سوريا نجحت في الحصول من إيران على وعد بدراسة موقع ودور السعودية في العراق
جوزيف ابو فاضل - الثبات
لا تكفي بيانات الدعوة إلى الهدوء والعودة إلى الحوار في طمأنة مخاوف وقلق اللبنانيين، فالقسم الأكبر منهم بدأ يعد مستلزمات الرحيل والهجرة وحزم الحقائب، والقسم الآخر الذي لا يملك وسائل السفر والهجرة بدأ بما تيسر له من الاستعداد للأيام السوداء المقبلة، فهل حقاً أن لبنان واللبنانيين مقبلون في الأشهر والأسابيع المقبلة على حرب كبيرة خارجية أو داخلية تعيدهم إلى الماضي وآلامه المرة؟
قد تكون بعض الاستعدادات والتسريبات الميدانية توحي بشيء خطير آت؛ قد يكون حرباً كبيرة أو حوادث صغيرة متفرقة، لكن مراجعة شاملة لمجمل الأوضاع المحيطة بلبنان والمنطقة تجعلنا حذرين تجاه مسار الأمور نحو الانفجار، بل هي ربما أقرب إلى الهدنة المرحلية، التي ربما تقود في النهاية إلى التسوية الشاملة، أو إلى انفجار كبير، مع ميلنا وترجيحنا للخيار الأول وليس للخيار الثاني، فلبنان يختزن في داخله هذه الأيام كل عوامل التفجير الممكنة، لكن الظروف الإقليمية التي أشعلت الحرب في العام 1975 هي غيرها اليوم في العام 2010، بل تختلف جذرياً عنها، ويغلب عليها طابع القناعة لدى جميع الفرقاء، أما الحرب فليست الوسيلة لإنجاح أية تسوية، بل هي التي ستعقّد الأمور وتبعد التسوية، وما المغامرة الأميركية ـ العسكرية الفاشلة في العراق سوى مؤشر حاسم وجازم على فشل الحلول العسكرية في أزمات الشرق الأوسط.
سوريا وإيران.. وماء الوجه الأميركي
وعليه، فبعد أكثر من 7 سنوات من الاحتلال الأميركي للعراق، وسقوط آلاف الضحايا الأبرياء، أدرك الأميركيون أن لا حل إلا بالانسحاب من هذا البلد، بعد إنجازات لتسوية تحفظ لهم "ماء الوجه" مع القوى الإقليمية المؤثرة في العراق، عنيتُ إيران وسورية.
من هنا انطلق قطار التسوية؛ من خلال الاتفاق الإيراني ـ الأميركي غير المباشر على تشكيل الحكومة العراقية الجديدة برئاسة رئيس الحكومة المنتهية ولايته نوري المالكي، وذلك تمهيداً للاتفاق على تركيبة السلطة الجديدة، بما يراعي مصالح جميع الأطراف، وهذه التسوية التي أصبحت سورية شريكاً أساسياً وفاعلاً فيها، نتيجة موقعها في العراق وتحالفها مع إيران، وقد ترسخ هذا الدور من خلال زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجادي قبل نحو ثلاثة أسابيع إلى سورية، ومن ثم زيارة الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد إلى إيران يوم الأحد الفائت.
هذا الاتفاق على معالجة الأزمة العراقية استثنى أبرز دولتين عربيتين، هما مصر والسعودية.
مصر.. والاهتمامات الداخلية
تنشغل مصر منذ فترة بأزماتها الداخلية في التوريث والإشكالية التي يطرحها، وكذلك في متابعة الوضع الفلسطيني، ما يجعلها فعلياً بعيدة عن الاهتمام بالشأن العراقي، بخلاف وضع المملكة العربية السعودية، التي تعتبر نفسها معنية مباشرة بما يجري في العراق؛ الجار، ولا يمكن أن ترى نفسها بعيدة ومستبعدة عن التسوية التي يتم تركيبها في العراق الآن.
