انتشرت الإشاعة بسرعة الضوء في كل مكان بالسماء ،ورغم غرابتها لم ينكرها أحد بما في ذلك مسؤول الإعلام صفوئيل الشريفيل.. تتحدث الإشاعة – التي تأكدت بعد ذلك - عن ملاك فضولي صغير السن طلب من كبير الملائكة – و بشكل رسمي - أن يسمح له بإجازة قصيرة يقضيها على الكرة الأرضية . ترنح كبير الملائكة من شدة الغضب حتى أن أجنحته الجميلة راحت تنتفض في اهتزازات عصبية متلاحقة ، و لكنه تمالك نفسه أخيرا ثم أجرى عدة اتصالات سريعة على الموبيل ، بعد دقائق فلكية قليلة وجد الملاك الفضولي نفسه واقفا في مواجهة مجموعة من قدامى الملائكة ،وقد اجتمعوا في هيئة محكمة أمن دولة استثنائية . بينما الكشافات المبهرة مركزة عليه من كل جانب حتى نفذت أشعتها من كيانه الشفاف لتكشف أعماق روحه البريئة ، كانت الأسئلة تنهال على ملاكنا المشاغب تباعا كسيل ملتهب ، بينها سؤال واحد يتكرر دائما :" كيف عرفت بهذه الكرة الأرضية الملعونة ، كيف عرفت هذا السر الكبير ؟" .
لم يكن هناك مجال للكذب لأسباب نعرفها جميعا ، فهذا ليس عبده كفته الكذاب و لكنه ملاك يحمل رقما قوميا ، و هو بالتالي لا يعرف الكذب مثل أي ملاك آخر ، هناك أيضا منكر و نكير اللذان يجلسان في نهاية الطاولة بعيونهما التي تطلق الشرر بشكل دوري رتيب ، هل نذكر السبب الثالث رغم أنه ثانوي تماما .. حسن! إنها أجهزة كشف الكذب التي تمتد إلى كل مكان من خلاياه الضوئية .
لأن أغرب الحقائق هي أبسطها جاءت إجابة الملاك بسيطة و لكنها صاعقة ، أصبح واضحا للجميع أن عقل الملاك الطيب كان سريع الاختراق مثل الثقوب السوداء فأخذ يتحدث بلا انقطاع لساعات طويلة ،و أخيرا كان هناك تقرير حافل على السي دي الذي بدأ تشغيله أمام الكبير ( تعبير رمزي يستخدم في أوساط الملائكة) . لم يكن التقرير هائل الحجم فقط بل حتى ملخصه يحتاج لساعات طويلة كي يمكن فهمه ،وهكذا بدأت الحقائق تتتابع بينما يتناول الكبير أدوية الضغط بشراهة واضحة حتى لا تنفجر خلاياه الضوئية غضبا .
لقد أدمن هذا الملاك المتهور مشاهدة القنوات الفضائية التي يستقبلها مباشرة بلا حاجة للدش ، أما الطامة الكبرى فهي أنه لم يكن وحيدا في طيشه فهناك العديد من أقرانه يشاركونه إدمان هذه الهواية السرية المشينة ، و التي بدأت تنتشر بين الملائكة الشبان لدفع الملل و الكآبة . لم يكتف الملاك بمشاهدة نشرات الأخبار و هي في حد ذاتها إثم كبير ، بل قادته نفسه الأمارة بالسوء إلى المسلسلات المصرية حتى أصيب بأعراض مرض محير ، و أخيرا وصفه طبيب شهير بمرض البلاهة الدرامية ،وهو مرض سريع الانتشار يصيب البشر و الملائكة على السواء . تمكن هذا المرض الخبيث من الملاك الطيب حتى أنه أصبح في مراحله المتقدمة يقضي الساعات الطويلة يشاهد الفيديو كلبات ، بينما عيناه تقفزان من وجهه ، و كثيرا ما ضبطه زملاؤه وهو يتابع هيفا وهبى تستعطف رجب كي يبعد صاحبه عنها ، لأن هذا الصاحب المحظوظ يصر أن يجننها .
نعم كان هناك الكثير الغامض في سلوك البشر ، و لكن الملاك الطيب لم يفهم أبدا لماذا تصر المطربة الأخرى على الصعود إلى الرووف ووضع النقط على الحروف ، فلغة الملائكة ليس بها أي نقط و لا حتى الحروف ،و بديهي أنهم لا يصعدون إلى الرووف . كانت الطامة الكبرى عندما اختلف الملاك مع زميل له ، فإذا به يتمايل بشكل مريب وهو يقول :" مفيش حاجة تييجي كده ، اهدا حبيبي كده و ارجع زي زمان ، يا بني اسمعني هاتدلعني تاخد عيني كمان !" ، وفي مثل هذه الحالة المتقدمة لم يجد الطبيب سوى تعديل ذبذبات هذا الملاك الطاهر فلم يعد يستقبل سوى المارشات الجنائزية لكبار الموسيقيين النكديين أمثال بيتهوفن و باخ وجورج وسوف .
أثار التقرير فيض من الذكريات لدى كبير الملائكة الذي ترك المهام الأرضية منذ انقطاع الوحي ، و تفرغ للعبادة الهادئة في حياة أشبه بالتقاعد الاختياري ، تعجب الكبير وهو يتذكر أنه من بين أصقاع الكرة الأرضية كلها لم يذهب سوى إلى الشرق الأوسط و دائما مثل ساعي البريد يحمل رسالة ما إلى بدوي ملتح ثم يعود سريعا محملا بمطالب متعددة ، كان أكثر هذه المطالب التماسات بالنصر في الحروب و إرسال الصواعق و الجراد على الأعداء ،و لكن الأمر لم يخل أحيانا من مطالب عاطفية من أجل الحصول على أنثى فاتنة ، حقا لم تكن إناث ذاك الزمان يملكن مثل تلك الدوائر الصريحة المستفزة التي تحوزها هيفا و أخواتها ،و لكنهن كن على أية حال قادرات على إسعاد الرجال بنفس القدر و بنفس الطريقة . ( ملحوظة لن يكون هناك مزيد من الحديث عن الدوائر و الفيديو كليبات و رجب فهذا حديث سياسي كما ستكتشف بنفسك لاحقا ).
في ليالي الشتاء عندما يجلس وحيدا بجوار المدفأة كثيرا ما يتذكر الكبير هؤلاء البدو الأشداء محبي النساء و الرسالات ، يتذكرهم بقلب لا يخلو من مودة و حنين ، و لكنه دائما ما يخص نجار الناصرة بأفضل مشاعره .إنه يتذكر كم حذر هذا الشاب المتحمس من التمادي في تقمص دور المنقذ محرر العبيد ، و لكنه لم يستمع إليه فمثل هؤلاء الشباب يستعذبون الألم مدفوعين بإخلاص حقيقي لفن التمثيل و بشكل يدعوا إلى الإكبار ،و لكنه دائما إكبار ممزوج بالرثاء . كان شريط الذكريات غالبا ما ينتهي قبيل الفجر ،و بينما يستعد للصلاة كثيرا ما كان الكبير يتنهد صائحا .
آه أيها الشرق الضليل .. هل ما زلت تتذكر كبير الملائكة ، ألم تغفر له كل تلك الرسالات بعد ؟.
تأمل الكبير طويلا في عقاب مناسب لهذا الملاك الشارد ، و هكذا استقر قراره على أغرب و ربما أقسى عقاب ممكن . فكر الكبير أنه طالما كان مشتاقا لزيارة ذلك العالم القديم ، فلماذا لا يفعل ذلك الآن مصطحبا الملاك الفضولي في جولة تذكارية إلى الشرق الأوسط و ربما للمرة الأخيرة .
وهكذا
هبط الملاك فوق الشرق الأوسط .
هبط الملاك فوق عش المجانين .
.......................................
ربما يكون للموضوع بقية ،وربما ينتهي الخبر عند الهبوط ،و تحاط الرحلة بسرية مطلقة ، الأمر كله يتوقف على الدعاء و رضا الوالدين ، و ليس لدي منهما الكثير ، و لكن الرشوة مازالت فعالة في دوائر الملائكة و يقال عنها الهدية إن شاء الله .

