الكاتب الرائع
خالد محادين.. في اعنف رد له على ناهض حتر وتياره العنصري
"مشبوهون وتعليمات مشبوهة فوق الدستور والقوانين" مناشدا حزب الكتائب الأردني الجديد أن يتقوا الله في هذا الوطن
عقلية بارعة وبفكر وطني متأصل خطّ الزميل والكاتب المخضرم خالد محادين مقاله الجديد يرد فيه على جميع من يسعون لضرب الوطن وثوابته ووحدته، وهم يطلون برؤوسهم ومتفجراتهم وأحقادهم وأمراضهم الإقليمية ويحاولون توزيع سمومهم على باب كل بيت أردني، ويقول بسبب هذا الوجود وهذه الإطلالة تأتي مقالته..
مقالته التي ناشد فيها ما أسماه "الليكود وحزب الكتائب الأردني الجديد" لأن يتقوا الله في وطنهم، وتاليا نص المقال..
مشبوهون وتعليمات مشبوهة فوق الدستور والقوانين ...
كتبت مرة وكتبت آلاف المرات أن هذا الوطن غرفة صغيرة وجميلة ودافئة ومميزة من هذا البيت العربي، وأن هذه هي القاعدة الأولى والرئيسة والراسخة للتمييز بين أردني يحب هذا الوطن ويعشقه ويعمل من أجله ويحمي وجوده ويسهم في صناعة وصياغة مستقبله.. وبين "الأردني الإقليمي الشوفيني المتآمر" على هذا الحب وهذا العشق وهذا الولاء وهذا الإنتماء وهذا الوجود والمصير.
وبسبب وجود هذا الأردني الثاني – الذي يعود ليطلّ بمتفجراته وإرهابه – هذه الأيام ليضرب البلد في ثوابته : وحدته الوطنية ووحدته الجغرافية ووحدته المنيعة التي عملت على ثباته وصموده في وجه الفتن السياسية والطائفية والإقليمية والشوفينية، بعد أن استعصى على كل الأعداء كل سبيل للنخر فيه ودفعه نحو صراعات لا تقل خطورتها عن خطورة أية مؤامرة على الأردن وعلى فلسطين وعلى كامل الوطن العربي بسبب هذا الوجود وهذه الإطلالة تأتي مقالتي.
وأضيف أن الخوف على هذا البلد ليس مصدره أوبئة أو مخاطر أو براكين، وإنما مصدره إنفولونزا الإقليمية وكوليرا الإقليميين وطاعون الشوفينية، التي تسعى مجتمعة لإنهاك أرواحنا قبل أجسادنا وتقسيم وطننا الواحد بتدمير وحدته الوطنية تحت شعارات زائفة هي الحفاظ على البلد والحفاظ على الأردنيين والحفاظ على نصف الشعب من خلال "تطهيره" من نصفه الآخر والإجهاز على كل من يقف ضد هذه الأمراض والمخططات قادما كان من الكرك أو من الخليل.. ومن السلط أو من نابلس.. ومن عمان ومعان أو المفرق.. أو من القدس وبيت لحم ورام الله.
هذا الذي يطفو على السطح, ليس وليد اللحظة أو أعوام كثيرة, ولكنه استمرار لنهج نجح الناس ــ من مختلف أصولهم وفروعهم ومختلف منابتهم ومساقط رؤوسهم ــ في محاصرته وإجهاضه لكن أمورا تستجد فتخرج أفاعٍ وفئران من الثقوب والجحور وتكرر محاولة بذل الجهد المدان مستكثرين على ملاييننا الستة أن تكون أسرة واحدة في وطن واحد وتحت سماء واحدة.
