلك الصورة الكلية ترتبط بأخبار ماضية منها ما هو حقيقي وما هو منحول (مزوّر) لذا فإننا سندخل في دائرة هيرمينوطيقية، لايمكننا الخروج منها إلا إذا نجحنا بإنجاز صورة شاملة غير متناقضة لمسار التاريخ، وعن هذا مازلنا بعيدين، عليه فأفضل مانفعله تجربة إعادة تشكيل الصورة التاريخية بحيث تمنحنا نصوص الموروث منطقا سيوسيو بسيكولوجيا تاريخيا

الطبيعة الواحدة، وجدل الآريوسيين حول يسوع
بناء على التصوّر الفرضي لتاريخ الكنيسة يعود الكاتب إلى طرح الأسئلة حول مصطلح " أريوسية"وتاريخية أو مطابقة "علي" و"آريوس"، ويقول بإن مولر فهمت أيضا المصطلح من خلال تصورّها الخاص لنشوء المسيحية، وهي صائبة (حسب رأيه) عندما عنت بأن توصيف الآريوسية في أيامنا هو نحل وإختلاق لاهوتي قامت به عقيدة الأقانيم الثلاثة وجدل حول قيم الإبن والآب والروح القدس، ففي ذلك الوقت لم تكن قد وُجدت كنيسة موحدة بعد أو كاثوليكية مُوحّدة.، ناهيك عن أن تاريخ الأديان لايقتصر على الكنيسة الكاثوليكية، ومن باب أولى إعادة بناء تصوّرات للجدل الآريوسي على نواة تاريخية، وهذا ما فعلته مولر عندما عرّفت الخصوم كما يلي: الآريوسيون هم مثنوية غنوصية إيرانية. النساطرة هم مسيحيون يهود يهوويون (من يهوا)، اتباع الطبيعة الواحدة هم أنصار ديانة الآلهات. وهنا ترد مولر الأقباط إلى مسيحية ترتبط بالأم إيزيس كعرب (ماقبل الإسلام) الذين عظّموا اللات والعزة..وعليه يسجل بوفورت إعتراضا، ويضع الآريوسيين والنساطرة وأتباع الطبيعة الواحدة في وعاء مشترك إذ يعتقد أن تلك التسميات لاتصف حركات محددة، بل تصف مبنى لاهوتيا إختلقته الكاثوليكية لزندقة وتبرير بطشها بتلك الحركات، ويرى أن الأقباط هم من أتباع الطبيعة الواحدة، ولم يعظّموا إيزيس، مع معقولية إنتماء ماريا ويسوع للصورة التاريخية لإيزيس وحورس. فالأقباط كانوا ومازلوا مسيحين دون أن يكونوا أتباعا لديانات الإلهة الإم، وكانوا ومازالوا يعتقدون بيسوع مصلوب وإبن أبدي لله، أما أتباع آريوس فكان يسوعهم إنسانا مخلوقا، وهو نفس الجدل المستمر للآن بين المسيحين والمسلمين. جدل لا مساومة فيه بين طبيعته البشرية والإلهية.
وهو برأي الكاتب إثبات على أن هذا الجدل ليس نزاعا نقديا لاهوتيا وإنقساما فقط بل حقيقة تاريخية تعبر عن مشاعر عامة الناس إزاء هذا النتاقض (بين طبيعتي يسوع)، والدلائل ترجح أن النظرة الكاثوليكية للآريوسيين تقصد أيضا الإسلام أو المرحلة الممهدة له كما في فرضية توبر عن التمائل بين الآريوسية والإسلام والتطابق بينهما في نقاط جوهرية.
إن الغياب المطلق لنزاع لاهوتي بين المسيحية والإسلام في القرون الوسطى (المبكرة)، والتوقف المفاجئ لوجود الأريوسين وإنقراضهم في المناطق التي وصلها الإسلام (بينما حافظت القبطية والنسطورية على وجودهما) وعدم تذكّر الإسلام لماضيه الآريوسي، أثناء التحالف الشيعي السني الذي يعكس بنفس الوقت نوعا من الغرابة والشبهة، حول أصل الإنتماء المشترك لمحمد؟ تجعل السنوات ال 297 بين مؤتمر نيقييا وبداية الهجرة وعلاقتها بالسنوات الشبحية، لاتبدو صدفة عمياء.
