المسيح يقيم فتاة من الموت
ماذا لو ظهر على الأرض فجأة كائن حي عاقل فائق القوة و القدرة بأكثر من الإنسان مليون مرة ثم قام هذا الكائن بأعمال خارقة للمألوف. ما الذي يمكن أن يكونه هذا الكائن ؟ هل يكون إلها من آلهة الأساطير ام مجرد كائن حي طبيعي و لكنه يملك تكنولوجيا خارقة بالنسبة لنا ؟ الغرض من هذا التساؤل أو هذة الفرضية هو معرفة الفرق بين ما هو طبيعي و ممكن و بين ما هو غير طبيعي و غير ممكن, بالطبع هذا لو فرضنا أن ما هو غير طبيعي هو في نفس الوقت غير ممكن.
يعني المسيح كمثال, يقال أن المسيح أحيا الموتى و هذا يضعنا أمام عدة إحتمالات :
1- المسيح إله او ابن إله أو نبي و لديه قوة خارقة للطبيعة تتيح له إعادة الموتى إلي الحياة.
2- المسيح شخص من المستقبل أو كائن فضائي من حضارة متقدمة و قد قام بصنع نسخة طبق الأصل من الموتى عن طريق تكنولوجيا متقدمة (في حالة لعازر) أو أعاد الحياة للموتى أيضا عن طريق تكنولوجيا متقدمة.
3- المسيح نصاب و قد قام بخداع الناس عن طريق تلفيق تلك المعجزات الوهمية.
4- المسيح شخص عادي له معرفة بالطب و لكنه لا يستطيع إقامة ميت بالطبع و الناس هي التي نسجت حوله الأساطير.
5- المسيح لم يوجد قط و الأسطورة ليس لها أي أساس بل هي ملفقة من الألف إلي الياء.
تلك هي الإحتمالات الوحيدة من وجهة نظري و يمكن تقسيمها إلي ثلاثة أقسام :
إحتمال فائق للطبيعة (إله أو نبي) و إحتمال طبيعي و لكنه معقد (من المستقبل أو من الفضاء) و إحتمال طبيعي بسيط (المعجزة لم تحدث قط) ..
بالطبع تلك الإحتمالات تنطلق من الجهل بما حدث لأن من يعرف الحقيقة لا يضع إحتمالات, و لأن المشكلة هي في القصص المتداولة عن معجزات المسيح و التي تحتاج إلي تفسير. و لكن هل يمكن للمرء أن يستبعد بعض الإحتمالات بحيث يستطيع أن يضيق دائرة البحث أكثر من ذلك ؟ هذا يعيدنا إلي السؤال الأول : ما الفرق بين الإله و الشخص الآتي من حضارة متقدمة ؟ أو ما الفرق بين ما هو فائق للطبيعة و ما هو طبيعي ؟
الفرق هو في درجة التعقيد, يعني أعمال الإله لها تعقيد مطلق و أعمال الشخص المتقدم لها تعقيد نسبي. بمعنى أن أعمال الإله لا يمكن إكتشاف طريقة عملها ولا في إستطاعة الإنسان تقليدها أو القيام بها مهما مر عليه الزمن و مهما راكم من معلومات و تكنولوجيا, بينما أعمال الشخص الآتي من حضارة متقدمة من الممكن فهمها و تعلمها و تقليدها لو إتيح للإنسان الوقت الكافي لمراكمة العلم و التكنولوجيا. و لكن الإله يجب أن يكون عالما بطريقة عمل ما يعمله و إلا لكانت تلك الأعمال هي الإله الحقيقي و ليس من يستخدمها, و على هذا الأساس فالسحر أو الأعمال الخارقة ليس لها تعقيد مطلق لأن الإله يفهمها و يعرف طريقة عملها و بالتالي فهي ليست معقدة بالنسبة له.
إذن فمعرفة الإله بطريقة عمل معجزاته تنفي وجود التعقيد المطلق و تجعل كل عمل معقد هو كذلك بالنسبة لمن لا يعرفونه فقط و لكنه ليس معقدا لصاحب العمل نفسه. و هذا يجعل أن التفسير بالتعقيد المطلق أو أن العمل فائق للطبيعة غير منطقي و من الأعقل أن نظن أن العمل مهما بدا صعبا و مستحيلا فإن هناك طريقة للقيام به و وسيلة لفهمه و تفسيرة حتى لو كانت صعبة أو تحتاج لمجهود كبير و وقت كثير.
هذا يجعلنا نستبعد الخيار الأول بالمنطق السليم فقط. و هذا يجعل المسيح لو صح أنه أعاد الحياة إلي ميت فإنه قد فعل ذلك بتكنولوجيا متقدمة لا نعرفها و ليس عن طريق سحر او معجزة يستحيل تفسيرها, فهو إما يعرف كيفية عمل المعجزة و بالتالي يستطيع شرحها و تعليمها و إما أنه لا يعرف و بالتالي فهو مجرد شخص عادي و لكن هذا لن ينفي أيضا أن المعجزة هي عمل تكنولوجي خارق للمعتاد بين الناس و ليس خارق للطبيعة أو له تعقيد لا نهائي.
و هكذا لا يتبقى لنا إلا خيارين طبيعيين : الحل المعقد و الحل البسيط ..
و لكن التعقيد له صعوبات أكثر من البساطة لأن الحل المعقد هو عبارة عن عدة حلول بسيطة متشابكة مع بعضها البعض, فمثلا لو إفترضنا ان إعادة الحياة للميت قد حدثت فعلا فهذا يلزمنا بتفسير شديد التعقيد عن حضارة فضائية تراقب الأرض و ترسل أحد أفرادها لكي يقوم بإختبارات على الناس أو ما إلي ذلك أو عن حضارة مستقبلية تحاول صياغة شكل التاريخ عن طريق إرجاع أحد أفرادها بالزمن و قيامه ببعض الأعمال العجيبة. كل التفسيرات المعقدة تسلتزم خيال خصب و من الصعب إثباتها أو الإعتماد عليها.
و بالتالي فالحل البسيط هو أفضل تفسير ممكن ..
أيا كان الحل البسيط فهو أقرب إلي الواقع و أكثر إحتمالا في حدوثه من الحل المعقد, فالمعجزة ببساطة لم تتم و المسيح شخص عادي سواء كان نصابا أو طبيبا. لا ينقصنا إلا الأدلة على ما حدث بالتحديد و لكن حتى إن لم نعثر على أدلة قوية على حدوث أي شيء فالتفسير الطبيعي البسيط هو الأقرب إلي المنطق و العقل. فلا يمكن لشخص من العصور القديمة أن يمتلك تكنولوجيا كافية لإعادة الحياة إلي ميت و لا يوجد إله يستطيع القيام باعمال لها تعقيد مطلق بل إن كل شيء له تفسير و منطق حتى و إن صعب علينا فهمه و معرفته الآن بقدراتنا الحالية.