الناس في العالم الإسلامي محرومون من التبني. نعم يوجد عدة تعاليم في الإسلام تحث على كفالة اليتيم، والزكاة والإنفاق على للفقراء. ولكن مع ذلك، في ظل التشريع الإسلامي، لا تستطيع الفتاة اليتيمة أن تشعر بوجود أب لها ولا الصبي اللقيط أن يشعر بوجود أم له.
لم يشاع عن ثقافة أخرى حرّمت التبني غير الإسلام، ناهيك عن سبب هذا التحريم في التشريع الإسلامي. سبب مفاجئ بالفعل، وموجود في القرآن الكريم بكل وضوح وصراحة. والمسلمون من كل البلاد والثقافات والأصول كثيراً ما يقرؤونه بدون تفكير ولا تمعن، كما يقرؤون بقية القرآن.
التبني غير معروف في مجتمعاتنا. والشيء المحزن أن ثقافتنا تشكلت نوعاً ما بطريقة توهم الناس بسوء التبني وتنشر الأكاذيب حوله. كل ذلك مرضاة للدين. على الرغم من أن الإسلام المفروض أن يكون أكبر مشجع للتبني، هذا العمل البار الذي لا دافع له سوى الخير.
القرآن الكريم:
سورة الأحزاب، سورة 33، آية 4
{… وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ …}
تتحدث هذه الآية عن ظاهرة التبني الإنسانية الرحيمة. وتقول: ما جعل الله سبحانه وتعالى دَعِيَّك ابنك. أي ما جعل اللهُ ابنكَ بالتبني ابنك. أي الطفل المحروم الذي يكون عندك القدر الكافي من الطيبة لتتخذه ابناً لك (دَعـِيـُّـك) وتضع يدك على رأسه وتقول له إن أيام معاناته الخالية من حنان الأب أو الأم قد انتهت، لا يصح ولا يجوز لك تحت أي ظرف كان، والعياذ بالله، أن تعتبره ابنك الحقيقي ولا أن يعتبرك أباه الحقيقي. وحرام عليك أن تعطيه كامل الحقوق التي يتمتع بها ابنك الحقيقي. لأن هذا الطفل بيولوجياً ابن غيرك (لاحظ منطق التشريع الإسلامي في الآية أعلاه). فمن أين لك أن تعتبر ابن غيرك (بالتبني) ابنك أيها المسلم؟ ها؟ أجبني؟ هذا إن تبنيت أحداً أصلاً.
وأيضاً لقد نزلت هذه الآية في زيد بن حارثة. فالرسول كان قد تبناه في الجاهلية من طيبة قلبه وتعاطفه معه (قبل الإسلام). فقد كان سبياً وبعد مدة طويلة من حزن وألم أبيه وأمه الشديدين لفراقه (نتيجة السبي) ارتاحا أخيراً بمعرفة أنه بخير. فقد سارت به الحياة لتضعه تحت رعاية وحماية رجل كريم الأخلاق هو الرسول (طبعاً كان هذا الأمر كله في الجاهلية). فلم يعتقه الرسول فحسب، بل تبناه وألحقه به وكان زيد بن حارثة يدعى زيد بن محمد. فأراد الله عز وجل، فيما بعد، بهذه الآية الكريمة، أن يقطع هذا الإلحاق ويلغي هذه النسبة.
- راجع تفسير الطبري، وابن كثير، والقرطبي للآية أعلاه.
فلماذا يا ترى قطعُ هذا الإلحاق وهذه النسبة؟ سنرى فيما بعد لماذا.
وعملاً بقوله عز وجل في الآية التالية للآية المذكورة أعلاه من سورة الأحزاب (وهما آيتان عظيمتان)، لا يمكن أن يسمى الطفل باسم عائلة أبيه بالتبني.