وبإيجاز وتحت عنوان فرعي: آريوسية، نساطرة، مندائيون والجذور الإيرانية للمسيحية.
يطلعنا بوفورت على قناعته بأن الطمس التاريخي وإختلاق آريوس حدث بعهد جوستنيان وبهذا السياق يعرج على تاريخ النساطرة (كنيسة المشرق) ويستقي من مقال للمطران الآشوري مار باوي سورو، أفكارا تضيئ على تاريخ الكنيسة النسطورية ورفضها إستعمال لقب "نسطوري" ويخبر حسب مؤتمرات كنيسة المشرق بأن إسم نسطور ظهر أول مرة في رسائل البطريرك جورجيس (660ـ680م) أي بعد وفاته بأكثر من قرنين وبعد أكثر من قرن على مايُسمى: قانون الأعمدة الثلاثة، الذي سنّه جوستنيان وبموجبه تم تكفير أهم لاهوتيي كنيسة المشرق وهم: إيباس الإيديسي 457م، تيودوريت الكيروسي466م، تيودور المُبسيستي 428م .
أما نسطور نفسه فيُزعم أنه توفي عام 451م ، وكان بين 428 ـ 431م بطريركا للقسطنطينية، وزعم أن تعاليمه قد رفضت في مؤتمري أفسس 431م وخلقيدونية 451، وهذان المؤتمران الكنسيان لم يثيرا إنتباه الكنيسة النسطورية أيام جوستنيان (عن سورو)
وهنا يقول بوفورت: إن إنشغالي بهذا الموضوع، منحني إنطباعا بأن كلا المؤتمرين الكنسيين محض إختلاق وحشو متأخر. ويستند بذلك على رأي لماريانا كوخ M. Koch التي تقول فيه إن غاية جوستنيان ليست الظهور كمُبتدع للأرثو ـ كاثوليكية، لأنه بالفعل كان مُنشئها، وتم ذلك من خلال منحها زمن نشوء مبكر، إقتبسه اللاحقون وأصبح أمرا مقضيا.
ثم يضيف بأن إختلاق الشبح آريوس كان ذريعة لتكفير وملاحقة أولئك الذين رفضوا الإيمان بمسيح مصلوب كالعليين (الماقبل إسلامية) والمعمدانيين. ويشير إلى معقولية تبني كنيسة المشرق في القرن الخامس لديانة يسوع وفق تصورات تيودور المُبسيستي، حيث مارست طقوسا وشعائر كنسية سورية قديمة لم تكن لها صلة بلاهوت الصلب القبطي، وكان مركزها ومازال في سلوقية الهلينية الفارسية.
ثم يعرض إلى الأقلية المندائية في العراق (إنخفض عددها بعد الإحتلال الأمريكي من 60ألف إلى خمسة آلاف) المجهولة الأصول والتي تؤمن بيوحنا المعمدان كشخصية تاريخية، حيث يعتقد المؤرخون بأنهم نقلوا هذه الديانة من فلسطين إلى بابل، بدون أدلة واضحة، وفي الحقيقة قد يكون الأمر معكوسا: ففي العصر الفارسي البابلي، نشأت أسطورة يوحنا بين اليهود الذين لم يعودوا إلى فلسطين .. أي أن هذا الميثوس كان قد تطوّر في فضاء بابلي يهودي هليني فارسي خليط.. هناك إستطاعت عقيدة يوحنا أن ترتبط بالعقيدة الفارسية Spenta Mainya ( الروح الطيبة).
وإذا كانت هذه الظنون أكثر من مجرد تكهنات، فإن إشتقاق الصفة "آريوس" تعكس محاولة كاثوليكية لطرد منشأها الجغرافي من الذاكرة الجمعية، وعلى هذا المنوال مُهّد طريق جوستنيان لتحوير دلالاتها، بمساعدة ربط مرجعية أعمال الرسل (الأنجيلية) بيسوع وبولس.

