من الذي يغير العالم ويصنع الحضارة والتاريخ هل هو الشاعر أم الباحث العلمي أم السياسي أم أصحاب رؤوس الأموال والشركات أم المفكر والفيلسوف؟

في سجال سابق لي مع أحد الزملاء في منتدى آخر عن دور الشعراء في صناعة الحضارة قلت له بالحرف الواحد:

عمر ما الشعر ولا الكلام رفع قدر إنسان ولا حط من قدره وعمر ما الشعراء غيروا أو ساهموا بأي شيء في الحضارة أو بتغيير مجرى التاريخ وإلا لكان العرب الآن هم سادة العالم ، الدنيا تحترم الرجال الذين يغيرون الواقع بالفعل والتضحية وليس الذين القاعدين الذين يثرثرون وينفثون الكراهية أو يصيغون أبلغ القصائد الرومانسية والمدائح وكل ألوان الزخارف اللفظية والبلاغية.

فقال لي صديقي :

وما الذي يمكن للشاعر أن يفعله أكثر من أن يكتب بقلمه ، الشاعر لا يملك دبابات او مدافع او طائرات وكل ما يملكه هو قلم ولسان ، لو سمع السادات مثلا صرخات " أمل دنقل " وهو يقول له "لا تصالح" وذلك قبل ان يفعل السادات ما فعله بأكثر من عام لتغير مجرى تاريخ المنطقة كلها . وفي كل الثورات كان الأدب والفن من ضمن الخلفيات المؤثرة فيه وإلا لماذا تصر الأنظمة الديكتاتورية على قمع وتصفية المفكرين والشعراء تماما كما تفعل مع الثوار المسلحين .

فقلت له :

يمكنه وبصفته إنسان لا شاعر أن يعمل مثل الناس الذين سعوا للتغيير وانخرطوا بالعمل العام ونجحوا في ذلك في التاريخ وفي الحاضر سواء كانوا اعلاما وقادة مشهورين أم كانوا أتباعا. تبقى قيمة الإنسان بالأثر الذي أحدثه وجوده في الحياة منذ لحظة قدومه لهذا العالم حتى لحظة مغادرته هذا الأثر يتم بأفعاله لا بحلاوة لسانه وفصاحته وقدراته الخطابية.

ثم ان المفكر شيء والشاعر شيء آخر ومختلف تماما ولا يصح أن تجمع الاثنين في بوتقة واحدة ، المفكر يقدم مضمون يخاطب العقل والشاعر يقدم مادة جمالية بقصد الترفيه تخاطب الوجدان والعواطف بغض النظر عن قيمة المضمون ، الشعر لا يعيبه الكذب وليس صحيحا ان الشعراء يصنعون نهضات ويغيرون مجرى التاريخ مع أنه ليس كل المفكرين قدموا شيئا مفيدا للحضارة فالمفكرين الذين قدموا حلولا عملية مثلا وابتكروا آليات عمل للنظام السياسي ووضعوا أنظمة اقتصادية وادارية قابلة للعمل والتطبيق في الدول والشركات والمؤسسات أمثال جان جاك روسو أو آدم سميث جون ستيوارت ميل وفريدريك تايلر مؤسس علم الادارة فهؤلاء يمكن اعتبارهم أناس عظماء ساهموا في صنع الحضارة وتركوا بصماتهم على الواقع المعاش ، أما المفكرين النظريين الذين يقومون بتحليل الواقع من امثال طرابيشي والجابري وادوارد سعيد و نعوم تشاومسكي و بول كينيدي ولطفي الخولي وصادق العظم... الخ فهؤلاء لا يصنعون حضارة ولا تصنع كتاباتهم أي تغيير من اي نوع لا على المستوى السلوكي ولا على مستوى البيئة والتكنولوجيا وطرق تفكير البشر.

