زيارة أحمدي نجاد الأخيرة للبنان ينظر إليها باعتبارها عملا مستفزا وله أبعاد متعددة، ليس فقط في إيران، ولكن أيضا في لبنان وسورية وحتى إسرائيل. وهذه الزيارة لها جوانب متعددة مثل الهرم تختلف عن بعضها البعض. وعلى سبيل المثال، فقد قيل إن الغرض الرئيسي من زيارة بشار الأسد إلى إيران، كانت مناقشة زيارة أحمدي نجاد المقررة للبنان.
وقد نصح بشار أحمدي نجاد بأن هذه الزيارة لن تكون في مصلحة إيران ولبنان وحتى سورية.
وطلب الرئيس السوري من نظيره الإيراني تأجيل زيارته إلى لبنان، لأن «هذا ليس هو الوقت المناسب لها».
وعلاوة على ذلك، فقد قال شريعتي، مستشار الرئيس السابق لإيران محمد خاتمي، إن هذه الزيارة تهدف للتغطية على الأزمات الحقيقية التي تواجه حكومة أحمدي نجاد، الاقتصادية والسياسية. وفي الأسبوع الماضي، شهدنا انخفاض قيمة الريال الإيراني بنسبة 30 في المائة تقريبا. وهناك مصطلح جميل جدا يستخدم في إيران لوصف مثل هذه الزيارات والرحلات، وهو «مصرف داخلي» أو استهلاك داخلي، وهذا يعني أنه من أجل حل أو التغطية على الأزمات داخل إيران، فإن الرئيس يقوم برحلة خارجية، ويظهر التلفزيون والإعلام الرسمي صورا دعائية تشير إلى أن الحكومة اللبنانية والشعب اللبناني يعربان عن تقديرهما للرئيس أحمدي نجاد.
وفي لبنان يوجد عدد من وجهات النظر المختلفة حول هذه الزيارة:
فقد قال فارس سعيد، منسق تحالف «14 آذار»: «الرسالة هي أن إيران على حدود إسرائيل» و«أحمدي نجاد يريد أن يقول من خلال هذه الزيارة إن بيروت تحت السيطرة الإيرانية، وإن لبنان هو قاعدة إيران على البحر المتوسط، والرئيس الإيراني يأتي إلى هنا ليقول إن لبنان هو أرض المقاومة ويؤكد أن الحرب مستمرة مع إسرائيل».
وأكثر من هذا، حذر أنطوان أندراوس، نائب رئيس حركة تيار المستقبل، من أن زيارة أحمدي نجاد تعتبر استفزازا للشعب اللبناني: «أحمدي نجاد هو عدو للبنان لأنه يعطي حزب الله السلاح ليسير في شوارع بيروت ليقتلنا».
ومن الواضح أن موقف حزب الله مختلف تماما. ويبدو لي أن الجهة المنظمة لزيارة أحمدي نجاد لجنوب لبنان هي حزب الله.
وقد قال مسؤول بحزب الله، رفض الإفصاح عن هويته، لوكالة «فرانس برس» إن أحمدي نجاد سيقوم بجولة في قرى قانا وبنت جبيل وسوف يزور متحف الحرب في المنطقة، الذي افتتحه حزب الله في وقت سابق من هذا العام.
ورحب الشيعة اللبنانيون بزيارة أحمدي نجاد المقررة. وقال الشيخ علي ياسين، إمام محلي في المدينة الساحلية الجنوبية، صور: «ستكون هذه رسالة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل بأنه يتعين عليهم فهم أن هناك قوة إقليمية تدعم لبنان».
ثالثا، أعلنت إسرائيل قلقها إزاء زيارة أحمدي نجاد إلى جنوب لبنان وقرية بنت جبيل. وقد أرسلت إسرائيل رسائل إلى رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري والرئيس ميشال سليمان من خلال الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، وحكومات الولايات المتحدة وفرنسا. وفي الأسبوع الماضي، التقى رئيس مجلس الأمن القومي، عوزي أراد، في باريس نظيره الفرنسي جان ديفيد ليفيت وطلب منه نقل رسالة إلى الحكومة اللبنانية، مفادها أن إسرائيل ترى زيارة أحمدي نجاد بالقرب من حدودها إجراء استفزازيا يمكن أن يقوض الاستقرار الإقليمي وبالتالي ينبغي إلغاؤها. وقامت إسرائيل بتسليم رسالة مماثلة لمسؤولين أميركيين.
