المثلية الجنسية يجري تقديمها على الدوام على انها شذوذ وغير طبيعية. في عام 1120 صدر للمرة الاولى قانون يعلن ان المثلية الجنسية هي "جريمة ضد الطبيعة"، ولكن لااحد كان يهتم بدراسة فيما اذا كان الامر كذلك فعلا في الطبيعة. الاشارة الاولى على وجود مثلية جنسية لدى الحيوان صدرت عن ملاحظات جرت قبل 2300 سنة من قبل الفيلسوف والباحث في الطبيعة اريسطوطاليس، بالرغم من انه ارتكب فيها خطأ حيث اعتقد ان الاناث كانوا ذكوراً. الالتباس كان بسبب عدم معرفته ان إناث الضباع يملكون بظرا طويلا لحظة الشبق في حين اعتقد اريسطوطاليس انه قضيب. بالتأكيد كان على حق في ملاحظته ان الزوجين كانوا مثليين جنسياً ولكنهم كانوا سحاقيين وليس لواطيين، وبظرهم الطويل هو الذي جعله يخطأ في تحديد جنسهن.
منذ عصور مبكرة كانت المثلية الجنسية لدى الحيوان يجري تفسيرها بطريقة تلغيها من الوجود. في العصور الوسطى استمرت وكالات الاديان الرئيسية بالضغط على المثلية الجنسية كظاهرة طبيعية واخفائها، الى فترة قريبة. كان حتى الباحثين يقومون بتغيير تفسير الظاهرة بحيث تظهر وكأنها طقوس صراع بين ذكور القطيع للبرهنة للانثى على شدة ذكوريتهم.
عام 1999 صدر كتاب البيلوجي الامريكي Bruce Bagemihl, بإسم Biological Exuberance: Animal Homosexuality and Natural Diversity, حيث، وخلال تسعة سنوات، قام بالاطلاع على جميع المصادر العلمية المتاحة للبحث عن وقائع موثقة عن المثلية الجنسية بين الحيوان، ليكتشف وجود كمية كبيرة من المعطيات. بنتيجة حصول كتابه على اهتمام كبير في الاوساط العلمية اصبح العديدين يجرؤن على نشر ملاحظاتهم ودراساتهم في هذا الشأن.
مابين خريف عام 2006 واغسطوس من عام 2007 قام متحف التاريخ الطبيعي في اوسلو بعرض اول معرض عن المثلية الجنسية لدى الحيوان. البيلوجي Petter Bِنckman, كان احد المسؤولين عن هذا المعرض واشار الى ان عملية اقصاء الحقائق واخفائها واسعة. يقول :" نحن لانعلم على الضبط مدى انتشار المثلية الجنسية في عالم الحيوان، إذ توجد تقارير عن وجود المثلية الجنسية لدى حوالي 1،5 الف جنس من الحيوان. هذا الرقم صغير للغاية بالمقارنة مع الاجناس الموجودة والتي تصل الى 1،5 مليون جنس".
ان الممارسة الجنسية المثلية لاتؤدي الى الحصول على نسل يعتبر الدليل الرئيسي لمدعيي ان المثلية الجنسية غير طبيعية، من حيث ان المواقعة الجنسية تهدف لتبادل المورثات. هذا التوضيح لايتفق معه العالم Magnus Enquist, من جامعة ستوكوهولم
يقول ماغنوس : " اعتقد ان جميع الحيوانات تسعى للجنس لكونها عملية ممتعة. عملية التطور تكافئ الفرد الذي يشعر بالمتعة عند قيامه بالمواقعة الجنسية، وبهذا الشكل انتخب التطور الافراد الساعين للجنس من اجل مصلحته الشخصية". ماغنوس يشير الى وجود فرق بين الاجناس الذي تهتم بالجنس ولديها اهتمامات اجتماعية بالمقارنة مثلا مع قطيع الوعول (احد انواع الوعول) التي تلتقي مرة واحدة في السنة في فترة التلاقح، ليقوم بالعملية الجنسية في ربع ساعة ثم يفترقان الى العام القادم.