الشعراء لم يصنعوا أي نهضة في أي أمة النهضة يصنعها أمثال نيوتن لا شكسبير ، النهضة يصنعها القادة السياسيين الكبار والمصلحين الاجتماعيين والمفكرين وحتى الرأسماليين الوطنيين من رجال الأعمال الذين يوظفون رؤوس أموالهم النقدية والمعرفية والتكنولوجية في بلادهم على شكل استثمارات ترفع الدخل القومي ومن ثم تحد من التخلف الاقتصادي والحضاري النهضة يصنعها العلماء من أصحاب الاكتشافات العلمية أما المتنبي وشوقي ومظفر وأحمد مطر وحتى محمود درويش وكل الشعراء والمغنيين فليسوا عظماء ولو لم يوجدوا بالحياة لما تغير مجرى التاريخ ولا حتى 1 بالألف من الملميتر.

وإلا قل لي من كان أهم للبشرية بدر شاكر السياب وشوقي ودنقل وأحمد مطر وحافظ ابراهيم واحمد رامي واحمد فؤاد نجم وايليا ابو ماضي وعزيز اباظة وابو القاسم الشابي ونزار قباني أم ويليس كارير مخترع مكيف الهواء ولو أردنا أن نعيد التاريخ ونحذف منه أسماء ناس من برأيك أولى بالحذف هو هؤلاء الشعراء مع احترامي لانتاجهم الأدبي أم نحذف جراهام بيل الذي اخترع التلفون أم نحذف المهاتما غاندي وبسمارك ومارتن لوثر كنغ؟

هل جميع الشعراء العرب ومعهم وكتاب الرواية والقصص العرب أفادوا البشرية أكثر من غوليلمو ماركوني مخترع الراديو الجواب هو لا طبعا فهؤلاء لن يصنعوا نهضة ولن يكون لكلامهم اي أثر في تغيير مجرى التاريخ.

وإذا كنت معترض على هذا الكلام فلو سمحت أحضر لنا الآن أسماء شعراء صنعوا نهضات لأمم مع أسماء القصائد التي تسببت بهذه النهضة ، ويا حبذا أيضا أن تجاوب على السؤال ،،، أيهما أفضل لمسيرة الحضارة الإنسانية أن نحذف منه جميع الشعراء العرب أم أن نحذف منه ماركوني مخترع الراديو او جراهام بيل مخترع الهاتف أو كاريير مخترع التكييف او الاخوان رايت اللذان اكتشفا مبدأ الطيران أو مارتن لوثر أو اينشاتين او الملك عبد العزيز موحد الجزيرة العربية

فالعالم (بكسر اللام) ويليه الرأسمالي والسياسي والمصلح الاجتماعي الناجح هو الذي يعيد تشكيل العالم ونمط الحياة والبيئة التي تخلق الشاعر والفنان وسائر النشاطات الاقتصادية ، التطور الاقتصادي للدول هو نتيجة اكتشافات علمية تعيد تشكيل البيئة الحياتية كلها ابتداء من قوى الانتاج وعلاقات الانتاج وتغير وتتجاوز الوضع القائم في المجتمع ونمط الحياة الذي يظن كثير من الناس أن له صفة الديمومة وأنه عابر للأجيال ، أما الشاعر فليس له أي دور في صناعة وتشكيل أي شيء.

سيدي الكريم المحترم ،

بنفس المنطق يمكن ان اسأل التالي :
هل رسم اللوحات الفنية قد غير العالم ؟
هل النحت قد غير العالم ؟
هل الاغاني قد غيرت العالم ؟ وبعضها كان شعرا وتحول الى اغنية

شكرا جزيلا

أعتقد أن الفنانين (فالشعر هو جزء من الفنون) والعلماء و السياسيين جميعهم يغيرون العالم ويصنعون الحضارة والتاريخ. ولا مجال للاستغناء بحال عن أهل العلم أو أهل الفن.

