واخيرا حدثت عملية خلق الحياة من جديد بعد ان كانت المرة الاخيرة قد حدثت قبل حوالي 500 مليون سنة، غير ان هذه المرة بفضل Carig Venter, الذي يهييء لانطلاقة مجموعة من الاشكال الحياتية الجديدة. بذلك يكون الانسان ليس فقط قد دخل نادي الخالقين وانما ايضا وللمرة الاولى في تاريخ التطور يتحقق ذلك بواسطة التصميم الذكي بدون اي مجال للشك. وبهذه النجاحات وضع حجر النهاية للتساؤل حول ماهية الحياة.
كاريغ فينتير وزملائه من معهد كاريغ فينتير الامريكي تمكنوا منذ فترة قصيرة من تصميم وخلق كائن صناعي قادر على الحياة بفضل حمض وراثي مُركب حسب رغبات الباحثين. بهذا الفتح يكون الطريق اصبح سالكا لانتاج مالانهاية له من الكائنات الجديدة، تملك من الخصائص مايسمح بحل جميع مشاكل العالم, حسب تعبير كاريغ فينتير. بذلك نرى ان استعباد الكائنات الجديدة هو الهدف، تماما كما كان الهدف من خلق الانسان الاول في الاسطورة البابلية.
كاريغ فينتير هو العالم الذي وضع الخريطة الجينية للانسان، والان يعلن انه سيخلق الكائنات التي تعوض الانسان عن صناعة النفط بكاملها. احدى اضخم شركات النفط ايكسون موبيل، وقعت اتفاقية تعاون مع شركته المسماة Synthetic Genomics, من اجل تصميم الكائنات التي ستنتج الطاقة المستقبلية وفي نفس الوقت ستمتص غاز اوكسيد الكربون من الجو. برنامج اخر جرى توقيعه مع شركة النفط BP يعمل على خلق كائنات قادرة على تحويل الفحم الى طاقة نظيفة.
مع قيام الباحثين بخلق انواع جديدة من الحياة اصطناعيا يضع كاريغ فينتير نقطة النهاية في البحث عن جواب لسؤال ماهي الحياة. هذا النجاح يشير الى ان الحياة ليست شيئاً سحرياً، وانما في جوهره لايزيد عن تفاعل كيميائي. الكائن الحي هو ماكينة كيميائية، بما فيه الانسان.
منذ نجاح الباحثين Watson & Crick, عام 1953 , بالكشف عن بنية الحمض النووي (راجع الحاشية الاولى في الاسفل) وكيفية حفظ المعلومات في الخلية تمكنت البيلوجيا الحيوية Molecular biology بالتتدريج من رفع اللثام عن جميع الحلقات الرئيسية المكونة للحياة. في المركز تقف الحياة على قاعدة الجينات التي تقدم جميع التعليمات العملية اللازمة للبروتينات التي بدورها تتحكم بتنشيط جميع عمليات الخلية من التبادل الخلوي الى إعادة انتاج الجينات، وهي عملية جرى تحسينها على مر مليارات السنوات.
[Carig Venter]
في العشرين سنة الاخيرة جرى بناء خريطة الجينوم لعدد كبير من الكائنات الحية، جرى وضع رسمها الثلاثي في الكمبيوتر وحفظها في قاعدة بيانات تنمو بإستمرار. بالنسبة لكاريغ فينتير فإن الجينات تشكل له احجار البناء الرئيسية لتصميم كائنات المستقبل، لذلك قامت مركبته الشراعية Sorcerer II, بتصفية مياه البحر واستخراج ملايين الجينات من الكائنات المجهرية. اليوم تحتوي قاعدة البيانات على 25 مليون جين في متناول الجميع، وعشرين مليون منهم يعود الفضل بجمعهم لمركبة فينتير الشراعية. هذه الجينات تشكل ثروة هائلة لاستخراج الشيفرة المتوالية وتجميعها في شيفرة صناعية لانتاج كائنات حسب المعضلة المطلوب حلها.
الكائنات الحية الاصطناعية الجديدة كانت هدف الباحث فينتير منذ بداية رحلته التي بدأها عام 1995 عندما وضع خريتطي الجينوم للبكتريا Haemophilus influenzae & Mycoplasma genitalium, واللتان ملكتا 1800 جينوم و500 جينوم على التتابع، ومن خلالهم عثر على مانسميه بلغة الكمبيوتر " نواة نظام التشغيل"، والتي ظهر انها لاتتجاوز 400 جين.