سورة الأحزاب، سورة 33، آية 5
{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}
إذن فيدعى لمن؟ ويسمى بلقب عائلة من؟ يدعى لأبيه البيولوجي طبعاً. تباركت ربنا وتعاليت. ويأمر تعالى في هذه الآية إلى رد أنساب الأطفال الذين تم تبنيهم في الجاهلية إلى آبائهم الحقيقيين، إن عُرفوا. وإن لم يُعرف الأب الحقيقي، فلا يجوز تحت أي ظرف من الظروف أن يسمى الطفل باسم عائلة أبيه في التبني، فيمكن أن يسمى بصفة تدل أنه تربى عند فلان أو أنه مولى فلان، أو أنه أخو فلان في الدين… ولكن لا يصح أن يقال له ابن فلان أو أن يحمل لقب عائلته، ويَحرُم ذلك. تبارك الرحمن.
- أيضاً راجع تفسير الطبري، وابن كثير، والقرطبي للآية أعلاه.
أي أن التبني الذي كان سائداً في الجاهلية (والذي هو سائد اليوم في بلاد العالم المتحضرة) أصبح كله حرام، حرّمه العليم الحكيم. وهذا التحريم طبعاً فيه فائدة لكل الناس. وسنأتي على فائدته لاحقاً.
حسب الضوابط الإسلامية، لا يمكن أن يقال في زمننا الحالي ابن التبني أو بنت التبني. وهذا شيء مؤسف حقاً. ولكني أستعمل هذا اللفظ للدلالة على ما يجب تطبيقه من شرع الله سبحانه وتعالى في هذا الأمر. فالأمر ليس بسيطاً، بل قد يحتوي على مخالفة مباشرة وعن قصد لأمر الله سبحانه. فلو رجلٌ في زماننا هذا لا يعرف حكم الله في التبني، وتبنى طفلاً، مجهول النسب أو معلومه، وأعطاه اسم عائلته ولقبه بلقبه، ونسبه إليه تماماً ليعيش ويربى معه، فكبر هذا الدَّعِيّ وتعرف على حكم الله في التبني، ومع ذلك احتفظ باسم هذا الأب الملاك (لأنه إنسان وفيّ لأبيه طبعاً ووفي لهذا الاسم الذي حمله منذ طفولته) فهو قد يعاقب في الآخرة على ذلك، عملاً بالحديث النبوي الشريف في صحيح البخاري:
http://hadith.al-islam.com/Display/D...oc=0&Rec=10081
” … عن سعد رضي الله عنه قال:
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام”
حديث صحيح ومروي في صحيح مسلم، ومسند أحمد، وسنن ابن ماجه، وسنن أبي داود، وسنن الدارمي أيضاً.
فلا يجوز مثلاً أن تتبنى عائلة طفلاً لقيطاً، وتخبره أنه متبنى بعد أن يصبح في العشرينات من عمره، وتكون شخصيته قد تكونت مع وجود أب وأم منذ الصغر، وقد حظي بطفولة طبيعية كبقية الأولاد، كما يفعل بعض الكفار، لعنهم الله. ولا يجوز حتى أن يتبنوه ويخبروه منذ طفولته أنه متبنى ولكن يعاملوه كطفلهم الحقيقي، كما يفعل البعض الآخر من الكفار، لعنة الله عليهم، بدون أن يميزوا أدنى تمييز بين هذا الطفل وأطفالهم الحقيقيين. بل بموجب حكم الإسلام، يجب أن يعلم كل أهل الحارة، وكل أطفال المدرسة والجيران والقريب والبعيد أن ذلك الطفل لقيط، وأنه لا يحمل لقب العائلة التي يعيش معها لأنه ليس ابنهم الحقيقي، عملاً بشريعة الله السمحة. تبارك ربنا وتعالى.
