الأحكام المصرية بحق خلية "حزب الله" قابلة للتفاوض ما دامت دون الإعدام ؟
ابراهيم بيرم- النهار
... أخيراً وبعد أكثر من عام أصدرت محكمة أمن الدولة العليا طوارئ في مصر، حكمها على المجموعة التي صارت تعرف مجازاً باسم خلية "حزب الله" في مصر، وهي قضية أفضت الى قطيعة بين القاهرة والحزب، وأشعلت من خلالها أجهزة الاعلام المصرية حرباً سياسية على الحزب.
وعلى رغم أن الأحكام الصادرة بحق أعضاء هذه المجموعة البالغ عددهم 26 شخصاً، بينهم لبناني واحد معتقل، (سامي شهاب) وآخر لم يقبض عليه أصلاً، راوحت بين ستة أشهر و25 عاماً، فإن القراءة الاولية للمصادر المعنية مباشرة بالقضية في بيروت خرجت باستنتاج أولي وسريع ويقوم على الآتي:
- ما دامت الاحكام لم تصل الى حد الاعدام، فمعناها انها أحكام سياسية، تنم عن رغبة مصرية مضمرة بعدم الدفع بالامور نحو مرحلة القطيعة، أو كسر الجرة كما يقال.
- إن هذه الاحكام، هي في جوهرها قابلة ضمناً للتفاوض والأخذ والرد، ومفتوحة على احتمالات شمولها بعفو يمكن أن يصدر لاحقاً ولو بعد حين.
وهذه القراءة الاولية، إن صحت، فمعناها أن القاهرة، التي ذهبت ابان الحرب الاسرائيلية الطويلة على غزة قبل أكثر من عام، في هجوم سياسي واعلامي غير مسبوق على "حزب الله" وعلى قائده ورمزه الاول السيد حسن نصرالله، جندت له كل ما يمكنها ان تجنده من أقلام وألسن مصرية عدة، قد شاءت أن تضع خاتمة "مقبولة" ومعقولة حتى الآن لهذه الهجمة "الاعلامية" الشرسة، التي استمرت في حينها أكثر من شهر، بذريعة أن الحزب قد دخل المساحة المحرمة في مجال الأمن المصري وانه يتجاوز حدوده تحت شعار دعم الشعب الفلسطيني المحاصر في غزة، والمعلوم ان منسوب هذه القضية المصرية بلغ أقصاه عندما تحدث السيد نصرالله في إحدى خطبه في ذروة الحرب عن غزة، عن ضرورة أن يتحرك الجيش المصري لإعادة الامور الى نصابها، وليأخذ دوره الطبيعي وبالتالي العمل على فتح البوابات والمعابر الموحدة المؤدية الى غزة من جهة مصر.
ولم يعد خافياً انه بعد تلك الحوادث، التي كان لها دوي وصدى في حينها، أجريت اتصالات ومفاوضات عبر قنوات خلفية، بين الطرفين لتهدئة الموقف ولتبريد التوتر المصري العالي المنسوب.
وبحسب المعلومات التي شاعت في بيروت في تلك الفترة، فإن المصريين بعدما استنفدوا القضية الى اقصاها، على المستوى السياسي، بادروا الى طرح شرط للتهدئة وللافراج عن المجموعة المعتقلة في مصر، من بينها العنصر في الحزب الموقوف باسمه الحركي سامي شهاب، وهذا الشرط يقوم على اطلاق الحزب، إما عبر نص مكتوب وإما عبر وسائل الاعلام، بياناً يتعهد فيه علانية ألا يعود الى استخدام الاراضي المصرية معبراً ومنطلقاً لتقديم كل أشكال الدعم لغزة وشعبها.
ولأن الحزب، الذي يعتمد قضية دعم نضالات الشعب الفلسطيني أينما كان واحدةً من روافعه ودوافعه، لا يمكنه على الاطلاق المبادرة الى هذا النوع من التعهدات، ولو كلفه الامر حياة العنصر المحسوب عليه في الاعتقال المصري، فإن الحزب لجأ الى سبيل آخر لتهدئة الغضب المصري عليه يقوم على القواعد والأسس الآتية:
- أعطى تعليمات واضحة وحازمة لقياداته وكوادره، بعدم افتعال أي سجال مع النظام المصري، وبالحيلولة دون استخدام وسائط اعلامه لانتقاد النظام المصري.
وفي المقابل اكتفى بموقف الدفاع عن النفس والتذكير بتاريخ مصر المجيد في دعم القضايا العربية وفي مقدمها القضية المركزية فلسطين.