العلم عامة هو تسخير الطبيعة ومقدراتها المختلفة من أجل الانسان وعيشه وحياته وتواصله. والفن عامة هو "إحياء لروح الانسان" و"تهذيب لعقله وذوقه"، ولأنك لا تستطيع أن تقيم فريق كرة قدم بالاقتصار على حارس المرمى والدفاع دون الهجوم أو بالعكس، فإنك لا تستطيع أن تقيم حضارة (إلا بشكل أعرج) بالاقتصار على العلم ونبذ الفن أو الاقتصار على الفن ونبذ العلم.

ماجلان وكريستوفر كولومبس وفاسكو دي جاما لا يغنون عن "ليوناردو دي فينشي وميخائيل انجلو"، و"عصر النهضة الإيطالي" يبقى مشوهاً دون الأخيرين. اسحق نيوتن يا صاحبي لا يغني عن شكسبير، ولا شكسبير يغني عن إسحق نيوتن، واثنيهما لا يغنون عن "فولتير" وعن "هوبس" و"لوك" و"روسو". فالحضارة الانسانية مثل الانسان نفسه؛ عقله لا يغني عن قلبه وقلبه لا يغني عن عقله، وهو بحاجة لاثنيهما كي يعيش. ماركوني وتوماس أديسون وجيمس واط مراحل مهمة من تطور الصناعات، ولكنهم جميعهم لا يأخذون مكان "بيتهوفن وموزار وتشايكوفسكي"، ولا مكان "ديستويفسكي" و"تولستوي" وديكينز" و"هوجو". فالانسان جسم وروح، عقل وقلب، والحضارة الانسانية علم وفن.

نحن بحاجة للعلم والفن إذاً، ولكن من احترم أكثر، العالم أم الفنان؟
منذ "عصر الأنوار الأوروبي" تربت حضارتنا (التي يقودها الغرب حتى اليوم) على احترام "العلم والعلماء" وإجلالهم نتيجة لظروف بعينها سار في ركبها التاريخ الأوروبي. من هذا نرى المناهج المدرسية التي كانت تقدم الأدب والفلسفة والدين قد تعدلت وأصبحت تقدم العلم والعلماء (الرياضيات والكيمياء والفيزياء والبيولوجيا والالكترونيات والحاسوبيات ... إلخ).

في الواقع، كان هذا التمجيد للعلم والعلماء، الذي يستمر حتى عصرنا الراهن في المناهج المدرسية، عبارة عن "ردة فعل" على الموروث المدرسي القديم الذي قدم "الفلسفة واللاهوت والشعر والخطابة والفنون" (ولن أدخل في التاريخ الآن !!). ولكننا اليوم بحاجة إلى بعض من المساواة بين "العالم والفنان"؛ نحن بحاجة إلى إفهام العامة عندنا إلى أن الفن لا يتأخر عن العلم والعلم لا يتأخر عن الفن لأن الانسان بحاجة "لعقل وقلب" كي يعيش. الانسان بحاجة لبعد جسماني وبعد روحاني ولو اختل أحد البعدين فإن الانسان غير قادر على انتاج "حضارة".

بالنسبة لي يبهرني "الفنان" أكثر مما يبهرني "العالم" بكثير. فالعلم عندي في معظمه "تحصيل حاصل" للجد والاجتهاد والمثابرة بينما "الفن" يخرج عن هذا النطاق بما يلتمع في الروح من "موهبة فطرية" هي الأساس في الخلق والإبداع (طبعاً، هذه الموهبة بحاجة للكثير من التعب والمشي على الشوك قبل أن تشد انتباهنا).
مدرسة وجامعة ومعهد للعلوم يستطيعون أن يخرّجوا ألف عالم في السنة، ولكنهم عاجزون عن "تخريج فنان واحد معتبر".
عندما صنع "توماس أديسون" المصباح الكهربائي، فإنه حاول التجربة وأخفق فيها أكثر من 85 مرة، ومثابرته قادته إلى الوصول أكثر من علمه. طبعاً، هو - وفريقه - كان بحاجة إلى التعلم من الإخفاقات وتجنب العثرات في كل مرة، ولكن اختراعه يشي بالمثابرة والجد أكثر مما يشي بهذه الشحنة العلوية التي تتأتى للفنان في إبداعاته.