بعد ذلك قام الباحثون ببناء كروموسوم صافي، على قاعدة البنية الكيميائية للحمض النووي: القواعد النيكلوتيدية الاربعة الجاهزة. الهدف من هذا الكروموسوم كان لرؤية فيما إذا كان كافيا لجعل خلية ما تنطلق ذاتياً او ان الامر يحتاج الى شئ ما اخر. غير انه كانت تقف امامهم مشكلة: لااحد قام في السابق ببناء جزيئية نووية كبيرة بهذا المقدار، لاسباب وجيهة: تكنيك " كتابة" شيفرة جينية تطور ببطء شديد بالمقارنة مع تكنيك " قراءة" الشيفرة، لذلك كان من الطبيعي ان توجد العديد من الاخطاء " الاملائية".
فقط في عام 2003 اصبح تكنيك الكتابة جاهزا وتمكن الانسان للمرة الاولى من بناء نسخة مطابقة لجينوم يعود لبكتريا فيروسية phi X, بواسطة فقط 5386 قاعدة نيكلوتيدية. عندما جرى إدخال الحمض النووي الاصطناعي في خلية البكتريا انطلقت على الفور سلسلة متتالية من العمليات، تماما كما يفعل حمض نووي حقيقي عندما يقدم شفرته الى بروتين، الذي يقوم بدوره برصف نسخة جديدة من الجينوم. وكالسحر قام الفيروس بخلق مجموعة من الاجزاء انتشرت واصابت مجموعة من البكتريا الجديدة.
بمعنى اخر يمكن القول ان الحمض النووي هو جهاز قيادة عندما يتعلق الامر بالفيروس الصغير، ولكن هل الحمض النووي كافي من اجل إعادة انتاج كائن كامل بقواه الذاتية، مثل البكتريا مثلا؟ على هذا السؤال تمكن الباحثين عن الحصول على جواب عام 2007، في دراسة وصفها فينتير بانها "احدى اهم الابحاث في عالم نشاطي العلمي"، والتي لازالت "حتى اليوم تبدو وكأنها فيلم خيالي".
للتحقق من هذه الامكانية قام العلماء بنقل جينوم كامل من بكتريا الى اخرى. بهذا الشكل جعلوا جسم المستقبل هي البكتريا المنقولة، تماما مثلما لو قام العلماء بخلق ذئب من خروف عن طريق نقل جينوم خلايا الذئب الى خلايا الخروف. بمعنى اخر ان " جهاز القيادة" من بكتريا قادرة على إدارة خلايا بكتريا مختلفة تماما. بعد هذا النجاح الحاسم اصبح فينتير يقف امام مسألة شكلية تماما، وهي القيام بصنع كروموسوم صناعي كامل من الاساس لبكتريا، الامر الذي نجح بتحقيقه عام 2007، ثم بعد ذلك القيام بالبرهنة على ان هذا الكروموسوم قادر على اطلاق البكتريا والتحكم بها.
غير ان البيلوجيا ممتلئة بالمفاجآت الغير متوقعة، إ وعلى الرغم من تكرار المحاولات لنقل الكروموسوم الصناعي الى البكتريا ، لم يتمكنوا من جعل الخلية تنطلق بالحياة. هذا الامر احبط العلماء، إذ ظهر وكان هناك شئ اخر مجهول تحتاجه الكروموسومات ، الامر الذي قد يعطل الامور سنوات. غير ان العلماء احتاجوا الى سنتين فقط من اجل حل المعضلة. لقد ظهر ان الفشل لايقف خلفه الجهل بشئ مجهول وانما نظام المناعة لدى الخلية المُستقبلة هو الذي يحطم الكروموسوم الصناعي. في النتيجة تم تجميع الحمض النووي الي اصبح اطول، في جسم البكتريا، غير ان الخطوة الاخيرة التي تتضمن الجزء الاكبر من الحامض النووي لم تتمكن البكتريا على استيعابها، لهذا السبب كان العلماء مجبرين الى استخدام الخميرة Saccharomyces cerevisiae, لتجميع الحامض النووي
خلية الخميرة وحيدة الخلية، تماما مثل البكتريا، ولكنها شكل مختلف من اشكال الحياة، إذ انها تنتمي الى ذات المملكة التي ينتمي اليها الانسان في التصنيف البيلوجي: eukaryoter, وهي خلايا تملك نواة، في حين ان البكتريا تعود لشكل اقدم من اشكال الحياة، لاتملك نواة خلوية: prokaryoter. ومن حيث ان الكروموسومات المُجمعة انتقلت من خلية الخميرة (مركز التجميع) الى البكتريا، تملك البكتريا ايضا نظام مناعة يحميها من الاحماض الامينية الغريبة ويقوم بتقطيعها الى قطع صغيرة. من اجل الالتفاف على ذلك قام الباحثين بالالتفاف على جهاز امناعة، إما من خلال ابعاد جهاز المناعة من خلية المُستقبل او من خلال معالجة انزيمات جسم المُستقبل بمعالجة الكروموسومات بحيث تصبح مشابهة للحامض النووي الخاص.