وحتى إن كان التبني قانونياً (وفي هذه الحالة يكون القانون مخالف للشريعة طبعاً)، وتبنى رجل طفلاً ونسَبَه لنفسه في الوثائق الرسمية القانونية، فحسب القانون الديني الإسلامي، يجب ألا يَعمَل ذلك الرجل بذلك التبني في الحياة الواقعية في المجتمع، أي يجب أن يُعلِم الناس أن هذا الطفل كالطفل الأجنبي عليه، ولكنه في رعايته. أي إن كانت طفلة مسكينة، وتبناها رجل محب للإنسانية، فيجب أن يتصرف وكأنها أجنبية عنه، ولا يقدر رؤية شعرها إن بلغت، ويحل له أن يتزوجها في الإسلام! وهذا كله فضل عظيم من الله عز وجل.
فلماذا يا ترى؟ ما المانع من أن يعامَل ابن التبني كالابن الحقيقي، ويعامله أخوته بالتبني على أنه أخوهم الطبيعي؟ ويرث أباه وأبوه يرثه؟ ويسمى باسم أبيه؟ ويأخذ لقب عائلته؟ وتعانق بنت التبني أباها وابن التبني أمه؟ ويقبلانهما على الخد تعبيراً عن الحب؟ ولماذا يجب، حسب الإسلام الصحيح والقرآن الكريم، على ابن التبني أن يعلَم الناس أجمعين بأنه ليس مع أبيه الحقيقي لسبب ما، وأن يعلم الناس أن أباه قد يكون ميت، أو هجره في الصغر، أو غير معروف بتاتاً. أي يجب أن يصاب بالإحراج وأن يتذكر واقعاً قد يكون مريراً جداً كل مرة يعلَم فيها الناس اسمه الثلاثي الكامل الذي لا يحوي اسم أبيه بالتبني، ذلك الرجل الذي رباه وكفله وأخذ بيده منذ الصغر؟ من أجل أن يرضى الله عز وجل؟ لماذا على الرجل الذي لم يرزقه الله نعمة الإنجاب ألا يختبر في حياته أبداً شعور الأبوة الصافي غير المنقوص، إن تبنى طفلة مثلاً؟
ما الهدف من ذلك؟ الحقيقة أن الهدف من ذلك مذكور في التنزيل العزيز. وسنأتي على ذكره.
فحكمة من تحريم التبني أيضاً نجدها في هذه السورة المباركة، سورة الأحزاب. نفس السورة التي تذكر زواج سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش، مطلقة زيد بن حارثة، ابن الرسول بالتبني سابقاً!
القرآن الكريم، سورة الأحزاب، سورة 33، آية 36:
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}
تقول إحدى الروايات في تفاسير القرآن الكريم لهذه الآية أنها نزلت في زينب، فقد طلب زيد من رسول الله أن يخطبها له وكانت بنت عمة رسول الله. فدخل رسول الله على زينب وذكر لها موضوع الخطبة والزواج. فظنت أنه جاء ليخطبها لنفسه فوافقت على أن تتزوج النبي. ولكن عندما أوضح النبي أنه جاء ليخطبها لزيد، تمنَّعت وقالت : لست بناكحته. أنا خير منه حسباً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فانكحيه.
فقالت : يا رسول الله، أؤامر في نفسي؟!
فبينما هما يتحدثان أنزل الله على رسوله – فليسمح لي أخي المسلم أن أقول هنا يا سبحان الله!- آية من القرآن الكريم هي: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة … ضلالا مبينا}.
فقالت: قد رضيتـَه لي يا رسول الله مَنْكـَحًا؟ قال: نعم, قالت: إذن لا أعصي رسول الله, قد أنكحته نفسي.
- راجع تفسير الطبري، وابن كثير، والقرطبي لهذه الآية.
وهذه الرواية منطقية وتتماشى مع ترفع زينب على زيد خلال فترة زواجهما، الأمر الذي دعاه إلى التذمر للنبي.
إذاً استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم نفوذه لكي يحثّ زينب على الزواج بزيد، وتقر عين زيد بها. لا بد وأنها كانت امرأة جميلة، رضي الله عنها.
