اليابان وخطر الإفلاس
فوجئ كثيرون بتصريحات علنية لرئيس وزراء اليابان الجديد يحذر فيها من أزمة مالية شبيهة بأزمة اليونان، إذا لم يتم خفض العجز في الموازنة والسيطرة على المديونية المتفاقمة.
كنا نظن أن اليابان دولة غنية، يكفي أنها تملك ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الاقتصاد الأميركي. وكنا نتصور أنها تتمتع بفوائض هائلة تفرض عليها تحمل مسؤوليات أكبر في الساحة الدولية تجاه مساعدة الدول الفقيرة.
لم يكن الرأي العام يعلم أن مديونية اليابان تقترب من 200 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي على ضخامته، وأن الحكومة المركزية قد تعجز عن خدمة هذا الدين عالي التكاليف إذا لم تجد من يقدم لها المزيد من القروض.
الحكومات اليابانية المتعاقبة أنفقت سلفاً كامل إنتاج اليابان لمدة سنتين قادمتين، الأمر الذي يفسر الأرباح المصطنعة التي تمتعت بها الشركات اليابانية لسنوات طويلة.
لولا عمليات الإنفاق المكثفة للحكومة المركزية الممولة بالدين لكان على الشركات اليابانية أن تمول هذا الإنفاق الحكومي عن طريق الضرائب. لكن الحكومة رضيت أن تمول إنفاقها بالاقتراض بدلاً من الضرائب، أي أنها قدمت دعماً للمساهمين وأصحاب الشركات، وسمحت بتوزيع أرباح غير حقيقية، بل ممولة من الديون الحكومية.
المفروض أن القطاع الصناعي الياباني العملاق هو الذي يموّل الخزينة اليابانية، لا أن يكون عالة عليها، فلا يدفع لها الضرائب اللازمة لتغطية نفقات الموازنة.
أزمة اليونان كانت بمثابة الإنذار المبكر لجميع حكومات العالم، غنيها قبل فقيرها، فهي لا تستطيع أن تعيش طويلاً على الديون، ولا بد من العودة إلى حالة من التوازن، فالديون قد تشجع النمو وتزيد الأرباح، ولكن هناك ثمناً لا بد من دفعه، وهو ثمن باهظ قد يودي بجميع المكاسب المؤقتة التي تحققت في ظل الاستدانة.
إذا لم تستجب اليابان وأميركا وايطاليا واسبانيا وايرلندا للإنذار الذي صدر عن اليونان، فلن يكون مفاجئاً أن تلجأ هذه الدول إلى صندوق النقد الدولي وتخضع لبرامج تصحيح يضعها لها الصندوق كما كان يفعل مع دول العالم الثالث التي تورطت بالمديونية ثم عجزت عن خدمتها.
د. فهد الفانك
________________________________________________________________________
من رأى مصيبة غيره...
يعاني الاقتصاد الأردني من دين عام كبير بلغ في نهاية السنة الماضية 9660 مليون دينار، تعادل 4ر59% من الناتج المحلي الإجمالي. ومن المقرر أن يرتفع خلال هذه السنة بمقدار 845 مليون دينار، ليبلغ 10505 ملايين دينار تشكل 2ر59% من الناتج المحلي الإجمالي المقدر لهذه السنة، وبذلك يظل تحت السقف المقرر وهو 60% من الناتج المحلي الإجمالي.
ليس كافياً أن يظل الدين العام قريباً من السقف القانوني، ولكن من يرى مصيبة غيره تهون عليه مصيبته، ذلك أن مديونية دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، توصف بأنها دول غنية، تفوق مديونية الأردن بالمقياس النسبي.
تعادل مديونية إيطاليا مثلاً 8ر115% من الناتج المحلي الإجمالي، وتبلغ مديونية اليونان 1ر115%، بلجيكا 7ر96%، فرنسا 6ر77%، ألمانيا 2ر73%، بريطانيا 1ر68%.
المديونية العالية ليست المرض بل النتيجة، فالمشكلة تبدأ بعجز الموازنة الذي يستدعي الاسـتدانة لتغطية العجز. وليس هناك علاج مستقل للمديونية، فهي مستمرة في التصاعد طالما بقي عجز في الموازنة، ويعود تصاعد العجز إلى رخاوة بعض الحكومات التي تشتري الوقت، وتحاول رفع شـعبيتها وتأجيل مواجهة الحقيقـة.
أميركا أيضاً ترزح تحت عبء دين ثقيل، ولكن وضعها يختلف، لأنها مدينة بالدولار، وهي قادرة على إصدار أية كمية من الدولارات وتسديد الالتزامات ولو على حساب التضخم، أما الدول المدينة بغير عملتها فهي معرضة لأزمة التوقف عن الدفع.
16 دولة أوروبية أعضاء في الاتحاد الأوروبي تستعمل اليورو ولا تستطيع إصدار العملة كما تريد، فهناك سلطة نقدية مركزية وبنك مركزي أوروبي لا يخضع لأوامر وزير مالية دولة مدينة، فاليورو بالنسبة لليونان عملة أجنبية لا تستطيع أن تخلقها محلياً.
بالمقاييس الأوروبية والأميركية تعتبر مديونية الأردن طبيعية، خاصة وأن ثلثها فقط محرر بعملات أجنبية. وإبقاء الدين العام تحت سقف 60% من الناتج المحلي الإجمالي وضع جيد، ولكنه ليس طموحاً، فالمطلوب تخفيض النسبة، بحيث ينمو الناتج المحلي الإجمالي بأسرع من نمو المديونية وليس العكس.
مطلوب تقليص العجز في الموازنة عاماً بعد آخر . ولأهمية هذا المؤشر، فإنه يعتبر بعد الآن مقياساً لكفاءة الحكومة وجديتها في التعامل مع التحديات الاقتصادية بمسؤولية.
د. فهد الفانك