يتميز الدين الاسلامي في عبادة إله يسمى " الله" حصريا، على الرغم من ان القرآن استخدم اسماء إلهية اخرى.. اللاهوت الاسلامي يدعي ان الله الماقبل اسلامي كان هو نفسه الاله التوراتي الذي دعت اليه رسل اهل الكتاب . هل كان " الله" هو إله توراتي ام انه كبير إله الوثنيين المنحدر عن معبودات السابقين في الصحراء العربية ماقبل الاسلام؟
ان اصرار الاسلام على القول ان الله الاسلامي هو امتداد واستمرار لله التوراتي يملك اهمية عظمى في محاولة جعل الاسلام امتداد لما سبقه وتحويل اتباع الديانات السابقة الى " مؤمنين" على إعتبار ان " الله" هو استمرارية لإله المسيحيين واليهود ويقدم لهم اعترافا مجانيا بسماوية كتبهم، ليصبح قبول الاسلام والاعتراف به هو الخطوة التالية في الديانة المسيحية واليهودية. ولكن، إذا كان الله هو إله وثني، موروث عن مايعبده الوثنيين فليس من الممكن الادعاء انه ذات إله اليهود والمسيحيين، ويصبح الانتماء اليهم او التعاطي معه على انه حجة لهم (لكونه يعترف بهم) لاقيمة له من هذه الزاوية، هذا إذا تجاوزنا ان الاله اليهودي " الوهيم" هو بدوره منحدر عن الميثالوجيا السومرية، ولكن ضمن اطر اخرى لامجال للتعاطي معها الان.
عمليا من الممكن الاستمرار في الادعاء الى المالانهاية، في حين ان الادلة الصلبة لايمكن الحصول عليها من مجرد الادعاءات وانما تتطلب الحفر وقراءة الاثار. هذه هي الطريقة الوحيدة لمعرفة اصل كلمة الله. المثير ان الادلة التاريخية التي سيجري عرضها تعطي مايكفي من الادلة التي لايوجد مايعارضها عن تاريخ الله كإله وثني، إله الوثنيين القدماءفي مختلف انحاء الجزيرة العربية وحوض النهرين ، الله هو القمر المتزوج من الشمس والنجوم بناتهم.
الاركالوجيين عثروا على معابد لعبادة القمر في جميع انحاء الشرق الاوسط من جبال تركيا الى شواطئ النيل. لقد ظهر ان اكثر اعبادات انتشارا في حضارة هذه المنطقة هي عبادة إله القمر. في كتابات الحضارة السومرية الاولى وصلتنا الاف الالواح الطينية التي يصفون فيها عقيدتهم. من هذه الالواح نعلم انهم كانوا يعبدون إله القمر والذي كان يملك العديد من الاسماء (في ذلك الوقت كانت تعني صفات). اكثر الاسماء شيوعا كان نانا، سون، عظيم بابا (!) Nanna, Suen, Asimbabbar. هذا الاله كان يرمز له بالهلال. اعتمادا على الكم الكبير من الوثائق عن عبادة اله القمر لابد لنا من الاعتقاد ان هذه الديانة كانت هي الاوسع في سومر. الاشوريين والبابليين والاكدين اقتبسوا هذه الديانة وحرفوا اسم اله القمر سون الى سين, Sin, ليكون الاله المحبوب والرئيسي.
في سوريا وكنعان القديمة كان يرمز للاله سين بهلال. مع الوقت اصبح يضاف القمر الكامل الى الهلال ليبقى الهلال ظاهران وليصبح اشارة الى جميع فترات ظهور القمر. الربة الشمس كانت زوجة الرب سين في حين كانت النجوم بنانتهم. مثلا كانت عشتار واحدة من بناتهم والاضاحي اليهم جرى تعدادها في الوثائق التي جرى العثور عليها في رأس شمرا. في وثائق اوغاريت نجد ان اله القمر كان يطلق عليه احيانا اسم كوسوه، Kusuh. في فارس ومصر نجد ان اله القمر كان يظهر بوضوح في المنحوتات الجدارية وعلى رأس الاصنام، حيث كان قاضي على الرجال وعلى الالهة.
العهد القديم كان على الدوام يؤكد على تحريم عبادة القمر. حذر الرب شعب إسرائيل فقال: " لا ترفع عينك إلى السماء وتنظر الشمس و القمر والنجوم وكل جند السماء .. فتغتر وتسجد لها وتعبدها "
( تثنية 4: 19) وفى 2( ملوك 21: 3-5) وفى (ارميا 8: 2) وأيضا فى ( أرميا 19: 13 ) وفى ( صفنيا 1: 5) (see: Deut. 4:19;17:3; II Kngs. 21:3,5; 23:5; Jer. 8:2; 19:13; Zeph. 1:5, etc.).