آريوس ومحمد وعلي؟
إذا ما أصبح تكفير آريوس موجها إلى المكذبين لبنوة يسوع لله (الممهدين للإسلام) يصبح توبر مصيبا في ظنونه التي طابقت بين الآريوسيين والمسلمين.إضافة إلى أنه يجنبنا إعتبار العليين "الشيعة فيما بعد" حركة سابقة للإسلام. لكن ذلك يتعارض مع حقيقة تكفير الآريوسيين في عهد جستنيان (483ـ565م) فإذا أعتقدنا أن الآريوسيين هم مسلمو أيامنا، فلابد أن جوستنيان عرف محمد ، في هذه الحالة يصبح نشوء الكاثوليكية بمثابة رد على تمدد إسلام قوي في فضاء الإمبراطورية. وهذا الأمر ليس مستبعدا بالمطلق. فحسب دراسات تسيلر وفايسبرغر وتوبر فهناك مايشير إلى أن تقويم الهجرة كان معتمدا قبل القرن السابع ميلادي!!، وبنفس الوقت هناك أسباب تدعو للإعتقاد بأن الإسلام كان رد فعل سببه منع جوستنيان للآريوسية! وهذا التصور يدحض أن النزاع مع الآريوسية كان شأنا داخليا مسيحيا. فالمعقول أن منع جستنيان لها سبب بحثها عن حلفاء في دائرة الإمبراطورية.
إن إتحاد الأمويين مع العليين تحت سقف الإسلام كان بمثابة الإجابة العربية ـ السورية ـ الفارسية على نشوء كنيسة الإمبراطورية القبط ـ كاثوليكية لجستنيان!! والتي دفعت إلى تطرف معاكس أثمر عنه مأسسة الإسلام.
وكما يُزعم فإن وفاة محمد أعقبها إنشقاق الإسلام إلى سنّة وشيعة.. وهذا الإنشقاق العميق بين التيارين يصعب إيضاحه. كما يذكر إليغ وفايسبرغر.. وكذلك وأوليغ ولوكسنبرغ.. والسؤال متى كانت لحظة إتحاد السنة والشيعة وخلق أسطورة الأصول المشتركة !
في هذا السياق تدخل الشخصية التاريخية لمعاوية (603ـ680م حسب التاريخ الرسمي) في اللعبة. وهو شخصية ينظر لها السنة خلفا شرعيا لعليّ بينما ينظر له الشيعة كمجرم. ومن يبحث عن إجابة سيقف بالضرورة أمام معركة صفين عام 657م (تاريخ رسمي) وما أعقبها من ألغاز.
تاريخيا يبدو أن جيشي الشيعة ومعاوية إلتقيا في صفين، وأن جيش معاوية كان مهددا بالهزيمة، ويبدو أن الشيعة قبلوا إقتراحا (التحكيم) يقضي بقبول السلام والإعتراف بمعاوية كخليفة، أعقب ذلك إنقسام الشيعة (ظهور الخوارج)
لكن بوفورت له قراءته التي يعللها كما يلي:
أغلب الظن أن معاوية (من المحتمل أنه كان حليفا ومحميا من بيزنطا) كان يحارب الشيعة الذين تسندهم الجيوش الفارسية. وأثناءها إعترف معاوية بالكتاب المقدس للشيعة ـ القرآن القديم في طوره المسيحي ـ على أن يقبل به الشيعة خليفة..وفي هذا الإتفاق وجب نشوء الميثوس الإسلامي التأسيسي، بحيث أصبحا سوية أقرباء لمحمد وبالتالي إمتلكا معا شرعية وحق قيادة الجماعة الإسلامية. لكن كراهية الشيعة لمعاوية سرعان ما اندلعت بعد أن أوصى بالخلافة لإبنه يزيد الذي نازعه عليها الحسين بن علي مما أدى إلى المذبحة الشهيرة في كربلاء وموت الحسين عام 680م(تاريخ رسمي) .
ويختم الكاتب: بعد الأحداث الدينية في عصر جستنيان إستطاعت الكاثوليكية أن تفرض وجودها ، وإستطاع الإسلام تدريجيا مأسسة روايته التاريخية ولم يمض زمن بعيد حتى إستطاع الإمبراطور قسطنطين السابع (912_959م ) من وضع التاج المتمثل ب(ثلاثمائة سنة شبحية) على رأس تاريخ ديني مُصطنع
خلاصة:
إن هذه الدراسات هي محاولة لبناء تصوّرات تاريخية بعيدا عن الأسطرة والمعجزة وتجاوز تناقضات الرواية الرسمية، وبلا شك فهي تصدم وعينا التاريخي بعنف.. عام 1999م أصدر إليغ كتابا بعنوان: من حرك عقارب الساعة، رفع اللثام فيه عن القيصر البيزنطي المثقف قسطنطين السابع الذي يُنسب إلى دواوينه إعادة كتابة تاريخ العالم، وإتلاف المدونات القديمة، ولاننسى أن المعلم أبو جرير الطبري ليس بعيدا عنه؟ وإجمالا هناك ميول حديثة ترى أن الإسلام قد نشأ وسط جسد سكاني عربي في الهلال الخصيب. وتراه بمثابة تمرد أمراء محليين (أمويين) لملء الفراغ الذي نجم عن ضعف الفرس وبيزنطا، وهذا يعلل صمت الكتابات البيزنطية والمسيحية وغيرها عن تناول الإسلام المبكر وفتوحاته، وكأن شيئا لم يحدث.
ربما يقدم تصوّر بوفورت تعليلا مفيدا يضيئ شيئا من غموض الحركة العباسية التي قدمت من فارس تقودها سيوف أبي مسلم الخرساني (لاننسى أن شرعيتها استُمدت من قربها للعليين) فرغم ماتغصّ به كتب التواريخ من حكايا إلا أن العصر العباسي المبكر يبدو أسطوريا ويكاد يخلو من آثار العمارة (خصوصا في بغداد) مقارنة بالعصر الأموي الذي ترك شواهد لاتمحى كمسجد دمشق والأقصى والقصور الصحراوية. الهوامش
النحل في تاريخ الكنيسة القديمة Die Fälschung der Geschichte des Urchristentums1ـ
2 ـ Heribert Illig, Das erfundene Mittelalter", Econ-Verlag München-Düsseldorf 1996
التزوير في التاريخ الأوروبي Die Fälschung der europäischen Geschichte3ـ
4ـ Geschichtsfälschung von : Uve Topper 2000 تزوير التاريخ
Arius und Ali: Über die iranischen Wurzeln des Christentums und die christlichen Wurzeln des Islam5ـ Jan Beaufortحول الجذور الإيرانية للمسيحية، والجذور المسيحية للإسلام