جميل , تسجيل متابعه واهتمام .. ( يامشرف حطلنا الوردة بالصفحة الاولى بدل الزلمة اللي يخبط راسو بالطاولة )

هكذا بدأت الرحلة ..
أخذ الكبير يقلب في مخزن الكهنة القديمة ، و يبحث عن المهمات التي اعتاد استخدامها في رحلاته المكوكية إلى الأرض ، كان الغبار يملأ المكان بينما خيوط العنكبوت تهتز بفعل الرياح الموسمية التي تهب من الجحيم المجاور . أخذ الكبير يصفر بفمه أغنيته التي اعتاد أن يدندن بها كلما عاد إلى الأرض ، و لأنه من عشاق عبد الحليم حافظ ، أخذ يتمتم " تاني .. تاني .. تاني .. راجعين للأرض تاني " . " و الله أيام يا كبير .. ايش لون الأرض هسه" ، يجب ألا تعجب من اختلاط اللهجات العربية في عقل الكبير ، فمع مرور الأيام لا يقطعها سوى صوصوة الملائكة اختلط كلام العرب . مر وقت طويل و لكن الرجل استطاع في النهاية جمع مهماته و أخذ ينفض عنها التراب ، جهاز ملاحة أرضية GPS قديم ماركة ماجيلان ، رادار للملاحة بين النجوم و اكتشاف المناطق المأهولة بالبشر ( الكبير لم يعلم بعد بأن الأرض كلها أصبحت مكتظة بالأطفال من العالم الثالث ) ، بعض المعلبات و زجاجات معبأة بخمور الجنة ماركة الحلال ، بعض الهدايا التي كانت تفتن البشر ، مثل ألواح منقوش عليها الوصايا العشر ،و بعض القصص الجنسية الساذجة ، و غيرها من منتجات السماء الثقافية .
عندما علم باستدعاء الكبير أخذ الملاك الصغير يرتجف خوفا ،و لكن الكبير طمأنه و أخبره بموضوع الرحلة ، هنا أخذ الملاك الصغير يقفز و يتمايل سعيدا ، فهو لم ينس هيفا وهبي قط ، و كان دائما يتصور نفسه صاحب رجب الذي يجننها ، حتى أنه كان يدعوا صديقه الأنتيم ( رجب حوش صاحبك عني ) ، رغم أن صديقه كان يذكره دائما أن هذه الأسماء ممنوعة في السماء فالجميع ينتسبون للإله المقدس إيل ، عزرائيل و جبرائيل و إسرائيل و عبده إيل و هكذا ، وبالتالي سيكون إسم ( رجب حوش صاحبك عني ) إسما مستنكرا وربما يعتبر جنحة لا تقل عقوبتها عن شهر حبس في مجرة الشيطان الأحمر .
استمع ولدإيل ( نعم أنت مصيب .. هذا اسم ملاكنا الصغير الطائش ) إلى عمه الكبير وهو يكرر على مسامعه نصائحه الثمينة ، و أخيرا أخبره الكبير أنهما لن يستطيعا الهبوط في صورة الملائكة المجنحة ، فهذا سيجعلهما هدفا للصيادين من بني آدم الجوعى دائما للحوم ، خاصة أولئك الأطفال الأشرار من حاملي النبل الرخيص أو حتى بنادق الصيد الرش ، و لهذا لم يجد الكبير حلآ سوى أن يتحولا إلى صور بشرية ، و سيصبح ولدإيل الواد بيليه أبو دماغ عالية ، أما الكبير فسيصبح عمو الشيخ بكير ، أما إذا سقطا على بلاد الفرنجة فسيصبحان ( جوني بوي ) و اللورد ( شيكسبير) .
حاول بيليه ( سنستخدم هذه الأسماء منذ الآن تجنبا لكشف سر الثنائي السماوي ) أن يقنع الشيخ بكير بالذهاب فورا إلى لبنان ، حتى يلتقي بهيفاء وهبي و يجننها كما يخطط منذ البداية ، ( سأضطر مرة أخرى لفتح الأقواس و إخباركم أن بيليه لم يعلم بعد أن أحمد أبو هشيمة يقوم حاليا بهذا الواجب ) و لكن الشيخ بكير كانت له وجهة أخرى ، كان يريد الذهاب مباشرة إلى دبي !. و قف بيليه على رأسه و أخذ يصفق بقدميه كعادته عندما يكون غاضبا ، و لكن الشيخ بكير نهره ووبخه ، و قال له وهو يعظه " يا بني هناك وقت للجد ووقت للهبل و تجنين نجلا و غيرها " ،و أن دبي هي عاصمة الدنيا الان و بها أعلى برج في العالم كذلك أكبر كنبة !، بل هي لا تتوقف عن إحراز المرتبة الأولى ،و الدخول في موسوعة جينيس للأرقام القياسية ،و هكذا هبط الملاك الشيخ و رفيقه الشاب على برج خليفة بدبي ،و ابتدا .. ابتدا .. المشوار .

