أول درس يتعلمه منقذو الغرقى أن لا تجعل الغريق يتشبث بك، أو برقبتك، وأول درس يجب أن يتعلمه من يتعاطى مع الشأن اللبناني هو أن لا تلعب على إيقاعهم، بل ارفعهم إلى مستوى الدولة لتتعامل معهم.
فقد صرح الأمير سعود الفيصل بأن الملك السعودي قد رفع يده عن الوساطة مع سورية بخصوص ملف المحكمة الدولية في لبنان، فقيل في بيروت: «هل غضبت السعودية على الحريري؟». فكان الرد: يا إخوان تنبهوا، فقد قال الأمير إن الملك عبد الله بن عبد العزيز قد تحدث مع الرئيس السوري الرأس بالرأس، وعندما لم يتم الالتزام بما تم الاتفاق عليه رفع يده. قالوا: «آه.. دخلك يعني السعودية رفعت يدها عن لبنان؟»، فرد الأمير سعود أمس، وقال: «فقط عن ملف الوساطة». وغدا سيقال في لبنان: «دخلك.. لماذا تراجعتم عن التراجع؟»، وهكذا ستستمر الدوامة، فالحفرة اللبنانية تسحب كل من يحاول النزول فيها. والأمر لا يتوقف هنا، ففي حرب 2006، وعندما صدر البيان السعودي حول المقامرين، كان اللبنانيون يسألون: «من كتب الخطاب..؟»! وتقول لهم: ما الفرق؟ كلهم رجال الملك عبد الله، ثم يخرجون بتفسيرات أخرى!
القصة كلها مماحكات؛ فاللبنانيون يريدون سماع ما يودون سماعه فقط، وإلا كيف نفسر تجاهلهم لتصريحات وزير خارجية تركيا، الذي أعلن مع نظيره القطري وقف جهود الوساطة في لبنان بعد تصريحات وزير الخارجية السعودية عن أن الملك عبد الله قد رفع يده عن الوساطة في لبنان. فتصريحات أوغلو واضحة، حيث قال إنه أوقف جهود بلاده لأن الأطراف اللبنانية غير متجاوبة.. كلام واضح جدا، لكن لم نسمع تعليقا عليه!
وعليه، فلكي نفهم الخلل،
يجب أن نتأمل أمرا واحدا هنا بسيطا لكن رمزيته واضحة؛ فعندما التقى حسن نصر الله الرئيس الإيراني في لبنان بزيارته الأخيرة، التقاه في السفارة الإيرانية، ولم يؤخذ نجاد مغمض العينين لمقابلة نصر الله. فهو يتعامل مع تابع، أو موظف لديه، والأمر نفسه يفعله كثر عندما يذهبون إلى دمشق، ولا تأتي إليهم قيادات دمشق، بينما الملك السعودي عندما زار لبنان ذهب إلى دارة الحريري، ولم يجلبه إلى السفارة السعودية، والفرق كبير!
وفي المقابل كلنا سمعنا، مثلا، عن تذمر الأمين العام لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، من المشوار الذي قضاه لمقابلة حسن نصر الله، ذات مرة، وبالطبع لا نعلم كيف وصل التركي والقطري لمقابلة نصر الله أيضا قبل أيام.
وعليه، فالمراد قوله هو أنه لا يمكن أن تنزل الدول إلى مستوى زعماء طوائف، وميليشيات، وتلتقيهم في كهوف، أو أسطح مبان. فبالله عليكم.. هل يعقل أن تتعامل وزارة الخارجية السعودية مثلا مع عزيزنا وليد جنبلاط؟ فتقلبات البك تجعل من الأفضل أن تتعامل معه الأرصاد الجوية السعودية، فتقلباته فاقت حتى تقلبات الطقس في المنطقة!
ولذا نقول: لا داعي لمزيد من التوضيحات، وحان الوقت للتعامل مع لبنان بمنطق الدولة، وإذا لم يستجب اللبنانيون، فليدفعوا الثمن، علهم يفيقون، هم
وغيرهم من جيرانهم، لأن النار ستصل إلى أطراف ثوبهم لا محالة.
tariq@asharqalawsat.com
لقد بدأت المقالات المفعمة بالطائفية تطفو على السطح في لبنان
http://www.nowlebanon.com/arabic/NewsArt...?ID=232716
لا لعُمر...!