بمعنى انه عندما سقطت اسرائيل في عبادة آلهة الوثنيين كانت عبادة القمر هي المعنية، إذ انها هي العبادة الوثنية الشائعة. هذا الامر يؤكده كون الإله القمر شكلا شائعا في جميع اللقى التعبدية والطقسية القادمة من الحضارات القديمة، حيث نرى الشعوب القديمة ترسم صورة إلههم على الحلي والفخار ورسومات الحائط والتماثيل والاسطوانات واللوحات. في تل العبيد جرى العثور على رأس عجل من النحاس وعلى جبينه صورة هلال. من مدينة اور نجد لوحة Stela Ur-Nammu حيث تحتوي على قائمة بأسماء الالهة ويعلوها القمر على إعتبار ان إله القمر هو رئيس الالهة، بل ونجد خبز جرى تحضيره على شكل هلال تقديسا لإله القمر، في تل العبيد عثر على رأس ثور من النحاس على جبهته يظهر رسمة الهلال. حضارة اور كانت مرتبطة بالقمر الى درجة اننا نجد بعض الاسطوانات الطينية التي تطلق اسم نانا على إله القمر من تلك البدايات المبكرة.
الباحث المشهور Sir Leonard Woolley عثر على معبد عبادة القمر في اور، كما عثر على العديد من الدلائل التي تدل على عبادة القمر في اور ومعروضة في المتحف البريطاني. في الخمسينات جرى التنقيب عن معبد كبير لعبادة القمر في مدينة هازير Hazer الفلسطينية. إضافة الى ذلك جرى العثور على منحوتين احدهم لرجل وعلى صدره صورة هلال. الكتابة المرفقة بهم توضح انهم كانوا يعبدون القمر. العديد من المنحوتات الصغيرة جرى العثور عليها وكان يشار اليهم على انهم بنات القمر.
ولكن ماذا عن الجزيرة العربية؟
يشير البروفيسور Carleton Stevens Coon الى ان المسلمين لم يكن لديهم الرغبة في إبقاء اي اثر للديانات الوثنية القديمة، وسعوا بقوة لمحي كل اثر لها، ولم يبقى منها الا مالم يكن في متناول ايديهم. هذا الامر نجد له صدى في كتب التراث الاسلامي حيث يقول احد الاحاديث معترفا بشدة انتشار الاصنام حتى في منزل الرسول:
حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أبي إسحاق عن مجاهد عن أبي هريرة
أن جبريل عليه السلام جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فعرف صوته فقال ادخل فقال إن في البيت سترا في الحائط فيه تماثيل فاقطعوا رءوسها فاجعلوها بساطا أو وسائد فأوطئوه فإنا لا ندخل بيتا فيه تماثيل (مسند احمد 7733)
لسنوات عديدة كانت المملكة العربية السعودية ترفض البحث عن الاثار او التعاون في مجال الاثار وعلى الرغم ذلك نجد انه حتى آيات القرآن نفسها قدمت معاني تتطابق تماما مع المعطيات التاريخية التي بين ايدينا..
[al-Laat, al-Uzza en Manat, de dochters van Allah]
في القرن الثامن عشر وصل J. T. Arnaud, J. Halevy and E. Glaser وعثروا في حفرياتهم في جنوب الجزيرة العربية على الاف القطع تعود لحضارات قديمة. في معبد القمر في مأرب، في مملكة السبأيين جرى العثور على Sabean Moon ولدى المعنيين والقطبانيين Minaean and Qatabanian وصل عنهم العديد من الكتابات عن عبادة القمر. في الاربعينات من القرن الماضي قام الاركيولوجيين G. Caton Thompson and Carleton S. Coon بإكتشافات مذهلة في الجزيرة. في الخمسينات قام Wendell Phillips, W.F. Albright, Richard Bower بالعثور على مواقع اثرية في مناطق Qataban, Timna, and Marib, والاخيرة كانت عاصمة سبأ. بنتيجة هذه الاكتشافات جرى تجميع الاف اللوحات والتماثيل الحجرية. منحوتات ومزهريات استخدمت من اجل طقوس تعظيم " بنات الله" تم العثور عليهم. تشير اللوحات الى صور " اللات والعزة ومناة" الى جانب ابوهم الله، الذي هو نفسه القمر متمثلا بصورة القمر فوقهم. كافة البراهين تشير الى ان عبادة القمر كانت شائعة للغاية وعميقة الجذور في حضارات المنطقة بما فيه الجزيرة العربية.