" المثلية الجنسية جرى ملاحظتها غالبا عند الاجناس الذكية نسبيا، وخصوصا الاجناس الاجتماعية والتي تملك نظام اجتماعي معقد"، يقول بيتير بوكمان. هذا الامر لربما بسبب ان هذه الاجناس هي التي جرت دراستها اكثر، ولكن من جهة اخرى في مثل هذه الظروف يمكن للمثلية الجنسية ان تلعب دورا مهما في حياة عضو المجتمع، مثلا ان تقوم بخلق الروابط وبناء التحالفات. مثال على ذلك الدب الاسود الامريكي والذي يعيش في مجموعات اجتماعية من فردين الى خمسة افراد، وبينهم جرى ملاحظة وجود مثلية جنسية. في حين ان الدب البني يعيش منفردا وينفر من التجمعات ويعمل على الحفاظ على منطقته الحيوية من الاختراق، وعند التلاقي يتبادل الضربات والعضات مع الاخرين.
بين بعض الحيوانات تكون المثلية الجنسية قاعدة اساسية من اجل تأسيس علاقة طيبة مع بقية افراد القطيع، الامر الذي نراه لدى الدلافين وبعض الحيوانات المتوحشة ولدى بعض انواع القرود. عند بعض هذه الانواع سيصبح الفرد الرافض بشدة للممارسة المثلية معزولا عن القطيع بدون اصدقاء او حماية.
" بالتأكيد لانستطيع ان نعلم بالضبط فيما إذا كان الحيوان يستمتع بالجنس في كل مرة يمارسه. إذا قام الذكر بالنفخ واللهث فإنه من السهل ان نفهم مايحدث، ولكن الحيوان قادر ان يستمتع بدون ان يصل بالضرورة الى مرحلة الاورغازم، وعندما يتعلق الامر بالاناث فنحن نعلم اقل لضعف الدراسات في هذا المجال"، يقول بيتر.
هل الذكر المهيمن وحده الذي يحصل على المتعة من العلاقة المثلية؟ هل يحصل الحيوان الذي يلعب دور المتلقي على متعة جنسية من دوره؟
يجيب بيتر: ببساطة يجب دراسة سلوك الحيوان وعلى اساس ذلك استخلاص النتائج. بالنسبة للاناث يمكن اخذ الدلفين والقرود كمثال بإعتبارنا نعلم عنهم بشكل افضل. نحن على ثقة من ان الاناث تستمتع من الممارسة الجنسية المثلية. الطاقة التي تبذلها يوميا من اجل الحصول على جماع يشير الى انها تحصل على متعة. وحتى عندما يستخدم الجنس بين المثلييات الاناث كطريقة " للدفع" مقابل فوائد اجتماعية يدل هذا الامر على ان المتلقية تسعى الى متعة جنسية.
لسنا متأكدين ان ذكور الحيوان تستمتع بالجنس المثليي كما تفعل الاناث، ولكن العديد من الدلائل تشير الى ان ذلك يحدث فعلا. افضل الامثلة التي جرت دراستها هي القرود ، وهنا نرى الكثير من الامثلة على علاقة جنسية ممتلئة بالرقة من كلا الطرفين. في حالات اخرى نجد ان الذكور تتبادل الادوار في المواقعة الجنسية.
توجد العديد من الامثلة الاخرى. بين الحيوانات ذات الحوافر (او الاظلاف ؟) مثلا توجد تقاير عن ذكور تحصل على انتصاب عندما تكون تحت ذكور اخرى، كما توجد تقارير عن حيتان تقوم بوضع فتحتها الشرجية على زعانف حوت اخر في محاولة للحصول على متعة جنسية. من يحاول استخدام الزعنفة لابد انه يحصل على متعة تدفعه لذلك.