بعذ هذه المعالجة تتمكن الاحماض الامينية من اطلاق الخلية كما في السابق. بهذا الشكل تمكن العلماء من البرهنة على ان النيكلوتيدات الاربعة قادرة على بناء احماض امينية صناعية من الاساس، وعلى ان " جهاز الادارة" بكامله يمكن نقله بين انواع مختلفة من الاحياء، وان الحياة ليست الا الحمض النووي بتركيبته الكيميائية، وان الحمض النووي هو الذي ينتج منظومة الادارة الجديدة، ليكون الفرق تماما كما الفرق بين ميكروسوفت ولينوكس.
الاضطرار الى التغيير فتح للعلماء إمكانية جديدة لم تكن تخطر ببالهم، وهي إمكانية استخدام الخميرة كجهاز تنظيم جيني على إعتبار ان هذه الامكانية موجودة في الخميرة ولكن ليس في البكتريا. ببساطة يعني ذلك إمكانية إبعاد الجينات ووضع جينات جديدة، ونقل اجزاء كبيرة من الاحماض الامينية طالما ان العملية تتم في خلية الخميرة وعندما يصبح الامر جاهزا يجري نقله الى خلية البكتريا لتنطلق وتصبح حية. هذه الامر يمكن إعادته مرات لاحصر لها، وخلال فترة قصيرة سيكون بالامكان عرض بكتريا صناعية كاملة. بمعنى ان الخمائر ستصبح قريبا معامل كاملة لانتاج الكائنات الجديدة بكميات هائلة
احدى الكائنات الحية المؤهلة لاستنساخها قريبا هي البكتريا Methanococcus jannaschii, وهي بكتريا تعيش قرب المنابع الحارة في اعماق البحر. هذه البكتريا تستغل الطاقة الكيميائية عوضا عن الطاقة الشمسية، ولذلك فهي قادرة على تحويل اوكسيد الكربون الى غاز الميثان، وجينات هذه البكرتريا هي التي يتأمل الباحثون في انها ستحل مشكلة البيئة. الخيال وحده يمكن ان يضع حدودا للامكانيات الجديدة التي يمكن ان نستفيدها من مخلوقاتنا القادمة. ايضا يمكن انتاج الفيروس M13 بعد تحديث بجين اضافي يعطيه القدرة على ربط ذرات الحديد وايونات الفوسفور. من خلال الجين الاضافي يتاهل الفيروس للالتصاق بانبوب فحمي الامر الذي يحوله الى بطارية ذات عمر مديد، قادرة على تزويد الموبايل والكمبيوترات المحمولة بالطاقة لفترة طويلة.
التجربة التي اجراها كرايغ فينتير
1- بواسطة نيكلوتيدات قاعدية A, G, T, C, تقوم ماكينة بتركيب التواتر المطلوب لينشأ مقاطع من الاحماض الامينية كل منها تملك 50 قاعدة، على حسب خطة موضوعة مسبقا انطلاقا من قاعدة المعلومات الجينية. قسم من الجينات عبارة عن " نواة نظام التشغيل" الضرورية لانطلاق الحياة، في حين ان القسم الاخر هي اجزاء لتحقيق مختلف الوظائف، مثلا انتاج دواء .
2-ثلاث اجزاء من الحمض النووي يجري وضعهم في انبوب زجاجي حيث يقوم الانزيم بربطهم ببعضهم ليصبحوا وصلة اكبر "كاسيت".
3- كاسيتات مختارة يجري نقلها الى بكتريا E-coli, وعندها كل مرة تقوم البكتريا بالانقسام على نفسها يتضاعف عدد الكاسيتات.
4- يجري نقل الكاسيتات الى انبوب زجاجي التي تحتوي على انزيم يقوم بتقطيعهم الى قطع كبيرة. بعد ذلك يقوم انزيم اخر بتكرار الخطوة رقم 2 ، اي إعادة توصيل القطع الى سلاسل كبيرة ليجري نقلهم الى بكتريا. من جديد يجري تكرير الخطوة رقم 3، وتستمر العملية الى حين الحصول على 25 قطعة من الحامض النووي وكل قطعة منهم تحتوي على 24 الف قاعدة نيكلوتيدية.
5-هناتتوقف غمكانيات البكتريا وتحل الخميرة مكانها في عملية البناء. هنا تقوم الخميرة بكلا العمليتين في آن واحد، اي تركيب قطع الاحماض الامينية الى كاسيتات ومن ثم استنساخها من خلال عملية الانشطار النووي. ثم تقوم الخميرة بإنهاء العملية عند ربط القطع النيكلوتيدية ببعضها (25×24000) ليصبح الكروموسوم جاهزا، وبعد التحديث يصبح 590000 نيكلوتيد.