[Nabonidus, Star and Crescent of Harran coin, Sign of Sin]
العهد القديم , Nabonidus (555-539 BC), يسرد لنا ان الملك الاخير لبابل قام ببناء تاياما في الجزيرة العربية لتصبح كعبة لعبادة القمر. ذكر سيغال: " في جنوب الجزيرة العربية كانت الديانة الرئيسية على الدوام عبادة القمر، الاله القمر، بمختلف اشكاله". الاسم القديم للاله القمر كان سين (نلاحظ ان عند المصريين ايضا كان اسمه سين)، ونرى انه بقي جزء من تسمية الصحراء " سيناء". عندما تخلت الشعوب المجاورة عن عبادة القمر بقى العرب في صحراءهم مخلصين لربهم على انه الاله الاكبر، اكبر الالهة واعظمها. وعلى الرغم من إمتلاكهم 360 إلها آخر، جميعهم لهم موقعهم في الكعبة نجد ان الله (القمر) بقي سيد الالهة واكبرهم. الكعبة كانت بيت الالهة، جميع الالهة، الامر الذي جعلها تجذب احترام جميع العرب على إعتبار ان كل منهم، مهما كان الرب الذي يعبده، سيجد ربه له موضعا في كعبة قريش، وهو امر كانت تفتقده بقية كعبات العرب وعدد ماوصل منها لعلمنا حوالي 22 كعبة. عام 1944 اشارت الباحثة G. Caton Thompson في كتابها الى العثور على معبدا لعبادة الإله القمر The Tombs and Moon Temple of Hureidha, ويقع في جنوب الجزيرة. في هذا المعبد كانت تنتشر صور القمر (الهلال) وليس اقل من 21 كتابة تذكر اسم سين، إضافة الى منحوتة اخرى يعتقد انها لله القمر نفسه . هذه الامر جرى تأكيده لاحقا من المزيد من الاركيولوجيين لاحقا.
الادلة تؤكد ان عبادة القمر كانت في كامل نشاطها في العصر المسيحي . والادلة المجموعة من شمال وجنوب الجزيرة العربية تدل على ان عبادة القمر كانت ايضا وبكل وضوح في قمة نشاطها حتى في فترة محمد، حيث كانت لاتزال هي الديانة الاوسع انتشارا. حسب العديد من الكتابات القديمة فإنه وعلى الرغم من ان " سين" كان اسم إله القمر، الا ان اسمه كان يسبقه تعبير " الاله" الامر الذي كان يعبر عن رفعة منزلته بين الالهة، وكانوا يرفعونه الى رتبة رب الارباب. وكما اشار الباحث Coon فأن "ايله او إله" كانت احدى المراحل في الطريق الى اسم الله الاسلامي الحالي. " الاله القمر كان يطلق عليه " ال إله" ليجري دمجه واختصاره لاحقا الى تعبير واحد " الله" وهو امر جرى قبل قدوم الاسلام". والوثنيين العرب اطلقوا اسم الله على ابناءهم، تماما كما كان الامر مع اسم والد محمد " عبد الله"، على الرغم من ان الله ليس اسما من اسماء اهل الكتاب وانما اسم من اسماء آلهة الوثنيين وحدهم. هذه الامر يبرهن على انه كان اسم يطلق على القمر في عهد محمد، على إعتباره رب الارباب. يؤكد Coon على انه في عهد محمد وتحت رعايته اصبح الله شخصية منفصلة عن القمر واصبح التعريف ال جزء لايتجزء من كامل اسمه ليصبح لاينفصل عن اسمه السابق إله والذي كان مخصصا للقمر سين، هنا اصبح اسما لخالق اعظم منتزعاً عنه صفاته الاسبق. .