Carotta, Francesco (1999): War Jesus Caesar? 6ـ

Manfred Zeller, Der Iran in frühislamischer Zeit bis zum 10. Jh. 1993; Das Kalifat der Omaijaden 1993
11-03-2009, 07:33 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
سليماني مركز غير متصل
عضو مشارك
**

المشاركات: 33
الانضمام: Oct 2009
مشاركة: #2
RE: هل الاسلام ذو اصول اريوسية؟
حسب معلوماتي المتواضعه , فالإسلام عودة إلى التوحيد الأ صلي الذي كان اول من نادى به إبراهيم ....
النبي محمد كان عضوا في طائفة الأحناف , و هم موحدون , رؤوا أن اليهودية كما المسيحية قد إنحرفتا عن التوحيد الأصلي
عموما , هناك مقال شيق في منتدى العدميين يسرني ان أنقله :

........
موجز القصة المتداولة في كتب التفسير , حول نزول سورة العلق , أن الرسول كان يتعبد في غار حراء , عندما تجسد له الملاك و قال له : (( اقرأ )). فقال الرسول : (( ما أنا بقاريء )) أي لا أعرف القراءة . فضمه الملاك إلى صدره ثلاثا , حتى كاد أن يوجعه , و هو يقول له : (( اقرأ )) . و الرسول يردد حائرا : (( ما أنا بقاريء )) .

مشكلة هذه القصة المريبة , أنها قصة يصعب إثبات زيفها بوسائل المنطق . فلا أحد يستطيع أن يؤكد أن الحادثة لم تقع , و لا أحد يستطيع أن ينكر أن الله على كل شيء قدير . لكن ثمة خطأ لغوي فاضح , ارتكبه الرواة من دون أن يدروا , على عادة المزورين في كل العصور . فالواقع أن كلمة (( اقرأ )) لا تعني أصلا فعل القراءة .

إنها كلمة ذات أصل كلداني مصدرها ( ق ر ا ) و تعني أعلن و جاهر و نادى و بلغ , و منها في لغتنا العربية ( يقرأ السلام ) بمعنى يبلغه . و قد وردت في التراتيل الكلدانية بهذا المعنى في قولهم ( ق ر ا ب ش م م ري ا )أي ( نادي باسم الرب ) . و هو المقصود في قوله تعالى { اقرأ باسم ربك } فالآية لا تطلب من الرسول أن يقرأ , بل تكلفه بإعلان الدعوة التي تمثلت في تصحيح مفهوم كلمة ( الرب ) بالذات . و لهذا السبب تكررت هذه الكلمة نفسها في الآية التالية , مقرونة باسم التفضيل . في قوله تعالى : { اقرأ و ربك الأكرم } , و ليس الكريم فقط .