لم تعد المسألة تتعلق بنقاش جاد في مسألة جادة لكنها تحولت إلى استعراض يدعو للسخرية، رغم أنه يتعلق "بوطن وقيادة وشعب", كما تحولت المسألة إلى دعوة معلنة من قبل أصحابها لقيام نصف شعب بخلع نصفه الآخر ولم تعد المسألة من يضع فوق رأسه كوفية حمراء أو من يضع فوق رأسه كوفية سوداء.. وفي بلد هو الآن الحاكم الفعلي للعالم بديمقراطيته وإرهابه وقيمه وغطرسته وتقدمه العلمي وتخلفه الأخلاقي والإنساني هو الولايات المتحدة, ما يزال الألماني المهاجر جده الأول قبل مائة أو مائتي عام يجيب أنه من ألمانيا عندما يطرح عليه سؤال من أين أنت؟ وما يزال الإنجليزي والفرنسي والصيني والعربي والأسباني يعطي هذه الإجابة على ذلك السؤال.. وغالبية المدن الأميركية مقسمة إلى أحياء صينية وإيطالية ومكسيكية وأسبانية و...و... و...... يضع المكسيكي على رأسه قبعته المكسيكية ويغطي الاسكتلندي نصف جسده بالتنورة المخططة, والعربي يلبس ثوبه وقمبازه وحطته, ومنذ ولادة الولايات المتحدة لم يصل إلى البيت الأبيض ليقود هذا البلد منه هندي أحمر واحد سليل السكان الأصليين، وها هي كينيا من أفريقيا يدخل الناخبون الأميركيون مهاجرا من هذا البلد في المكتب البيضاوي ولهذا نهضت الولايات المتحدة وأخذت مكانها في قيادة العالم, ولو أن أميركيا واحدا أساء إلى آخر بسبب دينه أو أصله أو لونه أو عاداته لزج في السجن حتى آخر لحظة في حياته؛ لأن ضرب الوحدة الوطنية لشعب هو الطاعون الحقيقي والأنفلونزا الحقيقية وسلاح الدمار الذي لا يبقي ولا يذر.
هؤلاء الذين يطلون برؤوسهم الإقليمية ومتفجراتهم الإقليمية وأحقادهم الإقليمية وأمراضهم الإقليمية , ويحاولون توزيع سمومهم على باب كل بيت أردني, ليسوا أردنيين غيورين على ماضي وحاضر ومستقبل هذا البلد؛ فهم أولا ليسوا أبناء آبائهم القوميين الحقيقيين.. وهم ثانيا ليسوا أحفاد جدودهم الذين التقوا على جهة الأردن بناء ودفاعا وشجاعة وانتماء عربيا نظيفا، ولا أعتقد أن واحدا منهم يستطيع الزعم بأنه ابن عشيرة أردنية واحدة, فكلمة (عرب) بكل مدلولاتها ومشتقاتها هي أكثر لفظة في لهجتهم ولغتهم, وهم أعداء الوطن الذي يدعون أنهم يدافعون عنه, فـ "الوطنية" ليست مجرد رقم وطني تقرر الحكومة أية حكومة أن مجرد سحبه من أردني سيجعل منه عدوا للبلد, ومن الطريف أن هؤلاء الإقليميين يكونون قوميين عندما يتعلق الأمر بمواقفهم من السوريين أو العراقيين أو اللبنانيين أو سواهم من أبناء هذه الأمة, لكنهم يشعرون باعتلال صحي جسدي أو عقلي عندما يتعلق الأمر بمواقفهم من الفلسطينيين الأردنيين شركائنا في الوحدة في هذا البلد أو حتى من الفلسطينيين في الضفة والقطاع وفنزويلا وجزر القمر والصومال واقرب الدنيا وآخرها, وقد أعمتهم إقليميتهم عن محبتهم لأمتهم وأعمتهم هذه الإقليمية عن محبتهم لبلدهم ومصالحه وأمنه وسلامه ووحدته.
إن الفلسطينيين في سوريا أو لبنان أو العراق أو أي بلد في العالم هم مهاجرون مهجّرون بقوة الاحتلال والقتل والجوع والنظام العربي، ولذا لا يجوز مقارنتهم بالفلسطينيين الذين أقمنا وإياهم وحدة بنت البلد وأدخلت بعضه في بعضه, ولا أدري من يملك رقما صحيحا لأبناء أردنيين وأخوالهم فلسطينيون, أو أبناء فلسطينيين - وفق تصنيف الإقليميين الشوفينين- وأخوالهم أردنيون.