هذه الوقائع تجيب على سؤال: لماذا لم يحتاج القرآن الى تقديم تعريف لله ابداً؟
لماذا انطلق محمد من بديهية ان العرب الوثنيين يعرفون من هو الله الذي يعنيه؟
محمد رفع من شأن الإله القمر الوثني تماما كما العرب الوثنيين، ولكنه تجاوز الوثنيين بخطوة. في الوقت الذي كان العرب يقدسون الله على انه الاعظم بين الارباب، اشار محمد الى انه ليس فقط الاله الاعظم ولكنه ايضا الاوحد. بمعنى اخر كان يقول لهم:" لازال الله الذي تعبدون هو الهنا الاعظم، ولكني استبعد فقط زوجته وبناته وبقية الالهة من العبادة، وهو امر يدل على انه ابقى لهم احد الهتهم التي يعرفونها ، إلههم الاعظم، الإله القمر الذي يعرفوه جيدا، وليس إله من اهل الكتاب". من نتفهم كيف ان الله يوصف في الاسلام ليس بالله العظيم وانما الاعظم، والاحسن. مثل هذا التفاضل لايمكن الا ان يكون بين آلهة|، وبالتالي على خلفية تعدد الالهة السابقة، ليصبح الله افضلهم، في مسيار محاولة اقناع الناس المتعددي الالهة. البعض اليوم يحاول تفسير الامر على انها مقارنة بين الله والانسان، في حين ان ذلك غير ممكن، بل ويموج بالاهانة لله، من حيث ان العظيم لايمكن مقارنته بالمهين. مثلا عند مقارنة الاستاذ بتلاميذه فهذا يكون في معرض الاهانة للاستاذ، في حين ان مقارنته ببقية الاساتذة يكون في معرض المدح. من هنا لايمكن ان تكون مقارنة لله مع البشر الا في معرض الذم وهو امر لايجوز حكما. ومن المعلوم ان الوثنيين العرب لم يتهموا محمد بانه يطالبهم بعبادة اله من خارج منظومة الالهة التي يعبدونها، في حين انهم لم يعبدوا إله اهل الكتاب. على هذه الخلفية يكون محمد قد حاول كسب الطرفين. من جهة قال للوثنيين انه لازال يؤمن بربهم إله القمر، في حين انه يقول لليهود والنصارى ان الله هو ربهم ايضا. غير ان النصارى واليهود لم يقنعهم هذا المنطق ورفضوا مثل هذه الالتفافات واعتبروا الله إلها مزورا.
الكندي، وهو احد المسيحيين في العهد الاسلامي، انتبه الى هذه المسألة حيث اشار الى ان الله الاسلامي ليس مصدره الكتب السماوية لاهل الكتاب وانما جاء عن طريق الوثنيين السبأيين القادمين من اليمن. بناء على ذلك تكون طقوس المسلمين موجهة ليس الى اله اهل الكتاب وانما الى إله القمر، ابو اللات والعزة ومناة. يكتب الدكتور نيومان في كتابه:" لقد ظهر ان الاسلام دين منفصل، نمى مباشرة عن عبادة القمر". يقول قيصر فرح:" لهذا السبب لايوجد اي سبب لقبول فكرة ان الله الاسلامي قد جاء للمسلمين عن طريق النصارى واليهود". العرب عبدوا إله القمر على انه رب الارباب، ولكن هذا الرب لم يكن رب اليهود. وفي الوقت الذي كان هذا الاله هو الاعظم كان لايزال واحد من عشرات في مملكة الالهة التي جرى تصويرها على شاكلة ممالك الانسان. ولذلك فعندما يقوم الانسان بعبادة القمر بإعتباره الاله الاعظم تنعدم الامكانية للعودة الى القول ان هذا الاله ليس اله وثني قبل الاسلام لمجرد انهم كانوا يعتبرونه الاعظم بين آلهتهم المتعددة. على العكس نجد ان الاسلام، وعلى الرغم من اعتبار القمر الاله الاوحد الا انه ابقى على مملكته الموازية والمشابهة لممالك البشر، ليجعلها مملكة يحكمها ملك واحد متربعا على العرشن بذات عقلية الملوك التي تحكم الممالك البشرية وبذات الطرق ولذات الاهداف..
هل يصبح بعد ذلك من الغريب ان نفهم لماذا يكون شعار الاسلام والمسلمين الذي يرتفع على منارات المساجد هو الهلال تحديدا؟
لماذا يكون مقبولا ان الاله الهلال يرفرف على اعلام الدول الاسلامية واحيانا الى جانبه احدى بناته من النجوم؟
لماذا يكون التقويم الاسلامي قمري، والطقوس المقدسة اعتمادا على القمر؟
الخلاصة
من هنا نرى ان العرب الوثنيين كانوا يعبدون الإله القمر (الله)، من خلال الدعاء اليه موجهين وجهم الى الكعبة، وبالحج السنوي والدوران حول الكعبة. وتقبيل الحجر الاسود وتقديسه والتضحية الى الله وقذف الجمرات والصيام شهر رمضان وتحريم الحرب في الاشهر الحرم وتقديم الصدقات الى الفقراء. هذه الطقوس ابقاها الاسلام في عبادة الاله القمر، وابقى اسم الاله الذي تتوجه الطقوس اليه. بهذا يكون الاسلام إعادة بناء الموروث الميثالوجي وتقديمه بصورة جديدة. القول انه امتداد لدين اهل الكتاب، امر لاتدعمه الوقائع، على الرغم من ان إعادة البناء استفادت من خبرات اهل الكتاب وبضعة من اشكالهم، غير انه عملية احياء رائعة للتراث التاريخي الوثني للعرب للاستفادة منه في ولادة الامة الجديدة.
ترجمة خالق محجوب، بتصرف