فكلمة ( رب ) في لغتنا مشتقة من القاموس الكلداني والذي لا تعني فيه الله فقط , بل أيضا ( السيد ) , و هي صيغة ما تزال حية في قولنا ( ربة البيت ) أي سيدة البيت . و قد دأبت الكنيسة العربية على تسمية المسيح باسم ( الرب ) بمعنى السيد و المعلم , و أدى هذا الخلط اللغوي إلى ارتباك ظاهر في نص الأنجيل . فأصبحت كلمة ( الرب ) تعني أحيانا يسوع المسيح , كما في قول بطرس : { مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح } و تعني أحيانا ( الله ) , كما في قول متى : { .. إذا ملاك الرب قد ظهر ليوسف قائلا : قم و خذ الصبي و أمه } . و قد تعمد القرآن أن يصححه في أول سورة و أول آية , بتحديد صفة ( الرب ) التي لا يشاركه فيها رب سواه . فكلمة ( المسيح الرب ) , تم تصحيحها بقوله { ربك الذي خلق } و كلمة ( المسيح المعلم ) , تم تصحيحها بقوله : { و ربك الأكرم . الذي علم بالقلم }

إن القرآن لا يفتتح نزوله بدعوة الرسول إلى القراءة , كما يزعم رواة القصة المزورة , بل بدعوته إلى إصلاح خطأ جوهري في مفهوم الأله الواحد , و تطهير اسم ( الرب) من التحريف الناجم عن سوء النقل و الترجمة . و هي دعوة تكررت بوضوح في السورة الثانية بقوله : { ياأيها المدثر . قم فأنذر . و ربك فكبر }

و الثابت أن القصة المتداولة في كتب التفسير , هي مجرد محاولة جاءت في وقت لاحق , لتمرير الفكرة القائلة بأن الرسول محمد كان ( أميا ) بمعنى أنه لم يكن يعرف القراءة . و هي فكرة ولدت أساسا لتفسير قوله تعالى { الذين يتبعون الرسول الأمي } . لكن هذا التفسير نفسه مجرد حطأ ناجم عن سوء التفسير . فكلمة ( أمي ) لا تعني ( غير متعلم ) إلا في قاموس رجل جاهل حقا .

إنها مصطلح توراتي مشتق من كلمة ( ا و م ت ي ا ) بمعنى ( أممي ) أي غير تابع لأهل الكتاب من اليهود بالذات . و هو المعنى الذي يتبناه القرآن حرفيا , في آيات منه قوله تعالى : { و قل للذين أوتوا الكتاب و الأميين } .

فالأمي , في لغة التوراة , ليس هو ( غير المتعلم ) بل هو ( غير اليهودي ) الذي استبعده الرب من الشعب المختار , و اعتبره نجسا , لأنه غير مختتن و حرم عليه أن يطلع على الناموس , أو يقرأ الكتاب المقدس . و رغم أن رسل المسيح , رفضوا هذا الموقف اللاديني , و خرجوا للتبشير بين ( الأمم ) فإن الكلمة نفسها ظلت تعني ( غير الكتابي ) , و ظلت صفة لازمة لجميع الشعوب التي لم تتلق شريعة سماوية . لهذا السبب يقول القرآن { هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة و إن كانوا من قبل لفي ضلال مبين } . فالعرب لم يكونوا ضلال مبين , لأنهم كانوا لا يعرفون القراءة , بل لأنهم كانوا لا يملكون شريعة .

و الملاحظ أن قوله { يتلو عليهم آياته و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة } هو شهادة صريحة بأن الرسول لم يكن يحسن القراءة فحسب , بل كان معلما و محاضرا . فالمصدر ( ت ل ا ) يعني حرفيا ( قرأ بصوت عال ) , و منه ( ت ل ي ت ا ) أي صلاة ترتل بصوت مسموع . و قد اتفق القريشيون على اتهام الرسول بأنه ( يؤلف ) القرآن . و هي تهمة , كان من شأنها أن تبدو مستحيلة - و مضحكة - لو أن الرسول كان حقا لا يحسن القراءة و الكتابة .

