متي يأتي بشار الأسد لزيارة مصر؟
الاختبار الحالي هو الأخير لما بقي من القوة العربية
والبداية الصحيحة في سرعة إنجاز المصالحة الفلسطينية
بقلم: مراد عزالعرب
يسجل التاريخ أن جمال عبدالناصر قد وقف يوما ليعلن للعالم وسط تأييد شعبي وعربي غير مسبوق: سنقاتل إلي آخر قطرة من دمائنا, قالها وهو يواجه عدوانا ثلاثيا عام56 من القرن الماضي بمشاركة بريطانيا العظمي وفرنسا الكبري, بالإضافة إلي إسرائيل, والآن يسجل التاريخ أيضا أنه في عام2010 من القرن الحالي يطلق رئيس الوزراء العراقي صيحته المدوية: لن نسكت بعد اليوم, وكان يقصد11 جنديا إيرانيا قاموا باحتلال جزء من بلاده فيه حقل الفكه ولا يعلم أحد إن كانوا غادروا أم لا.
نوري المالكي لم يكن يتحدث علي سبيل الدعابة التي قد تؤدي بنا إلي حد البكاء علي البلد الشقيق الذي كان يملك يوما جيشا قويا يفوق تعداده المليون جندي فإذا به يعجز عن صد القوات الغازية التي يبلغ قوامها أصابع اليدين ومعها إصبع واحد, ولكن رئيس الوزراء العراقي دون أن يدري أصاب كبد الحقيقية والمأساة التي تتضح معالمها في الكثير من أجزاء المنطقة العربية
وتشير إلي أمر واحد لا جدال حوله, وهو أن العرب قد هانوا علي أنفسهم فطالبت عليهم الأمم, وتكاثرت حولهم الذئاب الطامعة وتحولت أراضيهم وأوطانهم إلي ساحات مفتوحة للصراعات الإقليمية والدولية المفارقة هنا أن العرب وقت جمال عبدالناصر كانوا يواجهون الدول الكبري وهي في عنفوانها واستطاعوا وسط سباق بسط النفوذ بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ـ في ذاك الوقت ـ أن يفرضوا معادلات دولية منها قيام حركة عدم الانحياز وغيرها من آليات للضغط والمقاومة حماية لأنفسهم ولقضاياهم المصيرية.
ولعلنا نجد في أسوأ الأحوال العربية عقب هزيمة عام67 بكل ما تمثله من مرارة وخسارة فادحة درسا في التماسك والإرادة التي لا تقهر, وعندما رفض الشعب المصري الاعتراف بالهزيمة المباغتة والغادرة جاءت قمة الخرطوم وقتها لتؤكد أن هذه الأمة قادرة علي البقاء ولا مجال للاستسلام مهما تكن قوة الأعداء, وبالفعل استيقظ العالم علي العبور العظيم في حرب أكتوبر المجيدة عام73 التي أعلن العرب من خلال مواقفهم الموحدة واصرارهم علي قرار وقف امدادات النفط أنهم قد أصبحوا رقما صحيحا في المعادلة التي تحكم القرار الدولي.
أما الآن فالصورة مغايرة تماما, لم يعد للاتحاد السوفيتي وجود بعد زواله وتفككه, والولايات المتحدة ومعها أوروبا القديمة والجديدة غارقة في الأزمات الداخلية التي تؤثر وبشكل مباشر علي أدائها وقوتها ونفوذها, والأزمة المالية العالمية ليست وحدها المسئولة عن هذا الهزال والضعف الذي أصاب القوي الكبري وإنما غياب الزعماء القادرين علي القيادة الصححية وانتشار الفساد في مؤسساتها, وبعد روزفلت وكيندي وكارترر وتشرشل وديجول تحولنا إلي بوش الابن المغامر وأوباما الضعيف المتردد وبلير التابع وبراون الذي لا تربطه صلة بماركة الخلاط الشهير..
كان يفترض أن يزداد العرب قوة وتأثيرا علي الساحة الدولية مع استمرار تراجع دور واشنطن وموسكو ولندن وباريس, إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث والسبب لم يكن من الخارج أو نتيجة الحروب التي لم تفلح في كسر الإرادة السياسية ولم تحقق الأمن لإسرائيل, وإنما كان السبب المباشر في اللعنة التي أصابت العراق, حين قرر صدام حسين غزو الكويت ولا نجد توثيقا محايدا لأحداث تلك الفترة للتعرف علي دوافع صدام للقيام بهذه الخطوة التي أعادت العرب جميعا إلي نقطة الصفر وانعدام الثقة فيما بينهم.
وجري ما جري من تطورات أدت في النهاية إلي غزو العراق, وإهدار دماء شعبه واستنزاف ثرواته وتحولت أرضه إلي حقل للتجارب واستنباط أنواع جديدة من التقسيمات العرقية والطائفية والمذهبية واستزراع أجيال متعاقبة من الإرهابيين القابلين للتصدير إلي بقية الدول المجاورة.
ومع توالي المشاهد القائمة علي المنطقة بالنظر إلي ما جري في لبنان من عنف وفوضي اكتمل بالعدوان الإسرائيلي الوحشي وفلسطين التي تقسمت البقية الباقية من أراضيها حين نشب الصراع بين فتح وحماس وانفصلت الضفة عن غزة وأيضا جاء الحصاد عدوانا وحشيا أتت فيه إسرائيل علي الأخضر واليابس في القطاع المنكوب, ووصولا إلي السودان التي تنتظر هي الأخري التقسيم بين الشمال والجنوب, والصومال التي تخصصت في القرصنة البحرية دون وجود يذكر للدولة.