وأثار وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان هذه المسألة في لقائه مع بان كي مون في مقر الأمم المتحدة في نيويورك. وقال ليبرمان إن حكومته «قلقة للغاية» بشأن زيارة الرئيس الإيراني.
ومن الواضح بجلاء أن موقف إسرائيل هو مكافأة رائعة لأحمدي نجاد. لقد قصفت إسرائيل لبنان وقتلت الكثير من اللبنانيين ودمرت منازلهم، الآن وتقول إن أحمدي نجاد عدو لها، وإسرائيل ترفض زيارة أحمدي نجاد إلى جنوب لبنان. وأعتقد أن إسرائيل تدرك أن رد فعل من هذا القبيل يعتبر الفردوس المفقود لأحمدي نجاد.
لذلك، بعض الإصلاحيين الإيرانيين يرون فعلا أن إسرائيل تدعم أحمدي نجاد.
من يستطيع أن ينسى مقالا كتبه جوشوا ميتنيك يوم 21 يونيو (حزيران) 2009، ونشر في صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» وقال فيه: «إذا كانوا يريدون اتباع المثل القديم: عدو عدوي هو صديقي»، فإن المرء يعتقد أن الإسرائيليين سيدعمون مرشح المعارضة الإيرانية، مير حسين موسوي ومئات الآلاف من المتظاهرين الإيرانيين الذين تحدوا إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد.
لكن على الرغم من أن أحمدي نجاد هدد الدولة العبرية بالتدمير، فإن الكثير من المسؤولين والمحللين هنا يفضلون الرئيس الحالي لأنه - بعيدا عن إسقاط نظام الحكم الديني في إيران - سيجعل من السهل عزل إيران. أما الزعيم الإصلاحي السيد موسوي، لا يتوقع أن يغير موقف إيران من الملف النووي، لكنه سيكون بمقدوره كسب التعاطف الدولي.
ويقول أفرايم أنبار مدير مركز بيغن - السادات بجامعة بار إيلان: «إن وصف موسوي بالمعتدل أو الإصلاحي لا يعني أنه رجل لطيف. قبل كل شيء فهو شخصية وافقت عليها القيادة الإسلامية. في حال وجود أحمدي نجاد، فنحن نعرف أين نقف. أما إذا كان لدينا موسوي فإن لدينا ثعبانا في صورة جميلة».
وبعبارة أخرى، يبدو لي أن إسرائيل تريد خلق مناخ إيجابي لزيارة أحمدي نجاد إلى لبنان، يمكننا أن نفهم هذه الفكرة إذا قرأنا ما بين السطور. وكما قال شريعتي، فإن أحمدي نجاد يستخدم هذه الزيارة لإخفاء الأزمة السياسية والاقتصادية في إيران. ومن ناحية أخرى، فإن إسرائيل ترغب في استمرار مثل هذه الأزمات، لأنها تنظر إلى أفق أبعد. إسرائيل تفكر في الفساد في جمهورية إيران الإسلامية. ومن يستطيع تدمير إيران، أفضل من أحمدي نجاد؟
ومن المسلم به، كما قال الرئيس اللبناني: إسرائيل لا تملك حق الاعتراض على زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد المرتقبة إلى لبنان.
ويوم الاثنين، 4 أكتوبر (تشرين الأول) وفي لقاء مع الحكومة اللبنانية، قال الرئيس سليمان إن استقبال رؤساء الدول هو جزء من حق كل دولة في ممارسة سيادتها، وإسرائيل ليس لديها السلطة لتحدي امتيازات لبنان السيادية.
http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=590443&issueno=11640