إن أحدا لا يعرف من أين استمد المفسرون قولهم بأن كلمة ( أمي ) تعني ( غير متعلم ) , فليس ثمة مبرر ممكن واحد لهذا التفسير الغريب , سوى انحراف المنهج الذي ميز علم التفسير منذ مولده , بسبب إصراره على تجاهل مصادر لهجتنا العربية في القاموس الكلداني . و لو اختار الشراح أن يعودوا إلى أصل المصطلح في هذا القاموس , لما فاتهم أن يلاحظوا أنه مجرد مرادف لكلمة ( حنيف ) التي اصبحت صفة قرآنية لمفهوم الأسلام نفسه .

فالحنيف في لغة الكنيسة الآرامية هو ( الوثني ) الذي لا ينتمي إلى اليهودية أو النصرانية , و مصدرها ( ح ن ف ) بمعنى كفر و صبأ و ارتد إلى الوثنية . و هو مفهوم تلقائي في قاموس القرن السابع , لأن العالم لم يكن يعرف ديانة سماوية ثالثة غير هاتين الديانتين , و لم يكن بالتالي ثمة تعريف آخر لمن لا يدين بإحداهما , سوى لقب ( الوثني ) أو ( الحنيف ) الذي اشتقت منه كلمة ( ح ن ف و ت ) بمعنى عبادة الأوثان .

بعد ظهور الأسلام , حدث ارتباك متوقع في مفهوم هذا التعريف , فلم يعد غير اليهودي و غير النصراني - بالضرورة - رجلا وثنيا , بل ظهر المسلم الجديد الذي لا يدين باليهودية أو النصرانية , لكنه أيضا ليس و ثنيا من عبدة الأصنام , و هي الفكرة المحيرة التي أربكت مفهوم الأيمان لدى اليهود و النصارى معا , و دعت إلى تصحيح جذري في معنى الدين من أساسه , بالعودة إلى ( ملة إبراهيم ) .

فالمعروف أن النبي إبراهيم الذي ينتمي إليه اليهود و النصارى , لم يكن يهوديا و لا نصرانيا , لأنه عاش قبل ظهور هاتين الديانتين بزمن طويل . لكن ذلك لم يجعله و ثنيا , بل جعله مؤمنا مقربا يكلمه الله , بشهادة من اليهود و النصارى أنفسهم . و هي حجة ساقها القرآن في نقاش مفصل , لأقرار أربعة مباديء جوهرية في مفهوم الدين منذ نشأته :
المبدأ الأول : إن الدين سابق على قيام المؤسسة الفقهية و نزول الكتب المقدسة نفسها , كما في قوله : { يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم و ما أنزلت التوراة و الأنجيل إلا من بعده } و في سورة البقرة : { أم تقولون إن إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و يعقوب و الأسباط كانوا هودا أو نصارى } و هو سؤال استنكاري مهمته أن يعلن ان الأنسان عرف الله , قبل أن يعرفه الفقهاء .

المبدأ الثاني : إن الدين ليس فقها , بل شريعة تحرم الخلاف الفقهي من أساسه , كما في قوله : { و شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا و الذي أوحينا إليك و ما و صينا به إبراهيم و موسى و عيسى أن أقيموا الدين و لا تتفرقوا فيه } و إذا كانت التفرقة قد وقعت , فذلك أمر مرده إلى تغييب هذه الوصية بالذات .
المبدأ الثالث : إن الهداية لا تتحقق بالأنتماء إلى مؤسسة فقهية , بل تتحقق - فقط - برفض الأنتماء , كما في قوله : { و قالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة ابراهيم حنيفا و ما كان من المشركين }
و هو رد مهمته أن يقرر , أن وصاية الفقه على الدين , ليستمن الدين في شيء .

المبدأ الرابع : إن ( الحنيف ) أي ( اللامنتمي ) الذي يعتبره الفقهاء وثنيا , و يأملون أن يحترق في نار جهنم , هو بالذات , المؤمن الصالح صاحب الدين القيم و الصراط المستقيم , كما في قوله : { قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا و ما كان من المشركين } , و هي شهادة ربما لا تطابق مواصفات المؤمن عند أهل الفقه , لكنها تأتي من الذي بيده مفاتيح الجنة و النار معا .