رائعة ... أنت فلتة ...

..
رغم أن الشيخ بكير فقد اهتمامه بالجنس البشري منذ قرون عديدة ، إلا أنه أصبح فجأة متحمسا لما يحققه العرب من إنجازات كبرى في مختلف المجالات ، فمن الأسرار التي لا يعرفها سوى المقربون و ثلة من الآخرين ، أن الشيخ بكير مواظب على قراءة موسوعة جينيس للأرقام القياسية لأنه يحسبها مؤشرا لا يخطئ على تقدم الشعوب . لن يمكننا أن نصف هنا مقدار فرحة الشيخ بكير وهو يتابع تحطيم العرب للأرقام القياسية ، خاصة أن معظم هذه الأرقام حطمتها إمارة دبي التي كان يقصدها للتسوق كلما هبط بالوحي أو صعد بالمطالب التي لا تتوقف للأنبياء ، هذه الإمارة الآن حديث الدنيا ولا تقنع سوى بالمركز الأول سواء في سباق اليخوت أو الهجن العربية الأصلية ، لهذا استنتج الشيخ بفطنته التي لا تخيب أن دبي هي عاصمة الكرة الأرضية ، وربما حتى المجموعة الشمسية كلها .
ما نعرفه أن الشيخ بكير كان يفاجئ زواره وهم يحتسون قهوة العصاري (بالهيل) ، و يلقي عليهم أسئلة مباغتة مثل ؛ أين صنع أكبر طبق تبولة في المجرة ؟، ، ثم تبدأ الأسئلة المعجزة تتالى .. أين توجد أكبر كنبة في التاريخ ؟، أين يوجد أكبر شنب ( شارب) في الكون ؟، من الذي صنع منسف المناسف في المنسوفة الشمسية ؟ ( طبعا هي المنظومة الشمسية ،و لكن شيخنا يحب الدعابة ) ، من قلب أكبر مقلوبة في مقالب القمامة ؟، أين يوجد أكبر ميكي ماوس في العالم ؟، أين توجد أغلى ساعة يد في العالم (في حين لا يحفل صاحبها بالوقت) ؟، أين توجد عربة مصنوعة من الذهب الخالص ؟، أين توجد رياضة الإنزلاق على الثلوج بينما درجة الحرارة في الظل 45 درجة مئوية ؟، أين .. أين ؟، و مع الحيرة البادية على وجوه الجميع ، تأتي الإجابة بثقة و اطمئنان .. في دبي .. دبي .. دبي .. دبي . هذه هي حضارة العرب أيها الغافلون ، هذه هي دبي يا بقر ( على سبيل المداعبة فلا بقر في السماء ) !.