اليابانيون اليوم يتعاملون مع "فريق" عمل كامل في تطوير الكثير من الجزئيات التكنولوجية وينجحون ويسيرون في طليعة الدولة المتقدمة. هذا الفريق عامة يعتمد أعضاؤه على معرفة جامعية متخصصة بالموضوع ومداولات واقتراحات وتجارب مكثفة للوصول إلى نتائج أفضل. لو طبقت نفس المنهج على الفنون وكونت فريق عمل من حاملي شهادات المعاهد الفنية فإنه لن يبلغ بعد سنين من العزف والتأليف والتجويد مع بلغه "عبدالوهاب" أو "السنباطي" أو "الرحابنة" في سنين قصيرة. وأنت لو جمعت خيرة ما لديك من عارفين باللغة ومن مرهفي الإحساس الفصحاء وتركتهم في غار سبع سنين، فليس هناك ما يضمن أن يخرجوا بقصيدة واحدة تقترب من قصائد "أمل دنقل" أو "صلاح عبدالصبور" أو "الدرويش" أو ذاك "الشآمي الذي احترف الهوى" ... نزار قباني !!!

طبعاً، أنا أقدر وأحترم العلماء وانجازاتهم والجهد المبذول من طرفهم في تسخير قوى الطبيعة لنا، بل ونبوغ بعضهم للخروج عن المألوف وتحقيق الاختراعات، ولكني أحس دائماً أمام "العالم" - مهما كان مشهوراً - بأنني أمام "بيدق آخر" على رقعة الشطرنج لا وجه له ولا معالم ولا سمات، أما امام "الفنان الحق" فإنني أقف منبهراً مأخوذاً لأني أحس بأنني أقف في حضرة الملك الذي به تكون اللعبة ومن غيره لا يكون شيء.

مع العالم أنت أمام شخص نبيل يساعدك كي تنهض لشؤون حياتك، ولكنه مهما كبر يبقى "جندياً مجهولاً" سوف يتجاوز الزمن تضحياته وجهوده. فالعلم يهدم بعضه بعضاً، بل يسير من خلال عملية الهدم والبناء، وما هو "عظيم كبير مبهر" اليوم يصبح غداً متخلفاً متأخراً بالياً. فلا أحد يدخل الجامعة اليوم بجبر الخوارزمي ولا بطب ابن سينا، وذكر هؤلاء ليس إلا ذكراً تاريخياً وتاريخياً فقط، فالطالب في الثانوية قد يعرف اليوم أكثر مما كان يعرفه "ابن الهيثم" في علم الهيئة، وإن أردت أن تقدر "جابر بن حيان" فانت سوف تقدره دون أن تستمع بما جاء به، لأن ما جاء به قد تعدينا وتجاوزناه اليوم (وكذا قل عن طب أبقراط وهندسة إقليدس) إلا من رحم ربي.
الفن عموما، والشعر على وجه الخصوص، يؤسس ممالك لا تهدم ولا تردم ولا تدمر، إذ "كل ما عليها فان ويبقى ما ابدعه الفنانون". "أمرؤ القيس" وفحول شعراء الجاهلية مملكة كاملة غير قابلة للزوال، تشوسر الانجليزي ما زال يطبع اليوم ويقرأ وكأنك أمام تحفة نادرة، شكسبير وبايرون وتشيلي ولافونتين ولامارتين وألفرد دي موسيه وفيكتور هوجو، ما زالوا محتفظين بوهجهم حتى الساعة. "شارلوت برونتي" ما زالت حتى اليوم تأمرني فأسير في حضرة "جين اير" ولا استطيع فكاكاً من أسارها. "المتنبي" كتب عنه الآمدي والثعالبي النيسابوري في عصور سالفة وبقي ما يقال عنه لدى الكثيرين غيرهم، حتى رأيت "عميدنا" يفرد له كتاباً خاصاً (مع المتنبي لطه حسين) كي يقوم "منصور الرحباني" قبل بضعة سنوات بتأليف مسرحية جميلة عن حياته. والحديث يطول ... وأنا الليلة مشغول (هاهاهاا إذا مشغول وهيك، كيف لو فاضي؟!!) ...