ثم نصل إلي المحطة الأخيرة في اليمن التي تعيش الآن نفس السيناريو الأفغاني كما أشرنا الأسبوع الماضي تمهيدا للانتقال إلي الحلقة الرئيسية والمحطة الأساسية وفقا للمفهوم الأمريكي ـ الأوروبي حيث ستكون المواجهة القادمة في الجزيرة العربية حيث ولدت القاعدة وحصنها الحصين..
هذا التفكك والتشرذم في المشهد العربي والذي يصل إلي الحدود القصوي من التردي والضياع يتطلب الرصد الأمين والجاد وبعيدا عن أي انفعالات للبحث عن الخيارات المتاحة أمام العرب للبقاء كأمة علي قيد الحياة.
ومن المؤسف حقا القول إنه لم يعد هناك أمام العرب العديد من الخيارات بل إنه الخيار الأخير, وقد يكون من الأصح تسميته بالاختبار الاجباري الذي لا مفر من اجتيازه لما بقي من القوة العربية.
وحتي يكون الحديث واضحا فإن عناصر تلك القوة تنحصر في ذلك المثلث المعروف باضلاعه الثلاثة حيث تشكل القاهرة قاعدته وسوريا والسعودية ضلعيه الآخرين.
والرؤية عن بعد للأوضاع المحيطة بهذا المثلث تظهر عن يقين اقتراب الحرائق المشتعلة من الدول الثلاث حتي لتكاد تطوقها وتحاصرها.
ويخطيء كل الخطأ من يعتقد أنه في أمان منها لأن التجارب الماضية قد أكدت حقيقة أنه من أيسر الأمور وأسهلها ايجاد التبريرات الإقليمية والدولية لفتح احد الملفات حتي ولو بدون وجه حق كما ثبت من حكاية أسلحة الدمار الشامل المثيرة للسخرية في العراق وانتهت بتدمير البلد العربي بما هو أكثر من القنبلة النووية..
إنه وقت الرؤية الثاقبة التي تعودناها دائما من الرئيس مبارك الذي ظل يحذر من التداعيات الخطيرة عقب مغامرة صدام, ثم أخذ يحذر من غزو العراق, وإذا بكل ما حذر منه بات حقيقة واقعة تعاني منها شعوب المنطقة ويدفع العالم كله ثمنها من أمنه واستقراره..
والملك عبدالله بن عبدالعزيز له أيضا رؤيته وحنكته المعروفة وقد دعا ـ صادقا ـ في قمة الكويت الاقتصادية إلي المصالحة العربية وطي صفحات الخلاف واتخذ مبادرات قادته إلي دمشق الأمر الذي سهد حلحله الملف اللبناني وأمكن انجاز الاستحقاق الرئاسي وإجراء الانتخابات التشريعية وتشكيل حكومة سعد الحريري, وكلها محطات لم يكن ممكنا بلوغها دون ضوء أخضر من دمشق.
وبذلك نصل إلي الرئيس السوري بشار الأسد الذي تربطنا واياه صلة دماء الشهداء, وقد نختلف أو نتفق في القضايا المطروحة علي الساحة, ولكن إذا تعلق الأمر ببقاء الأمة ومنعها من السقوط إلي الهاوية السحيقة التي تم إعدادها بالفعل فهنا تبدو الأمور مختلفة والقرارات حتمية.
وعودة الضلع الغائب عن مثلث القوة العربية لن يكون بغير زيارة يقوم بها بشار الأسد إلي مصر, زيارة تأخرت كثيرا ولكنها باتت ضرورية وحاسمة لانقاذ الأمة كلها ولاستعادة الحد الأدني من القوة المنشودة.
والقراءة الصحيحة الثاقبة للثوابت المصرية تشير إلي أن أبواب مصر وقلوبها مفتوحة دائما أمام الأشقاء, وأن مصر تنظر دوما إلي المصالح العليا دون أن تنشغل بالخلافات التي قد تحدث بين أبناء الأسرة الواحدة.
ويدرك الرئيس بشار الأسد قبل غيره أن المصالحة الفلسطينية تظل هي الأساس للمصالحة العربية, وكما تم تحقيق خطوات فعلية علي الساحة اللبناية, فإن المصالحة الفلسطينية الجاهزة والتي تنتظر توقيع حماس عليها بعد أن قامت فتح بتوقيعها, هذه المصالحة باتت رهينة بحسابات غير عربية وتحديدا من إيران..
وإذا كنا علي دراية كاملة بالقدرة السورية علي توجيه دفة الأمور إلي ما يحقق المصلحة والأهداف المنشودة, فإن عودة أرصدة دمشق إلي حساباتها العربية لم تعد سوي مسألة وقت لا أكثر, وإن كنا هنا نخشي من السرعة التي تتدهور بها الأوضاع في المنطقة مما قد يخرجها عن السيطرة..
وخلاصة القول في المسألة السورية ترتبط بناحيتين علي جانب كبير من الأهمية, الأولي: انه في حالة الدخول إلي مفاوضات جادة ونهائية مع إسرائيل, فهل يجوز ذلك في ظل التباعد السوري؟
والناحية الثانية تتعلق بعلاقات دمشق مع طهران التي تفسح المجال أمام إيران للخروج من المأزق الحالي الذي تعانيه بسبب الأوضاع الداخلية من ناحية وضغوط المجتمع الدولي من الناحية الأخري, وتستطيع إيران استخدام الممر السوري للاستفادة من المظلة العربية التي تحميها من ضربة تشير كل التوقعات إلي أنها آتية لا ريب فيها.
والعرب من ناحيتهم علي استعداد لتوفير تلك المظلة بشرط واحد هو تخلي طهران عن حسابات الثأر من جيرانها والاستيقاظ من أحلام وأوهام الامبراطورية القديمة.
نقلا عن جريده المساء المصريه .