ورضيت زينب في النهاية بعون من الله عز وجل، ومدّ منه ووحي قرآني، أن تتزوج زيداً!
(وأيضاً نستفيد من هذه الآية أنه ما كان لمؤمن ولا لمؤمنة بعد أن قضى الله أمراً -تحريم التبني- أن يختاروا طفلاً ليتبنوه. وإن فعلوا ذلك، فقد عصوا الله ورسوله، ومن عصا الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينا. احذر أيها الأخ المسلم من أن تتبنى طفلاً يتيماً وتضمه إليك وتعطيه اسمك ولقبك ويكون له حصة من ورثتك بعد مماتك، فأنت هكذا تضل ضلالاً مبينا حسب آية الذكر الحكيم إعلاه.)
لنرى ما حدث بعد أن تزوج زيد زينب:
سورة الأحزاب، سورة 33، آية 37:
{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا}
الرجل الذي أنعم الله عليه وأنعم رسول الله عليه هو زيد بن محمد، عفواً … قصدي زيد بن حارثة.
أنعم الله عليه بالإسلام وأنعم الرسول عليه بالعتق.
كانت زينب قد تزوجت زيداً على مضض، ومكثت عنده فترةً تحمّلَ فيها ترفعها عليه في بعض الأحيان واعتبره مجرد مضايقة بريئة تتسلى بها هذه المرأة الجميلة كريمة النسب. إلى أن فجأة صارت الأمور لا تحتمل وزادت مضايقتها له واشتد استعلاؤها وتكبرها عليه إلى حد بعيد. وتذكر بعض التفسيرات أن سبب هذا الازدياد المفاجئ والكبير لاستعلاء زينب على زيد هو رؤية رسول الله لها في إحدى المرات ووقوع حبها في قلبه وإحساسها بذلك.
فذهب زيد إلى رسول الله وأخبره أنه يريد طلاقها. فنصحه النبي وأوصاه أن يبقى معها، وأن يستعين بالله على ذلك، على الرغم من أن النبي صلى الله عليه وسلم أخفى ما في نفسه من تعلق واشتياق وحب لزينب، ومحبة لفراق زيد لها لكي يتزوجها إن هو فارقها. والله سبحانه وتعالى يريد إظهار ما يخفي النبي في نفسه من ذلك الحب والاشتياق. ولكن النبي خائف من كلام الناس. فهو إن تزوج زينب بعد طلاقها من زيد، سيقول الناس أنه تزوج امرأة ابنه (وهذا وصف مطابق للواقع). لكن الله عز وجل قال للنبي أن مخافة الله هي خير من مخافة الناس، طبعاً. والله سبحانه وتعالى لا مانع لديه من أن يتزوج النبي مطلقة ابنه في التبني زيد. فلما عزم زيد على طلاق زينب وطلقها، زوج الله سبحانه وتعالى، من فوق سبع سماوات، النبي عليه السلام من زينب بنت جحش. أي صار زواجه منها مهمة إلهية كلّف الله بها نبيه. والنبي عليه الصلاة والسلام امتثل لأوامر ربه. وهذا كافي لإيقاف كلام الناس. وبالإضافة لذلك، أراد الله سبحانه وتعالى ألا يشعر أي مؤمن آخر بالإحراج من مجتمعه إن أراد أن يتزوج مطلقة ابنه بالتبني، وسن ربنا هذا التشريع وحرم التبني جملة وتفصيلاً للانتهاء من أي إشكاليات حول الموضوع. ففي الإسلام (كما يبدو) المهم أن يتم النكاح حتى ولو كان على حساب تحريم شيء إنساني مثل التبني.
(ملاحظات:
- اختلفت الروايات في التفاسير عن المعنى الدقيق لـ ”وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ”. فاخترتُ الرواية الأكثر منطقية والتي تتضح وضوحاً جلياً من هذه الآية وتؤيدها الأحداث السابقة واللاحقة لها.