واسلموا لي
العلماني

(01-24-2010, 07:43 PM)Samir Yousef كتب:  سيدي الكريم المحترم ،

بنفس المنطق يمكن ان اسأل التالي :
هل رسم اللوحات الفنية قد غير العالم ؟
هل النحت قد غير العالم ؟
هل الاغاني قد غيرت العالم ؟ وبعضها كان شعرا وتحول الى اغنية

شكرا جزيلا

الجواب يا أخ سمير بإيجاز شديد هو بالنفي (لا) طبعا
لم تغير شيئا ولم تحل أزمة ولا مشكلة واحدة لا على المستوى الفردي ولا حتى على المستوى الجماعي الإنساني.



الأخ العزيز / العلماني

إن شاء الله سيكون لي عودة لمناقشتك مداخلتك المستفيضة والرائعة

طرح سؤال بهذه الصيغة شيء جميل جدا
ويا ريت تكثر الاسئلة من هذا النوع ويسترجع نادي الفكر موضوعه الحقيقي بدل المماحكات والشخصنة

التغيير كما اسميته او التقدم او حتى الطفرة له ارهاصات اولها ظهور قيادات في مجالات متعددة تجمعها فكرة هي القطيعة مع الموروث و"التبشير" بعالم جديد يشترك الكل في رسم صورة له : المفكرون هم الراس وباقي القيادات الفنية والادبية والتنظيمية هم الاعضاء والاطراف

في بداية عصر النهضة الاوربية ظهر الطوباويون الذي يحلمون بمجتمعات سعيدة وها قد تحققت الكثير من احلامهم في واقعنا اليوم،

اول خطوة في هذا السياق هي فصل الدهماء عن القيادات الكهنوتية وتحرير طاقاتها وقدراتها في العمل والانتاج

في حالة العالم العربي لا بد من عسكرة الفكر فلو كان فرج فودة جنرال على راس المؤسسة العسكرية لكان الوضع غير ما نرى اليوم ولتغير الوضع 180°
وقد ادرك الكهنوت الاسلامجي اهمية المؤسسة العسكرية (السلطة الفعلية في العالم الثالث) ولذلك يعمل المستحيل للتسلل والتغلغل فيها فالكهنوت الاسلامجي مثل السمك لا حياة له خارج شيئين : الدهماء (العامة) والسيف (المؤسسة العسكرية) 
ولذلك ينبغي اقامة جدار بين القيادات الكهنوتية والدهماء خاصة بعد تخالف الانظمة الانقلابية مع تلك القيادات

وبالمختصر : التنظيم والتنفيذ هما اس اي تغيير

(01-25-2010, 05:14 AM)thunder75 كتب:  

(01-24-2010, 07:43 PM)Samir Yousef كتب:  سيدي الكريم المحترم ،

بنفس المنطق يمكن ان اسأل التالي :
هل رسم اللوحات الفنية قد غير العالم ؟
هل النحت قد غير العالم ؟
هل الاغاني قد غيرت العالم ؟ وبعضها كان شعرا وتحول الى اغنية

شكرا جزيلا

الجواب يا أخ سمير بإيجاز شديد هو بالنفي (لا) طبعا
لم تغير شيئا ولم تحل أزمة ولا مشكلة واحدة لا على المستوى الفردي ولا حتى على المستوى الجماعي الإنساني.