- أبقى قنوات الاتصال والتواصل غير المرئية مع القاهرة مفتوحة، حتى في أسوأ أوقات أزمة العلاقة معها.
- غاب الحزب بشكل شبه كلي عن مقدم التظاهرات والتحركات التي نظمت في بيروت، احتجاجاً على رفض مصر فتح المعابر بينها وبين غزة، ولاحقاً اقامة "جدار الصفيح السميك والعميق" بين الاراضي المصرية ورفح وغزة.
- اختفى اي توجه معادٍ لمصر في خطاب الحزب السياسي، رغم استمرار ظهور قضية خلية "حزب الله" اعلامياً بين الحين والآخر.
وبمعنى آخر، اتبع الحزب نهجه المعروف منذ زمن تجاه الانظمة العربية التي يواجهها عادة في خانة الانظمة غير المشجعة والمجندة له، واستطراداً المعادية، وهو نهج المهادنة والسعي قدر الامكان الى تلاقي فتح خطوط تماس معها. وعليه، ثمة أجواء ومناخات في بيروت توحي أن السياسة المرنة هذه قد أعطت ثمارها وإن الى حد معين، حتى ان ثمة مراكز قرار في "حزب الله" في بيروت صارت في الآونة الاخيرة تقيم على معادلة مؤداها انه بناء على الاحكام التي ستصدر بحق المجموعة المعتقلة، يمكن قراءة أمرين، الاول مؤشر الرغبة المصرية في التهدئة او المضي قدماً في التصعيد، والثاني مؤشر خفي لمستقبل الوضع في المنطقة، فاذا كانت الاحكام ستبلغ حتى الاعدام فمعناه ان الامور سائرة ولا ريب نحو التدهور، واذا ما كانت الاحكام دون ذلك فمعناه ان ثمة رغبة في التهدئة والعمل لاحقاً على ايجاد مخرج لائق لهذه القضية التي أضحت شائكة ومعقدة، خصوصاً بعدما دفعت مصر بالامور الى اقصاها تعقيداً وتوتيراً ووسّعت دائرة الاتهامات لهذه المجموعة المتواضعة العدد، حتى ان من يسمعها او يقرأها يعتقد انها تريد قلب الميمنة على الميسرة وقلب الامور رأساً على عقب في بلد الثمانين مليوناً.
ومما لا ريب فيه ان الزيارة الاخيرة التي قام بها وزير الخارجية المصري احمد ابو الغيط لبيروت السبت الماضي، كانت بالنسبة الى الكثير من المعنيين في العاصمة اللبنانية بمثابة مؤشر بالغ الاهمية لامور عدة ماضية وحاضرة بعضها يتصل مباشرة بموضوع الحكم على خلية "حزب الله" المضبوطة في مصر.
ومع أن ثمة معلومات اولية ذكرت ان رئيس الديبلوماسية وإن لم يكن التقى مباشرة مسؤولين في "حزب الله"، فقد وجّه اليهم عبر وسطاء رسالة فحواها ان ثمة مساراً جديداً للعلاقة بينهم وبين القاهرة، الا ان بعض المحيطين برئيس مجلس النواب نبيه بري ذكروا انه (اي بري) سعى جاهداً لاستدراج ابو الغيط للافصاح عن شيء محدد بالنسبة الى هذه القضية، لكنه لم ينجح، برغم براعته، اذ بقي الضيف يذهب الى تناول العموميات.
وفي موازاة ذلك ثمة من توقف مطولاً عند اللغة السياسية المختلفة عن سياق السياسة المصرية المعروفة التي استخدمها ابو الغيط في حديثه عن قضايا المنطقة والتهديدات الاسرائيلية – الاميركية وخصوصاً قضية صواريخ "السكود" التي جعلتها واشنطن بمثابة قميص عثمان. وبمعنى آخر، لا يزال البحث جاريا عن الابعاد العميقة لهذه الزيارة المفاجئة والخاطفة، لمعرفة ما اذا كانت تندرج في خانة اعادة تموضع مصري جديد ام ان القاهرة ارادت ان تتخذ بيروت منصة لتظهير صورة أخرى مغايرة عنها.
لربما كان بعض الاجابات موجوداً في "الحكم السياسي" على مجموعة خلية "حزب الله".
ومع ذلك يبقى السؤال المطروح: ماذا بعد؟
http://www.annahar.com/content.php?table=makalat&type=makalat&priority=20&day=Thu