لبنان والهرولة نحو الانفجار
القدس العربي اللندنية
GMT 23:31:00 2010 الجمعة 29 أكتوبر
عبد الباري عطوان
ليس جديدا القول بان الوضع في لبنان متأزم، وان حالة التوتر في قمة ذروتها، ولكن الجديد ان هناك حالة من الاستعجال من قبل اكثر من طرف، داخلي وخارجي، لاشعال فتيل الانفجار، واغراق البلاد في دوامة المواجهات الدموية، وربما الحرب الطائفية.
هناك عدة نقاط يجب التوقف عندها كمدخل لقراءة الخطوط العريضة لما يمكن ان يحدث في الاسابيع القليلة المقبلة:
* اولا: المواجهة التي وقعت بين فريق محققين تابع للمحكمة الدولية المشكلة للتعاطي مع جريمة اغتيال رفيق الحريري، وبعض النساء في عيادة للامراض النسائية في الضاحية الجنوبية متخصصة في علاج زوجات بعض المسؤولين في حزب الله.
* ثانيا: اعلان السيد حسن نصر الله زعيم المقاومة الاسلامية وقف كل انواع التعاطي مع المحكمة وفرق تحقيقاتها بسبب خروجها عن قواعد الاخلاق في التدخل في المواضيع الحساسة وجمع معلومات عن لبنان ومؤسساته وطلابه وتحويلها الى اسرائيل.
* ثالثا: مطالبة اكثر من كاتب في صحف سعودية باستقالة السيد سعد الحريري رئيس الوزراء، وانسحاب المملكة العربية السعودية سياسيا من لبنان والاهتمام بقضايا اكثر حيوية بالنسبة اليها مثل اليمن والسودان.
* رابعا: شن رئيس تحرير صحيفة 'الاهرام' المصرية هجوما شرسا على سورية والرئيس بشار الاسد على وجه الخصوص،
في افتتاحية على الصفحة الاولى في عدد امس، وهو هجوم استخدم عبارات والفاظاً غير مسبوقة، واذا جرى ربط ذلك بما يشاع عن دعم مصري لكتلة الرابع عشر من آذار، واستقبال الرئيس المصري حسني مبارك للسيدين سعد الحريري وسمير جعجع قائد القوات اللبنانية يمكن رسم ملامح الدور المصري الحالي والقادم في لبنان.
ما يمكن استخلاصه ان هناك سباقا بين تيارين في لبنان،
الاول يريد البحث عن تسوية اقليمية بمباركة امريكية غربية تؤدي الى تأجيل صدور القرار الظني الذي يؤكد الجميع تقريبا انه سيتهم حزب الله بالوقوف خلف جريمة اغتيال الرئيس الحريري،
والثاني يتعمد التصعيد ووضع عراقيل امام الجهد السعودي ـ السوري المشترك في هذا الصدد لتفجير الاوضاع في لبنان.
فرص التيار الثاني المدعوم امريكيا هي الاقوى، وزيارة ديفيد فيلتمان مساعد وزير الخارجية الامريكي الخاطفة لبيروت ومن قبلها الرياض لتطويق آثار زيارة السيد محمود احمدي نجاد رئيس ايران الى العاصمة اللبنانية كانت لتأييد هذا التيار، وتحريضه للاستئساد في المواقف والتصلب في التمسك بالمحكمة ومساندة تحقيقاتها.
فلم يكن من قبيل الصدفة ان تأتي الردود من قبل متحدثين باسم تكتل الرابع عشر من اذار على تصريحات السيد ناجي عطري رئيس وزراء سورية التي وصف فيها هذا التكتل بانه 'هيكل كرتوني' في قمة الشراسة والاستفزاز، بل وخارجة عن كل الاعراف من حيث التطاول على سورية وجيشها ورئيسها، والتشفي بخروجها 'المذّل' من لبنان.
** *
من الواضح ان عمليات الاستفزاز لحزب الله وتكتله ستشهد تصعيدا اكبر
بعد انتهاء انتخابات الكونغرس النصفية، ومن غير المستبعد ان يمتد هذا التصعيد باتجاه سورية وايران ايضا،
فعندما تقول السيدة سوزان رايس مندوبة امريكا في الامم المتحدة ان سورية تزعزع الاستقرار في لبنان والمنطقة، وعندما يحذر فيليب كراولي المتحدث باسم الخارجية الامريكية من وضع مقلق بسبب اسلحة حزب الله ومواقفه، فان علينا ان نتوقع الاسوأ.