سيدي الكريم ،

ماذا عن الباليه؟ هل غير العالم؟
ماذا عن المسرحيات؟ هل غيرت العالم ؟
ماذا عن الاوبرا ؟ هل غيرت العالم ؟
ماذا عن النشيد الوطني الذي أكثره شعر ، هل غير العالم؟
ماذا عن تسريح الشعر والمكياج والالبسة والاحذية ، هل غيرت العالم ؟
ماذا عن أنواع الاكل وانواع السيارات وسباقات الفورمولا وان وغزو الفضاء ، هل غيرت العالم ؟

شكرا لك واحتراماتنا

الأخ العزيز / العلماني

بداية أشكرك على هذه المشاركة المستفيضة

قلت في بداية مداخلتك بأن الجميع يصنع الحضارة وهنا يبدأ الاختلاف بيننا ، فعندما يمرض ابنك الصغير لا سمح الله تسارع به إلى الطبيب الذي يقوم بمعالجته استنادا للجهد المتراكم الذي قدمه له الباحثون في العلوم الطبية على مر القرون لقد قدم لك العالم والباحث المجهول والميت يد المساعدة وحل لك أزمة من أزمات حياتك ، علما أنه رحل عن هذا العالم لكن أثره ظل وبقي.

هذه هي المساهمة الحضارية يا علماني بأبسط صورها أن تقلل نسبة وفيات الأطفال وأن تجعلهم أصحاء بدنيا وعقليا حتى وأنت غير موجود بهذا العالم ، انظر فقط إلى عظمة هذا الانجاز الذي أوجده لنا من اكتشفوا المطاعيم والمضادات الحيوية والمكملات الغذائية والمسكنات وخافضات الحرارة ... الخ ، في وقت سابق كان معدل وفيات الاطفال عاليا ومعظم الاطفال يموتون ويشرب آباءهم حسراتهم (أبعدك الله والقراء عن هذا المصاب) ، ربما لا تعرف هؤلاء الناس بالاسم الذين افنوا اعمارهم في هذه الابحاث وامضوا معظم ايامهم داخل معامل مغلقة ، والأكيد أن معظم البشرية لا تعلم اسماء من أنار لهم عتمة الليالي وجعلهم يستطيعون التواصل مع ذويهم بشتى وسائل الاتصال لكن عدم شهرة هؤلاء الناس مقابل اشتهار بعض المغنيين والشعراء والفنانين لا يقلل أبدا من قيمة انجازاتهم وعظمتها التي تركوها في الحياة. وحتى انجازات هؤلاء الفنانين شعراء واغاني وتمثيلا لم يكن لها ان تظهر لولا اختراع الطباعة والاختراعات التي أتاحت لهم حفظ المادة بالصوت والصورة أي أن الفنان نفسه أخذ من العالم لكنه لم يعطه أي شيء.

الحضارة ليست هي المتعة العابرة وعملية الترفيه اللحظي الناتج عن التمتع بقصيدة وأغنية ورقصة أو قصة مكتوبة او نكتة ينتهي مفعولها ، المساهمة في الحضارة تعني أن تترك لها انجاز باقي ينتفع منه الناس ، والفنان يفتقر لأي انجاز من هذا النوع ، كما ان الفنان والشاعر لا يمكن أن يحل لك أي أزمة من أزمات حياتك المعاشة وأزمات البشرية ولا يملك لك نفعا ولا ضرا ولا يمكنه كذلك أن يغير نمط حياتك والمستوى النوعي لها إلى مستوى أعلى يتجاوز الوضع القائم.

اقتباس:أو بالعكس، فإنك لا تستطيع أن تقيم حضارة (إلا بشكل أعرج) بالاقتصار على العلم ونبذ الفن أو الاقتصار على الفن ونبذ العلم.

الفنان والشاعر يأتي لوحده كتحصيل حاصل للنهضة الحضارية التي شارك في صنعها الباحث العلمي في الطبيعيات والانسانيات والرأسمالي المستثمر الذي وظف التكنولوجيا على شكل استثمارات انتاجية والسياسي الناجح بدرجة ثالثة ، الفنان هو بمثابة انعكاس في المرآة لعصره وثقافته المستوى المعرفي السائد لحضارة زمانه ولكنه لا يسهم ابدا في تشكيل الصورة.