لقد بنينا وحدتنا بالإتفاق وكتبناها بالحبر وعلى الورق وأقريناها بممثلي الشعب, لكن هذه كلها تظل محدودة القيمة إذا ما قورنت بالوحدة المقدسة التي تسكن مدننا وقرانا وبيوتنا والتي لا يمكن شطبها بقرار فك الإرتباط الذي أجبر (الأشقاء العرب) والنظام العربي المتآمر على فلسطين جلالة المغفور له على اتخاذه محذرا الرئيس ياسر عرفات من نتائجه الخطيرة دون أن يستمع إليه أو يتمكن من النجاة من ضغوط أنور السادات.. وأشير هنا إلى أن قرار فك الإرتباط كان إداريا وقانونيا ولكن لا قيمة له بالنسبة للإرتباط القومي والواقعي والإنساني، وهو لا يستطيع أن يجعل أردنيا مقيما في الضفة الغربية أو في السودان أو على القمر مواطنا غير أردني, رغم تفنن بعض سياسيينا في الترويج له والذهاب في حد تبريره إلى القول المخادع وهو إننا نحبط محاولات تهجير الفلسطينيين من وطنهم وإفراغ فلسطين من أهلها وهذه هي الكذبة الكبرى.
قبل أيام أعلنت وزارة الداخلية بلسان ناطقها الإعلامي ما يشبه الشتائم والاستفزاز من موضوع (تصويب أوضاع عدد من الفلسطينيين أي (سحب جنسياتهم) وفق تعليمات فك الارتباط, ووصف إجراءات وزارته (بأنه تحرك وطني وقومي للإلتفاف على المحاولات الإسرائيلية لتفريغ الضفة الغربية من المواطنين الفلسطينيين)، وأضاف الناطق لا فضّ فوه ( أن ما يتحدث عنه المعارضون إنما هو أوهام لا صحة لها).. وهنا أتساءل: "هل بلغ اليقين لدى وزارة الداخلية حد الإعتقاد أن الأردنيين مغفلون وأنهم يصدقون كل ما تقوله لهم الحكومات والمسؤولون؟!" أم أن هذه الوزارة تستطيع أن تقنع مواطنا واحداً بأن سحب الرقم الوطني أو سحب الجنسية أمر سهل مثل سحب رخصة القيادة من مخالف؟!" وأي دستور أو قانون يتيح للحكومة الإقدام على هذه المخالفة الدستورية والقانونية واللاإنسانية واللامسؤولة واللاأخلاقية وبموجب تعليمات أصدرها موظفون متعفنون إقليميا وهم أعداء لكل الشعب الأردني وليس لهؤلاء الأردنيين المتحدرين من أصل فلسطيني؟ وما من أردني لم يسمع ما حدث قبل أسابيع مع زوجة مواطن أردني سلطي ذهبت لدائرة الأحوال المدنية فطلب منهم تسوية أوضاعهم أي العودة إلى أصلهم الفلسطيني مع الأولاد المتحدرين من أب سلطي.
إن الأرقام التي أعطتها الوزارة عن عدد الذين تم تصويب أوضاعهم – لاحظوا هذا التعبير الفاضح – أي الذين تم سحب الجنسية منهم، أرقام ليست صحيحة ولا تقترب من العدد الحقيقي، والمشكلة أن هؤلاء المسحوبة جنسيتهم يلجأون للقضاء ولا يستفيدون شيئاً، رغم أن عملية السحب هذه – التي تسميها الوزارة تصويب أوضاع – "مخالفة دستورية"، تماماً كقانون الاجتماعات الذي تستند إليه الوزارة والمحافظون لمنع الناس من ممارسة حريات مصونة ومكفولة في الدستور.
ثم لو أنني وجهت نداءاً لمن سحبت منهم جنسيتهم الأردنية لوصلت لي ولسواي آلاف الأسماء، لأن المسألة سياسة مرسومة وممارسة عينك عينك، وأضافت الوزارة بلسان ناطقها الإعلامي إهانة لنقابات وأحزاب ونواب وحتى منظمات دولية حقوقية اعترضت وتعترض على سحب الرقم الوطني الذي يعني سحب الجنسية عندما وصفت ما يتحدث هؤلاء عنه بأنه (أوهام وأحاديث عارية عن الصحة).. كيف تكون أوهاما وأحاديث عارية في ظل خوف مئات الآلاف من الأردنيين من التوجه لتجديد جوازات سفرهم أو هوياتهم الوطنية أو دفاتر عائلاتهم فيخرجون من دوائرنا الحكومية إندونيسيين أو فلبينيين أو سيرلانكيين أو هنودا وهم مواطنون أردنيون كأي وزير وكأي حكومة وكأي ناطق إعلامي.