كانت فرحة الشيخ بكير لا توصف وهو ينظر من فوق برج ( خليفة يا الغالي .. أول و ثاني) ، و توجه لرفيقه الشاب الذي كان يلهث تحت ثقل الحقائب التي تكاد تخفيه ، ثم قال له بلهجة العارف : هل تعلم يا بيليه يا بني ؛ أننا نقف على أعلى برج في العالم يبلغ ارتفاعه 828 مترا ، و أنه يتسع ل100000 من السكان ، و أن به كمية من الأسمنت تعادل وزن 110000 فيل ، وأنه تكلف أكثر من مليار دولار و أن عدد زواره سيصلون إلى 3 مليون زائر شهريا و .... و .... ، و لدهشة الشيخ بكير فإن بيليه لم يبد أي نوع من الانفعال ، بل على النقيض من حماسه الزائد عند ترديد اسم هيفا وهبي كان باردا و غير مكترث ، و في النهاية فاجئ بيليه شيخه بسؤال عن معنى المتر ، فالملائكة أمثاله من مريدي أينشتين يقيسون المسافات بالسنين الضوئية ، و عندما عرف بيليه هذا المقياس التافه المدعو المتر أبدى تعجبه من صغر المبني ، و تسائل لماذا يسمحون ببناء الأبراج النانو في دبي ، أكثر من ذلك لم يكتف بيليه بهذا السؤال الغريب ، بل تسائل ببراءة ، طالما كان مواطنو دبي لا يتجاوزن 9 % من سكان الإمارة ، ولا يزيدون كثيرا عن ال100000 كما أخبره الشيخ بكير ، فهل تريد الإمارة إسكان كل المواطنين في برج ( خليفة يا الغالي .. أول و ثاني) !. ابتسم الشيخ بكير ابتسامة المتسامح مع طفل بريئ ، " وهل هذه مشكلة يا ساذج ؟ .. كل المواطنين في دبي يسكنون بالفعل في منازلهم الخاصة ،و لكن من يتحدث عن أهل دبي يا قليل العقل ؟ .. ألا تعلم أن 100000 هذا ليس بالرقم الكبير في الهند !، طبعا يمكنهم جمع سكان البرج جميعا من حي واحد في بومباي ، ألم تشاهد فلم slum dog millionaire ، هم أيضا لا ينسون العرب فسيحضرون بعضا من المصريين ليقفوا ع النصبة و يعملوا معلمي شيشة في المقاهي الشعبية التي ستنشر في البرج لا محالة ، بينما سيقوم إخوانهم السوريون بإعداد سندوتشات الشاورما طيبة المذاق، متعة الناظرين "، و قبل أن يستطرد الواد بيليه (اللمض) في ترديد الدعايات الحاقدة التي تعلمها من العلمانيين في نادي الفكر ، بادره الشيخ بكير فقال " أعلم أنك ستسأل عن زوار البرج و من أين يأتون ، و لكنك يا الساذج العميل لم تسمع بعد عن تجار الشنطة و عددهم المهول ، و مدى المكانة العالية التي حازوها بكدهم و شطارتهم ، حتى أن أحدهم أصبح نائبا للقمار في مصر؟ " ، و لكن بيليه البرئ كان تفكيره كله أصبح منحصرا في ال 110000 فيل الذين استخدوا في بناء البرج ! ، أما المعلومة التي تقول أن البرج من تصميم المصمم الشهير جورجيو أرماني، فلم ( تاكل ) مع بيليه ، فهم يعلم أن الشياطين وحدهم هم الذين يصممون الأبراج و يبنونها منذ عهد سليمان .
شعر الشيخ بالتعب فتمدد قليلآ ، بينما انطلق بيليه في شوارع دبي . كانت الأوناش العالية تحيط بالأبراج الخالية في كل مكان ، بينما تكتظ المدينة بالعمال الهنود العاطلين ، و لكن بيليه لم يعد يقحم أنفه في أسرار الأرض العليا ، لهذا لم يسأل " لماذا يأتي الهندي إلى دبي ليعمل عاطلآ ، بينما يمكنه أن يكون عاطلآ في بلاده أيضا ؟ " . مضى وقت طويل بينما الملاك بيليه الصغير يسير على غير هدى ، و لكنه بدأ يشعر بالتعب ، لهذا أخذ يسأل كل من يلقاه عن طريق العودة ، و لكنه لم يجد أحدا يفهم العربية ( نعلم أن العربية هي اللغة الرسمية للملائكة و لأهل الجنة ) ، فكل من يلقاه في الطريق كان إما بابو أو راجو أو نارهو أو أمتاب باتشان ، وهؤلاء لا يتحدثون سوى الأوردو أو المارلباري ( لغة مكونة من حروف و بعض حركات الرأس الدائرية ) ، و لأنه كان يسأل فقط عمن يجيد العربية ، لهذا دلوه أخيرا على رجل يرتدي فانلة وشورت و كاب ، فاعتقد أنه لابد أن يكون الممثل المصري " أحمد السقا" ، فقد شاهده في فلم خلسة وهو يتباهى بأن ملابسه مكونه من هذه العناصر الثلاث فقط . لم يكد بيليه يسأل أخاه المصري السقا عن البرج ، حتى فوجئ به يكرر الجملة الخالدة في الخليج " أرباب ما في معلوم !" ، فبهذه الجملة أصبح مواطنا يتحدث العربية ، و يرتدي الزي الرسمي للعربي السينمائي ، شورت و فانلة و كاب . و لأن بيليه كانت دماغه عالية وقتئذ فصاح به "تقولي .. أرباب ما في معلوم ، تقوللي .. أرباب مبني للمجهول ، كلمة واحدة .. أريد فورا العودة للشيخ بكير ! ". ما كاد بيليه ينطق بإسم الشيخ حتى انشقت الأرض و خرجت إليه مجموعة من شرطة الإنتربول الدولية ، و هكذا وجد نفسه محاطا بخمسة من الضباط الأشداء الذين يطلبون منه أن يرفع يده لأعلى و يلقي بسلاحه فالمقاومة لن تجدي !. انبطح بيليه المسكين أرضا بينما الأجهزة تمسحه من قمة رأسه حتى النعال الملعون الذي أدمى قدميه . حاول بيليه أن يدرك ما يحدث له ، و لكنه وجد نفسه محمولآ بين الضباط الأشداء ، الذين ألقوه داخل سيارة مدرعة كجوال البصل . انطلقت السيارة بأقصى سرعة قاصدة مخفر الشرطة الدولي بدبي ، و هناك مارس بيليه هوايته المحببة و هي الإعتراف بكل ما يعرف و مالا يعرف ، و هكذا أخبر الضباط أن الشيخ بكير موجود أعلى البرج ،و أنه شيخ أصلي ، و لكنه لا يعرف إن كان اسمه بكير آل مكتوم أم بكير بدون آل من أي نوع .
حاول بيليه أن يعرف لماذا يهتم الإنتربول بالشيخ بكير ،و أخيرا أخبروه بإيجاز أنهم يبحثون عن أي شيخ في دبي ، لأنهم قادمون بناء على حكم المحكمة للحجز على البلد ، نظير تسديد دين بلغ 80 مليار دولار ،و أنهم لم يجدوا شيخا في المدينة ، فالجميع قد ذهب إلى لندن للمشاركة في سباق الدربي للخيول الأصلية ( ليس مهما الجنسية فقط ع الأصل دور ) . لأنه لا يوجد سواه أصبح الشيخ بكير مسؤولآ أمامهم عن التنفيذ ،وسوف يحتجزونه إما الدفع أو الحبس . في البداية شعر بيليه بهم شديد كاد بسببه أن يقف على رأسه و يصفق بقدميه كعادته ، و لكن النفس الأمارة بالسوء جعلته يفكر مرة أخرى ، و أن الفرصة واتته أخيرا ليتخلص من الشيخ بكير و ينطلق إلى لبنان ليجنن هيفا وهبي وفقا لخطته الأصلية ، هكذا انطلق الركب إلى برج ( خليفة يا الغالي .. أول و ثاني) ، و بعد دقائق قليلة كان الشيخ بكير في الأصفاد مخفورا إلى السجن ، بينما ينطلق بيليه المخادع إلى المطار قاصدا بيروت على أول طائرة .