البجعة السوداء مثال ممتاز بجنس من الحيوان يكون فيه الجنس المثليي ذو منفعة فعلية، على الاقل بالنسبة للذكور المثليين. عندما يصبح ذكرين من البجع مع بعض تتحسن قدرتهم على حماية منطقة حيوية كبيرة بالمقارنة مع زوجين غير مثليين. احد الذكرين او كلاهما يقومون بتلقيح انثى ويحصلوا منها على بيوض ثم يقوموا بطرد الانثى من المنطقة، في حين يتناوبوا بنفسهم بالجلوس على البيض. حسب الملاحظات، تملك الافراخ التي تنتمي الى ابوين مثليين حظا اكبر في البقاء على قيد الحياة بالمقارنة مع الافراخ الاخرين.
Magnus Enquist يختلف مع بيتر في هذا الاستنتاج. يقول: " لااعتقد ان الانتخاب الطبيعي قدم افضليات للذكرين المثليين. إذا كان الامر كذلك لماذا لم تصبح بقية الذكور مثلية؟. شخصياً ، يتابع ماغنوز، اعتقد انه ببساطة يهتم الزوجين جنسيا ببعضهم البعض، ويفضلون شريك من الجنس نفسه. ليس كل شئ يحدث في الطبيعة يجب ان يكون له وظيفة، فالكائن هو باكيت كبير يتطور طول الوقت، حاصلا على خصائص ايجابية وسلبية، وليس كل شئ له معنى".
وعلى كل الاحوال يظهر وكأن التطور قدم افضليات للذكور المثليين بالمقارنة مع الاناث المثليات. وهنا يشير الى وجود اختلافات بين الانواع. عند الحيوانات اللبونة نجد ان المثلية منتشرة اكثر بين الذكور، ولكن ليس عند الجميع. عند الغزلان نجد ان الاناث هي المثلية. وبالرغم من ان ذكور البجع الاسود هم الذين يقيمون علاقة زوجية نجد ان الاناث هن المثليات لدى العديد من الانواع الاخرى من الطيور. توجد العديد من السلوكيات لدى انواع الحيوان بقدر عدد الانواع، وهي سلوكيات تنشأ ردا على مشاكل معينة في حياة الحيوان، والمثلية الجنسية هي احد الحلول لهذه المشاكل.
اسباب نشوء المثلية الجنسية قد تختلف بين الانواع، ولكن من حيث الاساس تحكمها الرغبة الجنسية الواحدة. جميع الحيوانات تسعى بنشاط لتحقيق رغباتها الجنسية، بما فيه الانسان. من هنا لايمكن الكلام عن دوافع جنسية بيلوجية تهدف الى التكاثر ولاعلاقة لها بالمتعة. كون ان الحيوانات يظهر عندها مثلية جنسية وهذا الامر يتطور لينشأ عليه وظائف اجتماعية امر يدخل في حكم الطبيعة. الجنس يملك بالدرجة الاولى وظيفة اجتماعية عند الكثير من الانواع، ويمكن ان نرى الامر نفسه عند الانسان نفسه، حيث القسم الاكبر من نشاطه الجنسي له وظائف لاعلاقة لها بالتكاثر. من هذا المنظار ليس غريبا وجود المثلية الجنسية لدى الحيوان والانسان على السواء. على العكس، يملك الانسان العديد من السلوكيات الغير طبيعية، مثلا ان يقف امام خيار: ان ينام في سريره ام يتنزه في سيارته.
إقرأ ايضا الشذوذ والجنس عند الحيوان
موضوع مترجم عن مجلة البيلوجيين الحقليين السويدية، العدد 1-2 لعام 2008.
Fنltbiologen nr. 1-2, 2008
Homodjuren fِrenar nytta med nِje
Lars Axelsson s.21-23
للوصول الى مصادر اكثر في هذا الصدد يمكن مراجعة الموضوع الاصلي في موقع الذاكرة.. هنا