يا وزير المالية.. اعقلها وتوكل
صبري غنيم
Thu, 05/05/2011 - 08:00
لا يختلف أحد على أن اللوائح الضريبية فى مصر فى حاجة إلى انتفاضة ثورية لتصحح أوضاع أصحاب الدخول الصغيرة بعد الضريبة الموحدة على الدخل العام، وإلغاء نظام الضريبة التصاعدية.
عبقرية وزير المالية السابق، الذى اختفى من مصر بغير رجعة وهو على قيد الحياة، دمرت النظام الضريبى فى مصر بحجة القضاء على التهرب الضريبى..
بسلامته جعل ضريبة الدخل العام لا تزيد على العشرين فى المائة، فأصبح الموظف العام يتساوى مع التاجر ورجل الأعمال، فالموظف الذى يتقاضى دخلا شهريا ويقترب من الألفى جنيه يدفع عنها 400 جنيه ضرائب، لأن حصته فى الضريبة عشرون فى المائة..
الحصة نفسها يدفعها رجل الأعمال، الذى يتربح المليون جنيه، ولذلك كانت العدالة لا تعرف طريقها إلى محدودى الدخل.
الشىء نفسه مع الشركات الصغيرة، التى لا تحقق أرباحا، فشركة تحقق مائة ألف جنيه فى السنة تدفع عنها ضرائب تصل إلى 20 ألف جنيه، بصرف النظر عن عدد العاملين فيها أو التزاماتها، وهذا الرقم يمثل الضريبة العامة بخلاف العشرة فى المائة، التى تدفعها عن ضريبة المبيعات.. يعنى خراب من كله.
وهنا أحيل هذه القضية برمتها إلى الرجل الذى هبط علينا بعد ثورة 25 يناير ليعيد ترتيب البيت فى وزارة بيت المال.. وقد لمسنا فكرا متطورا عند الوزير سمير رضوان، الذى أبدى استياءه من الدخل العام، وكانت أولى القضايا التى تبناها هذا الرجل هى وضع لائحة للحد الأدنى للأجور بخلاف الأرقام التى وضعوها قبل الثورة.. الرجل يعرف أن الأجور فى مصر متدنية جدا، وأن هناك أسراً تتقاضى أجرا شهريا لا يزيد على المائتى جنيه، وهذا الرقم لا يكفى لمعيشة فرد.. فما بالك إذا كان هذا الفرد مسؤولا عن أسرة عندها أولاد فى مدارس.
اللجنة العامة للأجور رفعت الحد الأدنى، وجعلته لا يقل عن ستمائة جنيه، ومع ذلك أرجأت تنفيذ هذا القرار لإجراء دراسات أخرى بغرض تثبيته، أى ليس بغرض زيادته.. وكانت تصريحات اللجنة لتهدئة الرأى العام، الذى تفجر فى وقفات احتجاجية أمام مجلس الشعب ويومها أطل أعضاء المجلس برؤوسهم من سياراتهم، وكأنهم يقولون لهم: «هذا آخر ما نملكه».
كلنا نتذكر الوقفة الاحتجاجية لموظفى وموظفات إدارة المعلومات فى جهاز دعم القرار لمجلس الوزراء بالمحافظات، وعددهم يزيد على الخمسين ألفاً..
وقد اكتشف رئيس الحكومة فى ذاك الوقت أن هناك موظفين يتقاضون مائة جنيه فى الشهر!
وهذه القضية من القضايا التى نادت بها ثورة 25 يناير عندما تبنت قضية «العدالة الاجتماعية» بين أهدافها.
وأنا على ثقة بأن الوزير الدكتور سمير رضوان، الذى كان خبيرا فى منظمة العمل الدولية بجنيف يستطيع أن يفعل شيئا على اعتبار أنه يرفض أن تكون هذه الأرقام هى الحد الأدنى للأجور.
لكن السؤال.. متى وأين نسمع بهذه اللائحة حتى تمتد يده إلى الضريبة العامة وإلغاء نظام الضريبة الموحدة والعودة إلى نظام الضرائب التصاعدية؟
ما الذى يضير وزير المالية لو أجرى دراسة على جميع الشرائح بدءا من الموظف إلى التاجر إلى رجل الأعمال.. فى النهاية سيعرف جيدا أنه ليست هناك عدالة اجتماعية بين الشرائح الثلاث، وأن الذى يضار هو الموظف الصغير الذى يتساوى مع الشرائح الأخرى فى نسبة الضريبة العامة مع النسبة التى يتعامل بها التاجر أو رجل الأعمال.
لذلك أطالب الوزير بأن يسعد الشرائح الصغيرة بإعفائها من الضريبة العامة.. وفرض ضرائب تصاعدية تبدأ من الدخل العام السنوى للفرد، الذى تكون بدايته لا تقل عن 25 ألف جنيه سنويا.. أى كل من يتقاضى هذا الرقم سنويا يعفى من الضريبة العامة.. وما زاد على الخمسة والعشرين ألفاً فى السنة يخضع لشرائح ضريبية متدرجة.. تبدأ من 2% إلى 10% بالنسبة للموظف العام.. والتجار ورجال الأعمال تبدأ محاسبتهم بنسب متدرجة تبدأ من 10%، وتنتهى حتى 40%.. هم شخصيا لا يتضررون، لأن مصر فى هذه الفترة بالذات فى حاجة إلى جهود أبنائها سواء كانوا من دافعى الضرائب، أو من أصحاب الأعمال والأفكار، التى تساهم فى بناء هذا الوطن.
أقول رأيى هذا وأجرى على الله.. وما قدمته ما هو إلا اقتراحات.. صحيح أنها تحتاج إلى دراسات اقتصادية للتنفيذ وقد تكون لوزير المالية ورجاله أفكار أفضل على اعتبار أنهم هم الذين يقودون سفينة الاقتصاد لهذا البلد.. وفى جميع الأحوال هذه مرئيات مواطن.. يملك قلما وينقل به أوجاع الناس.. وعلى اعتبار أن صاحب القلم يعانى من هذه الأوجاع أيضا، وأن الكاتب مهما ارتفعت قيمة قلمه فدخله العام محدود، لأنه ليس لنا فى التجارة ولا فى البيزنس وليس عندنا أبواب نعرفها غير هذا الباب، والحمد لله.
لذلك أقول: ابدأوا فورا بالموظف وأصحاب الدخول التعبانة وأخرجونا من نظام الضريبة الموحدة.
صدقونى.. إن هذا النظام سيرفع عبئا يقع على أصحاب الدخول الصغيرة يوم أن يتمتعوا بالإعفاء الضريبى.. أو بالدخول فى شرائح متدنية غير ملتهبة كالتى يتعاملون بها الآن.
على أى حال.. أقول للدكتور سمير رضوان «اعقلها وتوكل»، فأنت تملك وجها يحمل نورانية من عند الله.. ومن الواضح أن الله- سبحانه وتعالى- اختصك بعقلية الأداء والتطوير.. يكفى أنك تتعامل بشفافية مع الغلابة، ولا تتعامل بخبث الذين سبقوك.
ghoneim-s@hotmail.com
http://www.almasryalyoum.com/en/node/425308