السيناريو المتوقع والذي يمكن استخلاصه من 'المواجهة النسائية' مع فريق المحققين في الضاحية الجنوبية، عنوانه 'الاستفزاز' والمزيد من الاستفزاز لايقاع حزب الله في مصيدة عدم التعاون مع القرارات الدولية وتجريمه ومن ثم شيطنته بالتالي.
السيناريو نفسه جرى استخدامه مع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، عندما تعمدت فرق التفتيش الدولية، التي تبين فيما بعد ان معظم عناصرها من عملاء المخابرات الامريكية والاوروبية، تفتيش غرفة نوم الرئيس الراحل بحثا عن اسلحة الدمار الشامل للامعان في اذلاله، وتهشيم كبريائه،
لدفعه الى الرفض، وبالتالي تبرير اي عدوان على العراق تحت ذريعة عدم التعاون مع فرق التفتيش الدولية.
ريتشارد بيرل 'أمير الظلام' واحد ابرز مخططي الحرب على العراق، ابلغني شخصيا، على هامش محاضرة مشتركة بعد الحرب على العراق بعام، ان ادارته كانت تعرف ان الرئيس العراقي لا يملك اسلحة دمار شامل، وانها كانت تبحث عن ذرائع لاستفزازه، ولا نستبعد ان يكون فريق المحققين الذي ذهب الى عيادة نسائية في الضاحية الجنوبية يتبنى المخطط نفسه، فما علاقة هذه العيادة المتخصصة في امور نسائية حساسة بعملية اغتيال الرئيس الحريري، ولماذا يريدون جميع الملفات (سبعة آلاف ملف) ثم يكتفون، وبسبب شجاعة الطبيبة المسؤولة، بتخفيض العدد الى سبعة عشر ملفاً؟
الدخول الى غرفة نوم صدام حسين، لم يمنع مسلسل المطالب المذلة المتلاحقة لنظامه، كما ان تعاونه مكرهاً مع هذه المطالب وتلبيتها لم يمنع العدوان على بلاده واحتلالها وتدميرها وايقاعها في حال من الفوضى الدموية، والحرب الطائفية، ومقتل مليون انسان بريء،
ومن يضمن لنا، في حال موافقة حزب الله على مطلب فرق التحقيق المذكورة بالحصول على ملفات المريضات من زوجات مسؤولي حزب الله، ان يكون الطلب القادم تفتيش غرفة نوم السيد حسن نصر الله مثلاً.
لا نريد ان نرش الملح على جرح التوتر اللبناني النازف، وان نرسم صورة تشاؤمية لما يمكن ان يتبلور عن سياسات التهور التي تتبناها بعض الاطراف اللبنانية بتحريض خارجي، ولكن نجد لزاماً علينا القول بان من يحرضون على استقالة السيد الحريري لا يدركون حجم المخاطر التي يمكن ان تترتب على ذلك، وابرزها حدوث فراغ سياسي، وازمة دستورية قد تؤدي الى نسف اتفاقي الدوحة والطائف، وترسيخ الانقسام الحالي، وربما الدفع باتجاه حرب طائفية سنية شيعية. فاذا كانت النخبة السياسية العراقية عجزت عن تشكيل حكومة بعد سبعة اشهر من الانتخابات فكم سنة ستحتاج نظيرتها اللبنانية لفعل الشيء نفسه في ظل حالة الاستقطاب الراهنة.
***
المحكمة الدولية مجرد اداة لتجريم 'حزب الله' كمقدمة لتجريم سورية، وبما 'يشّرع' عدواناً اسرائيلياً على الطرفين، بدعم من تيار لبناني داخلي. فالعقلية الغربية تبدأ بالاسهل ثم بالأصعب، وهناك من يعتقد ان الوصول الى ايران ومنشآتها النووية يجب ان يمر عبر الحرب ضد حزب الله، وسورية اذا تدخلت لنصرته.
