أدونيس .. الجامع .. والثورة .. !!
لا نستطيع .. وأقصد .. أنا وأدونيس .. أن نؤيّد ثورة تخرج من "الجامع" .. ويصعب علينا أن نتناسى كيف هم أعدموا "القصيدة" على "منصّته" .. ورجموا "الإلياذة" .. وبتروا "الأنثى" من يد الله .. واغتالوا صمت قدّاس العناق .. بضجيج تكبيراتهم و تهليلاتهم ودعواتهم ..
أنا و"أدونيس" .. قد نؤيّد ثورة إن خرجت من "دار أوبرا" .. وما أجملها لو ينشد فيها المتظاهرون "السمفونيّة التاسعة" .. وإن أرداهم "الرصاص" .. شيّعوا قتلاهم على ترتيلات "بحيرة البجع" .. ووقفواً دقيقة صمت على روح "باخ" .. !!
أنا و"أدونيس" .. لطالما فضّلنا المشاركة في تلك "المظاهرات" التي تخرج من "المتاحف" .. وأبهرتنا تلك الصراعات المذهبيّة –التي تنشأ عادة بين روّاد المتاحف- ما بين "رمزي" و"واقعي" و"تشكيلي" و"رومانسي" و"كلاسيكي" و"انطباعي" و"سريالي" و"تكعيبي" .. أقول .. أبهرتنا تلك الصراعات المدرسيّة والمذهبيّة حينما تنحال إلى لوحة واحدة .. مجبولة من ألوان كلّ المذاهب .. وتسير في "مظاهرة" واحدة .. !! إنّه التضاد حينما ينحال كلّا سرمدياً واحداً .. ليُسقط نظام .. !!
أنا و"أدونيس" .. خرجنا مرّة منذ زمن بعيد في مظاهرة حاشدة انطلقت من "المركز الثقافي" .. قد كانت "حاشدة بحق" .. حيث فاجأنا انضمام أتباع "نيتشه" و"شوبنهاور" إلينا .. وأذهلنا أكثر حماس أهل "سارتر" .. وكتبنا يومها على دفتر ملاحظاتنا .. حتّى "العدميّون" خرجوا من "المجاز" .. وأسكرتهم رائحة الياسمين الدمشقي .. !!
أنا و"أدونيس" .. نضحك على سذاجة الأطفال فينا .. حينما كنّا أطفالاً .. وإن سهونا صحا لسان "الطفولة" فينا أحياناً ليردد شعار الصباح .. – قائدنا إلى الأبد .. الأمين حافظ الأسد- .. وسرحنا بنقاشات "مقاعد الدراسة" تمايز بين "عبقريّة أينشتاين" في اكتشافه "للنسبيّة" .. وعبقريّة "القائد" في ابتكاره "للجبهة الوطنيّة التقدّميّة" .. !!
تبّاً لنا .. ما تظاهرنا حينها .. ما تظاهرنا .. أكنّا أطفالاً .. أم رجالاً خارج التاريخ .. !!
أنا و"أدونيس" .. ولدنا على "الورق" .. و"حبونا" و"مشينا" على الورق .. وتدثّرنا ليلاً بالورق .. وأقفلنا على نفسنا آمنين .. على الورق .. !!
حالة الطوارئ ..
قبل أن تبدأ "الثورة" .. كانت جلّ "تذمّراتنا" و"انتقاداتنا" و"تطلّعاتنا" تدور حول "حالة الطوارئ" .. أحد الأصدقاء المتأثّرين بلغة "أحلام مستغانمي" ربّما .. كتب في يوم عيد ميلاده : عمري ثلاثون سنة طوارئ .. واعتقالان .. وسبعة عشر جلسة تعذيب .. !!
بدأت الثورة .. رأينا أنّ من ينده "للحريّة" وفقط .. يُضرب بالهراوات حيناً .. ويُشتم بأبذأ الشتائم حيناً .. ويُدهس حيناً .. ويُقتل بالرصاص في أحيانٍ أخرى كثيرة .. ومن ثمّ يُمثّل بجثّته إعلامياً .. وينحال لعميل ومندس ومتآمر وسلفي .. !!
سالت الدماء .. وشاهدنا "وحشيّة" أمنيّة وإعلاميّة لم نكن قد اختبرناها يوماً بهذا التكثيف الزمني .. وأدركنا أننا لنثور .. يلزمنا كلّ الجنوب "السوري" ليكون "البويزيدي" .. يحترق كلّ صباح .. ويُشيّع في كلّ مساء .. ويتألّم في كلّ مرّة .. وكأنّها صورة من صور عذابات "الأسطورة الجهنّميّة" .. حيث نموت لنحيا ألماً .. ونحيا لنموت ألماً .. !!
رفعوا حالة "الطوارئ" .. جميعنا ظننا يوما أن هذا "منتهى الحلم" .. أسعده .. وألذّه .. وأطيبه .. والغريب أننا لم نسعد .. وكأنّه حدث عابر أقلّ أهميّة من "إشعال سيكارة" .. حتى في يومها .. دخّنّاها بقلق .. !! .. هل تجلّت لنا يومها "حقيقة" لم نكن ندركها قبلاً .. !!
في إشراقة أوّل شمس بلا طوارئ .. بكيت .. تمنّيت لو أغمس يدي بالدماء التي سالت .. ولو يعود بي التاريخ لأكتب .. لأكتب في يوم ميلادي الذي كان في 15 آذار .. أوّل أيّام الثورة بالمصادفة.. أن أكتب :
أنا و"القانون" .. ولدنا على "الورق" .. وحبونا ومشينا على "الورق" .. وتدثّرنا ليلاً بالورق .. وأقفلنا على أنفسنا آمنين .. على الورق .. !!
هي ثورة .. على الورق .. كلّ الورق