محمد سلام، الجمعة 21 كانون الثاني 2011
أعادنا الشيخ سعد الحريري بكلمته إلى العام 1989 عندما خاض والده الشهيد تجربة معارضة الاحتلال السوري، فيما عادت بي الذاكرة إلى منتصف أيار العام 1976 عندما اتّخذ كمال جنبلاط قرار مواجهة الاجتياح الأسدي.
أعادنا وليد بيك جنبلاط في مؤتمره الصحافي إلى تاريخ "الحزب التقدمي الاشتراكي" في دعم القضية الفلسطينية ومقاتلة إسرائيل، فما عثرت على أثر بعد عين لما قاله إلا في حقبة الشهيد كمال جنبلاط، الذي لم يأت الإبن على ذكر فضله في رفض دويلات "تحالف الأقليات" التي رعاها نظام الأسد، ومشى بها من مشى، ورفضها الكمال ... واستشهد.
أعادنا الشيخ سعد الحريري بكشفه عن معادلة "لا عودة لسعد إلى السراي" وتمسّكه بالأداء ضمن المؤسسات إلى حقبة ما بعد انتخابات العام 2009 عندما تجاوز المؤسسات وتعدّى على الديمقراطية لينتخب نبيه بري رئيسا للمجلس النيابي، فيما عادت بي الذاكرة إلى خطأين: خطأ عدم العودة إلى التذكير بنصيحة وليد جنبلاط للرئيس الحريري بأن يمدّد للرئيس إميل لحود كي لا يقتلوه، فمدد ... وقتلوه.
أما الخطأ الثاني فهو خطأ القبول بتسوية الدوحة ما أدى إلى الدوس على اتفاق الطائف، فالدوحة هي أخطر خرق للطائف، بعد الخرق الذي سجّله اغتيال الرئيس رينه معوض.
القضية الآن، بصراحة ووضوح، ليست السرايا. القضية هي الطائفة اللبنانية السنية التي إن سمّت ماسح أحذية لبناني مسلم سني لقبلته زعيما، ورئيسا للحكومة.
القضية ليست في شخص سعد الحريري، بل في حقيقة تبنّي الطائفة له زعيما لبنانيا مسلما سنيا.
فلو سمّى الرئيس بشار الأسد عمرا لرئاسة الحكومة لرفضت عمرا... حتى لموقع الخلافة.
ولو سمّى السيد حسن نصر الله عمرا لرئاسة الحكومة لتجاوزت سقف رفض الخليفة واعتبرته عدوا.
السرايا ليست هي القضية. السرايا ليست بيت القضايا. السرايا ليست حصن اللبنانيين السنة. السرايا مربط خيلنا، لذلك إذا قدّر لسعد الحريري دخولها، فيجب أن يكون على صهوة جواد لبناني مسلم سني عربي أصيل، كي يعطي السرايا فخرا لا يستطيع الحجر أن يعطيه لمن كان من البشر. نحن مسلمون مؤمنون بالله ولا يعطينا الحجر فخرا.
السرايا ليست هي القضية. لذلك نقش عليها الشهيد "لو دامت لغيرك لما آلت إليك". القضية، هي ببساطة ووضوح، الطائفة اللبنانية السنية التي إذا انتُعلت، سواء من داخل الحدود أو من خارجها، تهاوت كل الكرامات، وسقطت كل الأحجار، التي لا تعني للمؤمنين بالقيم شيئا، ولكنها تعني لعبدة الأرقام ... الكثير.
القضية خارج احتساب الرقم. القضية ببساطة هي كيف تواجه الطائفة اللبنانية السنية الخونة من داخلها، والأعداء من خارجها. نعم كل التحدي هنا.
خونة الداخل السني نوعان: خونة يقبلون الانتعال من خارج الطائفة ويتشرفون به، وخونة يغلّفون خيانتهم بحياد مزعوم.
خونة الشرف بالانتعال هؤلاء ستحاسبهم الطائفة، وحسابهم ... عسير، عسير.