لم يطق بيليه صبرا وهو ينتظر الطائرة المتجهة لبيروت ، فأخذ يقفز فرحا و سعادة و يتمايل مع أغنياته المفضلة التي يستمعها في الMP3 (الذي يحتفظ به في عادة مكان سري تحت أجنحته) ، لن تكون هناك أغاني أقل من " اسبقني يا قلبي اسبقني ..و يا طيب الجلب وينك ..و ما ما زمانها جاية .." تعبر عن فرحة بيليه بقرب لقاء الأحبة ، هيفا وهبي و نانسي عجرم و اليسا و ستار أكاديمي . بيليه و قد انتشى فرحا بخلاصه من الكبير و قرب لقائه بكبير آخر ، أخذ في الرقص و الدوران حول المقاعد ،و هو يشدو و يصيح " يا عني يا قلبي جرى ايه .. الدنيا احلوت كده ليه " . بينما هو في قمة السعادة أتى اليه صوت مباغت .. صوت عبادي جوهر الحزين الرصين " سكة طويلة و البراري قفار .. و الدار تبكي من جفا الزوار " ، لم يصدق بيليه أذنيه في البداية ، و بينما يقترب منه الصوت كادت الفوتونات تنطلق من ذرات قلبه الرهيف ، فهذه هي الماركة المسجلة للشيخ بكير ، فما أن يبدأ كبير الملائكة دورته الأسبوعية حول سكة التبانة ، لا يتوقف عن الدندنة بأغنية سكة طويلة حتى يعود إلى فيلته في المنطقة الخامسة .
حاول بيليه أن يصرف عقله عن الأصوات التي يسمعها ، معتبرا ذلك من ضمن الهلاوس السمعية و البصرية المنتشرة في السماء ، و التي انتقلت إلى البشر ، حتى أن رجلآ أبلها مثل جورج بوش كان يسمع الإله يحادثه و يتبادل معه النكات السخيفة في المكتب البيضاوي ، بينما يسمع مقتدى الصدر المهدي المنتظر و يشرب معه استكانة شاي ( هكذا ظهر مصطلح الهلاوس الشاييه و القهوية في علم النفس للمجانين) . و لكن الأمر لم يقتصر على الصوت ، لأنه فوجئ بالشيخ بكير واقفا أمامه بابتسامته القاسية و الخبيثة معا ، " عاش من شافك يا واد يا بيليه " ، أسقط في يد بيليه و أخذ يتهته كعادته القديمة ، " اشششش ييييخخخخ بكييير !" . جلس الشيخ بكير مسترخيا مادا قدميه بينما يدخن السيجار الكوبي الفخيم : " طبعا مستغرب يا جعر .. كنت فاكرني في الكازوزة ، و مهيس عند الدغفات بتوع الإنتربول ! " . انطلق الشيخ بكير يروي لبيليه المذهول كيف كان يتابعه بأجهزة المراقبة ، و كيف عرف – كمدير سابق للمخابرات السماوية - بكل شيء في وقته ، و هكذا أتفق مع بابو الهندي أن يتقمص شخصيته في مقابل " كارت توصية للإله شيفا المرعب " ، سأتوقف هنا لأخبركم أن الملأ الأعلى ( كله مفوت على بعض ) ، وهم لا يعرفون التعصب بل يتبادلون المعلومات و المصالح كما يليق بأجهزة محترفة على أعلى مستوى .
حاول بيليه أن يتظاهر بالسعادة لنجاة الشيخ بكير ، ثم اعتذر منه لأنه لابد أن يتركه على وجه السرعة ، فالطائرة المتجهة إلى بيروت على وشك الإقلاع ، و لكن الشيخ بكير ابتسم و قال له و كيف ستطير بدون تذكرة ، "هل نسيت أنك ألغيت الحجز و أعدت التذكرة بالفعل ؟ " ، مد بيليه يده إلى جيبه فلم يجد التذكرة التي اشتراها منذ دقائق ، و هنا تذكر كيف يمكن للشيخ بكير التنكر في أي هيئة يريدها ، بما في ذلك دحية الكلبي و غيره ، كما تذكر خفة يده و قدرته على أن " يلطش الكحل م العين !" ، و لكن بيليه لم يستسلم ، فقال بنظرة ملؤها التحدي (الذي اكتسبه من المطربة الغجرية التي تصيح دائما " أتحداك .. أتحداك .. بالأحضان أو بالمسواك " ) و لكني سأذهب سائرا على قدمي ، هنا اهتز الشيخ بكير من الضحك ،و قال له و كيف ستفلت من الشرطة التي تبحث عنك في مكان ، و صورك أصبحت تملأ كل المطارات و الموانئ بصفتك إرهابي تقود خلية نووية تسعى لتدمير برج خليفة يا الغالي !. رغم أن بيليه لم يعرف أبدا بالذكاء ،و لكنه فهم أن الشيخ بكير (عملها) ،و أن عليه أن يطيعه كخاتمه ، أعلن بيليه أنه تائب من ذنب كمن لا ذنب له ،و لكن هذا لم يمنع الشيخ بكير أن يطلق قنبلته الأخيرة " على فكرة .. موضوعك وصل أحمد أبو غشيمة ، و هو ينتظر الإفراج عن صديقه السكري ،و سيرسله ليزورك قريبا ، أكثر من ذلك فالسكري أرسل بالفعل في طلب مجموعة من السواطير و السكاكين و المطاوي ، مدعيا أن ذلك من أجل التضحية بخروف العيد ! " ، كانت تلك المعلومات كافية لنسيان هيفا وهبي ولو مؤقتا ،و لم يعد بيليه يفكر في أن يجننها فزيارات السكري مشهورة بقدرتها على علاج قضايا الغرام ،و هكذا تحرك بيليه خلف الشيخ بكير مطأطئ الرأس ، و من المطار استقلا الطائرة مباشرة إلى الدوحة حيث يمكن لإرهابي مثل بيليه الإختباء و إجراء جراحة تجميلية ليصبح بعدها المرحوم مايكل جاكسون أو سارة بيلين ، لن يمكن لأحد هنا أن يعترض كيف أمكنهما فعل ذلك فالمعجزات تحدث دائما .. خاصة في دبي .
بمجرد هبوط الطائرة ، و جد الملكان لا فتة ترحيب كبيرة " مرحبا بكم في الدوحة .. عاصمة قناة الجزيرة ..ثم بخط صغير ( قطر سابقا ) " ، ثم بعد دقائق قليلة و جدا أنفسهما خارج المطار ، يحيط بهما جمع كبير من المستقبلين تتقدمهم فتاتان تحملان الورود ، و بعض الهنود يعزفون موسيقى القرب ، ثم برز إليهما رجل وقور قدم نفسه بأنه " وضاح خنفر" مدير قناة الجزيرة ،و أنهما منذ الآن ضيفان على قناته الشهيرة ، القناة التي تحمل شعار " عقل من لا عقل له " ، و عندما تسائل الشيخ بكير مندهشا هل يعرفهما أحد من المستقبلين ، أجابه السيد وضاح خنفر بكل تلقائية و بساطة ؛ بأنه لا يوجد بينهم من يعرف الشيخ أو يعرف زميله ،و لكنهما عبرا بوابة قياس الذكاء عند خروجهما من المطار ،و دلت القياسات على غبائهما الشديد الذي يقترب من البلاهة ، كما دلت صور المسح الرادري أنهما مفلسان بدرجة ( كحيتي ) ، وهذان هما الشرطان الأساسيان بل و الوحيدان لضيوف قناة الجزيرة " عقل من لا عقل له !" . .. فيا هلا و يا غلا .