6- عندما يصبح الكروموسوم جاهز في الخميرة يكون فاقدا للحماية ضد جهاز المناعة في خلية البكتريا. لهذا السبب يجري تعريضه لانزيم من البكتريا يقوم بإضافة المناعة اليه عن طريق اتحاده مع مجموعة الميتيل.
7- الان يجري نقل الكروموسوم الى خلية المُستقبل بدون تعرضه لجهاز المناعة. بهذا الشكل يتمكن الكروموسوم الجديد من احتلال جسد خلية المضيف وادارته ليصبح كائن جديد.
8-الكائن الجديد يجري انتاجه في حاضنات حديدية كبيرة حيث البيئة مناسبة اصطاعيا. بهذا الشكل يمكن انتاج، مخلوقات الانسان الجديدة لتصبح ادوية او حلول بيئية جديدة.
المنتوج الجديد يحقق كافة االشروط التي يتطلبها التعريف للاعتراف به على انه كائن جديد حي. الكائن يملك تبادل خلوي، وقادر على إعادة انتاج نفسه، كما انه قادر على الحركة بقواه الذاتية. وعلى الرغم من انهم كائنات حية، الا انه لايمكن مقارنتهم بالحياة الطبيعية الاولى التي نشات قبل حوالي اربعة مليارات السنة. الفرق بين العمليتين ان العلماء اليوم لازالوا في المرحلة التي يبنون فيها كائناتهم على منتوجات من الحياة الجاهزة على الارض، وبالتالي لم ينتجوا كامل مكوناتها من مواد كيميائية تماما، مثلا استخدموا الاغشية الخلوية والبلازما والبروتينات والمنشطات. وعلى الرغم من ان الكائن اصطناعي الا ان ذلك لازال لايعني ان الباحثين تمكنوا من نفخ الحياة في مواد جامدة، في حين يمكن القول انهم تمكنوا من االبناء على الاشكال الحية بطريقة لايمكن للطبيعة ان تقوم بها بدون تتدخل الانسان. من جهة ثانية يمكن القول ان التجربة برهنت نهائيا على ان الحياة هي مجرد مكونات كيميائية ولاشئ اخر. في هذا تكون قد قدمت جوابا بقي طويلا بدون اجابة، وهو ماهي الحياة.
الحمض النووي
اكتشف العلماء واتسون وكريك وويلكينس بنية الحامض النووي في الخلية ( حازوا على جائزة نوبل للطب )
ووجدوا أنه يتألف من سلسلة طويلة لولبية على شكل سلم لولبي تسمى "لفة حلزونية مزدوجة " double helix
ورغم أن جزيء الحامض النووي يبدو معقدا ولكنه في الواقع يتألف من أربعة أجزاء مختلفة تسمى نكليوتيدات nucleotides يمكنك تصورها كأبجدية فيها أربعة حروف فقط , ويتكون كل نيكلوتيد من ثلاث مكونات: السكر، مجموعة فوسفات وقاعدة نيتروجينية مقترنة مع رابطة هيدروجينية. والحامض النووي أشبه ما يكون بسلسلة طويلة من هذه الحروف , وهذه النكليوتيدات الخمسة ( أو الحروف الأبجدية الخمسة، مع ملاحظة انها تتكرر زوجياً ) هي
* Adenine, A
* Guanine, G
* Cytosine, C
* Thymin, T
* uracil, U
وترتبط هذه النكليوتيدات كأزواج مع بعضها بعضا مشكلة درجات السلم التي تتألف من العناصر الأساسية للنتروجين في النكليوتيد (يرتبط Adenine مع Thymine دوما كزوج و Cytonine مع Guanine كزوج ) أما طرفا السلم فيحتويان على المادة الفوسفاتية في النكليوتيد مرتبطة مع المادة السكرية في النكليوتيد المجاور له . حيث ادينين وغوانين يشكلون مجموعة بيورينات، في حين تشكل البقية مجموعة بيرمدينات. ويختلف النيكلوتيد عن الاخر انطلاقا من نوع القاعدة النتروجينية وجزيء السكر الخماسي.
ويعد الحامض النووي جزيئا طويلا إذا مددناه فسيكون طوله نحو 1 مليمترا لذلك حتى يتسع داخل الخلية فإن شكله يكون لولبيا ملتفا بشكل كبير على شكل صبغي دائري "كروموسوم " ( وهذا الأخير هو جسيم خيطي يظهر في نواة الخلية عند الانقسام ) ولدي الإنسان 46 كروموسوم وعندما تتكاثر الخلية يتم نسخ الكروموسومات ( الحامض النووي ) وتتوزع في كل خلية وليدة جديدة .
اول كروموسوم صناعي
الانسان يصبح خالقا
venter-skapar-baktericeller
Synthetic Genomes
موقع الذاكرة