خونة الحياد المزعوم لا يقلون خيانة. يمتنعون عن موالاة الوطن والطائفة، ولكنهم أجبن من خونة الشرف بالانتعال.
لا لعمر. لا للخونة من النوعين. الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان قمة الشرف وقمة الإخلاص لله. وقد قال القائد الكبير خالد بن الوليد العبارة يوم عزله عمر عن قيادة الجيش أثناء معركة اليرموك، فأطاع وقاتل "لرب عمر".
هل لاحظتم أن تكتل الأعداء في 8 آذار "يمتلك" ثلاثة نواب سنة - وليد سكرية، كامل الرفاعي وقاسم هاشم - لكنه يعزف عن تسمية أي منهم لمنصب رئاسة الحكومة. لماذا؟
لأن نسيبنا ابن سكرية هو في البداية والنهاية ابن سكرية، وابن الفاكهة، وابن طائفة اللبنانيين السنة. وإن قبل أن يكون منتعلا في المجلس النيابي فلا أعتقد أنه يرى في الانتعال إياه شرفا في رئاسة الحكومة، بل خيانة، يفهم إبن الفاكهة معناها ومغزاها.
أما الرفاعي، وما أدراك ما الرفاعي، فهو ... رفاعي وكفى. هو بعلبكي من مدينة الإمام الأوزاعي المقهورة المحتلة. هو من هي عائلته، وهو ما هو تاريخه. لذلك لا يثقون به لترشيحه إلى حيث لا يحسنون ضبطه.
قاسم إبن الهاشم قصة في ذاته. مالكه في القيادة القومية لحزب "البعث" بدمشق. إذا رشحته دمشق يرفضه السيد حسن، نهايات ولائه محسوبه لدمشق، ودمشق غير محسومة للسيد حسن، حتى وهي تعادي سعد الحريري علنا ... جهارا، نهارا.
يملكون ثلاثة من 27 نائبا سنيا، ولا يثقون بواحد منهم لتسميته لمنصب رئاسة الحكومة ... فيلجأون إلى مطية من السنة كي يركبوا ظهرها ويدخلوا بها السرايا، تماما كما ركبوا إبن حلب أمين الحافظ، فصفى لهم خصومهم، وحكموا على ظهره سوريا بعدما تحول إلى ما عرف بـ"أبو عبدو الجحش".
يريدون نموذجا لبنانيا عن "أبو عبدو الجحش" الحلبي، فهل بين اللبنانيين السنة من هو "أبو عبدو الجحش" اللبناني؟
هذا هو السؤال في الداخل السني الذي لا أتجاوز به على حقوق وخصوصيات أي طائفة لبنانية كريمة.
أما الذين يتسافلون على اللبنانيين السنة، وعلى كل السنة، فلا طائفة لهم، ولا نحمّل أوزار سفاهاتهم لأحد.
لن نعاتب ذلك "العزيز" على ما نضح به عقله سواء لجهة ما قاله عن "بهائم مكة" أو "جمال" المملكة العربية السعودية" أو "مواخير" الوهابيين.
لا نريد الإساءة للبهائم، فلهم احترام مخلوقات الله الأخرى، لذلك لن ننسبه إلى البهائم. ولكن فليعلم ذلك "العزيز" أن الإساءة للسنة، أكانوا لبنانيين أم عربا أم غير عرب، مكلفة جدا، جدا، جدا.
ليس مسؤولا عن الإهانات التي ساقها "العزيز" للسنة إلا العزيز نفسه، بشخصه، بموقعه، بمكانته، بدوره، لا بعائلته التي نحترم، ولا بدينه الذي نقدس، ولا بكنيسته التي يتبع لها وفق سجل هويته، ولا يحترمها أو يفهم في رسالتها بقدر ما نحن نحترمها، ونفهم رسالتها، ونقدر كهنتها.
هل أهدد ذلك المخلوق "العزيز"؟
أطرح السؤال قبل أن يستعجل نضال الإستعطاء بزعمه تهديدي له.
كلا لا أهدده، لأن الرجال لا يهددون الذباب. ولكن، أنصحه، والنصيحة لوجه الله تعالى، بأن يمسك لجام لسانه لمن يثق بعقله ... فقط من باب الشفقة عليه.