نظر الملاك الصغير للكبير طالبا الرأي و المشورة ،و لكن الأخير أشار بطرف عينيه لصورة ضخمة معلقة في المطار لرجل هائل الحجم ذي شارب كثيف ، بينما عينيه تطق بالشرر كعادة الزعماء العرب ، لم تكن هناك حاجة إذا للحديث ، فلا يريد أحد من الملائكة أن تنتهي حياته كوليمة على مائدة حافلة بالتكا و الكباب .
اقترب الموكب من منطقة عسكرية تشهد نشاطا كبيرا ، كانت الطائرات الحربية تصعد و تهبط خلف الأسوار ، مما أثار تعجب الشيخ بكير و زميله بيليه . نعرف بالطبع أن معلومات الشيخ بكير العسكرية محدودة ، فالتسليح الذي يعرفه مقتصر بالكاد على السيوف و الرماح و السهام ، أما أساليب القتال فمن نوع عتيق مثل تكتيك " اللي يحب النبي يسقف يا اخوانا " ،وهو التكتيك الذي استخدمه في معركة بدر ، عندما توجه بجماعة من الملائكة للقتال مع المسلمين ، فوجدها معركة صغيرة لا تزيد عن خناقة في الوايلي ، فأخذ يصيح و يهلل و أمر ملائكة الحرب الكيماوية فأصدروا روائحا كريهة ، لم تكد تلك الروائح تنتشر حتى أسلمت قريش خيلها للريح ، وأوغلوا في الهرب مولهين مدلهين لا يلوون على أحد ، أما تكتيك " الجري نص الجدعنة " فهذا تكتيك جديد طبقه في معركة أحد كما هو معروف للكافة ، و هكذا فر مع المسلمين وأوغلوا في الهرب مولهين مدلهين لا يلوون على أحد! .
انزعج الشيخ من نشاط الطائرات الزائد حوله في كل مكان ، حتى أنه احتضن مرافقه صائحا " وا ويلاه بخ .. بخ !" ، هنا ابتسم المرافق و طمأنه ،و كي يزيل الخوف منه أخذ يحدثه بألفة ، و أخبره أنه مذيع معروف موطنه الأصلي جراج المطرية بمصر ، و أن اسمه " أحب الفلوس " الشهير ب " أحمد منصور " وهو يقدم برنامجا مهما هو " لعب لي حواجبينه .. بلا حدود " ، و استطرد أن لديه خبرة عسكرية كبيرة منذ غزو العراق ، و أن هذه الخبرة معروفة ، فالجميع شاهده وهو يختبأ تحت المنضدة أثناء القصف الجوي ، ثم استطرد قائلا بكل ثقة :" لا تخش شيئا ، هذه قاعدة عديد الجوية ،و هي ممتلئة بالطائرات الحربية الحديثة ، و هناك لدينا قاعدة السيلية أيضا و غيرها من القواعد الحديثة المجهزة أفضل تجهيز ،و بها أهم قوة ضاربة في المنطقة " ، شعر الشيخ بالطمأنينة ،و تجرأ بسؤال آخر عن حجم القوات المسلحة ، فقال له منصور بلا حدود ، أن عدد الجنود بالنسبة لعدد السكان هي أيضا الأعلى في المنطقة ، فهناك جندي (و بئر بترول) لكل مائة مواطن .
كاد الشيخ منصور أن يطير من الفرح ، " وهل هؤلاء الجنود مدربون جيدا على الحرب الحديثة ؟"، حرك منصور حواجبه عدة مرات وقال بثقة " أفضل تدريب في العالم " ، و ماذا تفعلون بهذه القوات و الطائرات ، هل هي ذاهبة لضرب إسرائيل ؟" ، أجابه منصور بحزم بعد أن تعلقت حواجبه لأعلى ولم تهبط ، " نحن نقاطع إسرائيل ، ولا نسمح للطائرات أبدآ بالذهاب إلى هناك سواء لزيارتها أو لقصفها !" ، فتسائل الشيخ إذا كان من الممكن زيارة القاعدة و لقاء الجنود القطريين لتحيتهم ،و لكن منصور قال له أنه لا يوجد هناك جنود قطريون ، فكل الجنود أمريكيون .. و أن هذه القواعد مخصصة فقط لضرب إخواننا العراقيين و الإيرانيين! " .
خلال هذا الوقت كان الملاك بيليه يحاول تحريك رأسه العالية كي يفهم شيئا دون جدوى ،و لكنه رغم ذلك تدخل في الحديث ،و قال محاولآ نفي الإشاعة التي أصبحت منتشرة حول غبائه الشديد :" هل يمكنني مقابلة رامبو-1 و رامبو -2 وروكي -3 في القاعدة ؟، لأني أريد توقيعاتهم على الأوتوجراف بتاعي للذكرى الخالدة " ، لم يعد الشيخ بكير في حالة تمكنه من التفكير في شيء ، فمنذ أن استقل السيارة مع أحمد منصور و الشكوك تعصف به من كل جانب، كان أكثر ما يشغله هو عدم توقف منصور عن ( تلعيب حواجبه ) مما أطلق مختلف المخاوف في عقله .. " اللهم اخزيك يا شيطان .. حسبي الله و نعم الوكيل !" .