اقتباس:مع العالم (بكسر اللام) أنت أمام شخص نبيل يساعدك كي تنهض لشؤون حياتك، ولكنه مهما كبر يبقى "جندياً مجهولاً" سوف يتجاوز الزمن تضحياته وجهوده. فالعلم يهدم بعضه بعضاً، بل يسير من خلال عملية الهدم والبناء،

أنا أرى الأمور معكوسة في هذا الجانب فالحقائق العلمية والقوانين العلمية لا تهدم بعضها بعضا بل تضيف للرصيد المتراكم لا أحد يستطيع أن يلغي قانون الجاذبية الأرضية أو الجدول الدوري للعناصر الكيمائية ، بخلاف الجانب الجمالي عند الفنان الذي يحمل الطابع التاريخي ويتجاوزه الزمن. وللعلم فخوارزميات الخوارزمي باقية ولا زالت تدرس وتستعمل لحل العديد من المعادلات الرياضية وقد قرأت أن أول استعمال لها كان في تطبيقات موجات الراديو وهي الان تستعمل في البناء الهندسي للحاسوب (الكومبيوتر).

اقتباس:الفن عموما، والشعر على وجه الخصوص، يؤسس ممالك لا تهدم ولا تردم ولا تدمر، إذ "كل ما عليها فان ويبقى ما ابدعه الفنانون". "أمرؤ القيس" وفحول شعراء الجاهلية مملكة كاملة غير قابلة للزوال،

كم من الشباب والناس العرب لديهم إلمام بهذا الفن القديم في مقابل من يستمعون للأغاني الرائجة تجاريا ، إن فن امرأ القيس والشعر الجاهلي اندثر سوى لدى نخبة قليلة وتجاوزه الزمن في مقابل اختراعات واكتشافات وانجازات عملية على الارض باقية وتطرح منفعتها عليا كل يوم ، هل كنت تستطيع أن تسكن في بيت دافئ بأوروبا في مثل هذا الوقت من السنة وان تحظى بنعمة الدفء معظم شهور السنة بدون انجازات علم الهندسة والتكييف والتبريد وفيزياء الدينامكيا الحرارية والتي قام بها باحثون لا حصر ولا عد لهم.

ما الذي كنت سأخسره في حياتي لو لم أسمع بفيروز والرحابنة ودرويش وعبد الوهاب وقارئة الفنجان ونجيب محفوظ وأم كلثوم ودريد لحام وعادل إمام و روبرت دينيرو وبيليه ومارادونا والحضري ، هل تظن أن حياتي ستكون أكثر كآبة مثلا ، بالمقابل حاول أن تحذف من التاريخ أينشتين وماكسويل وكينز الذي حل الأزمة الاقتصادية وسوف ترى أن كل مجرى التاريخ تغير وانه لا يمكن عمل تنمية اقتصادية في القارة الامريكية وفي روسيا وأوروبا بسبب عدم وجود طاقة كهربائية كافية كتلك القائمة حاليا والتي تستمد من المفاعلات النووية. حاول أن تحذف من تاريخ الجزيرة العربية شخص مثل الملك عبد العزيز مؤسس دولة السعودية وسترى الجزيرة العربية مفتنة على شكل دويلات او حتى قبائل فقيرة متناحرة على صحراء مقفرة حالها اسوأ حتى من الصومال ، حاول أن تحذف من تاريخ ماليزيا محمد مهاتير وسترى كم ستتغير الصورة وأن ماليزيا بلد نامي زراعي معظم أهله فقراء ومليء بالصراعات السياسية مثلها مثل بنغلاديش.


طيب بلاش الآن أريدك أن تنسى كل ما كتبته لك أعلاه وأن تجاوب على هذا السؤال فقط لو تكرمت :

ما الذي يحتاجه العالم العربي الآن كي ينهض على جميع المستويات الحضارية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الفنية هل يحتاج المزيد من الشعراء أو الفنانين او الرياضيين والأدباء ،،، الجواب هو كلا بالطبع وأنا سأجيبك ماذا يحتاج

