نظرة جديدة للثورات العربية .
الثورة و القطيعة الأيديولوجية .
There are very few moments in our lives where we have the privilege to witness history taking place. This is one of those moments. This is one of those times. The people of Egypt have spoken, their voices have been heard, and Egypt will never be the same . Barack Obama..
كثيرا ما أجدني مضطرا للتوقف لبعض الوقت خلال الموضوعات التي أطرحها عن الثورة المصرية ، هنا لا أتناول مادة صلبة محددة المعالم ،و لكن مادتنا رخوة يعاد تشكيلها في كل يوم . هذه أيضا ليست موضوعات نظريا ، و لكنها موضوعات تتعلق بحاضر مصر و مستقبلها ، بما يعني أننا كمصريين و كعرب جزء من الموضوع . أفكر في هذا المهذه الموضوعات ليس كما أفكر للآخرين ببرود المراقب بل كما أفكر لأسرتي بعواطف المشفق المحب . أبعد من ذلك فكلما رادودتني فكرة سبق أن فكرت فيها استبعدها على الفور ، فلو كنا أذكياء كما نعتقد ما بقينا 30 سنة بل أبعد من ذلك 60 سنة تحت حكم استبدادي يبدد حياتنا هباءا . فلا يمكن بناء الأمم بنفس الأفكار التي هدمتها ، كذلك لا يمكن تأسيس المستقبل الواسع على أحلام صغيرة .
علينا إذا أن نبحث عميقا و نحفر في ذاكرتنا الحضارية إلى أبعد ما نستطيع ، علينا أيضا أن نبحث حولنا عن نماذج مشابهة لما نمر به كي نستأنس بها في محاولة استشراف المستقبل . إن دورنا كمثقفين مصريين ليس محصورا في مساعدة المصريين على بناء مستقبلهم ، بل الإسهام مع أصدقائنا العرب المستنيرين في استشراف و من ثم صنع المستقبل العربي الحر الجدير بنا . أشعر أيضا أن دور المثقف ليس مقصورآ على بيئته المحلية ، بل هو دور عالمي ، يحدونا في ذلك المبدأ القائل " أن تفكر عالميا و تعمل محليآ " .
خلال هذا الشريط سأحاول أن أبحث عن تجارب ثورية مشابهة لما نمر به في مصر و تونس ، كذلك ما يمكن أن تسفر عليه الإنتفاضة السورية المتصاعدة ، معتقدآ أن اليمن و ليبيا هي حالات ثورية مختلفة من حيث الطبيعة و التداعيات . فالدول الثلاث الأولى ( مصر و تونس وسوريا ) تمتلك هياكل الدولة المعاصرة ،و لكنها تفتقد محتواها بالطبع ، أما ليبيا و اليمن فلا تمتلكان هياكل الدولة الحديثة ،و كلاهما يعيش سياسيا في مرحلة بين العصور الوسطى و العصر الحديث .
نتيجة نقص الثقافة و الرؤية السياسيتين بين المعلقين السياسيين العرب و ما أكثرهم و أندرهم أيضا ، كثيرا ما نقارن الحالات الثورية العربية المعاصرة بالثورات التاريخية الكبرى ، مثال ذلك الثورة الفرنسية 1789 ،و البلشفية 1917 ،و الإسلامية الشيعية في 1979 . وهناك من يقارن تلك الإنتفاضات الثورية العربية بالثورات ضد الأنظمة الشيوعية التي اجتاحت أوروبا الشرقية بما في ذلك الإتحاد السوفيتي خلال عقد التسعينات من القرن 20 ، تشيكوسلوفاكيا و بولندا ورومانيا و المجر عام 1989 ، ألمانيا الشرقية ، بلغاريا ، و ليتوانيا 1990 ، ألبانيا ، استونيا ،لاتفيا ، عام 1991 .الإتحاد السوفيتي في 26 ديسمبر 1991 .
هناك قلة من المعلقين فطنوا إلى وجود تشابه ملموس بين الإنتفاضات العربية و الثورات الديمقراطية الجديدة في أوروبا الشرقية السابقة ، و التي اندلعت في صربيا 2000 ، جورجيا 2003 ، أوكرانيا 2004 ، قيرغزستان 2005 و 2010، كما أحبطت في بيلوروسيا و أذربيجان . هناك عدد من العناصر المشتركة بين الثورات العربية و تلك الثورات الديمقراطية أهمها .