- تقول رواية أن رسول الله لما تزوج زينب قال الناس: تزوجَ امرأة ابنه. فأنزل الله تعالى الآية 40 من سورة الأحزاب: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ …} أي ليس زيد بابنه حتى تحرُم عليه حليلته.
- على كل حال، فليعتمد الأخ القارئ المعاني التي يجدها منطقية بعد مراجعة كل التفاسير المتاحة. ولكن مع ذلك، هناك ثلاثة حقائق تقول بها الآية 37 من سورة الآحزاب، لا يستطيع أي أخ مسلم أن يشكك بصحتها:
أ. كان زواج النبي من زينب امتثالاً لأمر إلهي
ب. زينب هي مطلقة ابن النبي بالتبني، زيد
ج. أذهب الله تعالى بزواج النبي من زينب أي حرج على المؤمنين في الزواج من مطلقات أبنائهم بالتبني.)
- راجع تفسير الطبري وابن كثير والقرطبي للآية.
قد تكون الحكمة من الأمر الإلهي للنبي في أن يتزوج زينب، من دون ولي ولا شهود ولا عقد ولا مهر ولا غير ذلك (وما الداعي لتلك الأمور وقد أتى تشريع هذا الزواج من الله عز وجل مباشرة)، هي ألا تبقى زينب وحيدة بعد فراقها لزوجها السابق زيد. فالله سبحانه وتعالى رحيم بشكل غير محدود ويهتم بكل إنسان على وجه الأرض ويسعى لحل مشاكله ومتاعبه ولو كانت معنوية.
وذلك على الرغم من أن القرآن الكريم حرم على زوجات النبي أن يتزوجوا من بعده. حسب الآية 53 من السورة العظيمة، سورة الأحزاب، سورة 33:
{… وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا}
على الرغم من أن عائشة أم المؤمنين مثلاً كانت مجرد مراهقة، تبلغ من العمر ثمانية عشر عاماً فقط، عندما توفي النبي. فحسب تشريع الله، المفروض أن تبقى بلا زوج إلى أن تموت. ما أوسعك يا رحمة الإسلام. الحمد لك يا رب. وليس عائشة فحسب، بل كل نساء النبي المفروض أن يبقين بلا أزواج بعد وفاته، حتى يتوفاهن الموت.
وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال: ماذا لو كان زيد ابن النبي الحقيقي (البيولوجي)؟ كيف كان سيُبرر زواج النبي من مطلقة ابنه الحقيقي؟ فلنقل فقط الحمد لله أن الأمور وصلت لحد تحريم التبني فقط، ولم تتعداها لتشريعات حول زواج الرجل من مطلقة ابنه الحقيقي في الإسلام.
في الإسلام، يجب التمييز بين أبناء التبني والأبناء الحقيقيين: أي لا يسمح بالخلوة بمحارم التبني. فإن ظهرت عليه أو عليها علامات البلوغ، لا يستطيع ابن التبني أن يجلس مع أمه ولا بنت التبني أن تجلس مع أبيها لوحدهما في البيت. ولا يستطيع طفل التبني، في الإسلام (بعد أن يبلغ) أن يرى أبويه أو يروه بدون الحجاب الإسلامي الصحيح وستر العورة الصحيحة للذكور والإناث (تماماً كما لو كانوا غرباء عن بعض). هذا ما يجب تطبيقه عملاً بقوله تعالى في الآيات أعلاه، جلت حكمته.
التبني كان معمولا به في الجاهلية, وكانت تترتب عليه الآثار المترتبة على البنوّة الحقيقية، حيث ابن التبني كان يرث وينصر أباه وأبوه ينصره ويرثه، وبالطبع أمه بالتبني لا تحتاج أن تغطي شعرها منه وكأنه شخص غريب عنها لا يستطيع السيطرة على شهواته إن رأى شعرها، حتى وإن كان لم يعرف أماً في الدنيا غيرها … ؟ ولم تكن كل تلك التعقيدات الفارغة والهراء الذي يدخله المسلمون حالياً بين علاقة طفل التبني بوالديه …
في الألفية الثالثة، إن حن رجل مسلم على فتاة من دار الأيتام، وأراد أن يتبناها، فكيف يكون لها الأب المفقودفي هذه الحالة؟ كيف يغطيها في سريرها في الليل ولا أحد غيرهما في الغرفة، إن كانت علامات البلوغ ظاهرة عليها؟ كيف يمشون بالشارع كأب وابنته وهما يخافان أن تتلامس بشرة اليدين بالخطأ؟ ويتحاشان أن يمسكا أيدي بعض؟ كيف يقبل رأسها أو تقبل رأسه؟ كيف يحضنها في لحظة حزن ويواسيها إن كانت بالغة؟ كيف يحملها من الفرحة في يوم تخرجها أو زواجها أو تكريمها؟ كيف يقبّلها في لحظة وهن وانكسار ويشعرها بالعطف والدفء والحنان؟ كيف يشعرها بأنه ذلك الشخص الداعم والحامي لها في حياتها والذي لا يطلب شيء بالمقابل، وهو لا يستطيع حتى مصافحتها؟ كيف يعوضها فقدان الأب أو الأم ويُدخل على قلبها تلك السعادة المفقودة، وهو لا يستطيع أن يمسح بيده على رأسها أو أن تمسح بيدها على رأسه وتغني له لكي ينام عندما تثقله هموم الدنيا؟ هل يعيشان مع بعضهما كالروبوتات ويضربان الحجاب بين بعضهما؟ أم ينافون الحشمة والإنسانية ويمص الأب ثدي بنته بالتبني ليحلا المشكلة؟ (جزئياً طبعاً وليس كلياً، فالمشكلة لا تحل كلية بالرضاعة، فالرضاعة تجيز الخلوة فقط، وليس المصافحة والعياذ بالله. وذلك عملاً بحديث نبوي في صحيحي البخاري ومسلم استفاد منه فقهاء الإسلام في إجازة رضاعة الكبير لتحليل الخلوة الاضطرارية، الخلوة فقط وليس مصافحة اليد).
إن كنت تظن أخي المسلم أن شيوخ الإسلام متساهلون في هذه المسألة، وأن التبني يمكن أن يكون جائزاً في الإسلام، وأنه يحق لك أن تعامل طفل التبني كما تعامل طفلك الحقيقي، فلتتفضل بالذهاب إلى أئمة مساجد حيك وتسألهم. فأنت كمسلم، عليك أن تتبع كل ما فرض الله عليك، إن ثبتت صحته في المصادر الإسلامية الصحيحة، بدون أن تنتقد تلك الفروض أو أن تحتمل خطأها وصوابها وكأنها فروض من عند البشر. وانظر إلى هول العقوبة التي يعاقب بها الله سبحانه وتعالى المسلمين الذين يعلمون بأوامره (تحريم التبني) ويخالفونها عن عمد.
وقد يقول قائل من المسلمين، فليتبنى الذكور الذكور والإناث الإناث، وليعاملوهم معاملة الولد الحقيقي دون أن يحمّلوهم أسماءهم أو أن يورثوهم، حُلّت المشكلة. فأقول لهذا الشخص: وأي ذنب اقترفه ولد التبني الذكر ليحرم من حنان الأم، والأنثى من حنان الأب؟
مليار وثلاثمئة مسلم اليوم، ولا مسلم منهم يقدر أن يتبنى طفلاً لأنه قبل ألف وأربعمئة سنة، الله سبحانه وتعالى أراد ألا يُحرَج المؤمنون الذين يريدون أن يتزوجوا مطلقات أبنائهم بالتبني!
حقيقة.
http://sadformuslims.wordpress.com/2010/...ter_ahzab/
إنسان ربوبي / حزين على المسلمين