في عام 1988 كان لدي صديق "خليجي" يدعى ناصر زاملني في معهد اللغة الانجليزية .. ورغم أخلاقه العالية إلا أنه كان "ملحدا" لا يؤمن بإله ولا يصدق بدين أو رسول .. وذات يوم علمت بحضور أحد المشايخ لإلقاء محاضرة في النادي السعودي في مدينة سانت بول بولاية مينيابلس فحاولت إقناعه بالحضور والاستماع (لعل الله يهديه) .. غير أنني صدمت شخصيا كون المحاضرة اقتصرت على كيفية الوضوء والغسل وأحكام الجنابة .. ليس هذا فحسب بل سرعان ما اختلف (ربعنا) مع الشيخ السوري الأصل في مسائل ثانوية مثل غسل العورة من الجهة اليمنى قبل اليسرى، وإيصال ماء الوضوء لما فوق أو تحت المرفقين ..
ولا أخفي عليكم لم تكن هذه هي المواضيع التي أملت أن يسمعها الأخ "ناصر" الذي ظل صامتا لفترة طويلة ثم وقف وقال بعصبية : "استمروا على هذا المنوال حتى تكشف أمريكا عوراتكم وتقطع إسرائيل مرافقكم فتخرجكم من هذا الخلاف" .. وخرج بلا عودة ... !!
ورغم أنه لم يقصد ماقاله حرفيا إلا أنه لم تمر فترة طويلة حتى قّطعت إسرائيل أطراف أطفال الانتفاضة في حين كشفت أمريكا عوراتنا في سجن أبو غريب .. واليوم لدي قناعة أكيدة بأن غرقنا في المسائل الثانوية والخلافات البيزنطية من أسباب تخلفنا وضعفنا وهواننا على العالم .. فحين تستحوذ مسائل كهذه على تفكيرنا وجهودنا لا يتبقى لدينا وقت لمنافسة العالم في مسائل تقنية وعلمية وعسكرية أكثر أهمية وإلحاحا ..
ففي حين سجل الكيان الإسرائيلي مثلا 1683 اختراعا عام 2007 لم تسجل الشعوب العربية مجتمعة سوى 147 اختراعا فقط ..
ورغم أن عدد اليهود في العالم لا يتجاوز 14 مليون نسمه (مقابل 1,6 مليار عربي ومسلم) إلا أن هناك 180 يهوديا فازوا في القرن الماضي بجائزة نوبل في العلوم مقابل 3 مسلمين فقط ..
وحين تفكر في أعظم العقول العلمية الذين أنجبهم العالم الإسلامي في القرن العشرين لا تجد أكثر من اثنين أو ثلاثة في حين تجد في الجانب اليهودي البرت اينشتاين، وسيغموند فرويد، وكارل ماركس، وجوناس سالك وباروخ بلومبيرغ وووو ... إلى آخر قائمة 180 عبقريا يهوديا نالوا جوائز نوبل و 320 قدموا اكتشافات واختراعات ننعم باستعمالها اليوم !!
... وفي الحقيقة لا يمكن أن نلوم اليهود على تقدمهم بقدر ما نلوم تخلفنا وامتلاكنا ثقافة مقيدة حتى مقارنة بالشعوب الأخرى ؛ ففي عام 2007 مثلا أتت شركة IBM الأمريكية في المركز الأول عالميا من حيث عدد الاختراعات الجديدة ب 3651 اختراعا وفي المركز الثاني أتت سامسونج الكورية ب2453 اختراعا ، ثم كانون اليابانية ب 2378 اختراعا ..وبالإجمال سجلت الشركات العالمية (المتخصصة في مجال التقنية) 173,772 اختراعا في حين لم يتجاوز مجموع اختراعات العالم الإسلامي اختراعات شركة توشيبا اليابانية ب1717 اختراعا !!
أضف لهذا ؛ مقابل 0,2% تصرفها الدول العربية (من ميزانيتها) على الأبحاث العلمية، تتجاوز النسبة 5% في اسرائيل ومعظم الدول الغربية .. وفي حين يوجد 230 عالما لكل مليون مواطن عربي ، ترتفع النسبة الى 5000 عالم في كل من السويد وهولندا لكل مليون نسمة ...
أما العجيب فعلا فهو أن كوريا الجنوبية كانت دولة متخلفة قبل خمسين عاما مقارنة بمصر وسوريا والعراق ؛ ولكنها اليوم تتفوق على أمريكا وألمانيا وفرنسا من حيث عدد الاختراعات المسجلة بالنسبة للفرد (حيث يسجل فيها اختراع واحد لكل 734 مواطنا كأعلى معدل في العالم) !
عفوا أيها السادة :
ما يرعبني أكثر من كيفية غسل العورة هو أن الأجيال الجديدة في كوريا والصين أكثر تفوقا وتعليما وهوسا بالتقنية حتى من آبائهم وأقرانهم في الغرب ... وصدقوني ؛ ليس من رأى كمن سمع ...
http://www.alriyadh.com/2010/09/09/article558241.html