هذه العقيدة يدعوها القرآن باسم ( صبغة الله و سنة الله و فطرة الله ) المشتقة من ( فطر ) بمعنى بريء من الصنعة , و عذري لم تخالطه خميرة . و هو المفهوم الذي نتداوله في قاموسنا المعاصر تحت اسم ( غريزة) , فالدين ليس فقها يتلقاه المرء من معلم , بل استجابة لغريزة في طبيعة الأنسان نفسه . إنه دستور يقوم على الأعتراف بأن الأنسان الحي مفطور على حب الحياة , و أن الحياة لا يضمنها قيام مؤسسة فقهية , بل يضمنها قيام مجتمع ديموقراطي قادر على الدفاع عنها ضد الظلم و الفقر و الخوف . و إذا كانت هذه الفكرة الحية , قد لقيت حتفها على يد الفقه , و تحولت إلى جثة محنطة في متحف التاريخ , فذلك هو الدليل على أن الدين ليس شعائر دينية , بل دستور لا يستطيع أن يتعايش مع أي نظام سياسي مختلف .

إن الله لم يفطر الناس على الصلاة و الصوم و تقبيل الصلبان و حجاب المرأة , بل فطرهم على حب الحياة الآمنة التي لا تستطيع أن تكون حياة , أو تكون آمنة , إلا في مجتمع إنساني قادر على ردع منطق القوة بضمان حق الأغلبية في صياغة القوانين , و هي الرسالة التي عمل الأنبياء على تبليغها بالدعوة إلى إقامة العدل . و عمل الفقهاء على تغييبها بالدعوة إلى إقامة الشعائر , في معركة لا مبرر لها , سوى حاجة الفقه إلى تطويع الدين في خدمة الأقطاع .

فنقطة الضعف - و القوة أيضا - في رسالة الدين , أنها دعوة سياسية تتوجه علنا لهدم كل نظام سياسي آخر , و تعمل بمثابة منشور مقدس , ينادي صراحة بإسقاط جميع أنواع الحكم التي لا تقوم على مسؤولية الأنسان عما كسبت يداه .و هي دعوة لا يستطيع الأقطاع أن يتعايش معها أو يبطلها أو يرفضها أو يهادنها , أو يحتويها , و لا يملك ثمة ما يفعله تجاهها , سوى أن يحيل لغتها إلى شيفرة سرية في قاموس سري , يتداوله رجال محاطون بالأسرار في مظهرهم و سلوكهم معا . لهذا السبب ولد الفقه في احضان الحكومة , و أصبح بديلا حكوميا عن الدين .

إن ( ملة إبراهيم ) التي دعا إليها القرآن لتحرير المجتمع من هيمنة الأقطاع , تتحول على يد فقهاء الأسلام إلى مؤسسة فقهية , لها خمسة أركان , ليس بينها ركن واحد له علاقة بإبراهيم .

فقد عمد الفقه الأسلامي إلى تحديد أركان الدين في آداء شعائر , لا يستقيم إسلام المرء من دونها هي : شهادة أن لا إله إلا الله , وأن محمدا رسول الله , و أداء الصلوات الخمس , و صوم رمضان , و إيتاء عشر المال في الزكاة , و حج البيت لمن استطاع إليه سبيلا . لكن مشكلة هذا التحديد , أنه لا ينطبق على النبي إبراهيم المسلم الأول , و لا ينطبق أصلا على أحد من الأنبياء الذين يسميهم القرآن ( مسلمين ) في نصوص صريحة غير قابلة للتأويل , منها قوله في شأن إبراهيم : { ما كان إبراهيم يهوديا و لا نصرانيا و لكن حنيفا مسلما }

و في شأن ولديه إسماعيل و إسحاق : { و وصى بها إبراهيم بنيه و يعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا و أنتم مسلمون }

و في شأن يعقوب : { إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك و إله آبائك إبراهيم و إسماعيل و إسحاق إلها واحدا و نحن له مسلمون }

و في شأن يونس : { إن أجري إلا على الله و أمرت أن أكون من المسلمين }

و في شأن موسى : { إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين }

و في شأن عيسى : { و إذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي و برسولي قالوا آمنا و اشهد بأننا مسلمون }

و في شأن فرعون شخصيا : { لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل و أنا من المسلمين } .

فالأسلام في قاموس القرآن ليس كلمة طارئة تبحث عن مصدر بل كلمة قديمة ذات أصل كلداني مصدرها ( ش ل م ) ( وافق و أصلح و آلف و أكمل و بلغ رشده و أصبح سليما و بريئا من العوج ) . إنه رسالة تقوم على الألفة بين جميع الرسالات , و تتوجه لأحتواء الشقاق الفقهي , بإعلان وحدة العقيدة و تقديم العمل على شكل الشعائر و اعتماد مبدأ مسؤولية الناس عما كسبت إيديهم . و إذا كان الفقه قد أصر على القول , بأن الأسلام لا يستقيم إلا بأداء الشعائر الخمس , فلا بد أنه قد استمد هذا الحكم من قرآن لا يعرفه أحد .