السعودية.. فوز في النيابة وخسارة في الحكومة العراقية
فالسعودية التي سعت بكل ما لديها من إمكانات سياسية ومالية ومعنوية لتأمين فوز القائمة العراقية برئاسة الدكتور إياد علاوي في الانتخابات النيابية التي جرت في آذار الماضي 2010، وقد تمكنت هذه القائمة من الفوز بـ91 مقعداً نيابياً (من أصل 325 مقعداً مجموع مقاعد مجلس النواب العراقي)، لكن التحالفات التي حصلت بعد الانتخابات، والتي تُستكمل حالياً، لا سيما بين قائمة دولة القانون برئاسة نوري المالكي والكتلة النيابية الصدرية، جعلت منها الكتلة الأكبر لتشكيل الحكومة برئاسة المالكي، وبالتالي ضاع انتصار إياد علاوي، وخسرت السعودية الدور الذي كانت تسعى إليه في العراق بعد أن فازت لائحة علاوي النيابية.
وكذلك كانت محاولات السعودية لثني الأميركيين عن السير في التسوية مع نوري المالكي، والتي بلور ملامحها نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، لكن الأميركيين لم يأخذوا بالمطالب السعودية التي أُرسلت مكتوبة إلى الإدارة الأميركية، فسارت التسوية خلافاً للرغبة السعودية، التي شعرت أنها معزولة أو مغيبة عن المشاركة في الحل العراقي، ليس بإرادة خصومها فقط، إنما بإرادة حلفائها الأميركيين أيضاً، والذين عوّضوا عليها بصفقة أسلحة تبلغ قيمتها ستين مليار دولار، وليست مجانية، بل ستدفع ثمنها المملكة العربية السعودية.
الأسد يلعب دور والده.. بين إيران والسعودية
من هنا كان التحرك السعودي تجاه سورية للقيام بفتح قنوات اتصال سعودية إيرانية، لإيجاد دور سعودي في التسوية. فمن المعروف أنه بعد المصالحة السورية ـ السعودية، وبعد أن عجز السعوديون عن إقناع الرئيس بشار الأسد بالابتعاد عن إيران، كان عليه أن يكون كما كان والده الرئيس الراحل المرحوم حافظ الأسد في المراحل السابقة؛ صلة خير وتواصل بين السعودية وإيران.
وللدور السوري الآن أهمية خاصة، إذ إن العلاقات السعودية ـ الإيرانية تمّر بأسوأ مراحلها، خصوصاً بعد الكلام الذي نقله أحد الصحفيين الفرنسيين عن الملك عبد الله بن عبد العزيز، أن هناك دولتين في الشرق الأوسط يجب أن يزولا عن الخريطة وهما: إسرائيل وإيران، والنفي السعودي لهذا الأمر لم ينجح في تبريد الأجواء مع إيران، إذ إن العديد من المشايخ في السعودية اندفعوا في حملة شعواء ضد الشيعة وإيران، رداً على ما قاله أحد رجال الدين الشيعة (ياسر حبيب) بحق إحدى زوجات النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضي اتلله عنهما، في حين أن الشيخ المذكور منبوذ في إيران، وهو ما انفك يهاجم النظام الإيراني، ما يكشف عن نوايا غير سليمة في السعودية تجاه إيران، إذ كان يفترض بالمشايخ السعوديين أن يكون ردهم على الشيخ المذكور وليس على الشيعة وإيران، اللذين تضررا من كلام ياسر حبيب، وكانت مسارعة الإمام السيد علي خامنئي بإصدار الفتوى الشهيرة "بعدم جواز التعرض لنساء النبي محمد صلى الله عليه وآل وسلم".
هذه الوساطة الصعبة التي تقودها سورية بين السعودية وإيران للاتفاق على توسيع إطار الحل في العراق يبدو أنها حصلت على وعد إيراني بدراسته وتقرير الموقف بشأنه في الأسابيع المقبلة، ما يعني أن هناك فترة انتظار قد تمتد حتى نهاية الشهر الحالي لبلورة الموقف الإيراني من الدور السعودي في العراق؛ في حجمه وفي موقعه، وفي المهام المطلوبة منه.
إن هذه الأجواء تسمح باستمرار العلاقة السعودية ـ السورية مستمرة، متجاوزة الاهتزازات والمخاوف التي تعرضت لها في الأسبوع الماضيين.
http://www.lebanonfiles.com/makalat_desc.php?id=6164