القرار الظني قد يصدر قبل موعده في شهر كانون الاول/ديسمبر المقبل
ويبدو ان جهود العاهل السعودي لاحتواء التوتر في لبنان بالتنسيق مع الرئيس السوري، لتأجيل صدوره تواجه العديد من العراقيل ان لم تكن قد انهارت، ولا نستبعد ان يكون هناك جناح في المملكة يعارض هذا التنسيق ويريد ان ينسف معادلة 'س.س' اي السعودية وسورية القادرة على التهدئة في لبنان.
رفض السيد نصر الله التعاون مع فريق المحققين التابع لمحكمة الحريري قد يكون مبرراً، لان التعاون من عدمه لن يغير من الخطة الامريكية الاسرائيلية المدعومة من بعض العرب لتدمير الحزب ومحاولة نزع اسلحته او بالاحرى انهاء وجوده على الساحة اللبنانية بالقوة التدميرية، ولنا مما حصل في العراق ونظامه السابق عبرة.
السؤال هو عما اذا كان بعض اللبنانيين المتحمسين للمحكمة يتبصرون بما يمكن ان يحدث لبلدهم في حال انفجار الوضع عسكرياً، داخلياً او نتيجة غزو اسرائيلي؟
امريكا ارسلت 170 الف جندي الى العراق واحتلته، ولكنها لم تستطع فرض السلام والاستقرار على ارضه بعد تغيير النظام. وها هي تستجدي التفاوض مع حركة طالبان في افغانستان لتأمين هروب آمن، فكيف سيكون الحال لو كررت الخطأ نفسه بطريقة مباشرة، او عبر اسرائيل بغزو لبنان؟
اسرائيل جربت الغزو مرتين، الاولى صيف عام 1982 والثانية صيف عام 2006، وخرجت من الغزوين مهزومة ذليلة، فلتجرب للمرة الثالثة،
وقد تكون النتائج اكثر دماراً لها وللبنان ايضاً، هذا اذا لم تجر المنطقة كلها الى حرب اقليمية.
السيد حسن نصر الله قال المطار بالمطار، والضاحية بتل ابيب.
ولا بد انه عندما يرفض التعاون مع فرق التحقيق الدولية يعرف ما يترتب على ذلك، وقد وضع كل الخطط لمواجهة كل الاحتمالات، او نأمل ذلك.
إرســال رد
1. اقتراح
التميمي - GMT 5:00:15 2010 السبت 30 أكتوبر
السيد عطوان اقترح عليك وباختصار شديد ان تنقل مقر صحيفتك من لندن الى الضاحيه الجنوبيه وتكون اكثر قربا من الذين سيحررون فلسطين خاصة وان قربك منهم سيضيف اليك ميزه يفتقد اليها الكثير من الصحفيين وهي انك ستحضى بتغطيه حصريه لاستقبال المهدي المنتظر الذي بشر به احمدي نجاد في جنوب لبنان إذن تحرير فلسطين لا يحتاج لا الى مقاومه ولا الى جيوش لان المهدي قادم !!! عزيزي ارجو ان تسخر قلمك من اجل تبصرة من لا يبصرون ومن هم غائصون في الاوهااااااااام
. مرة اخرى
hala - GMT 6:49:19 2010 السبت 30 أكتوبر
مرة اخرى يا عطوان احد ابرز رموز تأييد الارهاب الشيعي العلوي لحزب الشيطان اتمنى على بريطانيا ان تقوم بنزع الجنسية البريطانية عنك لتأييدك الارهاب الحزب الشيعي المسمى زورا وبهتانا بحزب الله انه حزب ابليس بحق فالله محبة واما هذا الحزب فلا تجد غير الارهاب الارهاب الارهاب
ماهـو شــرط الحريري لانهاء المحكمة
طباعة أرسل لصديق
انطون الخوري حرب - البناء
30/ 10/ 2010
منذ ابتداء العلاقة "الايجابية" بين رئيس الحكومة سعد الحريري والقيادة السورية، تبيّن ان ثمرة هذه العلاقة بين الطرفين ستكون نتيجة حل يقضي بتراجع الحريري ومحيطه عن المطالبة بمعاقبة قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، اذا كانت هذه المحكمة ستتهم سوريا بالجريمة بعدما كانت معلومات وتوقعات هذا الفريق تصب كلها في خانة ضلوعها فيها منفردة، او بمشاركة الحزب.