أخيرا وقف الركب أمام مبنى ضخم مكون من عدة طوايق على شكل أهليجي رائع ، مما جعل الشيخ بكير يشهق معجبا ، و صاح بصوته الجهوري " الكوليسيوم .. الكوليسيوم ! " ، و سرح به الخيال إلى الماضي .. مبنى الكوليسيوم الروماني ، كم ذهبت إلى هناك لمشاهدة المصارعين يتقاتلون ، و لن أنسى راسل كرو وهو يقاتل و يصيح أنا " أنا ماكسيموس المنتقم الجبار .. أنا مش خرنج ولا حمار " ، آه كم ذهبت إلى هناك لإنقاذ المسيحيين من براثن الأسود المفترسة ، و لكني لم أنجح أبدا في ذلك ، فالجميع يعلمون أني أخشى القطط منذ الطفولة ، رغم ذلك لم يجدوا سوى جبرو المسكين .. روح يا جبرو .. تعالى يا جبرو .. أهو راح جبرو ،و المسيحيين راحوا .. مطرح ما راحوا .. في بطن الأسد ، و لكن هل باع الإمبراطور "تيتوس" الكوليسيوم للشيخ " حمد بن خليفة" ،و كيف أحضروه إلى هنا ، وهل مازال ممتلئا بالأسود المفترسة ؟، كل هذه الأسئلة دارت في عقل الشيخ جبرو ( بكير بالطبع ) ، حتى أفاق على صوت أحمد منصور و هو يلعب حواجبه و يقول :" و صلنا .. مرحبا بكم في مركز ( تدريب و تأهيل و إصلاح و تهذيب ضيوف قناة الجزيرة " عقل من لا عقل له " ) ، و سيكون عليكم أن تمضوا هنا دورة تدريبية قصيرة استعدادا لبرنامج الإتجاه المعاكس " اللي يروح ما يرجعش سابقا " . قبل أن تكون هناك أي فرصة للإعتراض ،و جد الشيح بكير و تابعه بيليه أنفسهما مكبلين بالحديد من أقدامهما و يسيران في طابور طويل من (الضيوف) بينما تنهال عليهما السياط من كل جانب . في البداية فكر الشيخ بكير في استخدام صلاحياته الملائكية و التخلص من الموقف كله بكلمات سحرية تعلمها من الملك سليمان " هبرو .. نبرو .. كشكفان " ( يمكن للزملاء تجربتها و سيدعون لي ) ، و لكنه فضل أن يمر بالتجربة كلها ، كما وجد أن تلك هي أفضل طريقة لتربية " ولد إيل " أو " بيليه " ، و منعه مستقبلآ في التفكير المنحرف في الكرة الأرضية و نسائها الفاتنات .
عقب التمرين اليومي الذي شمل مختلف أنواع الضرب و ما لذ وطاب من الشتائم ، إجتمع المصارعون ( هذا هو إسم المحاورين داخل المعسكر ) ، و خلال جلسة العشاء عرف الشيخ بكير أن قناة الجزيرة تتبع أحدث وسائل تدريب المحاورين ، وهي تقوم على قاعدة أنه لا فرق بين المحاور و المصارع ، و تستخدم القناة أبرع المدربين الذين تم التعاقد معهم من ساحات المصارعة في الإمبراطورية الرومانية ، و يتعلم المحاور استخدام كل انواع الأسلحة البيضاء ، كذلك يتدربون على الشتائم بكل اللغات و اللهجات المحلية ، و هناك مدربات خصيصا للردح البلدي بقيادة أبله زوبة جنايات و كونداليزا رايس ( هذا سر احتجابها عن الأضواء حاليا ) ، و هناك تدريبات خاصة في الصراع بالأيدي و ضرب الشلوت و أيضا العض و اللزق على القفا .عقب تلك الدورة التدريبية يكون المحاور جاهزا للمشاركة في حلقات الإتجاه المعاكس " سكة اللي يروح ما يرجعش سابقا " بقيادة المصارع المعتزل " فيسلوس كاسيموس" ، المعروف عربيا باسم " فيصل القاسمي " .
مضت الدورة سريعا كغيرها من الأيام الجميلة ،و قد استمتع بها بيليه كثيرا ، فكان يشعر كل يوم أنه يزداد مهارة و قدرة على الإقناع ! . في اليوم الموعود استدعت الإدارة كلا من الشيخ بكير و بيليه ، و أخبرتهما أنهما سيكونان ضيفا كاسيموس الليلة ، أحدهما سيكون عليه القول أن البيضة جائت قبل الدجاجة ، بينما الاخر سيعارضه و يقول أن الدجاجة هي التي قبل البيضة ، وسوف يتسقبلان إتصالات كالعادة من أم محمد من إيطاليا و أم محمود من هولندا ( هما موجودتان بالفعل في الحجرة المجاورة ) .
بدأ الحوار كالمعتاد فقال كاسيموس للشيخ بكير " حبسك عليه " بينما وضع قطعة لحم خلف بيليه ، فوثب الشيخ بكير على بيليه ، الذي تفادى الشيخ بكير ليسقط على الأرض ، و عندما عادا لموضعيهما ، قال كاسيموس لبيليه :" حسنا ، بيقول عليك ابن مت .... و خو.... و شر.... " فما هو ردك ، هنا وثب بيليه فلزق الشيخ بكير على قفاه ، ثم عض أذنيه و أخذ يصيح كالذئب عوووو ه ، لم يجد الشيخ بكير حلآ سوى أن يلجأ للمعجزة و يطلق كلماته الثلاث " هبرو .. نبرو .. كشكفان " ، فاختفى هو و بيليه تماما بين حيرة فيصل كاسيموس و الفنيين ، و لإنقاذ الموقف أحضر فيصل كاسيموس 2 من المصارعين ؛ أحدهما يحمل سيفا و الاخر حربة طويلة ،وراحا ( يتحاوران ) حتى قتل كلاهما الآخر .
هنا انهى فيصل كاسيموس الحلقة وهو يقول للمخرج :"و الله ما حد بيكلها بالساهل .. يا ريا يا اختي " ! .