1- الطابع الشبابي لتلك الثورات ، فكلها بدأت كإنتفاضة شبابية سرعان ما انضم إليها الشعب للتحول إلى ثورة شاملة . و يمكننا أن نقارن بين حركات مثل " شباب 6 إبريل " و " شباب من أجل العدالة و الحرية " و " حركة كفاية " في المقابل هناك حركات مشابهة مثل " أوتيور " في صربيا ،و " كمارا " في جورجيا ،و " بورا " في قيرغزستان .
2- الطابع السلمي لتلك الثورات .
3- التوسع في استخدام المنتجات التكنولوجية الحديثة ، الموبيلات في بدايات القرن ،و شبكة التواصل الإجتماعية ( الفيس بوك و التويتر ) في الحالتين المصرية و التونسية ،و أيضا في مولدافيا عام 2009 م .
4- السيولة التنظيمية و افتقاد الكيان السياسي المتماسك و القيادات ذات الكاريزما . و بالتالي لم تتكمن تلك الحركات السياسية من تنظيم حزب كبير قوي يعبر عن أهداف الثورة ،و كان هذا سببا في ارتباك تلك الثورات ، و بالتالي تعثر التحول الديمقراطي . و لعل من الجدير بالتأمل أن الثورة البرتقالية في أوكرانيا ضد الرئيس " يانكوفيتش " التي ألهمت الجميع ، قد انتهت بعودة نفس الرئيس " يانكوفيتش " إلى الحكم نتيجة انتخابات ديمقراطية حرة تمت عام 2010 أي بعد 6 سنوات من الثورة الشعبية ضده !. أما حركة " كمارا " أو " كفاية " الجورجية ، فقد ذابت في تكتل شمولي أقامه الرئيس الجورجي " سكاشفيللي " ، لتعيد إنتاج نفس النظام الشمولي الذي ثارت ضده .
5- عدم وجود قطيعة أيديولوجية مع النظام الذي ثارت ضده ، نتيجة أنها ثورات ديمقراطية بلا عقائد أيديولوجية مخالفة .وهذا الأمر يختلف كلية عن الثورات التاريخية السابقة ، سواء الثورة البلشفية أو الثورة الإسلامية ، و أيضا ثورات أوروبا الشرقية في التسعينات من القرن الماضي ضد الشيوعية .
قياسا على الإنتفاضات المناظرة يمكن أن نتوقع :
1- يمكن أن تؤدي الإنتفاضات الثورية الديمقراطية إلى تغيرات سياسية أساسية ، و لكنها لن تؤدي إلى تغيرات إجتماعية أو اقتصادية كبيرة لغياب البعد الأيديولوجي .
2- وجود تداخل بين النظامين ماقبل الثورة و ما بعدها ، و استمرار عدد كبير من الشخصيات السياسية متصدرة الواجهة السياسية . و في أسوأ الحالات يمكن للثورة إعادة إنتاج النظام السابق بوجوه جديدة .
3- إمكانية عودة النظام الذي تم اسقاطه – ديموقراطيا - مع بعض التعديلات الشكلية غالبا .
4- لن يمكن للقوى الثورية الآن ولا في المستقبل تنظيم نفسها في كيان سياسي واحد ، فأهداف مثل هذه الثورات الديمقراطية هي مجرد اسقاط النظام دون إمتلاك رؤية محددة لكيفة بناء نظام جديد ، وبالتالي فأهداف الثورة تتحقق بمجرد اسقاط النظام ، و سيترك واجب إقامة النظام الجديد للقوى القديمة التي يمكنها النجاة بنفسها من مقصلة الثورة .
5- نتيجة غياب القيادة المسيطرة على الحركة الثورية فستكون الفوضى بديلآ قائما و بفرص عالية جدا ، نتيجة استمرار الحالة الثورية بلا نهاية . الآن تظهر ثقافة التغيير عن طريق الحشد و التجيش بحيث يصبحان فنا قائما بذاته ، و تختفي و تشحب سلطة القانون و النظام ، خاصة في مجتمعات فقيرة حديثة العهد بالحرية ، تفتقد التقاليد الثقافية التي تجعل من النظام غريزة جماهيرية .
6- الثورات القديمة كانت تعرف متى تتوقف لتصبح نظاما نتيجة وجود القيادة الحاكمة ، أما الآن فسيكون التثاقل الذاتي و عودة السلطات القديمة وحدهما ما يمكن أن يوقف الفوضى .
في انتظار التعليقات الجادة ..
و
للتأملات بقية ..