إلا إذا ارتأى "العزيز" أن لا حاجة به إلى اللسان أيضا، بعدما استفزه مؤتمر "الفياغرا" في فندق الحبتور، فرأى في 350 ممثلا طبيا وصيدليا يرتدون قمصانا زرقاء ويشاركون في مؤتمر تسويق عقار "الفياغرا" ميليشيا عربية معادية لسوريا في لبنان.
شر البلية ما يضحك. "العزيز" إياه استفزه "الفياغرا" فنشر خبرا عن ميليشيا، ثم وصل إلى قناعة بأنه لا فائدة ترتجى ... حتى من لسانه، مع أو من دون فياغرا.
الملتبس، أقله بالنسبة لي، هو سقوط الزملاء في "الجديد" في مؤامرة الفياغرا، ولو بعد الموسم. فالأعزاء في "الجديد" فعلا صيتهم سابقهم من زمن "الزلّوع" قبل حقبة الفياغرا، وجميعهم استحقوا مراتبهم. ولم أتوقع أبدا أن يستفزهم مؤتمر "الفياغرا". إلا إذا كانوا مخترقين بمن هو ليس من جيناتهم ولا يتمتع بكفاءاتهم "الزلّوعية". صار بدهم الأخوان فحص دي. إن. آي أقله للحفاظ على "النسب".
يبقى ذلك الأصلع ميشال الذي لا علاقة له بالسماحة. وضيع يستهزئ بمن أنعم عليه الله بوجه مبتسم. نعم الوجه المبتسم في ديننا كما في كل الأديان السموية هو نعمة. ولكن في قاموس "أبو الميش" هو ... مجال للسخرية.
على كل حال يا "أبو الميش" طائفة اللبنانيين السنة ستعيش حتما إلى يوم تراك فيه تبكي خوفا من عريّك الأخلاقي، وليس خجلا بعريّك، فأنت تهاب ولا تخجل ... ستبقى تبكي حتى يجف في عيونك الدمع. لا تستأهل أكثر من هذا العقاب.
السرايا، أيها الأحبة، ليست هي القضية. القضية هي الوطن، هي طائفة اللبنانيين السنة. القضية ليست في العدد. القضية هي في مواجهة الخونة، سواء خونة شرف الانتعال أو خونة واقي الحياد. القضية هي في أن لا يعيدونا إلى ما قبل 28 شباط العام 2005.
السرايا مربط خيلنا ولا يدخلها زعيم السنة إلا على صهوة جواد عربي أصيل. من يريد أن يمتطي "جحشا"، لا بأس فليحاول، مستواه لا يتيح له الارتقاء عن "الجحش" إذا عثر عليه ... بين الخيارة وصيدا.
أللهم فاشهد. لقد بلغت. لقد قررت، لقد عزمت.
أللهم فاشهد. كنت مع كمال جنبلاط يوم قرر مواجهة الغزو الأسدي وما زلت حيث أنا.
أللهم فاشهد، كنت مع ياسر عرفات عندما قاتلت إسرائيل وما زلت حيث أنا.
أللهم فاشهد، كنت مع لبنان يوم قاتلت في السابع من أيار، وما زلت حيث أنا.
اللهم فاشهد، كنت مع الحرم والأزهر يوم نشأت في "المقاصد" وما زلت حيث أنا.
أللهم فاشهد، إنها الحرب على أحفاد محمد وعيسى في لبنان وغير لبنان.
أللهم فاشهد، رجوتك دوما ألا أموت في سريري، فأكرمني بألا أموت في سريري، أو أكرمني بأن أعيش كريما في وطني.
أللهم فاشهد. لقد شهدت بك ولك. أللهم فاشهد.
طريقي إليك تراب وطني، وكرامة أمتي، طريقي إليك رأسي المرفوع شرفا، لا يسجد إلا لك، لك وحدك، لعدلك وحده، ما خفت الطغاة قبل الشيب ولا أنوي أن يُعيّر شيبي بالخوف من الطغاة.
اللهم فاشهد، لقد بلغت.