يحتاج لاستثمارات ورؤوس أموال وتكنولوجيا تزيد دخله القومي تغير نمط قوى الانتاج وعلاقات الانتاج والطلب على العمالة عالي بشكل يرفع مستوى الاجور ويجعل من معدل دخل الفرد كافي لكي يتحرر من سيطرة والده وان يفتح بيت وهو في مطلع حياته وتجعل من الشعوب حرة كي تتحرر من سيطرة الدولة والقطاع العام وتجعل من المرأة تتحرر (التحرر بالمعنى الايجابي) وان تملك مصيرها ومرجعيتها الذاتية في كل القرارات المهمة بحياتها فبدون الاستقلال والتحرر الاقتصادي لا يوجد هناك تحرر سياسي واجتماعي ينطبق هذا الامر على الفراد والدول على حد سواء.

سأعود لاحقا ان شاء الله للتعليق على بقية المداخلات

(01-25-2010, 04:01 PM)thunder75 كتب:  سأعود لاحقا ان شاء الله للتعليق على بقية المداخلات

سيدي الكريم ،

وبانتظار تعليقك من شخصك الكريم اود ان الفت نظرك الى امور لعلها تكون في مداخلتك القادمة .كما تعلم نحن البشر نتمتع بعدة انواع من الذكاء وهي :
أولاً - الذكاء اللغوي ” اللفظي ”
ثانياً - الذكاء المنطقي ” الرياضي – الرقمي ”
ثالثاً - الذكاء الحسي - الحركي
رابعاً - الذكاء التفاعلي ” الاجتماعي ”
خامساً - الذكاء الذاتي ” الفردي “
سادساً - الذكاء الموسيقي “النغمي “
سابعاً - الذكاء البصري ( المكاني ) “الصوري “
ثامناً - الذكاء الحيوي “البيئي “

وهنا المرجع :http://www.ibtesama.com/vb/showthread-t_23834.html

فانت يا صديقي بتركيزك على نوع او نوعين من الذكاء تكون تحرم الآخرين الذين يتمتعون بذكاء مختلف من تنمية قدراتهم وبالتالي تنمية شخصيتهم والتمتع بوجودهم.

هذا بالتالي ياخذني الى المشكلة المتعلقة بواقع اليوم حيث قيمة الانسان تقاس بمقدار انتاجيته وطبعا اليوم نحن متعلقين بالتكنولوجيا التي غيرت حياتنا الى الابد وهذا بالتالي ادى الى ضمور بعض انواع الذكاء.
طبعا لا يمكنني ان احرم انسان من التمتع بماهية شخصيته والا تحولت الى ديكتاتور عصري بمفاهيم جديدة.

بكلامات قليلة : نحن لسنا بحاجة فقط الى تكنولوجيا في عالمنا العربي .اشدد على كلمة فقط، بل نحن بالأحرى بحاجة الى الكثير من الحرية وتغير الطبقة الحاكمة الفاسدة وابدالها بطبقة مثقفة وواعية وحرة .بعد هذا التغير تصبح كل العلوم( أكرر كلمة كل) قادرة على تغير كل شيء في حياتنا وبالتالي يجد العربي نفسه قادرا على تنمية شخصيته وعلمه بحسب نوع ذكائه.
أنا لست من الاشخاص الذيي يبحثون عن تغير الاخرين او العالم من حوالي . أنا ابحث عن المعلومة من أي مكان اتت التي تغيرني انا .

شكرا لك يا صديقي.

ثاندر يا سندي،

فتحت لي نفسي على الكتابه الهاديه ... شكراً لك!! (بركي بتريحني من المداخلات السياسية العقيمة الجافة وبتكسب ثواب !!).

طبعاً لا أوافقك، وعندي الكثير كي أقوله بهذا الخصوص ولكن مشكلتي هي مع وقتي الضيق في هذه الفترة. عموماً سوف أحاول ما أستطيعه كي أعود في الليل بمداخلة طويلة بعض الشيء أستعرض فيها وجهة نظري. فهذا الموضوع يستهويني، وكان علي أن أحسمه مع نفسي منذ زمن طويل.

واسلم لي
العلماني