من الثابت ان الانفتاح الحريري السوري المتبادل لم يكن ليرى النور لولا انتهاج الحريري ومن معه محلياً وخارجياً نهج تبرئة دمشق من هذه الجريمة وتحييدها عنها وطي صفحة الصراع معها بدعم سعودي قوي ومباشر. لكن هذا التغيير لم يشمل بالنسبة الى الحريري ومحيطه الاطراف الآخرين الذين قد يطالهم الاتهام بالاغتيال وفي مقدمتهم حزب لله وفق السيناريو الذي نشر في صحيفتي دير شبيغل والفيغارو . وكان رهان الحريري يقوم على فصل سوريا عن حزب لله في حال توجيه المحكمة اتهامها له، لحسابات تتصل بالصراع من اجل البقاء بالنسبة للنظام في سوريا على قاعدة الصفقات التاريخية. وكانت قناعة هذا الفريق مبنية على الاستنتاج بان دمشق غير ضالعة عن حق في جريمة الاغتيال، وان ضلوع حزب لله فيها يضر بسياستها واستراتيجية "حافة الهاوية" التي تنتهجها دمشق منذ عهد الرئيس الراحل حافظ الاسد. وبالتالي فهي غير مستعدة لتحمّل عاقبة تورّط الحزب في الجريمة وما يستتبعه من ضرر على المستويين الاستراتيجيين المحلي والدولي.
بعد اقدام الحريري على اعلان التراجع الرسمي عن اتهام سورية باغتيال والده عبر صحيفة الشرق الاوسط، كانت الخطوة التالية المنتظرة منه هي شمول حزب لله بهذه التبرئة من الجريمة بسبب الجوّ العام الاميريكي والاوروبي والعربي الهادف الى تجريد المقاومة من سلاحهان وهذه المرّة عبر المحكمة الدولية بعد فشل تحقيق هذا الهدف عبر المحاولات السابقة والتي كانت آخرها حرب تموز العام 2006، التي افضت الى تثبيت واقع شرق اوسطي كرّسته المقاومة، بدل الشرق الاوسط الجديد الذي وعدت به وزيرة الخارجية الاميريكية السابقة كوندوليزا رايس خلال تلك الحرب.
امام هذا الواقع باتت خيارات الحريري في موضوع المحكمة محصورة بين حدّين، اولهما التراجع عن الاتهام لسورية تحت مظلة التفاهم السوري السعودي، وثانيهما عدم التخلّي عن المحكمة وعملها الذي يقتنع الحريري به حتى لو طال اتهامها حزب لله، مع تلميحه الى امكانية التوصل الى مخرج لقيادة الحزب يجلها غير متورطة رسمياً بما يحمي اركانها من العقاب من دون تعريض سلاحه للانتزاع عبر هذا الملف.
تشير المعلومات الواردة من اوساط الرئيس الحريري الى "البناء" ان ولي دم الرئيس الشهيد مستعد للتضحية بالعقاب وليس بالمحكمة وحكمها في جريمة اغتيال والده، وهذا الامر هو في اساس الاقتناع السعودي بان الموضوع يستحق التضحية مقابل استقرارالمجمتع والحكم اللبنانيين في عهدة الحريري الذي لايستطيع لا هو ولا غيره من الطائفة السنّية ممارسة الحد الادنى من الحكم وسط حرب اهلية اسلامية ولبنانية يؤدي الحسم فيها الى تفتيت الدولة الهشّة الى دويلات طائفية ومذهبية في احسن الاحوال، وتصبح حينها جريمة اغتيال والده من التاريخ.
لكن الحريري ومن معه يريدون انتصاراً ولو معنوياً على الاقل، وهومستعد للعفو وانهاء مفاعيل المحكمة بعد صدور قراراتها وفي مقدمتها القرار الظنّي وليس قبلها فيكون انتصاره حينها مزدوجاً، حيث تكون ادانة المتهمين قد تحققت نظرياً، وعفوه عنهم لانقاذ الدولة قد جعل منه رجل دولة و بطل تاريخي عملياً.
انطون الخوري حرب - البناء