إن الأمر مقلوب رأسا على عقب , فالواقع أن الفقه هو الذي لا يستقيم إلا بأداء الشعائر , لأنه مجرد وسيلة شكلية يسخرها الأقطاع لاحتواء الدعوة إلى الوفاق , و تغييب الأمل الأنساني في السلام و العدل , وراء حلم مؤجل إلى يوم القيامة . أما ( العبادات ) التي يزعم الفقهاء أنها تعني ( الشعائر ) , فهي كلمة قديمة أخرى مشتقة من ( ع ب د ) بمعنى ( عمل و خلق ) , و منها ( ع ب و د ي ا ) أي عامل و خالق , و اسم مفعولها ( ع ب ي د ا ) التي يوردها القرآن بمعنى ( عبيد الله ) أي مخلوقاته .

فالعبادة في اللغة , ليست هي أداء الشعائر التي يفتي بها الفقهاء , بل هي أداء العمل الذي تقرره نتائجه الفعلية في أرض الواقع , و إذا لم يتمثل هذا العمل في السعي إلى توطيد السلام و العدل , بضمان حق الأغلبية في الحكم , فإنه يصبح مجرد بديل شكلي عن السلام و العدل بالذات .

في إطار هذه القضية , كنت أحاول هنا أن أطرح موقع الجامع في الأسلام , آملا أن يقود الحوار إلى اكتشاف الفرق الخفي - و الصاعق - بين رسالة الفقه و رسالة الدين , و كنت أتوجه لتسليط الضوء من عدة زوايا على خمس نقاط محددة :

الأولى : إن الأسلام ليس فقها بل سياسة تهدف إلى بناء مجتمع قادر على احتواء الخلاف الفقهي , باعتماد مبدأ ( مسؤولية المواطن عما كسيت يداه ) .

الثانية : إن هذا المبدأ , غير قابل للتطبيق إلا في مجتمع قائم على الأقتراع الحر , الذي يضمن لكل مواطن حق المشاركة في اتخاذ القرار السياسي .

الثالثة : إن كلمة ( مواطن ) في الأسلام , لا تعني المسلم وحده , بل تعني النصراني و اليهودي و كل مؤمن آخر مهما كانت عقيدته , فالخليفة لا يدعى ( أمير المسلمين ) بل ( أمير المؤمنين ) .

الرابعة : إن ( المسجد ) كلمة مشتقة من سجد , لأنه خلوة للصلاة , أما ( الجامع ) فهو من كلمة جمع , لأنه مؤتمر سياسي مهمته أن يضمن لكل مواطن حق المشاركة شخصيا في اتخاذ القرار السياسي , و إذا كانت ثقافتنا الأسلامية لا تميز الآن بين المسجد و الجامع ؛ فذلك أمر مرده إلى أنها ثقافة فقهية مسخرة أساسا لتغييب نظام الجامع بالذات .

الخامسة : أن اللقاء الأسبوعي في يوم الجمعة , لقاء سياسي مخصص للمساءلة و الحوار , بحضور المسؤولين الداريين , و إن تغييب هذا الحوار , وراء مواعظ الفقهاء في خطب الجمعة , مجرد دليل على أن الفقه هو البديل السياسي عن الدين .

إننا في حاجة لكشف هذه المغالطة المستمرة . فالأسلام الذي يبدأ بمثابة عودة إلى ( ملة ابراهيم ) , هو رسالة مشروطة شرعا بالعودة إلى عصر ما قبل المؤسسات الفقهية . إنه دعوة لا تستقيم , إلا بإنهاء الخلاف الفقهي بين العقائد و الجناس , و تقديم نوع العمل على نوع الشعائر , و تحرير الواقع من الخيال , و الأعتراف - دستوريا - بمسؤولية الناس عما يحدث لهم , و عما يحدث من حولهم , و هي رسالة لا ترتبط بما يقوله هذا الفقيه , أو هذا كاهن , بل بما يفعله هذا المواطن الذي فقد حقه في القول و الفعل معا .
11-04-2009, 07:31 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS