هل مازال الدين أفيون الشعب؟
يقول كارل ماركس في عبارته الشهيرة( الدين هو زفرة المخلوق المضطهد، وهو بمثابة القلب في عالم بلا قلب، والروح في أوضاع خلت من الروح، إنه أفيون الشعب)، وهو يقصد بالطبع بأن الدين هو الملجأ الذي يلجأ إليه الإنسان المضطهد الفقير والفاقد للأمل بتحسين أحواله، يعزّي نفسه بأن العدالة ستتحقق في نهاية المطاف إما على الأرض بعد طول انتظار، أو في السماء بعد الموت على شكل حياة جديدة وفرصة أخرى.
يا ترى هل مازال هذا الكلام ينطبق على أوضاعنا الحالية في عالمنا العربي؟
لا شك بأن شرائح واسعة من مجتمعنا والتي تسحقها ظروفها المعيشية الصعبة واليائسة من تحسين أحوالها مازالت ترتمي بأحضان الدين وتلجأ إليه مثل الغريق الذي يتمسك بأي شيء يصادفه.
ولكن بالمقابل فإن شرائح أخرى بدأت بالظهور ولا تشتكي من أية صعوبات معيشية، وبالعكس فهي تتمتع بالوفرة المادية والمستوى الاقتصادي الممتاز، ومع ذلك ترتمي هي الأخرى بأحضان الغيبيات بل وتتعلق بها بطريقة تشنجية وتدافع عتها بكل شراسة.
شرائح كبيرة من المسلمين في دول الخليج وحتى في بقية الدول العربية تعيش بحالة من البحبوحة الاقتصادية ونسبة كبيرة منهم من المتعلمين والحاصلين على شهادات عالية ومنهم من يسافر كثيرآ إلى الدول الغربية بقصد السياحة أو العمل أو التحصيل العلمي ومع ذلك فإنهم يتبنون نفس الأفكار الظلامية التي يتعلق بها الناس البسطاء غير المتعلمين.
هل الناس الذين يحضرون دروس عمرو خالد وغيره من الدعاة هم من الفقراء فقط؟ بل إن أكثرهم من أسر غنية
مثال آخر وهي ظاهرة القبيسيات في سوريا، فمعظم الفتيات والسيدات هن من أسر غنية أو متوسطة وكثير منهن حاصلات على درجات علمية جيدة وبعضهن يشغلن مراكز كبيرة في سلك التعليم ومرافق أخرى في البلد.
من الظواهر التي صرنا نشاهدها اليوم، ظاهرة التديّن خمس نجوم، فقد أصبحنا نرى نسخة جديدة من الشخص السلفي، لم يتغير شيء بداخله، ولكنه أجرى بعض التعديلات على مظهره الخارجي، صرنا نراه يضع شماغآ ماركة بروجيه السويسرية ويضع في جيبه قلمآ فاخرآ ماركة واترمان وبجانبه مسواك طويل، يسافر بالدرجة الأولى وهو يضع رجلآ فوق رجل ليكشف ثوبه القصير (حسب السنّة) عن بطتي ساقين رائعتين، يتكلم الانكليزية بطلاقة مع المضيفة والتي يتناول منها التمر المحشو باللوز والمغروز فيه عود حتى لا يلوث صاحبنا أصابعه الرقيقة وبالتالي لا يلوث لحيته الطويلة التي يداعبها باستمرار بيده.
صرنا نرى فتاة تعيش مع أسرتها في باريس أو تورونتو وأحوالهم الاقتصادية لابأس بها وأهلها يفرضون الحجاب عليها منذ نعومة أظفارها ويراقبون كل حركاتها وسكناتها وقد يقتلونها إذا لم ترتد الحجاب كما حصل مع( أقصى برويز) في تورونتو قبل ثلاث سنوات والتي خنقها أبوها لأنها أحبت أن تعيش مثل زميلاتها ورفضت ارتداء الحجاب
صرنا نرى شابآ من أسرة متدينة ثرية، وهو محروم من أبسط حقوقه في التعبير وفي ممارسة حقه في اختيار مبادئه وأفكاره وملابسه وأسلوب حياته واختيار أصدقائه وشريكة حياته
صرنا نرى مركزآ طبيآ في دمشق بني بأموال خليجية ولا يقبل إلا الطبيبات المحجبات
صرنا نرى مركزآ ماليآ في دمشق وهو أيضآ بدعم من أموال خليجية وكل الموظفين فيه شباب صغار ملتحين.
ألى ماذا يقودنا كل ذلك؟
برأيي إن هذا الأمر خطير لأنه يسحب البساط من تحت أقدام الداعين إلى وقف نقد الإسلام بحجة أن تحسين الظروف المعيشية والاقتصادية للناس كفيل بابعادهم عن الدين ويجعلهم يخففون من حمولتهم من الغيبيات
من الواضح أن الموضوع لم يعد زفرة مضطهد فقط، بل أصبح مخططآ يقوم به أناس وجهات على درجة عالية من العلم والتخطيط وعندهم الامكانيات المالية الهائلة ويستخدمون وسائل العصر من انترنت وفضائيات وغيرها بمستوى عال من الإتقان.
هل من قام بتفجيرات 9/11 هم من الفقراء المسحوقين؟
يجب التنبه من الأمر وعدم ترك الساحة خالية لهم
كيف نتوقف عن نقد الدين والآخرون يتكاثرون وينتشرون ويسيطرون على الفضائيات وبقية وسائل الاعلام والمدارس والجامعات والنقابات وحتى البرلمانات؟
ستكون خيانة إذا تركناهم يعبثون بمستقبل أولادنا وأوطاننا ويحولوها من حديقة متعددة الألوان إلى مشهد قاتم أسود كئيب.
الخلاصة:
لم يعد الدين زفرة مضطهد فقير فقط، ولكنه صار أيضآ مؤامرة من لابسي شماغ بروجيه الذين يشترون الفضائيات والصحافة ويشترون الضمائر والأنفس
كم هو بريء من لايزال يعتقد أن الدين هو زفرة مضطهد فقير كما كان الحال أيام كارل ماركس رحمة الله عليه
المصدر + التعليقات