التزييف الذي حاولت وزارة الداخلية تمريره علينا يتصف بالسذاجة ولا أقول بالخبث، فكل ما أشارت إليه الوزارة عن الوحدة بين الضفتين وعن احتلال الضفة عام 67 والاستجابة لمطالب منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.. كله كلام لا علاقة له بالمسألة ولا يبرر سحب الجنسية من مواطن أردني، والمنظمة بويعت ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني، ولكن الأردنيين من أصول فلسطينية لا علاقة لهم بالأمر لأن الدولة الأردنية هي ممثلهم الشرعي والوحيد، وأضيف لو أن هؤلاء المسحوبة جنسيتهم لجأوا إلى القضاء الدولي لنجحوا في استعادتها وأضيف وبقسوة رغم أنف ألف وزير داخلية وتعليمات فك الإرتباط.
هذا السلوك الرسمي هو جزء من وسائل الدعم الصريحة والمعلنة لجهود ضرب وحدتنا الوطنية، واذهب بعيدا وأعلن لضرب حتى خصوصيتنا الأردنية العربية، ومواصلة التشكيك في ثوابت من أبرزها "شرعية القيادة" و "شرعية الوطن المولود الشرعي للثورة العربية الكبرى"، وأضيف بملء الفم إذا كان الليكود الصهيوني يهددنا في حاضرنا ومستقبلنا، فإن علنيا أن نأخذ الحذر من ليكود أردني تم ويتم إعداده في أنابيب عربية وأجنبية، وسواء أدرك هؤلاء أم لم يدركوا وهم يدعون حرصاً على الأردنيين بينما يعملون – وبوضوح الآن – على تدمير البلد وضرب وحدته وعرقلة مسيرته.
ومن هنا أناشد هذا "الليكود وحزب الكتائب الأردني الجديد" أن يتقوا الله في وطنهم وأن يتوقفوا عن عملهم الجاد والصريح فيما هم ماضون فيه، وأطالبهم بأعلى صوت وأكثر كلام وضوحا المحبة للأردن، فلا يقطعوا إحدى ساقيه، ولا يفقأوا إحدى عينيه ولا يبتروا إحدى ذراعيه ولا يثقبوا إحدى طبلتيه ولا يقصوا إحدى جناحيه ولا يواصلوا إحداث الثقوب في سفينة الوحدة التي تحملنا جميعا. أما إذا رغبوا بمواصلة مساعيهم الخطيرة، ولم يرغبوا في حب هذا الأردن مثقال ذرة واحدة، وأصروا ويصرون على السير عكس التيار فأحب أن أروي هذه الحكاية..
في الخمسينات حيث استهدفت الحركة الوطنية بالاعتقال والسجن ومنع السفر ومنع العمل، ملأ أحدهم حقيبته بالملابس وعدة الحلاقة وربطات العنق وبعض الحلوى وتوجه نحو دائرة المخابرات وكانت في جبل الحسين، وأخذ يهتف ليسمعه من داخلها، فخرج إليه أحدهم ودعاه لمقابلة أحد الضباط الذي رحب به وقدم له مع فنجان القهوة كوباً من الماء، وقبل أن يسأله فوجىء بضيفه يقول (سمعت أنكم تبحثون عني، وها أنا جئتكم بقدمي، فان رغبتم في اعتقالي فها أنا أمامكم وحقيبتي معي).. نظر نحوه الضابط وقال ( يا أستاذ والله ما حدا بدور عليك بتقدر تروح على بيتك وتخرج ملابسك من حقيبتك وتعلقها قبل ما تتجعلك)..
وهذا ما حدث وربما ما قد يحدث.