بينما الممرضة تغلق الباب خلفها وهى تغادر الحجرة شعر بقلبه يدق دقا يرتجف معه جسده الهزيل وان هناك من يسحب روحه من داخل صدره، وشعر بحجر ثقيل يجسم فوق صدره ، حاول ان يصرخ ولكن صوته لا يخرج ومر امام عينه شريط حياته ورأى تفاصيل لم يكن يذكرها ولكنه يعرفها جيدا ويعرف ادق ما فيها ولا يريد تذكرها ، كانت تفرض نفسها عليه ، حاول ان يشيح بوجهه ويغمض عينيه فلا ذهبت ولا تحرك عنقه ولا غمض جفنه.

كان شكله قبيح جدا ، لا لم يكن هو ، لا بل كان هو ، هل يكذب على نفسه ، انه هو ومها حاول ان يقنع نفسه بانه ليس هو كان عقله يوقن تماما انه هو.

بكى وهو يشاهد نفسه القبيحة على حقيقتها ، ولكن لم تنزل دموعه ، شعر بغصة فى حلقه وتمنى لو يعود الزمن.

اخيرا جاءت امه ، مالها ؟ ماذا بها؟ ما هذا الضعف الشديد الذى بها ، يكاد يرى عروقها خلف جلدها الرقيق من شدة الوهن والشيخوخة.

شعر انه عطشان والعطش تحول الى جفاف شديد فى فمه وحلقه ، لسانه كان يلتصق بحلقه من شدة العطش، ناولته امه كوب الماء ، نظر الى الكوب وعرفه سريعا ، هو نفس الكوب الذى قدمه لها فى نهاية حياتها وبداية حياته ، لا يا امى لا تسقينى ، إنه ليس ماء ، سامحينى ، لكنها لا تسمعه وتمتد يدها بالكوب الى فمه ، حاول ان يغلق فمه حتى لا يشرب ، شعر ان فمه لا يطيعه او ان يد امه كانت اقوى منه وتجرع ما فى الكوب ، شعر بألم هائل يمزق احشاءه ، لا يا امى لا تفعلى هذا بى فأنا ابنك ، ولكن صوته لم يخرج.

جاء اولاده ولكن لم يروه ، مد اكبرهم يده واخذ الكوب من جدته وذهبوا فرحين بالكوب واختفوا جميعا من امامه.

كيف جاء ابناءه وهم قد تركوه من سنوات لا يذكرها ولا يعرف عددها ، كانوا يزورنه فى اثناء وجودهم ولكن حياتهم اخذتهم منه كما اخذته من امه ،

شعر بقطرات شديدة السخونة تسقط على يده ونظر برعب فوجد امه تقبل يده ، لم يكن لها شفاه ولم يكن لها عيون ولا اى ملامح لوجهها ولكنه عرفها وتذكر تلك الدموع يوم ذهب بها الى دار المسنين.

لقد ظن وقتها انه لا حياة غير حياته وعليه ان يحافظ عليها ، وكان يضحك بينه وبين نفسه من ذلك الكلام البدوى الذى يتحدث به البدو واتباعهم ، بر الوالدين ، الله ، اساطير وخرافات تسيطر على عقولهم ، وسمع صوت لم يدرك مصدره يقول منذ بدء التاريخ والناس يعبدون إله ، هل هى مصادفة ؟

تذكر ما كان يقوله عن وهم وخرافة الاله وأن العقل البشرى هو الذى يصنع الاسطورة ، ورد على نفسه هل اشتراك البشر فى نفس الفكرة رغم عدم مقابلتهم لبعضهم هو مصادفة؟ هل اشتراك البشر فى العبادة لأى إله غريزة تنتقل بين بشر لا يعرفون بعض ؟ لقد قال البدوى سيظل ما اقول حتى قيام الساعة فهل صدق؟

لقد تحرك لسانه اخيرا

(03-29-2010, 03:57 AM)the special one كتب:  جميل , تسجيل متابعه واهتمام .. ( يامشرف حطلنا الوردة بالصفحة الاولى بدل الزلمة اللي يخبط راسو بالطاولة )

(03-31-2010, 09:14 PM)أسامة مطر كتب:  رائعة ... أنت فلتة ...

تحية رقيقة أشكركما عليها ..
ابناء الرب إيل في السماء يشكرونكما أيضا على الإهتمام .. عنهم الخواجات .. ميخائيل و جبرائيل و اسرائيل و عزرائيل و مكيائيل و الواد عبد إيل ( بيلية ) و باقي عبدة الإله إيل المقدس إله الكنعانيين القدامى .
.......................................
احذروا الفتنة .
أرى -يا زميلي الفاضل -أنك تمتلك موهبة السرد الحافل بالموعظة الإيمانية ،لو كتبت بالإبر على آماق البشر لصارت عبرة لمن يعتير .
فلم لا تطرح موضوعات خاصة بك بدلآ من المشاركة في هذه الموضوعات التي يوسوس بها الشيطان و العياذ بالله .
..............................................................
لقد لاحظت نتيجة ما ألقى صديقي الشيطان في روعي بالطبع ، أن الملائكة ينتسبون لإله قديم هو إيل ، دون أي ذكر لله الذي يبدوا أنه قاد انقلابا و طرد إيل ،و لكنه ظل محتفظآ بخدمه من الملائكة ، دون أن يبدل أسمائهم سهوا بالطبع ، و لو كان الله قديم في السماء ، فلم لم يسم الملائكة بإسمه فيكون جبرييل مثلآ عبد الله ، و ميكائيل مكيال الله ، و إسرائيل بوق الله ،و جبريائيل مرسال الله ...و هكذا ؟.
ألا ترون أن الشيطان شاطر بالفعل ؟

(04-13-2010, 07:44 PM)بهجت كتب:  ألا ترون أن الشيطان شاطر بالفعل ؟

فعلا الشيطان شاطر



ومتابع شطارته